أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - القصة الكاملة للفتاةِ المُتعَبة هلا














المزيد.....

القصة الكاملة للفتاةِ المُتعَبة هلا


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6824 - 2021 / 2 / 25 - 10:55
المحور: الادب والفن
    


كانَ عددهم بالآلاف، أمهاتٌ، آباءٌ، أبناءٌ، اخوةٌ، أعمامٌ، أخوالٌ، أقرباء.. كبار، صغار، كانَ عددهم بالآلاف وكانت بينهم.
قالوا لها:
ـ لا نعرف، قد يكون واحداً منهم، عليكم الانتظار.

في نقطةِ التجمعِ التي اتفقت عليها الحكومة السورية مع الأطرافِ المعنية في العامِ الرابعِ من الحرب التي نشبت عام 2011 تحت مجموعة من المُسميات أطلقها الأعداء عليها بما ينسجمُ مع توجّهات كلّ طرف، كانوا في الموعدِ المقرر.
الجماعاتُ الإسلامية المُتطرفة التي سيطرت لأعوامٍ على منطقةِ دوما في دمشق العاصمة خسرت معركتها وقرّرت الانسحابَ وفقَ ضماناتٍ وتفاهمات تسمحُ لمن تبقى من عناصرها بالخروجِ مقابل الإفراجِ عن الرهائنِ الذين كانوا في قبضتها.
ادلهمت السماءُ بينما كانَ الوقتُ يمرّ ثقيلاً على الجميع.

فجأة، بدأ أحدهم يقرأ أسماءَ الناجين في خضمِ بحرٍ متلاطمٍ من النحيبِ والدموعِ وصراخِ الفرحةِ واللوعةِ والقهر.
حين انتهى القارئُ من تلاوةِ الأسماءِ لم يكن اسمُ والدها من بينهم.

في ذلك اليوم الشتائي الداكن، قبل انتصاف عقدها الثاني بثلاثة أعوام، أدركت هلا أنها أصبحت بلا أب.

قالوا لها كلاماً كثيراً عن كونه مفقوداً وليس (شهيداً) ويمكن أن يظهرَ في أية لحظة، لكن قلبها الصغير أخبرها الحقيقة.

الحكومة، إثر مدة لا تذكرها تماماً، وقبل أن تموتَ أمها بمرضٍ لعين. اعتبرته شهيداً.

هكذا، وجدت الفتاة هلا نفسها مع أختيها الصغيرتين، دون أهل.
***
يقولون:
ـ ثمّة يومٌ في حياةِ المرء.. يأتي فيجعلُ ما قبلهُ ليسَ كما بعده.

سألتها:

ـ ما هو أجرأ شيء قمتِ به في الحياة.

أجابت:

ـ بعد شهرين من حصولي على شهادة الحقوق، أصبحتُ راعية.

لم أستوعب الفكرة، أشعلتُ سيجارة وقلت:

ـ راعية بأي معنى؟هل تقصدين رعايتكِ لشقيقتيك!

لمحتُ عبر (الماسنجر) الذي يصلنا ابتسامةً شاحبة..

ـ لا أبداً رغم صحّة الافتراض..

أقصدُ أن أجرأ فعلٍ قمتُ به هو امتهاني للرعي.

ادّخرتُ بعضَ المالِ بمساعدةِ عمّي وتعويضِ أبي الشهيد واشتريتُ مجموعة من الأغنام رحتُ أرعاها وأتاجرُ بها.. لا أريدُ لأحدٍ أن يتصدّق علينا.

لامني الجميع وتعرّضتُ للتنمر.. لكنّي أفضلُ أن أموتَ جوعاً على مدّ يدي للآخرين.

سألتها إن كانت سمعت القصيدة التي غنتها فيروز (إلى راعية) لكنها لم تكن سمعت بها من قبل..

حاولتُ أن أرسلَ إليها الأغنية عبر الماسنجر لكن نسيت كم أنا أبلهٌ باستخدام الروابط فكتبت:

سوق القطيع إلى المراعي و أمضي إلى خضر البقاعِ
ملأ الضحى عينيكِ بالأطيافِ من رقصِ الشعاعِ
و تناثرت خصلات شعركِ للنسيماتِ السراعِ
سمراءُ يا أنشودة الغابات يا حلمَ المراعي

ربما أعجبتها الكلمات وربما لا.. كنتُ قادراً رغمَ الضبابِ الإلكتروني أن أرى شرودها ثمّ قالت:

ـ سارت الأمورُ بشكل جيدٍ نسبي، أربح حيناً وأخسر حيناً لكن في النهاية، اضطررتُ لبيعِ القطيع الذي أصبحَ مؤلفاً من تسعِ رؤوس غنم.

ـ ما الذي اضطركِ لبيعيها؟

سألتُ وأنا مرهقٌ من مجرّدِ الاستماعِ لكلّ هذا الكمِّ من القهرِ والبؤسِ فما بالكم بمن عاشهُ لحظة بلحظة..

ـ الفشل الكلوي الذي أصاب شقيقتي الصغرى.

لا أستطيع التخلي عنها.. والموضوع يحتاج لكثير من المال..

ـ هل تقصدين زراعة الكلية؟

ـ ابتسمت ساخرة.. وقالت:

ـ لا نستطيعُ مجرّدَ التفكيرِ بالزراعة.. تكلفتها بين الأربعين والمئة مليون ليرة..

أتحدثُ عن معاينات الأطباءِ والأدوية.. أما غسيلُ الدم فيتمّ في المشفى الحكومي.

غسيل الدم.. عملية في يدِ المريضِ كي تبقى الشرايينُ مفتوحة عبر أنبوبٍ يُغلق إثر عمليةِ الغسل..

التمدّدُ لأربعِ ساعاتٍ على سريرٍ بجوار جهازِ الغسيل..

الأملاحُ والبولُ اللذان يتراكمان في الدم .. انتفاخات القدمين والآلام التي تحفر في القلب...

ـ هل تتواصلين مع جمعيات خيرية أو مع الدولة كي تتكفل بعملية الزراعة لأختك.. في النهاية هي ابنة شهيد؟!

ـ تواصلتُ مع جمعية البستان قبل أشهر.. أخذوا رقم الهاتف وحتى الآن لم يكلمني أحد..

ـ لماذا تخبريني بكلّ ذلك؟

ربما كي تكتبَ قصتي.. أنا متعبة جداً

يقولون:

ـ ثمّة يوم.. يأتي فيجعلُ ما قبله ليس كما بعده..

أليس كذلك!

الإهداء:

إلى هلا التي كابدت ما لا يجب أن يكابده أحد
أتمنى لك الخير والفرج يا صديقتي



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فوقَ أرضِ الذاكرة
- سفينةٌ شراعية صغيرة
- آخرُ صورةٍ للأصدقاءِ في دمشق
- رحلة صيدٍ غير واضحةِ المَعَالِم
- لن أعضَّ شفتيكِ.. كثيراً
- لهجةٌ ريفيّة غامضة
- أيّامٌ في البدروسية
- برفقةِ السجّان
- عبرَ ذلك القميص الحريريِّ الأحمر
- أرجوك... استيقظ
- هكذا جبتُ السِّنين
- كانت أياماً تُعاش
- قبل قليل كان سيقتلني الملل
- قالت لنفسها
- حينَ ماتَ ذلكَ الجندي
- لأنّكِ تُكمِّلينني
- وكان الضوء أسرع كما في كل مرة
- الحلوة صاحبة الصورة
- حكاية رجلٍ آلي
- وحدهُ صوت الريح كان يهدر في ذلك المساء


المزيد.....




- المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل ...
- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...
- إبراهيم زولي يقدّم -ما وراء الأغلفة-: ثلاثون عملاً خالداً يع ...
- النسخة الروسية من رواية -الشوك والقرنفل- تصف السنوار بـ-جنرا ...
- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما
- سعد الدين شاهين شاعرا للأطفال
- -جوايا اكتشاف-.. إطلاق أغنية فيلم -ضي- بصوت -الكينج- محمد من ...
- رشيد بنزين والوجه الإنساني للضحايا: القراءة فعل مقاومة والمُ ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - القصة الكاملة للفتاةِ المُتعَبة هلا