أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي الجنابي - الصمتُ الناطق














المزيد.....

الصمتُ الناطق


علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)


الحوار المتمدن-العدد: 6813 - 2021 / 2 / 13 - 11:00
المحور: الادب والفن
    


كان المساءُ الأخيرمن سفرةٍ الى "إستانبول".
تلك مدينةٌ يُعقد إرتباطها من سحرِ وعفَّةِ شرقٍ خجولٍ، ويوقدُ إنضباطها من ظهر وضفّةِ غربٍ مجبول.
مدينةٌ أزقتُها أوحت ليَ من اول نظرةٍ وبفضول، بأنّ الإسلامَ هو سيدُ الغربِ والشرق، ولا سيّدَ سواه لو إستقامَ أهله على الطريقة والتزموا الأصول،
ولم يسقطوا في شراكِ كلَّ فكرٍ مرتجفٍ ومشلول،
ولم يهبطوا -رغباً من عند انفسهم-على مدارج النغمِ والترنّحِ ونقر الطبول .
في ذاك المساء وحيث ستقلع طائرتي في الثالثة ليلاً الى بغدادَ في موعدٍ مأمول. تناثرَ رفقاءُ رحلتي لتجوال ختاميٍّ في إستانبول،
تجوالٌ حتى الواحدة ليلاً - وبِنهَمٍ منهم هائمٍ مخبول! ولهم الحقُّ، فما رأت أعينُهم خارج ديارهم من قبلُ مدينةً سوى "إستانبول".
بيد أني إرتأيتُ إعتكافاً صامتاً في مقهى الفندق، فالنفسُ تواقةً لما في الصمت من كنوزٍ وحلول.
صعدتُ الى المقهى الذي صُمِّمَ بإبداعٍ هندسيٍّ ذوّاقٍ ملموسٍ ومبذول، على سطح الفندق وعلى هيئة مربعٍ من زجاج لتلهوَ الأفئدة معه وتسهوَ العقول،
فجعلوهُ يطلّ على ذانك المضيق ويعانق جسره المعلق المفتول.
البالُ والحالُ كانا متكئينِ إلى الخلف مسترخيين على بارِ في المقهى آسرٍ غير مأهول، ثم دنت فَخِذاي على بعضٍ ليمتطيَ الفخذُ أخيه الفخذ بتذللٍ محمول، وتدلّتِ الأطراف تتمايلُ على هونٍ كرقصةٍ في بندولٍ.
الجو بنسماتِ ربيعٍ بديعٍ، والصمتُ صيبٌ مُكَرَّمٌ هنا والنطقُ عيبٌ مٌحَرَّمُ ومعلول .
إعتكفت مُتَسَمِّراً في مقعدي من الثالثة عصرا حتى الواحدة ليلا بفكرٍعما حواليه ناءٍ ومفصول، كتمثالِ برونزٍ شاخصٍ ببصرهِ صوب بحرٍ فضيٍّ صامتٍ مصقول،
ومسترجعاً خطىً لسنين عمرٍ لاهثةً وكانت أيامه لاهيةً وتصول. إستجلبتُ كل الخطى : حلوها ومرّها، ثقيلها و خفيفها, الملوثُ منها والطاهر المغسول .
كم كنتُ بحاجةٍ لجلسةِ تغسلُ الذاتَ في فضاءٍ صامتٍ خافتٍ معزول، فتفوزَ بفكرٍ نقيٍّ ماكنت لأقطفَ ثماره من قراطيس قراتُها بتأفّفٍ أو خمول، ولا من وعظٍ سمعته من عمامةٍ بتآلفٍ أو ذبول.
كانت خلوةٌ نادرةً، ما خُطِّطَ لها، وماكنت لأحلم بمثلها أن أنول، فالمقهى خلا من كلِّ زبونٍ إلا أياي وبحراً هادئاً وشجراً على تلول، وكأنّ البحر والشجر شعروا بحاجتي لصمتٍ مُقفَلٍ فمنعوا سواي الى المقهى من دخول. ثمَّ..
شانَ الصمتُ ولوجَِ أربعة سيّاحٍ ألمان الى المقهى وبانَ على صمتي الأفول، وولّت عنه تغريداته شطرَ ماحوله من حقول.
كان ولوج الألمان(رجلان ومثلهما نساء) ولوجاً غير مُرَحّبٍ ولا مأمول. خشيتٌ من ولوجهم على صمتي أن يتلاشى أو يحول.
إختارَوا مائدةً لعشائهم أسفل مني بذراعٍ أو يطول، وحيث كانت منصتي تعلوهم ولعلّها قد تقيني مما في لغوهم من سيول.
توجستُ من أن يسألوني مشاركتهم بحديثٍ مكررٍ مهمول، ولم أكُ مستعداً لتشكيلِ حديثِ مجاملاتٍ مستهلكٍ جاهزٍ معسول، ولا لإجهدَ فكري في إنتزاع مفرداتٍ (إنجليزية) إرضاءً لهم أو لكائن من كان في صمتيَ المقتول،
رغم يقيني ببعدِ الألمان خاصةً عن كل إحتكاكٍ مبتذلٍ موصول، ثم إلتزامِهم بأدب الذوق في تواصلٍ مهذبٍ مغزول. كان القومُ يتنازعون حديثهم بينهم بهمسٍ متأنٍ غير عجول.
تناسيتهم تماما إلا من نظرةٍ خاطفة أو إثنتين أُختلسَتهما بفضول. هم فعلوا أكثر منهما وكانت نظراتهم تغزوني كل حينٍ كرسول.
رقّاصُ ساعتيَ الآن على التاسعة مساءً، وأراه منهمكاً بغزوه للزمان وبغزوهِ مبتهجٌ ومشغول.
دفع الألمان حسابهم فنهضوا فأقبلوا جميعا بتجحفلٍ محفول، نحو منصتي لينحنيَ بين يديّ كبيرُهم -وزوجُهُ تردفُهُ- بتحيةٍ مبالغٍ فيها وبودٍّ وإمتنانٍ معمول!
أومات براسي رداً لركوعهم بإبتسامةٍِ من وجهٍ أليفٍ مؤتلفٍ غير مجهول.
أبداً، أنا ما فوجئتُ بتحيتِهم ولقد تنبأتُ متيقناً أنهم فاعلوها بإعتزاز وذهول.
ولكن لم فعلوها؟
لا أدري وعجزَ فكري أن يبينَ لكم الأمر وحجز ذكري عن ذاكَ السرِّ أن يقول !....
ربما ذلكَ هو ما يُدعى بين الناسِ : (الصمت الناطق)؟
ربّما؟



#علي_الجنابي (هاشتاغ)       Ali_._El-ganabi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هجاءُ الأخِلّاء
- زفرةٌ معَ أبي العَتاهية
- تَفصيلٌ‮ لرحلَتي‮ حَجٍّ‮ غَيرِ مبرورٍ
- طُرفةُ صَديقتي الخَالة
- * إتيكيتُ ذي السيجارةِ *
- القُدسُ!
- أَفَحقاً يَتَعامَلُ الإلهُ بالآجل؟
- ( رأسُ الشهرةِ : فسحةُ شاشةٍ )
- (نصف سي سي)
- *القصفُ : سَأَلَنِي فطَأطَأتُ بِلا جَوَاب! *
- أفحقّاً يتعاملُ إلهُنا ب (الرِّشوة) !
- *وإذ نحنُ حَولَ مائِدَتِنا قُعودٌ*
- كيلا تَخلُوَ الأكمامُ مِن ثَمَراتِها
- (وَكُلٌّ مُغرَمٌ بِلَيلَاهُ يَاحَمدَانَ)!
- *حقائق الخطى*
- ** حدقة السعادة **
- -خدودُ البرتقالةِ المفقودة-
- المسيو-ماكرون- وجدّتي المُدام:-نونة-
- * حبيبتي : إنتِصار*
- حتى أنت يازول!


المزيد.....




- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...
- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- وصمة الدم... لا الطُهر قصة قصيرة من الأدب النسوي
- حي المِسكيّة الدمشقي عبق الورق وأوجاع الحاضر
- لا تفوت أحداث مشوقة.. موعد الحلقة 195 من قيامة عثمان الموسم ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي الجنابي - الصمتُ الناطق