أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى علوان - المُجرَّد والمَلموس















المزيد.....

المُجرَّد والمَلموس


يحيى علوان

الحوار المتمدن-العدد: 6809 - 2021 / 2 / 8 - 16:51
المحور: الادب والفن
    


لأُمّي ، أمينةُ أسراري .. ألقَتْ آخر نظرةٍ
على أحلامِ بِكرها .. لم ترَني منذ 42 عاماً ،
ماتَتْ بحسرة رؤيتي !

ماذا تفعلُ خلالَ قطيعتين ..
حَجْرٌ في المستشفى ، وحَجْرُ كورونا ؟
تَتَسمّعُ موسيقى ، تقراُ .. ثمَّ تستريح ،
فتروحُ تُقَلِّبُ ذاكرتكَ .. أوراقاً قديمةً ورسائلَ لم تُبعث ..

" أخشى العفويَّةَ ، ليس لأنني أُخطِّطُ لكل شيء .. وأريدُ كل شيءٍ تحتَ سيطرتي !
إنما لأنَّ العفويةَ قد تدفع إلى السطحِ ما هو عابرٌ ، غير أصيل " رولان بارت
فمن أجلِ أنْ نستحضر ذاكرة شيءٍ ما ، نحتاجُ إلى صوَرٍ تدعم ما نفكر به ونجعله
قابلاً للسرد . ذلك أنَّ الذاكرة الفوتوغرافية تقدّمُ الدلالة البصريّة لعملية التذكُّر ،
التي بدورها تكون قابلة للإستخدام في التواصل ... إلخ
[العين الرائية هي ما يُحرّكُ الذاكرة . فمن يمتلك "عيناً مُبصرةً" يمكنه أن يستنهضَ
ذاكرته ويُحييها .. وإلاّ ستظلُّ نظرةً جامدةً ، تُحملِقُ في الموضوع ، عاجزةً عن كشفِ
التنوع الحيوي المُخبّأ في الذاكرة ...] إنغه بورغ باخمان ( البصيرُ يستحضرُ الذاكرة من
خلال تحفيزٍ أشدُّ كثافةً لبقية الحواس .. السمع واللمس والشم والتذوق ..ي.ع )

2
كلّ صباحٍ ، قبلَ الفطور ، أُصبّحُ عليها بالخير ..
مُسرعاً أَمُرُّ على صورتها المشنوقة فوقَ الحائطِ ،
أَتَحاشى ما فيها من نظرةِ إشفاقٍ ..
وعتابٍ يُوشكُ أنْ يتدحرَجَ من شفتيها ..
أقولُ لها " لكِ ما تبقّى من روزنامةِ الكونِ ، وأنت هناك ،
تَعِبتُ مثلَ حصانٍ عائدٍ من معركةٍ خاسرة .. "
آهٍ ، كمْ تَسلّقنا ، ولمْ نَزعج نومَ الجبال !
دُرتُ حولَ الشمس ، حتى دخْتُ ،
بمزماري عزَفتُ لكلِّ التائهينَ خلفَ الضباب ،
نَبَشتُ مدافِنَ الهواء .. أَبحثُ عنكِ ،
بين الغيوم ضَيّعتُ مراكبي ،
إلعنيني ، كما تشائين ..
قد ضاقَ بي جَسَدي حنيناً لحُضنكِ ،
والنفسُ إستفاضتْ رِقَّةً ثكلى ..
فأفسحي للقلب قبراً في تُرابك ..
سأقطعُ العمرَ إليكِ ، وفي يدي كأسُ الفراغِ ،
وفي الكأسِ دَمعة !
3
مَنْ ذا أسرَفَ في مِنفاخِ الريحِ ..؟
أَجَّجَ الغبارَ فّجُنَّ في الصدورِ الرَبْوُ ؟!!
.....................
كانت أُمي تَنقُشُ الدمعَ ،
تَنتِفُ الصوفَ وتحوكُ غَزْلَ غَيبتي ،
تسقي وردَ ذكرايَ ..
بقلبٍ مهجورٍ مثل بئرٍ جفَّ ماؤه .. إمتلأ بالوحشة ، فأتسعَ صداه !
فيما كنتُ أُفَلسفُ خَساراتي وجراحي باسماً ..
هيَ مَنْ حاكَتْ بلوزَ الصوف لي وإنتظرت ..
لكنها مَرِضَتْ من خيبةِ الأمل : "المُحاربُ" لمْ يَعُدْ ، ولن يعود ..
لَنْ يعود .. لنْ يعود !
.........................
لمّا أَزل وسط الزحامِ ، أَركضُ على الطريق ، كي لا يتهاوى ظلّي ،
فالطُرُقاتُ أكَلَتْ أَقدامَنا ، وما زِلتُ أحَدّقُ في وَشمَ الظلال ..
أحلَمُ بضوءٍ في زحام الظلامْ ..
4
أُمّاه .. مثلكم كُنّا ،
إذا إنهمَرَ القصفُ ، وعَربَدتِ السماء ، نَتلو أنفاسَنا ،
......................
نَجَوتُ ونَجوتِ ،
كذلك الضَجَرُ ، هو الآخرُ نَجَا بجلده ،
لم يسقطْ جثة على رصيفِ ما فاتَ من حروبٍ .. وما سيأتي !!
لكن علينا أنْ نَحترِسَ للمرّاتِ التاليات ..
لأنَّ القذيفةَ الذكيَّةَ لِصَّةٌ ماهرةٌ !
فإقفلي الأبوابَ والشبابيكَ ..
وإقفلي جَسَدَكِ جيداً !
كي لا تُغري طلقةً لامعة بتقديمِ موعدِ القيامة ..!
فتشطُبَ العناقَ ساعةَ نلتقي !!

5
لمْ تكنْ عاقِراً ،
دَحرَجَتْ لهذه الدنيا ستةَ رؤوس !
كانت لا تنسى الصلاةَ في مواقيتها ..
أواخر الليلِ ، لمّا تنامُ ، تَبتَهِلُ كي تراني أعودُ سالماً !
مثلَ الخُلدِ كنتُ أُفتِّشُ عن ثَقبٍ في هذه الدنيا ،
لأهرَبَ منها إلى فضاءٍ مُنوَّرٍ ..
......................
غَفَرتُ لها ولادَتي ، يومَ لَفَّتِني بفوطةٍ من النصائحِ :
"كنْ نَظيفَ اليدِ واللسان ، مُستقيماً .. حتى في أَحزانك" !
رَمَتِني بأجنحةً رخوةٍ في عالمٍ لا يعرف الرحمة ...
إمتثَلتُ فكانَتْ أوَّل السيفِ رقابُنا ،
وآخرُ الغروبِ حَشرجاتنا ..
وما نَدِمنا !!
.......................
أَتدرينَ يا أُمّاه ..؟!
رأيتُ كثيراً ، وقَرَأتُ ما تَيسَّرَ لي ،
سَئمتُ الهيامَ بتجريدات ، تَتَنكّرُ لأصلها .. الملموسات !
وحينَ إمتثَلتُ لضميري ولحريَّتي ، إِنسحَبتُ من المهرجان ،
صِرتُ أعزفُ تقاسيمي لوحدي ، وأُغنّي "صولو" ..
لكنْ ما صَفَّقَ لي أَحدٌ !
أنا الملموسُ ، لا المُجرَّد !
أَكانَ علَيَّ أَنْ أموتَ كي يُصفِّقوا ؟!!
أم أَنْ أخونَ فيرجمونني ضميراً إنفصلَ عن واو الجماعةِ كبعيرِ "طَرَفَة " ؟!!
6
أُمّاهُ ، خبّأتُ لكِ حكاياتٍ كثيرةً ، كنتُ سأَقصَّها عليك ،
لو لَمْ تستعجلِ الرحيل !
........................
أَحبَبتُ ، توَلَّهتُ وعشقتُ كثيراً ، لكنني لمْ أَغدُ خبيراً في الحبِّ ..!
بَقيتُ غُرّاً .. تُغويني إبتسامةٌ ،
يُتوّهُني نَهدٌ بَضٌّ ، ناهضٌ ..
تُربِكُني غَمزَةٌ ، أَحمَرُّ لها خجلاً ..
فأنا لمْ اُفطمْ بعدُ عن الحب ، يا أُمي !
تُكهربُني لَمسَةُ أُنثى .. يَرتَجُّ لها جَسَدي ،
يَرتَجفُ السريرِ لها ، كرفيفِ عصفور ..
وكلَّما هدّني العِشقُ هَوَيتُ أَصرخُ بينَ نَهدين بشفاهٍ مُشرعَة ..
أُفرّطُ الضوضاءَ قُبلَة ، قُبلة !
........................
إنْ كنتُ نسيتُ كثيراً ، فما زِلتُ أَحفَظُ عن غيبٍ كلَّ الرعشاتِ ،
وشوشات الوسائد .. وعطورها ..
كَتمتُها ، كما يَتَخفّى تحتَ الصخرِ يُنبوع !
.......................
.......................
أربعةُ عقودٍ نُرضعُ الأمل .. ولمْ أنتبه !
أربَعَةُ عقودٍ مَرَّتْ ولم نلتقِ ،
رنَّ التلفونُ باكراً !
تطلَّعتُ من الشباك .. رماداً كانَ الفجرُ ،
أحسستُ بلسعةٍ في القلب ..
فعرِفتُ : " ماتَتْ أُمّي "،
أَلقَتْ آخر نظرةٍ / حسرة على غَيبَتي ..
رَحَلَتْ ، هادئةً دون وداع ،
كأنها ستعودُ بعد قليل ، لنُكمِلَ الحكاية !!



#يحيى_علوان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُنوّعات
- دمعة .. صَرخَةُ أَخرَسٍ من أجلِ وطن !
- إذا كانت الثقافةُ نِعمَة ، فأنَّ الجهالة نِقمَة !
- أَما عادَ في الناسِ مَنْ يَعقِلُ هذا الأَدرَصْ ؟!
- إعلان
- لَوْ (2)
- خواطر مُبعثرة
- ومضاتٌ شَقِيَّة 3
- ومضاتٌ شَقِيَّة 2
- ومضاتٌ شَقِيَّة
- تداعياتُ يــومٍ ماطـــر
- لَـــوْ...
- النزولُ من قمة التفاؤل ، قد يكون أنفع !
- إذا لــم ...على النظــام أن يرحل ويختار شعباً آخــر !!
- - عُقوق- ؟!
- رسالة فاتَ أوانها !
- شذراتٌ متناثرة
- أينَ ذَهَبَ الغَجَر.. ؟!
- شمهودة
- عبد الرزاق الصافي* رحلَ في الزمن الخطأ ...


المزيد.....




- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...
- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- وصمة الدم... لا الطُهر قصة قصيرة من الأدب النسوي
- حي المِسكيّة الدمشقي عبق الورق وأوجاع الحاضر
- لا تفوت أحداث مشوقة.. موعد الحلقة 195 من قيامة عثمان الموسم ...
- أزمة فيلم -أحمد وأحمد-.. الأكشن السهل والكوميديا المتكررة
- بي بي سي أمام أزمتي -والاس- و-وثائقي غزة-... هل تنجح في تجاو ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى علوان - المُجرَّد والمَلموس