أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - المعارضة















المزيد.....


المعارضة


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 6807 - 2021 / 2 / 6 - 18:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المعارضة هي الانسان ، لأنها لصيقة به ، ولأنه من دون انسان لن تكون هناك معارضة اطلاقا .. لذا فالمعارضة هي من صنع الانسان ، وليس أي انسان ، بل الانسان المتميز ، العاقل الذي يقرا التفاصيل ، ويحلل الجزئيات ، ويستنبط المعنى بين السطور... ليخلص الى النتيجة التي تكون هي اصل معارضة ما .. لنظام ما ...
واعتبار المعارضة فعل انساني او بشري ، هو تمرد آدم المعارض ، على أوامر وتعليمات الله سلطة الجبر ، والتحكم ، وفرض الإرادة على مخلوقاته .. ، عندما تمرد على الامر الإلاهي بعدم اكل التفاحة ، فأكلها ، فعاقبه الله السلطة ، حين اخرجه من الجنة الى النار المناقضة لها ، التي هي الأرض التي يصول فيها ويجول لوحده الشيطان الرجيم ...
وحتى عندما عارض قابيل وهابيل بعضهما البعض ، وقتل احدهما الاخر ليظفر بالثروة التي هي اختهما ، مثلما تقتل الأنظمة والحكام الجشعين الغير ، للظفر لوحدها بالثروة ، وبالجاه ، والحكم .. ولحسن حظ قابيل ان غرابا ارشده الى طريقة وكيفية دفن أخيه ، بخلاف الأنظمة التي لا تحتاج الى غراب ، ولا الى خفاش ، يرشدها لدفن ضحاياها الذين تزهق ارواحهم في دهاليز بولسها الفاشي ، وجهازها السلطوي القروسطوي ... المقابر الجماعية عند كل الانتفاضات ، وفي الصحراء موجودة بلا حسيب وبلا رقيب ..
ان المعارضة التي تتكون من معارضين ، فهي تتكون من بشر من طينة الملاحظ ، والناقد ، والرافض ، والمقترح للبديل ، والباحث عن وسائل إيصال الفكرة او خدمة المشروع .. ، وكيفما كانت هذه الوسائل ، فهي تبقى مشروعة حين يتغول عنف النظام الذي يبسط يديه على الجميع ، بدون مراعاة الحق في الاختلاف الذي يبقى حقا طبيعيا ، ويبقى اختيارا تمليه الإرادة ، وكل القيم الديمقراطية .. فلا يعقل القول او الاعتقاد ، انّ النظام صائب عاقل ، وغيره شارد خارج دائرة النضج والإتزان ، وصواب اتخاذ القرار ....
اذا عدنا لبحث ظاهرة المعارضة ، وتاريخها ، ومسلسلاتها في المغرب ، فالمعارضة كانت قبل استقلال " إيكس ليبان " ، وهي ترجع الى غداة الاختلاف في التفكير في الهمّ الوطني ، الذي يجب ان تكون عليه البلاد بعد الاستقلال ... وهنا نذكر بمعارضة حزب الشورى والاستقلال لمحمد بن الحسن الوزاني لحزب الاستقلال ، والتي وصلت بتصفيات دار بريشة ... كما نذكر بالمعارضة البرجوازية الصغيرة التي بدأت في التبلور ، والتشكل ، والتعبير عن ذاتها بنوع من التمايز منذ سنة 1947 ، وستتطور لتصل الى مرحلة 6 شتنبر 1959 ، التي ستؤسس لمعارضة توزعت مطالبها بين ، الملكية البرلمانية ، وبين الجمهورية البرلمانية العربية ، كما ستعرف الساحة معارضة جذرية مثلها اليسار الجديد ، ومعارضة إصلاحية تركز على التغيير مع النظام ، ومن داخل النظام التي جسدها مؤتمر يناير 1975 ، دون ان ننسى المعارضة الإسلامية التي تجسدت في نفس الفترة ، ضد المعارضات المذكورة أعلاه ، وضد النظام الذي وصفوه بأقبح ، واشد الاوصاف ، والنعوت ، لكنها وكغيرها من المعارضات الاخريات ، لم تكن تسب ولا تشم ، لكنها تنتقد الانتقاد السياسي ، والأيديولوجي ، والعقائدي العنيف ، الغير مجرم بمقتضى القانون الجنائي ، لأنها تعابير سياسية لطبقة سياسية ، ولم تكن تعابير سوقية و زنقوية ..
واذْ حددنا تاريخ المعارضة الى فترة النضال ضد الإدارة الكلونيالية ، والى حصول المغرب على استقلال " إيكس ليبان " ، الذي فرش للخونة الذين خدموا الكلونيال بالسيطرة على المغرب ، وبحماية ورعاية الاستعمار الفرنسي الذي خرج من النفادة ورجع من الباب ، فلان تلك المعارضة اخذت لها تسميات شتى ، وتأثرت بالموجات السياسية التي حصلت بالبلاد العربية ، التي نجحت فيها البرجوازية الوطنية بالسيطرة على الحكم بانقلابات عسكرية ، ورفعت شعارات باسم فلسطين ، دغدغة العقل العربي الهجين الذي كان عاطفيا بامتياز، وكان سريع الانبهار والاعجاب ، بالخطابات التي تؤصل للدكتاتورية التي تحولت الى دكتاتورية عائلية معادية للشعب ، الذي استولت على الحكم باسمه ، وباسم فلسطين التي وظفها في قمع المعارضة العربية ، وقمع احتجاجات الشعوب العربية ... ، ورغم القمع ، والقتل ، والتنكيل ، وكل أساليب البطش ... ، كان عندما يموت الدكتاتور الحاكم ، كانت الشعوب العربية المازوشية تنسى بسرعة معذبها ، ومهينها ، ومذلها ، ومُجوّعها .. ، فكانت تخرج في مجموعات هستيرية تبكي ، وتندب موت الزعيم قاهرها ، ومنها من حج لتوديع الزعيم على الارجل من مدينة بعيدة الى العاصمة ، ومنها من انتحر لموت الزعيم الذي اذله ، وافقره ، وتسبب في تدمير بلاده التي ما حررت فلسطين ، لكن اجتاحتها جحافل الجيوش الصهيونية التي الحقت بالحكام العرب ، وبالشعوب العربية الذلة ، والاهانة ، وعرت عن حقيقتهم امام العالم ، كدكتاتوريين متخصصين في النهب ، وفي الافتراس ، وفي الانبطاح والركوع لعواصم الاستعمار العالمي ..
لكن ما هي الأسس التي أثرت وكانت سابقة في التأثير على المعارضة ؟ وهل المعارضة التي بدأت تتحضر منذ سنة 1947 لاستلام الحكم ، هي اول معارضة في التاريخ الحديث ؟
المعارضة في المغرب لم تبدأ مع مرحلة الكلونيال الفرنسي ، ولا الاسباني بالمغرب ، بل يرجع تاريخ المعارضة التي هي معارضة الشعب المغربي ، الى ما قبل دخول فرنسا الى المغرب ، بناء على اتفاقية الخيانة " الحماية " في سنة 1912 ، التي وقعها السلطان عبدالحفيظ ، بعد ان ابعد اخيه عن الحكم ..
ان المعارضة التي كانت اصل كل التغييرات التي ستنتهي بمعاهدة الخيانة " الحماية " ، يرجع تاريخها الى ما قبل دخول الكيان الكلونيالي الفرنسي الى المغرب ، وهي فترة سابقة عن سنة 1912 بكثير ، بل انها كانت سابقة عن الثورة الروسية في سنة 1917 ، وسابقة عن الثورة الصينية في سنة 1949 الشيوعيتين .... انها الحرب التي كانت تخوضها القبائل البربرية بالأطلس المتوسط ، وبالأطلس الكبير ، وبالريف ، وبمنطقة جبالة ... وهنا فان هذه الثورات ، ومنها ثورة جبالة بزعامة الثائر الجيلالي الروگي المكنى ب " بوحمارة " ، كانت ثورات جمهورية ضد النظام السلطاني بفاس ، وكانت تجري بمناطق وبلاد الثوار التي كانوا يسمونها ببلاد " السيبة " ، لأنها كانت خارج الحكم السلطاني الذي اشتط كما اليوم ، في فرض الضرائب المجحفة ، ومصادرتها بالقوة ، وبالتحايل على القانون .. فمعاهدة الحماية كانت ترمي الى تسليم المغرب الى فرنسا ، مقابل ضمان حماية السلطان والحكم ، من ثورة ثوار القبائل المذكورة .. وقد لعب فصيل من البرجوازية التقليدية بزعامة علال الفاسي منذ نهاية العشرينات ، الى جانب النظام السلطاني ، وفرنسا ، واسبانيا في اقبار هذه الثورات التي مثلها جيش التحرير كامتداد لها ..، و التي ابهرت العالم ، وكانت تهدد مناطق كثيرة بالمغرب ، كما كانت تهدد الفاسيين وكل الطبقات المتحالفة مع النظام ، كما كانت تهدد فرنسا واسبانيا ، خاصة عند هزيمة الجمهورية الريفية ... وهذه الكيانات المتحالفة ، النظام ، وآل الفاسي بزعامة علال الفاسي ، وفرنسا ، واسبانيا هم من تحالفوا لضرب جيش التحرير في المؤامرة المعروفة ب " المكنسة " او " شْطابة " ، وسميت بمؤامرة " إيكوفيون " ..
اذن المعارضة الثورية المغربية في نهاية القرن التاسع عشر ، وبداية القرن العشرين ، هي التي أسست لطبيعة المعارضة التي تشكلت ضد النظام منذ سنة 1947 ، وهي التي دفعت السلطان الى الاستنجاد بالأجنبي لقهر الشعب ، وهي التي ستفرش لفشل البرجوازية الصغيرة في استلام الحكم بعد استقلال " إيكس ليبان " ، بخلاف سيطرة البرجوازية الجزائرية التي خاضت حرب التحرير على الحكم غداة استقلال 1962 ....
كل المعارضة المغربية التي تشكلت عبر التاريخ ، لم تكن فقط معارضة ضد النظام القائم ، او كانت ضد دولته .. ، لكنها ومن خلال الاجتهاد في الفقه السياسي ، والدستوري ، والنظم السياسية ، أصبحت معارضة داخلية بين أبناء نفس التنظيم ، وهم هنا قد يكونون عبارة عن جماعات متساكنة ، لكنها ليست كلها منسجمة .. ، كما كانت قد تكون معارضة بين تنظيمات مختلفة ، بسبب اختلاف المصالح ، ووجهات النظر المُصوّبة لأصحاب القرار السياسي في الدولة ... فكانت الاختلافات على اشدها عند الاستحقاقات ، وعلاقتها بمستقبل النظام ( مؤامرة 8 مارس 1983 )، كما كان معارضات ، وليس معارضة واحدة داخل نفس التنظيم ،بخصوص المواقف التي يجب ان تعبر عن المصالح المتناقضة ، وارتباط كل من هذه المواقف ، ومن داخل نفس التنظيم مع الحكم ..
وعند تصفحنا لنوع المعارضات السياسية والمصلحية ، وليس الإيديولوجية داخل نفس التنظيم ، وهنا نشير انه حتى يناير 1975 ، وباستثناء اليسار الجديد ، كانت جميع الاحزاب تفتقر الى الأيديولوجية ، والى النظرية ، والى المسالة التنظيمية الثورية ، لان هذه الأحزاب ، أي الثورية ، هي من كانوا يولون للمسالة التنظيمية اهمية فائقة . يقول لينين " ان المسالة التنظيمية هي شكل التوسط بين النظرية والممارسة " ، ويقول ستالين " لا يمكن فصل المسائل السياسية ميكانيكيا عن المسألة التنظيم " ، والمفكر الفرنسي أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسية موريس دوفرجيه ، يعرف الحزب حزبا اذا توفرت فيه ثلاثة شروط او أعمدة هي ، الأيديولوجية ، والتنظيم ، والأعضاء الحزبيون ... فالحزب الذي يفتقر الى احد هذه الشروط او الاعمدة ، كان يعتبر فقط مجرد جماعة سياسية ، او جماعة ضغط ، ولم يكن يعتبر حزبا بالمصطلح السياسي التعريفي للحزب ... ورغم ان شباب اليوم الماركسي او المتمركس ، يردد جملة " لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية " ، فهو يجهل انّ من ركز على هذه القاعدة التي اصحبت متجاوزة اليوم ، لموت النظريات ، ولموت الايديلوجية ، كان هو الأستاذ الخطابي المدعو حمامة من منظمة 23 مارس ، قبل ان يتحول الى منظمة الى الامام ، ويتوفى لاجئا سياسيا في الجزائر بين سنتي 1969 و 1970 ، كما ابدع في هذه القاعدة ، الأستاذ لحبيب الطالب من منظمة 23 مارس ، قبل تجربة " منظمة العمل الديمقراطي الشعبي " ، وتجربة " الحزب الاشتراكي " وذوبان هذا في " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " ، حين كان يصف " الاتحاد الوطني " بحزب التجربة ، وليس بحزب النظرية . فكان يصفه بما يلي " لا نظرية نظريته والتجريبية ممارسته " ، وهو هنا يشير الى الهبّة المسلحة في 16 يوليوز 1963 ، وبعدها سيتم تعميم المصطلح على الاتحاد الاشتراكي بعد الهبة المسلحة في 3 مارس 1973 ... ورفع " حركة لنخدم الشعب " الماوية ، شعار الالتحاق بالثوار في الجبال ، لنصرة الثورة التي بدأت مسلحة رغم انها فشلت من دون اطلاق رصاصة واحدة .. والسؤال . هل كان هؤلاء الثوار يجهلون طائرات النظام التي بإمكانها ان تدك الجبال القاحلة ، وان تحرق الجبال الغابوية فوق رؤوس أصحابها ..
وبالرجوع الى المعارضات الغير المتجانسة ، والغير المنسجمة داخل الأحزاب التي كانت تمارس المعارضة في اوجهها الإصلاحية ، والراديكالية ، وحتى الثورية ، سنجد ان داخل كل تنظيم ، كانت هناك مجموعات مرتبطة بأشخاص ، او بإطارات ، لكن لا علاقة تنظيمية ثورية ، او أيديولوجية ، او عقائدية تجمع بينهم ... فكان داخل الحزب جماعة ترتبط بشخص نقابي وبنقابة ( الاموي و " س د ط Cdt " )، كانت هناك جماعة ترتبط باسم مستشار الملك محمد السادس عبداللطيف المانوني ، جماعة أخرى ترتبط بشخص عبدالرحيم بوعبيد ، وأخرى ترتبط بعمر بنجلون ، وجماعة أخرى خاصة من الطلاب ترتبط بالفقيه محمد البصري في فصيل " رفاق الشهداء/ رفاق المهدي وعمر " ، وأخرى ترتبط بمحمد اليازغي ، وأخرى بالأستاذ محمد جسوس... لكن انّ اكبر جماعة في الحزب ، واعضاءها ممثلين ، ومتواجدين بالجماعات الاخريات ، يتحركون عند الإشارة ، هي طابور القصر ، وطابور وزارة الداخلية دخل تنظيمات الحزب ... وما لم يكن معروفا انّ وزارة الداخلية رغم انها وزارة القصر ، لكنها كانت تحرص ان يكون لها ممثلين وعملاء الى جانب عملاء القصر ... وهذا كان يُهدَف منه ، من جانب المشاركة في احتكار المعلومة ، ومن جهة استعمال العملاء عند صدور الامر لهم ، بالتحرك لضبط الوضع التنظيمي ، والتفريش لصناعة تحالفات متناقضة داخل نفس التنظيم ، للحفاظ على سلطة القرار ، او على الأقل المشاركة فيها ..
كما ان عملاء وزارة الداخلية في الأحزاب ، كانوا يتحركون بالسرعة القصوى ، عندما يلاحظون ميل الزعيم الحزبي مثلا الى جانب القصر ، وهذا يعتبرونه نوعا من التمرد ، او من الجري لنوع من الاستقلالية عن الأجهزة الأمنية لوزارة الداخلية ... وهذا الصراع سيظهر بالمكشوف في وسط التجمع الوطني للأحرار، عندما بدا احمد عصمان يتجاوز وزارة الداخلية بالعمل مباشرة مع مخابرات الديوان الملكي ، فأخرجت وزارة الداخلية من جب الاحرار " الحزب الوطني الديمقراطي " ( المرحوم عبدالله القادري ) ، ونفس الشيء عند تهميش تيار انوال لصالح تيار الأساتذة عبدالله ساعف وعيسى الورديغي المحسوبين على وزارة الداخلية ... وهؤلاء وبتوجيه من الوزارة ، سيلعبون دورا رئيسيا في تقسيم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ( عصابة فندق حسان المملوك لمحمد السادس ) ، كما سيظهر عند دفع عميل وزارة الداخلية التهامي لخياري عند تأسيس " جبهة القوى الديمقراطية " ، بسبب شروع ميل علي يعته للتعامل مع القصر بدل وزارة الداخلية ..
المعارضة التي أصبحت مؤذلجة بعد يناير 1975 ، وباستثناء اليسار الجديد الماركسي ، تتركز معارضتها على الإصلاحات السياسية مع النظام ، ومن داخل النظام ، لا من خارجه ، وهي هنا تخلق معارضة من داخل التنظيم او الحزب ، ظلت متمسكة بالثوابت الحزبية ، وبالتاريخ ، وبتموقع الحركة داخل النسيج النضالي الاممي ، وخاصة الانصهار الكامل في الدفاع عن القضية الفلسطينية ، وهي معارضة رغم انها لم تقطع مع الفوقية للقفز على الحكم ، ولم تقطع ولا طلقت برنامجها الذي كان يعتمد على التغيير بالتشارك مع الجيش ، فجل مناضليها او اغلبيتهم ، سيصبحون معارضين لهذه المعارضة التي اعتبروها انتحارية ، إضافة الى معارضتهم لدعاة الإصلاح مع النظام ، ومن داخل النظام .. ، سينقلبون بعد مراجعات عديدة ، وسينتقلون الى الموقع الفاشل الذي دمر أصحابه عندما نجح النظام من تغييرهم ، وجعلهم مرتبطين به ، ومعولين عليه ، لا العكس كما كان حتى النصل الثاني من الثمانينات فترة المجابهة الاصلاحوية للاصلاحويين للنظام ، الذي اطعمهم من مأكول وهم برلمانيين بالبرلمان ، او وزراء بدون مهمة ، لان من يحكم الملك ، والملك وحده ، لا غيره ...
بعد الإفلاس المدوي لجميع المعارضات الاصلاحوية ، وفي خضم الصراع الرخوي بين الاصلاحويين وبين النظام ، بخصوص الدعوة للالتزام بالممارسة الديمقراطية ، والحال ان الدستور ناطق بما فيه ، ولا يحتاج الى شرح او تأويل ، حتى ابتكر الحسن الثاني الذي كان مولعا بالأحزاب ، وبالمجال السياسي ، معارضة سماها بالمعارضة " البناءة " ، وواصل تطبيق بنود دستوره الذي يعطيه مشروعية ، وسبْق ، وافضلية ، على دعوات الاصلاحويين ، حتى عندما دب اليأس في النفوس ، وفطن الجمع للمزايا المهددة بالتلاشي خارج الحكومة والبرلمان ، حتى عاد الغاضبون الى البرلمان ، ليواصلوا استهلاك نفس شعارات المعارضة ، التي كانت شعارات من انتاج وإخراج ، طابور القصر، وطابور وزارة الداخلية داخل الحزب .. واعتقد ان اكبر مثال عن تقاسم القصر ووزارة الداخلية لطابور الدولة داخل حزب ( القوات الشعبية ) ، انه في المؤتمر الخامس الذي انعقد بعد المسرحية الانسحاب من البرلمان ... ، اعطي الحسن الثاني أوامره المطاعة الى عبدالرحيم بوعبيد ، ليتم تعيين عميلين له وبالمكشوف في المكتب السياسي ، هما فنح الله ولعلو ، وعبدالواحد الراضي ... ولإسكات الشبيبة التي كانت مخترقة ، ولشل أي معارضة داخلية قد تصبح تنظيمية ( التلويح بالانشقاق ) ، ادخل عبدالرحيم بوعبيد محمد نوبير الاموي الى المكتب السياسي ...
ان الفرق بين معارضة الامس التي كان بها مثقفون كبار، الى جانب رهط مسيطر تابع للمخابرات الديوان الملكي ، ولوزارة الداخلية ، ومنهم من كان تابعا للجنرال احمد الدليمي كالمحامي عبد الحميد القاسمي الاتحادي السابق ، والفاروقي .. وبين معارضة اليوم دعاة الملكية البرلمانية على الطريقة المغربية ، ان معارضة الامس ، كانت حقا تمثل الوجه الحقيقي للبرجوازية الصغيرة ، وما فوق الصغيرة ، والمتوسطة ، وما فوق المتوسطة التي كانت تؤثر على الشارع ، وتضبط كل حركاته ، رغم انها كانت محدودة ومحاصرة ، لان هذه الطبقات هي من وقفت وراء كل الانتفاضات الشعبية التي حصلت بالمغرب من انتفاضة 23 مارس 1965 ، الى انتفاضة 9 يونيو 1981 ، ويناير 1984 ، وفاس 1990 ... أي انها كانت تتمركز بين النظام ، وبين الشعب ، والطبقة الوسطى ...
اما اليوم ، فرغم ان معارضة أصحاب الملكية البرلمانية على الطريقة المغربية ، قد فكوا كل ارتباط مع الماضي ، سواء ماضي الاتحاد الراديكالي ، او ماضي اليسار الجديد الماركسي ، ففراغ الساحة التي ملئتها الحركات والتنظيمات الأصولية ، وتراجع فيه التثقيف السياسي الذي كان شائعا خلال منتصف الستينات والسبعينات .... ، فان رفع شعارات الدعوة الى المشاركة في الانتخابات لن يجني منه أصحابه غير التهميش ، وافتقاد دائرة الفعل المؤثرة في الساحة الفارغة ، بحيث اذا كان الاولون الذين آمن بعضهم بإصلاح النظام مع الملك وبجوار الملك ، في حين لعب طابور المخابرات داخل الأجهزة ، الدور الأساسي في اقناع المغفلين الذين كانوا يتصرفون عن حسن نية بخطاب اصلاح النظام ، مع الملك وبجوار الملك ، قد دفعوا بالحزب الى النهاية المأساوية ، اللهم لا شماتة مع ادريس لشكر .. ، فان الاعتقاد بإصلاح النظام من الداخل ، ومع النظام ، هو حلم يجعل من أصحابه كمعارضة إصلاحية ، تنَظّر خارج زمان ومكان الواقع الطافح ، والذي لا يقبل أي تأويل على غرار يناير 1975 ، الذي كان وراءه الحسن الثاني شخصيا ، من جهة لإنجاح الانتخابات التشريعية التي بسببها تمت تصفية عمر بنجلون ، وانتهى الامر بتفرد القصر بتعيين عبدالواحد الراضي وفتح الله ولعلو في المكتب السياسي للحزب ، ودور وزارة الداخلية في تعيين العديد من رؤساء الكتابات الإقليمية بالمدن الكبرى ... أي ان الحزب وقبل المؤتمر الخامس وبعده ، هو حزب الدولة بامتياز ...
فهل معارضة اليوم تسير الى نفس النتيجة التي وصلت اليها الى معارضة الامس ... وهل تجهل معارضة اليوم الإصلاحية ، سيطرت الأحزاب والتنظيمات الاسلاموية ، على الساحة ... وهل نسي هؤلاء النتائج التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة ، والتي وصلت 125 مقعدا لم يحصل عليها أي حزب في تاريخ الاستحقاقات التشريعية بالمغرب ....
ان اية مشاركة في الانتخابات ، تعني القبول بلعب دور المنفذ والمنزل لبرنامج الملك ، الذي يتسابق الجميع لخدمته ، وليس تنفيذ البرنامج الانتخابي الذي تقدم على أساسه الحزب الى الاستحقاق، ووعد به الناخبين الذين صوتوا عليه ... فهل تقبل المعارضة الجديدة ان يصبح دورها مِعولا وآلية لخدمة القصر ، وانْ دخلت الى البرلمان او الحكومة ، لن يتعدى دورهم منصب الموظفون السامون .... والدستور المحدد للسلطات واضح ، وعقد البيعة الذي يمنح الملك كإمام ، وراعي كبير ، وسلطان ، وامير ، سلطات استثنائية ، مسلط كسيف دمقليس على رقاب الديمقراطيين الحقيقيين ، واضح كذلك ..
ما يسجل لهذه المعارضة سواء الأولون او اللاحقون ، انهم سجلوا مواقف وطنية مشرفة من الدفاع عن حوزة التراب الوطني ، وعلى راسه قضية الصحراء المغربية ... ولم يسبق لحزب من الأحزاب باستثناء تجربة منظمة الى الامام ، ان تنكر لمغربية الصحراء ، او حتى شكك في ذلك ... بل ان الكثير من منظمة الى الامام اعترفوا بالخطأ المقترف وتراجعوا عنه ، واصلحوا المواقف عند انضمامهم الى مؤسسات الدولة كمدافعين عن الصحراء ... وهم هنا يختلفون مع نوع المعارضة التي تسمى اليوم معارضة ، وهي معارضة ليست تنظيمية ، وليست إيديولوجية ، ولا عقائدية ... معارضة تنشط خارج المغرب ، تعترف بالجمهورية الصحراوية ، وترفض مغربيتها ، ليس كل هذا بدافع أيديولوجي ، او مبدئي ، او بسبب اقتناع بالتاريخ الذي ينطق بمغربية الصحراء ، او بسبب القرارات الأممية لمجلس الامن الذي تعد عطبا مقصودا يحول دون تطبيقها ... بل ان مواقفهم هذه هي بسبب النظام الذي اعتدى عليهم في وقت من الأوقات ، ورفض انصافهم ، ظانين ومعتقدين ان بموقفهم هذا سيسرعون بإسقاط النظام ، رغم انهم يتحركون كأشخاص ، وليس كتنظيميين ، كما انهم يجتهدون في ترديد كلمة الجمهورية دون تحديد مكانيزمات العمل ، وآليات الوصول الى الجمهورية ... وحتى ان فرضنا جدلا ان الناس سمعت لهم ، واستجابت ، ونزلت الى الساحات العمومية للاعتصام ، او لإعلان العصيان المدني .. فان اقل ما سيتحقق لن يتعدى . امّا انْ يتحول الانزال الغير منظم ، والغير المنضبط ، والغير متحكم فيه ، الى اناركية ستدمر البنيان على رؤوس العباد ، لكن دون ان تصل الى قلب النظام الذي سيقضي على الإنكارية في ظرف وجيز ، لأنها مرفوضة وغير منظمة ، وسيكون مدعما في ذلك من قبل أصدقائه الاوربيين والامريكان ، لان لا احد سيقبل بسقوط النظام في المغرب بطريقة الاناركية لتقديم خدمة الى جنرالات الجزائر على طبق من ذهب.. وامّا ، وهذا هو المتوقع خاصة بعد القضاء على الاناركية التي سيدينها الرعيا الملتصقين بأمتعتهم ، وبمكاسبهم البسيطة التي لن يفرطوا فيها ، لان المغربي المسكين يفضل العيش على رأس ابرة ، او رأس منجل على ان يموت ، ويوارى التراب ، سيرفعون شعارات : عاش سيدنا ، عاااااااااااش سيدنا ، عااااش الملك .... عاااااااش الصحراء المغربية ، عااااااااش الدستور ، عااااش المخزن .... لان الذي سيفعل في مثل هذا السيناريو هو سيادة الجهل وانعدام الثقافة والوعي .... بل ان هذه الشعارات التي يجب التأكد من حصولها ، ستردد ربما حتى قبل ان يتحرك الأناركيون المغربيون ، لان خطورة الاناركية المغربية ، اقبح من الاناركية الاوربية ، والأمريكية بسبب الجهل ... أي الفتنة التي هي اشد من القتل ..
فهل كل من ردد الصحراء ليست مغربية ، ومن دون حمولة قانونية ، او تاريخية ، او أيديولوجية ... هو جمهوري معارض ؟ ومنذ متى كانت معارضة نظام تتم على حساب وحدة الأرض ، ووحدة الشعب ، والمغرب العظيم ..
كان من المقبول تفهم موقف هؤلاء ، لو انهم كمنظمة الى الامام ، انطلقوا في بطلانهم مغربية الصحراء ، الى المبادئ ، والقناعات التاريخية والشعبية .. فمنظمة الى الامام حتى في عز انتقادها للنظام لم يسبق ان سبت أحدا او شتمت اخرا .. لكنها كانت منساقة وراء الدغمائية التي كانت موضة العصر في سبعينات القرن الماضي .. فالكل يتذكر أيلول الأسود ، بادر ما ينهوف الذي قتلهم المستشار هلموت شميت في زنازنهم ، الالوية الحمراء ، العمل المباشر ، الجيش الأحمر ، توبامارووس ، الدرب المضيء ، فراباندو مارتي للتحرير الوطني ... لخ لكن الجميع كان يشتغل على أساس المبادئ والفلسفة ...
كما ان المنظمة وهي في عز تشبثها تشبث العجائز بشعار تقرير المصير في الصحراء ، لم يسبق ان ارتمت في حضن النظام الجزائري باستثناء برقية التهنئة للشادلي بنجديد ، ولم يسبق ان مدحت وبجلت النظام الجزائري على حساب الشعب المغربي والأرض المغربية ... فماذا يفرق هؤلاء عن النظام الذين يدعون محاربته عندما يعترف الجميع بالجمهورية الصحراوية ... هم يعترفون بالجمهورية عبر ابواق وسائل الاعلام الجزائرية المخابراتية ، والنظام اعترف بالجمهورية الصحراوية في سنة 2016 ، ونشر اعترافه بها في يناير 2017 في جريدته الرسمية عدد 6539 ....
المعارضة مبادئ واخلاق ... وفي قضية الصحراء امّا ان تكون مغربيا وحدويا ، وامّا ان تكون بوقا جزائريا مخابراتيا ... فليس هناك " نص نص " لأننا نحن لا نشرب القهوة الرديئة نص نص ....
ان معارضة النظام لا تعني معارضة مغربية الصحراء ، ومعارضة وحدة الشعب ، ووحدة الأرض ، والمغرب القوي العظيم ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يحضر للصحراء ؟ - وثيقة عقيدة الاتحاد الافريقي - ..
- هل ستندلع حرب امريكية ، اسرائيلية ، ايرانية ؟
- توزيع وتشتيت سجناء حراك الريف الستة
- المناضل الديمقراطي
- المؤامرة الكبرى ضد الشعب المغربي
- ماذا تريد جبهة البوليساريو ؟
- حين يصبح رئيس أكبر دولة في العالم ، بلطجي شمْكارْ -- السقوط ...
- هل رفعت اجهزة البوليس المغربي ، دعوى محلية ، ضد مغاربة معارض ...
- الديمقراطية
- الدولة العميقة والحكومة العميقة -- من يحكم ؟
- هل اذل النظام المخزني سعد الدين العثماني ؟
- نزاع الصحراء ألعوبة أممية
- - ماذا تريد منّي يا محمد السادس - . البوليس الفاشي والجهاز ا ...
- فرض سيادة الشعب
- هل كان اعتراف دونالد ترامب بمغربية الصحراء الغربية ، فخ سقط ...
- الجهاز البوليسي والسلطوي في المغرب
- مغاربة يعارضون مغربية الصحراء
- هل تسحب موريتانية اعترافها بالجمهورية الصحراوية ؟
- الوساطة الموريتانية
- - اللجنة التأسيسية المعارضة للنظام الملكي بامريكا -


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - المعارضة