أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - مغاربة يعارضون مغربية الصحراء















المزيد.....



مغاربة يعارضون مغربية الصحراء


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 6752 - 2020 / 12 / 4 - 21:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما طُرح نزاع الصحراء الغربية المغربية ، انبرت العديد من القوى السياسية في تحديد مواقفها بشأن النزاع . واذا كانت جل الأحزاب والتنظيمات المعارضة للنظام ، وقفت وراء النظام في تبني مواقفه في الدفاع عن الصحراء ، فان قوى سياسية أخرى وقفت مواقف متباينة من النزاع حين اصطفت ضد شعار مغربية الصحراء ..
اذا كانت معارضة السبعينات الماركسية قد بنت معارضتها لمغربية الصحراء على مبادئ أيديولوجية ، كالاعتراف بحق تقرير المصير كما قال به لينين ، فإنها راهنت على معارضتها لمغربية الصحراء ، من اجل تأزيم وضعية النظام الى اقصى حد ممكن للقضاء عليه ، وهنا لا ننسى أطروحة البؤرة الثورية في الصحراء كتناقض مع النظام الملكي قصد قلبه ..
لكن منذ متى كان التنكر لوحدة المغرب ترابا وشعبا ، نضالا لقلب النظام ؟
وكيف فهْم هذه المعادلة الخاطئة في انّ عدم الاعتراف بمغربية الصحراء ، هو نضال جذري يسهل تقريب بناء الجمهورية الديمقراطية الشعبية ؟
فما العلاقة بين النضال ضد مغربية الصحراء والنضال ضد النظام ؟
ومنذ متى كانت معارضة النظام تقتضي التنكر لوحدة الأرض والشعب ؟ مع العلم ان حتى التبرير الإيديولوجي الذي قال به لينين لا ينسجم اطلاقا مع الحالة المغربية ، لان الصحراء تم استرجاعها من قبل استعمار اجنبي اسباني ، وأصبحت بعد ذلك جزءا من التراب الوطني ، وهذا يجعل من تقرير المصير الذي روّج له اليسار الماركسي بمثابة حق يراد به باطل ..
اذا كانت منظمة 23 مارس وباستثناء بيان 1974 مع منظمة الى الامام، قد ناصرت أطروحة مغربية الصحراء ، وبما فيها تأييد اتفاقية مدريد الثلاثية ، فان الامر بالنسبة لمنظمة الى الامام يكون قد تغير عمّا ساد الفكر اليساري طيلة السبعينات ، والثمانينات ، وحتى النصف الأول من التسعينات ، لان شعار تقرير المصير تردده جماعات صُغيّرة لا اثر لها يذكر في الساحة السياسية ، ووسط الشعب الجاهل بما يدور في الصحراء .. فأصبحت الغلبة للوطنية التي تتشبث بمغربية الصحراء وراء كل مواقف النظام ، حتى وانْ كانت في كثير منها ضد مغربية الصحراء ..
فهل يمكن اعتبار نزاع الصحراء هو المدخل الرئيسي والاساسي لقلب نظام الحكم في المغرب ؟
اذا كان أصحاب البؤرة الثورية قد فشلوا في كل تنظيراتهم التي كانت طوباوية ، تنهل من النظرية ومن الأيديولوجية ، ولا تنهل من التاريخ والجغرافية ، فان معارضي اليوم لأطروحة مغربية الصحراء ، لا تنهل من ثقل رصيد أيديولوجي او نظري ، ولا ترقى الى معارضة سياسية واقعية لمغربية الصحراء ، لكنها تنبع من كره شديد شخصي للملك محمد السادس ، و منه لنظامه الذي يصفونه بكل اشكال النعوت ، للحط من حجمه ولتصغيره ، معتقدين ان في قضية الصحراء يكمن الخلاص المبين لنظام مستعصي عن السقوط رغم ظلمه وتفقيره للشعب .. أي وبخلاف المعارضة الأيديولوجية والنظرية لمغربية الصحراء ، فمعارضة اليوم لمغربية الصحراء ، هي فقط نكاية بالملك ، وبالنظام ، بل هناك اجماع طبيعي متوافق عليه لا اراديا بين هؤلاء ، هو التشبث بأي شيء يؤرق ويزعج النظام ، ويخلق له مشاكل ، حتى وهُم مقتنعون ان مثل هذه المعارضة للنظام باستعمال قضية الصحراء ، هي فاشلة من أساسها .. لأنه ليس من وراءها قاعدة شعبية هي في حقيقتها ملتصقة بمغربية الصحراء . ومن ثم فمن خلال هذا الاعتقاد الراسخ في الذاكرة الشعبية ، يصبح الملك ونظامه في قضية الصحراء ، رمزا للأمان وللوحدة ، ويصبح محررا ، وثوريا ، ويتم ربط الحاضر والمستقبل به لا بغيره ، طالما انه يحافظ على وحدة الأرض ، ووحدة الشعب ، أي يحافظ على المغرب القوي صاحب التاريخ و الحضارات ..

ومرة أخرى هل معارضة مغربية الصحراء هي المدخل الأساسي لقلب النظام ، وتعويضه بنظام الجمهورية .. ، واية جمهورية ، وكيف يمكن الوصول اليها ، لان معارضي مغربية الصحراء اليوم هم مجرد اشخاص عاديين ، مبعثرين ، ومتفرقين ، ولا شكل تنظيمي او سياسي ، ولا أقول أيديولوجي يجمع بينهم .. بل تسود بينهم العداوة والبغضاء ، بسبب الذاتية وفرض الشخصية ، وليس بسبب الاختلافات المذهبية التي سادت معارضة السبعينات والثمانينات ..
اذا كان اليسار الماركسي قد فشل في كل تنظيراته ، فكيف سينجح اشخاص متفرقين ولا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة ، في ما فشلت فيه منظمات سابقة .. وهنا هل يمكن اعتبار مشكل الصحراء المفتعل عاملا مسهلا لإسقاط النظام ، ام هو في الحقيقية يعتبر عاملا يقوي النظام اكثر ، ويزيد في توسيع شعبيته رغم كرهه للشعب ورغم تفقيره له ...
نعم ان نزاع الصراح هو سلاح ذو حذين . فمن جهة قد يسبب في اسقاط النظام ان تم تدبيره بشكل سيء ، وأصبحت الصحراء برمالها الشاسعة هي من يزحف نحو المغرب ، وليس العكس . ومن جهة ، فان مشكل الصحراء قد يقوي النظام ومنه الدولة ، كلما وظف النظام الصراع في افق تقويته ، لان الصحراء تصبح حاجبا وواقيا ضد اية محاولة للسقوط ..
عندما اشتدت المعارضة الراديكالية في سبعينات القرن الماضي ، ومنْ قبْل في الستينات ، حيث كان رأس النظام هو المطلوب ، فكان هناك الجمهوريون ، ولكل جمهوري جمهوريته الخاصة به ، من جمهوريي الجمهوريات العربية ، الى جمهوريي الديمقراطية الشعبية ، استعمل النظام قضية الصحراء للقفز على التناقض الأساسي الذي كان لبّه الحكم ، الى التناقض الثانوي الذي اصبح فقط اقتسام الحكم ، ثم الى اندماج الجميع في مشاريع النظام ، للحفاظ على الدولة التي وفرت لهم امتيازات متنوعة ، كانت سببا في بث الانشقاقات والتفرقة في صفوف الاثنين ، ومكنت النظام ان يتحول وفي رمشة عين في اعين من كانوا يتربصون به ، من عدو رئيسي الى عدو ثانوي ، وانتهت بالاصطفاف وراءه باعتباره محررا ورمزا للوحدة ...
فالصحراء لعبت دورا رئيسيا في تجنيب نظام الحسن الثاني السقوط ، الذي ساهم فيه حتى الجيش من خلال الانقلابين العسكريين في سنة 1971 و 1972 ، إضافة الى المحاولة الفاشلة للجنرال احمد الدليمي التي تم اجهاضها حتى قبل ان تبلغ دورتها الطبيعية كاملة ..
ان طرح قضية الصحراء في بداية السبعينات رغم العلل التي رافقت طرحها ، بسبب أخطاء لا يزال المغرب يعاني منها الى اليوم ، مثل تقسيم الصحراء مع موريتانية ، ومثل ترك الثلث من الأراضي الذي تسيطر عليه البوليساريو بدعوى انها مناطق محررة ، في حين انها مناطق عازلة يجب ان تكون خالية من السلاح ، ومن العسكريين ، وتخضع للقانون الدولي ... ، قد مكن النظام من تجاوز كل تناقضاته الأساسية والثانوية ، ومكنه ولأول مرة من قاعدة شعبية مهمة ، لم يكن يتصورها بتلك الطريقة السريعة التي افرزت العدو الأساسي ، الذي هو معارضي مغربية الصحراء ، وعلى راسهم بدرجة أولى النظام الجزائري ، ودول المعسكر الاشتراكي قبل سقوطه .. وحتى نذهب بعيدا في تحليل دور الصحراء في تثبيت النظام المغربي وتقويته ، واستعمالها كحاجب وواقي امان ، لكل الاخطار التي يمكن ان تسبب في سقوط النظام ، والمقصود هنا النظام المغربي ، وحتى النظام الجزائري الذي تورط في مشكل ليس من السهولة الخروج منه دون تأدية الثمن ، لان الصراع من اجل الصحراء هو صراع وجود قبل ان يكون صراع حدود ، سنتناول الموضوع من الزوايا التالية :
1 ) توظيف القضايا الوطنية ضد مصالح الشعب الجاهل بكل ما يجري بالمنطقة :
عندما يصبح الصراع والنزاع وطنيا ، وانْ بمسميات شتى ، يغيب التناقض الأساسي ، ليحل محله الذوبان الشعبي في المشروع الرئيسي للنظام ضمن الدولة الحاكمة .. هكذا يتم تغييب الحقوق والمطالب الاجتماعية ، وتتصاعد مطالب التضحية والتنافس في هذه التضحية ، لان الوطن مهدد رغم ان النظام اللاّشعبي اللاّديمقراطي هو المهدد في وجوده .
فلو اخذنا مثالا ساطعا على الطريقة التي تلعب بها المشاكل الوطنية ضد مصالح الشعب العليا ، لكان مثال سياسة الملكية في الصحراء خير مثال، لأنها من وجهة النظام لم تعالج كمشكلة وطنية ، بل كمشكلة نظام حكم مهدد بالسقوط ، وهي في جانبها الديماغوجي اكبر من جانبها التثويري .. كما اعتبرت من جهة أخرى ، مناسبة لترتيب مجموعة معقدة من الصراعات مع البلدان المجاورة ، فكانت بذلك اسفينا يدق بين شعبها الواحد ، بدل ان يكون جسرا يعاد عليه طرح القضايا الهامة والرئيسية ، وحتى الاستراتيجية ، التي لعبت جملة من الظروف في السابق دورا أساسيا في عدم طرحها ، او طرحها بطريقة مغلوطة ومخربة ، أي تعطيل كل المطالب السياسية والاجتماعية الملحة ..وهذه التوجهات هي نفسها توجهات النظام الجزائري الذي يختلف عن النظام المغربي فقط في الاسم ... جمهورية / ملكية ، أي الأطراف المشتبكة في نزاع الصحراء ..
بادئ ذي بدئ ، عندما كان هناك نهوض شعبي ثوري في منطقة المغرب ، وكان وضع الملكية مقلقا ومهددا بالسقوط ، طلب الحسن الثاني من الاستعماريين الاسبان ، عدم الانسحاب من الصحراء ، ورجاهم البقاء فيها حتى لا تسجل عملية استعادت الصحراء ، على الحكومة التي تراسها عبد الله إبراهيم عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية .
وعندما طرح في أوساط السبعينات الموضوع مجددا ، طرحه من منظور توطيد وضع الحكم ، بعد سلسلة من الانقلابات والانتفاضات الشعبية ، وليس من منظار حل مشكلة وطنية ، أي ان الصحراء اعتبرت أداة لتقوية مواقع الملكية والاقطاع المساند لها ، وبابا تتسلل منه موازين القوى الغربية الجديدة ، بدل ان تطرح في اطار استراتيجية تحررية جوهرها التبعية للخارج ، وبالتالي الاستناد الى برنامج تطويري في الداخل ، يعتمد على أوسع قاعدة شعبية ، تحررية ، عريضة .
والحقيقة ان هذا الطرح ، افقد المسالة الوطنية وجهها الوطني الأصيل ، الذي كان لها في فترة النهوض الشعبي الثوري ، أي قبل خيانة " إيكوفيون " ، او ما يسمى بخيانة " المكنسة " ، التي تحالف فيها النظام الملكي ، والامبريالية الفرنسية ، والفاشية الاسبانية للجنرال الفاشي " فرانكو " ، ضد جيش التحرير المغربي بالجنوب ..فهذا الطرح لم يخدم في شيء القضية الوطنية ، بل اساء لها ، وحولها الى " قناة صرف " للتناقض الداخلي بين الشعب ، والحكم المستند الى الاقطاع ..
وبديهي ان التكتيك الذي رُسم لمعركة كهذه ، كان العدو الأساسي فيها هو الشعب ، وليس الاستعمار والامبريالية ، فكان يعمل على تطويلها بعد حلها ، وعلى تشعيبها بدل حصرها وحسمها . كما كان ولا يزال يقوم على دمجها في اطار السياسة الامبريالية الفرنسية والأمريكية ، بدل انتزاعها من هذا الاطار ، ولهذا بدأت المشكلة دولية ، ولم تأخذ حتى الآن طابعها الوطني الغالب ... فمجلس الامن لا يزال يصدر القرارات بشان النزاع ، ونفس الشيء بالنسبة للجمعية العامة للأمم المتحدة ، والاتحاد الأوربي ، ومحكمة العدل الاوربية ..
إذا ما رجعنا التاريخ ، وجدنا ان خطط القوى الخارجية ، كانت منذ هزيمة قرطاج على روما ، تقوم على أسس قلما تغيرت ، وانْ كان أصابها بعض التطوير ، منها :
1 ) الاستيلاء على رؤوس الجسور على الشاطئ ، وتحويلها الى مراكز تحشد قادرة على قمع الداخل ، والى مراكز نهب للداخل .
2 ) إدخال وتوطيد سلطة الاقطاع في كل واجهة المغرب العربي الكبير .
3 ) افتعال الاقتتال والتناقض بين مكونات المغرب العربي الكبير .
4 ) ربط شرائح من المغرب بالمصالح الخارجية ، إما عن طريق المركز الاجتماعي ، او عن طريق لغة القوة الخارجية ، او عن طريق اعتناق دياناتها ( وهذان يتيحان الدخول في جهاز ادارتها والتمتع بقسم من الامتيازات المتاحة لها ) .
باختصار ، ان هذه الشروط والاسس المعتمدة على التجزئة السياسية والنظام الاقطاعي ، والارتباط بالخارج الذي يصاحبه اكبر قدر من التناقض بين الوحدات السياسية في الداخل ، لا يزال الاستعمار والامبريالية يعتمدها ، مع بعض التطوير ، الذي أصاب الدولة بشكل خاص .
في شروط كهذه ، تتحول اية مشكلة الى مادة متفجرة بين الكيانات السياسية ، خاصة عندما تغيب الحركة الشعبية الواحدة ، وتصبح عاملا من عوامل تقوية هذه الكيانات ، خاصة حين تحل في اطار اللعب الخارجي ، وتفصل عن مقوماتها الذاتية التي تجعلها عنصرا من عناصر تقوية الداخلي ضد الخارجي .
ففي هذا الاطار عملت الرجعية المغربية ولا تزال ، " لحل " مشكلة الصحراء ، أي لتعقيد مشاكل المغرب العربي الكبير ، ويزيد الامر سوءا انّ هذه السياسة الرجعية ، فرضت نفسها حتى الآن على القوى السياسية التي كانت تملك تصورا مغايرا لها ، وتناضل وفق برنامج يختلف عنها .
ومما يؤسف له ان القضية اختصرت ومسخت الى مستوى فظيع ، انصب باسره على المسالة التالية : الصحراء مغربية ، ويجب ان ندعم جهود الحكم لاسترجاعها وللمحافظة عليها ، بينما المسالة هي في الحقيقة : الصحراء مغربية وعربية ، ويجب ان نحول المعركة من اجل استردادها ، الى معركة لإضعاف الاقطاع ، وسلطته ، ولإسقاطها ، و اسقاط كل مشاكل المغرب العربي الكبير .
ان أحدا لا يشك بان الصحراء هي جزء من المغرب ، ولكن الشكوك تدور حول تحول هذه القضية الوطنية الهامة ، من رافعة بأيدي قوى التغيير ، الى أداة بيد الحكم والاقطاع ، والقوى الامبريالية المساندة لهما ، في ذبح الشعب المغربي ، والحركة الوطنية التقدمية ، على قارعة طريق الصحراء في مغربها والمغرب في صحراءه ..
2 ) انعكاسات قضية الصحراء في المغرب العربي :
مرت السياسة التي مارسها الحكم المغربي في قضية الصحراء بثلاث مراحل ، قبل ان نصل الى مرحلة الحكم الذاتي في سنة 2007 ، والى الاعتراف بالجمهورية الصحراوية في يناير 2017 ..
ا – مرحلة أولى دولية ، وضعت فيها أسس المشكلة ، بالاتفاق بين النظام المخزني / الملكي ، والقوى الخارجية ، أمريكا ، فرنسا ، واسبانية ..
ب – مرحلة ثانية داخلية ، فرضت فيها الاستراتيجية الخارجية / المخزنية على القوى السياسية الداخلية ، واستخدمت لترتيب أوضاع الحكم المتهالكة .
ج – مرحلة ثالثة لا نزال فيها ، تعود المشكلة من جديد لتبرز في اطار الصراع الدولي والاستراتيجيات الخارجية ، ولكن على أرضية داخلية المبادرة فيها بيد الحكم وحده ، في ساحة فارغة من الأحزاب التي تحولت الى صدفيات فارغة ، تطبل لما يقرره الحكم لا غير ..
ففي المرحلة الثانية ، كان المخزن يتحدث طوال الوقت ، عن مشكلة وطنية لا يمكن ان يقبل حلا لها الاّ في اطار الاندماج الوطني المغربي . والآن في المرحلة الجديدة ، تطرح القضية مجددا كقضية ، لا بد ان تتضمن تسويات وحلولا وسطى ، بحجة المتغيرات الدولية ، وموازين القوى الجديدة ، وبرغم ان الدول الكبرى دخلت الى ساحة الصراع ، من باب الصحراء الذي يرى المخزن الآن انه باب لن يغلق الا بموافقة الخارج ، أي ان الجانب الوطني من المشكلة صار محلا للعب السياسي ، وللأخذ والعطاء ، وهنا تأتي مبادرة الحكم الذاتي في سنة 2007 ، ويأتي اعتراف النظام اعترافا صريحا بالجمهورية الصحراوية في يناير 2017 المنشور في جريدته الرسمية .
يقتضي الانصاف والإخلاص للحقيقة ان نقول هنا ، انّ هذه السياسة ما كانت قابلة للتنفيذ بالطريقة التي نفذت بها ، لولا الدور السلبي الذي لعبه الطرح الانفصالي بمختلف مكوناته ، الذي شكل خدمة كبيرة لصالح الملكية والاقطاع ..
لقد كان ما يسمى بالبوليساريو ، ان تعتبر نفسها جزءا لا يتجزأ من حركة الشعب المغربي المعارضة ، وان تطالب بالتالي بمغرب ديمقراطي حقيقي ، بدل ان تتلاعب بأخطار دولة كاراكوزية " اشتراكية – ديمقراطية " ، تفتقر لسائر المقومات التي تجعل من كيان سياسي كيانا سياسيا بلا اصل .
ان الجزائر دفعت ثمنا كبيرا لسياستها المغلوطة ، وستدفع ثمنا اكبر ان هي واصلتها ... والفرصة لا تزال متاحة ، وان كانت تتناقص بمرور كل يوم ، لقلب المشكلة الى مشكلة نضالية مغربية عامة ، ذات بعد عربي واضح ، لا تربح منه الامبريالية الدولية ، او الاقطاعية المغربية ، بل تعيد طرح الأوراق من جديد لتصبح أساسا لفرز داخلي على نطاق المغرب العربي باسره ، ولاسترداد ثقل الاستراتيجية الثورية التي طرحت الحكم بشكله الثوري ، لا بشكله الإصلاحي الرجعي ، وهي اللبنة التي عجلت بطرد الاستعمار، وتتطلع لطرد بقاياه من مخلفاته المختلفة ، وعلى راسها الاقطاع والمخزن المعادي للديمقراطية ..وتوحيد الشعوب على أسس تحررية وتقدمية ، تشكل مركزا من مرتكزات نهضة امتنا العربية ، وردا على الانهيار الحاصل في مختلف اقطارها .. لقد آن الأوان ان تدرك الشعوب المطحونة ، والمفقرة ، والمذلة ، انّ خطط الامبريالية متعبة ومتعددة ، وان تمزيق الوطن العربي ، و إثارة التناقضات بداخله ، وتدبير الحروب بين اقطاره ، هو الهدف الثابت للقوى الامبريالية وصنائعها ، وان الرد لا يكون بالانجرار الى هذه الحروب ، والتمزقات من موقف إقليمي " تقدمي " ، بل هو وضع استراتيجية مضادة شاملة ، تحشد من حولها الطاقات الشعبية في كل الأقطار المغاربية والعربية ، وتخوض معركتها الفاصلة موحدة على صعيد المغرب كله ، كما تعرف متى تخوض هذه المعركة ومتى تتفاداها ، متى تتقدم ومتى تتراجع ، متى تقبل التحدي ومتى تتحاشاه ..
وغني عن القول ان موقفا كهذا يتجاوز الانحياز لهذه القوة او تلك ، لأنه قائم على الانحياز للشعب الواحد في الأقطار المختلفة ، ويبتعد عن المكاسب الإقليمية الصغيرة التافهة ، لأنه ينتظر في النهاية الحصاد الوافر الكبير ، وانه مؤسس على نموذج للعلاقة مع الشعب يختلف جذريا مع النموذج السائد في البلدان الرجعية ، نموذج يستطع في نفس الوقت اقناع الجماهير بتفوقه وتقدمه ، ولا يعمل بنفس آليات الأنظمة الرجعية ، لكنه يتستر بجملة من الشعارات " التقدمية " التي لا يرى احد أي انعكاس لها في الواقع الحي واليومي ..
ان هذه البداية هي استراتيجية ، لان الاحداث تفتح العيون الذكية على اتساع دائرة التردي ، وعلى تفجير الامبريالية بما تبقى من علاقات بين بلدان المغرب العربي ، وليس على حصر النزاعات وتحجيمها . واذا كان هناك من يظن انه يستطع بمجرد مرور الوقت ، التخلص من مشكلة كان موقفه فيها مؤسسا على الغلط ، فانه سيجابه بعد حين ، مشكلة أخرى موقفه فيها مؤسس على غلط مماثل ، وهكذا دواليك حتى نصل الى وضع لا يعرف كنهه الا الله ..
ان ما حدث لمشكلة الصحراء ، يعطي صورة جد واضحة عن مستوى القوى التي انخرطت فيها : الامبريالية والحركات السياسية الاصلاحوية بمختلف مشاريبها ( الأيديولوجية ) .. وان الحديث عن دور هذه الحركات السلبي والخطير في إدارة هذا الملف ، حيث يغيب لها القرار نهائيا ، وتصطف وراء ما يقوم به القصر ، وان كان الكثير من خرجاته يضر بمغربية الصحراء ، كطرح الحكم الذاتي دون استفتاء الشعب ، والاعتراف بالجمهورية الصراحية في يناير 2017 المتناقض حتى مع قسم المسيرة الذي كان من صنع الحسن الثاني ... فعدم الخوض في هذا الدور الخطير للقوى الاصلاحوية ، هو تجنيبا للبكاء على شيء تحصل واصبح الخوض فيه اليوم مضيعة للوقت ، ولأنه واضح لكل عين بصير ..
وعلى العموم ، فان ما يهمنا من هذا التحليل ، هو دراسة الجوانب الخفية التي طرحت فيها قضية الصحراء المغربية ، والاطار العام الذي وضعت فيه ، وعن نمط الدولة بخصوصياته المتباينة من بلد الى آخر .. واذا كانت الدولة المغربية قد اضفت على نفسها طابعا " قوميا " من خلال اشتراكها الهزيل في حرب أكتوبر 1973 ، فأنها حاولت ان تضفي على نفسها طابعا " وطنيا " من خلال طريقة طرحها لمشكلة الصحراء ..
ومع ان الاحداث اثبتت ان عينها لم تكن وحدة الوطن ( سبتة ومليلية ) ، بل على ترسيخ وضعها الداخلي بإثارة قضية كانت تجمدها عن قصد ، فان الأخطاء التي ارتكبتها الأحزاب الاصلاحوية قد ساعدها على تحقيق هدفها الأساسي هذا . ومهما يكن من امر ، فان المخرج من الازمة الراهنة مرتبط بوعي الشعوب ، وبوعي الحركة التقدمية المغربية الحقيقية لسياساتها المغلوطة ، وبإيجاد بدائل لها ، لان النظام لا يعقل ان يبدل سياسة استفاد منها ..
3 ) ما العمل :
هل الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، وترديد كالببغاء شعار الشعب الصحراوي ، والتنكر لمغربية الصحراء ،والاشادة بالانفصال ، بل والتباهي بقوة الجيش الجزائري على حساب الجيش المغربي ، وانه عند اندلاع حرب فالجيش المغربي سيستسلم الى الجيش الجزائري ، وهناك من الشنقريحيين ( سعيد شنقريحة ) من تجاهر بقدرة الجيش الجزائري تدمير الجيش المغربي في اقل من أربعة وعشرين ساعة ، وهناك من ذهب الى ان الجيش الجزائري بإمكانه الوصول الى الرباط في اقل من ثمانية وأربعين ساعة ... لخ من الترهات الغير مسؤولة . فهل بمثل هذه الترهات الغير مسؤولة ، سيسقطون النظام المغربي بسهولة ؟
ان من يردد شعارات الانفصال ، ليس ايمانا بمشروعية الانفصال ، لكن فقط للمساهمة في تأزيم ازمة النظام المتأزمة أصلا اكثر من اللازم ، كمدخل أساسي لإسقاط النظام ، والحال ان الخلافات بين هؤلاء وبين النظام ، وبالضبط مع شخص محمد السادس ، ليس اختلافات أيديولوجية ولا عقائدية ، و لا نظرية ، لكنها اختلافات شخصية ، فيكون تصرفهم نكاية في النظام ، وهم يعلمون حدود مواقفهم المعزولة داخل المجتمع ... سيكونون خارج حركية التاريخ ، وسيكونون جاهلين لقواعد ولأليات اسقاط او تغيير الأنظمة ... كما يمثلون أدوارا تشويشية لا علاقة لها بالمرة مع استراتيجية تغيير النظام ...
فهل الدعوة الى الانفصال ، والاعتراف بالجمهورية الصحراوية هي المدخل الأساسي لإسقاط النظام ... بل منذ متى كانت القضايا القومية والوطنية كالصحراء عاملا في تغيير النظام .
ثم ما العلاقة بين النضال ضد النظام ، وبين الدعوة لانفصال الصحراء لإسقاط النظام ؟
وهل ضروري ان النضال لإسقاط النظام ، يقتضي بتر جزء من الدولة ، وتسليمه الى دولة أخرى تكن الشر للجميع ، وليس فقط للنظام الذي يتنافس معها السيطرة على الإقليم وعلى المنطقة ؟
ولماذا يتم اختزال النظام في الصحراء ، واختزال الصحراء في النظام ؟ وهو اختزال مكشوف وانتحاري ... ؟
ومرة أخرى فان الحروب الإقليمية ، وطرح القضايا الوطنية " الصحراء " وفي الوقت المناسب ، لا تضعف النظام ، ولا تؤثر عليه ، بل انها تقويه وتجعل قراراه المستساغ ، وارادته السائدة بمباركة الجميع ومن دون استثناء ، اللهم استثناء الجماعات الهامشية الصُّغيّرة التي تردد شعار تقرير المصير بمناسبة او من دون مناسبة ، منذ بداية سبعينات القرن الماضي وهي جماعات لا تأثير لها يذكر في المجتمع ..
فعندما كان النظام المغربي على وشك السقوط في سبعينات القرن الماضي ، فكان هناك احتقان سياسي خطير ، والمعارضة كانت تطلب بالحكم وليس بالحكومة ، والجيش اخطأ الموعد مع التاريخ في انقلاب العسكر في سنة 1971 و 1972 .. ، فان الصحراء كانت هي المتنفس الوحيد الذي انقد النظام من السقوط . فالأحزاب التي كانت تطالب بالحكم لم تصبح جزءا منه ، بل أصبحت خادمته ، والجيش الذي كان يهدد بالانقلاب اصبح خاضعا لمراقبة وزارة الداخلية ولأجهزتها الأمنية ، و( الشعب ) الذي نظروا لاستعدااده للثورة بمجرد ان يطلق الثوار نداء الثورة ، تحول الى رعايا مرتبطين بشخص الملك وبالنظام " سيدنا / كاين غير الله او سيدنا ... " ، لأنه في نظرهم بطل محرر طالما انه يدافع عن الصحراء وعن حوزة التراب ...
هكذا فان الصحراء لعبت دورا مهما في تقوية النظام ، كما سهلت تغلغل القوى الخارجية التي يرتهن لها النظام كخادم مطيع ، وليس كحليف في تمرير عدة قضايا قومية ، جعلت التاريخ العربي يدخل دائرة النكسة الكبرى التي نتائجها اليوم على مرمى اعيننا واضحة ، في سورية ، وليبيا ، واليمن ، والعراق ، والسودان ... لخ .. فتم تعطيل التنمية المحلية والإقليمية بسبب السباق على التسليح ، وتم تمرير صفقة القرن بذهاب القدس والجولان ، وضرب عودة اللاجئين ... واصبح نزاع الصحراء بمثابة سيف دمقليص مسلط على الرقاب وفي جميع الاتجاهات ... واسألوا لماذا دام النزاع لأكثر من خمسة وأربعين سنة خلت ، ومن دون حل من قبل الأمم المتحدة يرضي كل اطراف النزاع ...
ان مجرد تبني معارضة النظام الملكي ، او معارضة شخص محمد السادس ، لا يسمح بالتنكر لوحدة المغرب ، كما لا يسمح ، بل يمنع منعا كليا الانحياز في التطبيل لنظام الجنرالات في الجزائر ولجيشها ، على حساب المغرب ، وحساب جيشه ، كيفما كانت الخلافات او الخصومات مع النظام .. فلم يسبق للمعارضة الأيديولوجية لمغربية الصحراء في سبعينات القرن الماضي ان سلكت هذا المسلك الغير مقبول .. لان معارضة الامس لمغربية الصحراء كانت تتلكم بالإيديولوجية وبالبؤرة الثورية ، أي انها كانت متشبثة بمغربية الصحراء وهي تخطط لقلب النظام ، ونفس الشيء بالنسبة لجماعة الاختيار الثوري الذين زاوجوا بين الدفاع عن مغربية الصحراء ، رغم انهم كانوا لاجئين بالجزائر ، وبين العمل والاشتغال لإسقاط النظام حيث شارك التيار/ الفقيه محمد البصري في انقلاب 1972 ... ان معارضة النظام لا تعني التنكر لوحدة الأرض ، ولوحدة الشعب ، ولوحدة المغرب الذي لا يجب الاّ ان يكون قويا بالمنطقة . وكما قال رئيس اركان الجيش الجزائر سعيد شنقريحة " الاّ الجزائر " ، نقول نحن " الاّ المغرب " .. لان الصراع مع النظام الجزائري هو صراع وجود لا فقط صراع حدود .... ولنفرض جدلا ان الداعين الى تجريد المغرب من صحراءه ، ومدّها الى الجزائر .... نجحوا في التأثير على ( الشعب ) الرعايا التي ( ستثور ) لقلب النظام .. ونجحوا كذلك ان يكونوا قادة وحكام المغرب القادمون .. السؤال : مَنِ الاحسن . هل تحكمون مغربا قويا يحتفظ بكل اطراف ترابه ، ام تحكمون مغربا صغيرا مقزما خاضعا بدوره للنظام الذي من المفروض ان يكون قويا الذي هو النظام الجزائري ... وبصيغة ادق هل تقبلون ان تكونوا خذما عبيدا عند حكام الجزائر الذين سيذلونكم شر مذلة ، أي اكثر من درجة اذلال النظام المغربي الكاره ( لشعبه ) لرعاياه .... وهنا هل تقبلون بذل النظام الجزائري مع العلم انكم كنتم تقبلون بذل النظام المغربي الذي لو لم يعتدي عليكم ظلما لاستمرتهم تعيشون في اذلاله المركب الى اليوم ، لان لا شيء تغير في دولة تحكم بشرائع القرون الوسطى دولة بتريمونيالية / مستبدة / طاغية / بتريركية / كمبرادورية / ثيوقراطية / اثوقراطية / قروسطوية / مفترسة / ناهبة / دكتاتورية عسكرية لان الملك يشغل رتبة جنرالا في الجيش البري ، وهو قاد الجيش ، ورئيس اركان الحرب / بوليسية تزور المحاضر لترسل الناس ظلما الى السجون كما تصورهم لتشويه سمعتهم .... لخ .. فمن الاحسن هل ذل النظام الجزائري ام ذل النظام المغربي ما دام ان للذل طعم واحد هو طعم السم و الزقوم ... فرفض ذل النظام المغربي لا يسمح بقبول وتقبل ذل النظام الجزائري ، ومنذ متى كان ذل مقبول وذل مرفوض ، او قبول اهون الذلين / الضررين ...
اعتقد بالنسبة لهؤلاء الذين يخبطون خبط عشواء في قضية الصحراء نكاية في شخص محمد السادس او في نظامه ، ان قضية الصحراء هي صمام امان للنظام طالما انه متمسك بها وطالما انه الزاحف نحوها ، لكن عندما ستزحف الصحراء بكثبانها الرملية المتحركة نحوه ، اكيد سيسقط النظام من تلقاء نفسه كفاكهة متعفنة ...لكن البديل المخطط له ، لن يكون جمهورية قومية ، ولا ماركسية ، ولا ملكية برلمانية .. لكنه سيكون البديل الإسلامي .. فهل تقبلون العيش في ظل دولة فاشية أكثر من بوليسية ترجعكم الى العصور الخوالي ، الى الخلافة التي لم تكن راشدة ابدا ، او الى الجمهورية الاسلاموية ، كدولة الفقيه المنظر للاستبداد وللطغيان ...أي في أي حل اسلاموي ستجز رؤوسكم حتى قبل ان تينع ، و حتى قبل ان يحيل موعد قطع الرؤوس .. ولنا امثلة في ايران بين الامس واليوم ، وفي حكم حركة طالبان في أفغانستان ، وفي جرائم القاعدة ، وداعيش ، والاخوان المسلمون .. فرجاء لا تخلطوا بين معارضة النظام وهو حق مشروع ، وبين واجب و ضرورة التمسك بالوحدة أداة القوة للأجيال الحالية ، وللأجيال القادمة ..
فعوض طرح البديل وهو حل انهزامي ، في شعارات تجزيئ المغرب ، وفصل الصحراء والريف عنه ، وعوض التطبيل لنظام العسكر الجزائري وللجيش الجزائري الذي يضمر الشر بالجميع ، فان المراجعة واية مرجعة علمية متبصرة تقتضي الآن قبل الامس الوعي بما يلي :
1 ) وعي نواقصنا الذاتية أولا ، والاستعداد لإجراء مراجعة شاملة وموضوعية ، يتجرد فيها الجميع عن الحساسيات والقضايا الصغيرة ، مع ابداء اكبر قدر ممكن من الاستعداد لنقد الماضي ( الإنجازات ) المجهضة ، وتدارك أسباب اجهاضها ، لان المسالة لا تتعلق بشخص ، او شخصين ، او عشرة اشخاص ، والاّ تحول الجميع الى بطّائيين يؤمنون بجبرية لا ترد ب " الموضوعي " متناسين ان الكل هو جزء منه لا خارجه ..
2 ) وعي التجربة الموضوعية التي عاشها الجميع ولو متفرقين ، وكانت المبادرة فيها خارج اية قوة ذاتية للفرقاء المشتغلين على الشأن العام ، رغم تباعد التصورات لتقريبها ما امكن ، للابتعاد عن الردة ، وإشاعة الانهزامية ، والدعوة الى الاستسلام ، والركوع ، لنظام فاشي بارع في الاعتداء وفي العدوانية ، وفي اذلال ( الشعب ) الرعايا قبل اذلال المعارضين ، ثم الاستعداد الحقيقي بإعادة التجربة ، لكن ليس على طريقة التكرار ، بل على طريقة إعادة التأسيس كل من زاويته المفضلة . ان التاريخ ليس سوى عمليات إعادة تأسيس متصلة ، تأخذ من الماضي احسن ما فيه ، لترسي حاضرا قادرا على الامتداد نحو المستقبل ، دون ان يقف عند حدود نقل التجربة ، وانما يتجاوزها ، الى دمج التجربة المنقوضة في سياق نظري وعملي ، يستطع الإمساك مجددا بالمبادرة وتطويرها على كل الأصعدة ، نحو اجراء التغيير المنشود ، في الذات أولا ، وفي الظروف الموضوعية ذاتها ..
وفي الظرف المشخص والخطير الذي نعيش فيه ، حيث أبواب المغرب مفتوحة على جميع الاتجاهات وبما فيها السقوط في المجهول ، او الارتماء في الظلامية التكفيرية ، وهي حرب غير معلنة وتمر من وراء الستار، بين المؤيدين لحل الارتماء نحو المجهول ، ودعاة الحل الشمولي الفاشي الظلامي ، بأشكاله المختلفة .. نرى ان يتبلور هذا النشاط حول القضايا التالية :
1 ) الاتجاه العام الحاسم والجذري نحو الجماهير الشعبية المفقرة ، والمذلة ، والمغبونة ، والتي وصل نضجها السياسي مراحل متقدمة في تشخيص المسؤول الأول عن الازمة العامة المفتعلة بالدولة ، والحس الثوري الرافض للجماهير سيجعلها تتقبل اية دعوة للتغيير ، لان حبل الكذب الطويل ، وليس القصير منذ 1960 قد فشل نهائيا ، ومن دون طرحه لبديل لانقاد وجوده المهدد بين كل فترة وحين ، لولا ملف الصحراء الذي يحافظ على قوته وجبروته ، ويعطيه فرصا لإبعاد او لتأخير الخطر المحدق به ، وهنا يجب الارتباط ارتباطا كليا بمغربية الصحراء ، واستعمالها متناقض أساسي مع الاقطاع لحسم الصراع لصالح الشعب ، بدل جعل من الشعب عدوا عند رفع شعارات ضد مغربية الصحراء ، وعند التصفيق للنظام الدكتاتوري الجزائري ، ولجيشه التقليدي المتجاوز على حساب المغرب ، وحساب صحراءه ، وحساب جيشه الذي هو جيش الشعب ، لأنه يتكون من أبناء الشعب المفقرين ، ولا يتكون من أبناء آل الفاسي ، وكل المستفيدين من بركة النظام كوزير الداخلية المدعو عبد الوافي لفتيت الذي فوتت له مساحة أرضية بمنطقة السويسي ربح فيها اكثر من اثني ( 2 ) مليار ستنيم .. فالواجب اليوم يفرض على الجميع ان يتجهوا اتجاها واحدا ، وكل من زاويته لإعادة احياء المجتمع المغربي الأصيل ، كمجتمع ، سياسيا ، وبلورة سياسة خاصة به مستقلة عن الاقطاع المخزني ومناقضة له ، حيث يجب ان تكون كذلك ..
ان الصورة المرسومة اليوم لآليات عمل الدولة ، لا تترك مجالا للشك ، في ان هذه تحولت اكثر فاكثر الى مركز أساسي للحياة الاقتصادية وللحياة السياسية . فهي التي تتصرف بالثروات بكاملها مثل الفوسفاط ، والذهب ، والفضة ، والاسماك ، وليس الشعب . كما انها تملك القسم الأكبر من وسائل الإنتاج ، وتشرف على التراكم ، وعلى الاستفادة لوحدها من الدخل الوطني ، وكيفية توزيعه على الاقطاع ، والطبقات المرتبطة بالإقطاع ..
ان هذا الوضع المجحف والغير مقبول كان سيكون مقبولا في حالتين :
ا – لو كانت الدولة القروسطوية دولة الشعب ، أي ممثلة لمصالح الشعب وللمجتمع .
ب – لو كانت تمة حركة سياسية اجتماعية ناشطة ، قادرة على موازنة دور الدولة الاقتصادي ، والطبقي الناهب والمفترس ..
ان السياسة التي تقوم على الاستيلاء على الدولة عن طريق الرضوخ لسياساتها ، والدخول في لعبة مصالحها ، والتي تحني رأسها اكثر فاكثر امام العواصف التي تهب من فوق ، فهي قمينة بتحويل الأحزاب " السياسية " الى تجمعات مصالح لا شأن لها في حياة الشعب ، وبتدمير الدور الشعبي المنشود ، الذي تسعى الدولة بالأساس الى تدميره . وتترتب على سياسة كهذه ، وضعية لا تنقد ما يمكن إنقاذه ، ريثما تمر الظروف الصعبة ، بل سياسة تضيع ما يجب الحفاظ عليه وتطويره . الى ذلك ، فان سياسة كهذه ، تعزز دور الدولة المٌحوَّلة الى مركز للحياة السياسية بدل ان تضعفه ، فتسد افق الاحتمالات امام الشعب ، وتضعه في مركز حرج جوهره التسابق نحو خطب ود الدولة الطاغية المفترسة ، ورجالاتها ، او التخلي تماما عن أي نشاط سياسي او عام .
ان تأسيس الحركة السياسية الشعبية ضرورة لا بد منها ، لان وجود ، مجرد وجود ، القوى السياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة ، صار مربوطا به . وحتى لا ننخدع او نخدع انفسنا ، فان أي حزب يفتقر الى قاعدة شعبية حقيقية ، واعية ومقاتلة ، لن يستطيع الوقوف في وجه " الدولة الحديثة " الراهنة ، فكيف سيستطيع بالأحرى قيادة المجتمع والانتقال الى الهجوم المضاد ؟ ..
ان هذه المسالة ، مسالة مجابهة الدولة السائدة ، والطبقات المساندة لها بأوسع الجماهير الشعبية ، لا يجوز ان تفلت من وعينا لحظة واحدة ، اذا كنا نريد ممارسة السياسة الثورية بمعناها الحقيقي ، أي بوصفها تعبيرا عن مصالح مجتمع معين ، وجماهيريه المنتجة والمضطهدة ، حيال اية قوة تحول دون وصوله الى مصالحه . والحقيقة ان ما حل بالأحزاب السياسية العربية عموما ، والمغربية خصوصا ، لم يكن سببه تناقص حجمها او تزايده ، ولا علاقة لها بالدولة أساسا ، بل يكمن سببه دوما في علاقتها مع الجماهير الشعبية التي أدى انقطاعها عنها ، الى تقليصها حينا ، والى وقوعها في اغراء مسايرة سياسة الدولة في اغلب الأحيان . وهذا ما ابعدها عن الشعب ، ودفعها بالتالي الى حلقة مفرغة ، دفعتها الى الدوران اكثر في فلك الدولة التي هي دولة لا ديمقراطية ، مخزنية ، مفترسة ، تقوم على شرعيتين هما الانتساب الى النبي ، والاعتماد على جلب الضرائب ، أي اغناء الحاكم بأمر الله ، وتفقير الشعب الذي يتحول الى مجرد رعيا مملوكين للراعي ، مهمتهم الأساسية خدمة الحاكم بأمر الله ، وإسعاده ، واغناءه ، في حين تعيش هي كل الشقاوات ، والعذابات التي مصدرها الحاكم وليس الله ..
فهل التنكر لمغربية الصحراء ، ورفع شعار الجمهورية الصحراوية ، وترديد ببغائي لكلمة الشعب الصحراوي ، والتطبيل للنظام الدكتاتوري الجزائري ، والتصفيق لجيشه ... هو المدخل الأساسي لقلب نظام الحكم في المغرب ، وبناء جمهورية فاشية ستكون بيد الاسلامويين ؟
وهل اثارة الصراع القومي والوطني بشكله السبي ، والتشجيع ومناصرة الأعداء الانفصاليين في حربهم الاجرامية بالصحراء المغربية ، سيعجل بإسقاط النظام لبناء نظام الجمهورية دون تحديد نوع الجمهورية ، ولا تحديد مكانيزمات الوصول الى الجمهورية الحلم ؟
ان ما يغيب عن الاذهان ان أي نظام يكون مهددا بالسقوط ، عندما ينجح في تحويل الصراع من سياسي أيديولوجي ، الى صراع وطني ، سيصبح بقدرة قادر محور الاجماع الوطني للتصدي للعدو الخارجي ، وسيصبح الجميع ، وبما فيهم المعارضين الراديكاليين يتمترسون خلف النظام ، قابلين ومتشبثين بطقوسه التي كانت بالأمس مرفوضة ، وسيصبحون جزءا من النظام لا خارجه ..
ان اثارة الصراعات الوطنية كالصحراء ، وان الحروب التي تنشب من اجل الصحراء ، تقوي النظام ولا تضعفه ..
والغرب المدرك بحقيقة الصراع ، على علم بالمآل الذي ينتظر النظام انْ فرط في الصحراء .. فهل سيضحي الغرب بالنظام المغربي في قضية الصحراء ، لصالح النظام الجزائري ؟
شيء لا يمكن لعقل سليم تقبله .
ان مجلس الامن ، ولا الاتحاد الأوربي ، ولا روسيا الاتحادية ، ولا الصين ، ولا استراليا ولا اليابان .... ادانوا تصحيح الجيش المغربي للوضع في الغرغرات ... لكنهم ادانوا قطع الطريق وعرقة التنقل والنقل الذي قامت به البوليساريو بالمعبر ...
فهل فهمتم شيئا من هذا التحول الكبير في السياسة الدولية .... انه رسالة ودعوة صريحة من المجتمع الدولي للمغرب بتصحيح الخلل بالمنطقة العازلة في اسرع وقت ... النظام الدولي لم يعد يولي الجزائر ادنى قيمة واهمية الرجل المريض بالمنطقة ..
عارضوا النظام وهو حقكم المشروع ، لكن تمسكوا بوحدة الأرض ، وبوحدة الشعب ، وبالمغرب القوي الكبير ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تسحب موريتانية اعترافها بالجمهورية الصحراوية ؟
- الوساطة الموريتانية
- - اللجنة التأسيسية المعارضة للنظام الملكي بامريكا -
- تقنين اساليب القمع السياسي والايديولوجي لاضفاء مشروعية جبرية ...
- حزب النهج الديمقراطي وقضية الصحراء -- بيان الكتابة الوطنية - ...
- بيان وزارة الخارجية الجزائرية
- البوليساريو تنتحر
- الصحراء الغربية
- من يتحمل مسؤولية ما يجري بالگرگرات ؟
- الوضع القانوني لمعبر الگرگرات
- أخطاء جبهة البوليساريو
- قرار مجلس الامن 2548 حول نزاع الصحراء ، كان صفعة مدوية في وج ...
- تقييم الوضع في الصحراء .
- ماذا يختمر بالگرگرات .. ؟
- نعم انها فعلا حرب يخوضها النظام الجزائري ضد المغرب ..
- هل تلوح في الافق بوادر عودة الى الحرب في الصحراء ؟
- آليات السيطرة والعنف في نظام الحكم المطلق
- من المسؤول عن الوضع العام في الصحراء ؟
- مملكة الرعب والخوف
- الفقيه محمد البصري


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - مغاربة يعارضون مغربية الصحراء