أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن نور - لا يأتي فجأة














المزيد.....

لا يأتي فجأة


فاتن نور

الحوار المتمدن-العدد: 6798 - 2021 / 1 / 25 - 11:12
المحور: الادب والفن
    


ليس ثمة موت مفاجئ. أنت فقط.. لا تعلم بموتك.. لا تراه.
لم يخبروك بأنك ميت.
وكنت قد شرعت بالموت، الساعة الأولى التي لصقوا بك اسماً.
لا، ليست ساعة نزولك لبلاهة الشمس. كنت مقرفصاً بعتمة ماء، في إحدى البطون المتورّمة بك، حينها لصقوا بك اسما مملّاً، وتبادلوا نظرات الرضا والاستحسان، فخورين بمهارتهم في اختيار الأسماء المستهلكة أو التافهة، ثم انصرفوا لمشاغل موتهم.
لكنك شققت طريق موتك باللهو واللامبالاة، لأنهم أوهموك بأنك نزلت حيّاً، بلا عاهات بائنة. فيما أعدّوا لك كل ما يليق بموتك، وعاهاتك الصائتة، والصامتة أيضاً، سيما الغشاوة السميكة، تلك التي عصّبوك بها، لأجل أن يكون رأسك قابلاً للتدوير، كالنفايات.

وأنت لا تبالي، وهذا أول ما تتعلم وتتقن، في سنيّ موتك الأولى، أن لا تبالي.
أن تتحرك محاولاً، مثل بهلوان أحبه جمهور غفير، فيما هم منكبّون على رجليك ويديك، أنفاسك وطباعك، بما يشبه خرق الأكفان. صيّروك خشبة ممدودة لا تميد، فيما تفتح شهيّتهم للتنبّؤ والتنظير.
فأنت الباب الذي قد تكونه، لفردوس يحبونه أو جحيم، ويغدقون عليه بالأبواب.
ولن يخبروك، أنك ستكدح، وتصاب بجنون الكدح طوال أشواط موتك، لدفع فواتير بعضها.

فيما كانوا فرحين بك، مغمورين بتناسلهم العشوائي.. وكأنهم أنجزوا شيئاً عظيماً، وكأنك أكثر من ناتج عرضي لممارسة عابرة. أو أنك الوحيد الذي هبط بموته بلا مظلة.
وثمة قلق يحزّ أعماقهم حول شائعة تقول؛ هروب الموتى الجدد إلى موت أقلّ فصاحة أو فداحة، شيء محتمل، قد يؤول إلى شهقة حياة. وهي شر مستطير في عرف جهابذة الموت، ونشوز خارق لا يحتمله الذين تمرسوا بالموت ونبغوا في افانين عيشه.
وأنت حتى لا تسأل، لماذا يحتفون بك كل عام، لماذا لا تأخذك صهوة شك أو فضول. لأنك مجبول على سمات الموت وخصاله، وفطرته أن لا تسأل، أن تتحلّى بكره التآكل وذهاب الأثر. فالموتى يتآكلون بسرعة ما وراء الأكمة، إذا لم يعتمروا جيداً بمعاداة السؤال.. أي سؤال.
هم حريصون عليك دون شك. يريدونك ببنية قوية، تتناسل بها ملكات الموت وتزدهر. كيلا تكون معدماً، تعيساً وأنت تشقّ طريق موتك.. الذي لا تدريه.

أنت الآن، ولأنك ميت مثالي، منسجم مع تقاليد الموتى وأعرافهم، وملتزم بطاعتهم؛ تصيخ كما علموك، لسماء ما رافعاً رأسك أو مؤخرتك، لأنها شاهد على موتك، وأنت شاهد على موتها. وشرعتما سوية بتجاذب أطراف الموت، وسط جلبة الموتى وأهازيجهم.
ولأنك كل هذا، أنت الآن في شوطك الأخير الملبّد بخبرات الموت، وفي آخر لحظة منه وآخر زفرة؛ ستراهم يبكونك ملء أجفانهم، لأجل إيهامك بأنك كنت حيّاً، ومتّ للتو.. للتو..
ولسوف تشعر لأول مرّة بأنك ميت، ومت للتو.
وسوف لا تأخذهم سنّة ولا نوم لأنهم ميتون مثلك، وسيمكثون بك، ويتحلّقون لذكر محاسن موتك وسيئاته أربعين يوماً، أو حتى ولادة ميت جديد يلصقون به اسماً، وينشغلون بتوكيد موته.



#فاتن_نور (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا وقت عندي
- رسائل الصمت 2
- رسائل الصمت
- لتمسّك يدي
- قنديل
- بصمة المدينة
- صفعة المطر
- كلنا عنصريون
- المثليّة الجنسية والحتميّة الاجتماعية
- بوصلة التنوير العدمي
- لنارِكَ هذا اللوح
- جيسيكا..5
- جيسيكا..4
- جيسيكا..3
- جيسيكا..2
- جيسيكا
- العلمانية ضد محاربة الأديان..
- حوار عن العقل النقلي
- وزارة التعليم العالي وتحديات الكعب والتنورة
- تحريض..


المزيد.....




- ناوروكي وماكرون يبحثان الأمن والتجارة في باريس ويؤكدان معارض ...
- بغداد السينمائي يحتفي برائدات الفن السابع وتونس ضيف الشرف
- أبرز محطات حياة الفنان الأمريكي الراحل روبرت ريدفورد
- حوار
- ماري عجمي.. الأديبة السورية التي وصفت بأنها -مي وزيادة-
- مشاهدة الأفلام الأجنبية تُعاقب بالموت.. تقرير أممي يوثق إعدا ...
- وفاة الممثل والناشط البيئي روبرت ريدفورد عن عمر يناهز 89 عام ...
- نجم الفنون القتالية توبوريا يعرب عن تضامنه مع غزة ويدعو إسرا ...
- نجم الفنون القتالية توبوريا يعرب عن تضامنه مع غزة ويدعو إسرا ...
- عودة قوية للسينما البحرينية إلى الصالات الخليجية بـ-سمبوسة ج ...


المزيد.....

- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن نور - لا يأتي فجأة