أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن نور - جيسيكا..2















المزيد.....

جيسيكا..2


فاتن نور

الحوار المتمدن-العدد: 5347 - 2016 / 11 / 18 - 09:57
المحور: الادب والفن
    





..ما وراء القسطرة جيسيكا؟
..أخبريني ما وراءها؛ ضيق نفس أم ضيق أفق؟
خمس حواس، استطردت همساً هذه المرة، كأنني لا أريد أن أفشيّ سراً؛ خمس حواس تحث على السعي، من أجل ماذا، من أجل ثقب الروح؟
سحبت يدي اليمنى بهدوء عن الحائط؛ إثر شعوري ببعض إجهاد في مفصل المرفق، وأرخيت أصابعي بالعبث قليلاً بقبعتها، حركت مقدمتها يميناً ويساراً ثم سحبتها إلى الخلف، كانت قبعة رديئة فعلاً وبشكل ملفت؛ ثم دسست كفي في الجيب الخلفي للجينز الذي كنت أرتديه.

..ما الذي يفرّق البشر جيسيكا، أتدرين؛ هنالك أناس يتوقدون مع كل نفس، وآخرون يصدأون مع كل نفس.
بدأت أتحسس شيئاً ما في جيب الجينز وأنا أحدثها، كأنها رقائق صغيرة مدببة الأطراف أو صفائح، كما أوحت لي حاسة اللمس، شدني الفضول لسحب يدي ببعض منها لأرى ما ستقوله حاسة البصر.
غمزت جيسيكا رافعةً أحد حاجبيها، وهي تحدق فيما التقطته من جيبي بأصبعيّ الإبهام والسبابة؛
..هذه قشور حب الهال.. قالت بتحمس ملحوظ.
..أترغبين بمضغها؟ سألتها بصوت مداعب لا يخلو من فضول، وأنا أفرك القشور أمامها بحركة لولبية بين أصابعي. لم تترد جيسيكا في الموافقة، وضعت القشور على لسانها الذي مدته فوراً إلى الخارج دليل رغبتها.
أسمعي جيسيكا، كنت أقول لك؛ هنالك أناس يتوهجون مع كل نفس وآخرون يصدأون.
ومع أن العمليتين احتراق، التنفس احتراق، والتصدؤ احتراق؛ إنما ما تخلفه كل عملية هو ما يفرّق البشر.

..ثم أتدرين كم مبتذلة هذه اللعبة؟ عندما يمارسها المثقف؛ يسقط.
كنت أعرف، ومن خلال تاريخي الجدلي الطويل مع جيسيكا، بأن قدرتها على الإصغاء تتحسن عندما تجد ما تمضغ، وهذا مما حرضني لمشاغلتها وهي تمضغ قشور الهال، بأمور استفاض بها ذهني خلال حديثها عن القسطرة.
..لعبة الأهواء السياسية جيسيكا، هذا ما عنيت. بالإمكان سحب القول على الأهواء العاطفية لو وددت الخصخصة.
مع أنه، كما ترين، لا جدوى من الإصلاح السياسي بأي حال؛ فثمة مرحلة مفصلية، لا يمكن حرقها؛ نكرانها أو تجاوزها؛ هي مرحلة الإصلاح الديني.
..في هذا الهوّام جيسيكا، هل تشعرين بما أشعر؟
أقصد أصولية محاربي الأصولية، أعني تلك الأصولية التكوينية، أصولية النشأة المتجذرة في اللاشعور.
أية قسطرة ممكنة لأزمة العقل,أقصد أزمة العقل التنويري_الأصولي، قبل أزمة العقل الأصولي؟

رمقتني بابتسامة تترنح بين سخرية واستغراب، بينما راحت تعبث بزر قميصها العلوي محاولة فتحه. انتبهت إلى أنفاسها، كانت قصيرة، متسارعة، تتوسل المزيد من الأكسجين لرئتين ما انفكت تفتك بهما بتهور، كما يفتك الشرق بهويته.
وجدت ابتسامتها رائعة رغم كل شي؛ مع أنها نبهتني إلى قسوة الدخان، بتراثه الطويل المتكلس على أسنانها.
قسوة دخان، قلت في سري، وقد أبديت اهتماماً لمساعدتها في فتح الزر الذي تعثرّت في فتحه، قسوة دخان وليس قسوة إنسان على نفسه؛ كنت أحاول تبرأتها من طغيانها على ذاتها وإصرارها على التدخين رغم المرض، فثمة أمور كثيرة طغت بها جيسيكا على نفسها وجنت، لم استطع تبرأتها منها، ولم تستطع تبرئة نفسها.
خفضت رأسها بعد سخرية لا ألومها عليها؛ فهي وإن كانت قد انتبهت إلى شرودي خلال حديثها عن قسطرة الشرايين والقلوب؛ لا تدري أنني شطحت بعيداً إلى قسطرة العقول.
خفضته مع انحناءة طفيفة تكفي للعبور من تحت ذراعي، التي كانت لا تزال ممدوة براح منسبطة، ما عادت مسترخية على الحائط أعلى رأسها، كانت متيبسة تماماً.
اتكأت على الحائط حيث كانت، فرقعت أصابعي عدة مرات وأنا أرقبها تغادر المكان، كنت أحاول استيعاب ما حصل؛ فثمة أمور كثيرة حدثت هاهنا بسرعة فائقة، أو هكذا بدا لي.
رأيتها تقذف شيئاً ما في حاوية القمامة التي كانت في طريقها، تنفض يديها بضجر عائدة أدراجها الى الطاولة.
وأنا اتأمل سحنتها السمراء التي باتت تميل الى اصفرار؛ حاولت تذكر سبب تركها الطاولة، وكيف وصلنا إلى هذا المشهد المشبع برومنطيقية غير تقليدية، تربط بين عواطف تلقائية وإرادة جريحة تنزّ اسئلة مبعثرة، حادة بما يكفيها من وجع.
وما الذي كان بحوزتها طيلة هذا الوقت، وما أصابها من ضجر إلاّ بعد أن تخلصت منه؛ حاولت التذكر دون فائدة، حتى ظننت لوهلة، أنني أحلم.
عندما عدت إلى الطاولة، بقيت أنظر بتلذذ يشوبه الحسد، الى زبائن البار المجاور، كانوا يحتسون كوكتيلات التيكيلا بمرح الفرسان المنتصرين، ربما انتصروا على الأسواء في حياتهم، ارتقوا عن القعر؛ لهذا هم فرحون.
كدت أترجم رغبتي تلك إلى فعل حركي أقتحم به البار؛ وأخرج منه بعلامة نصر مؤزر بكأس مثلجة من مارغريتا الليمون؛عندما طرقني صوت جيسيكا وهي تقول:
..ما قصدت التبرير، غيبتي كانت طويلة أدرك هذا، حديثي عن أحوالي الصحية جاء عرضياً، وسوف لا أخوض فيها كيلا يساء الفهم.
..ما الذي تريدين الخوض فيه جيسيكا، هل لديك ما لا يساء فهمه؟ ردّدت دون اكتراث؛ ورحت ألاحق يدها وهي تقلب علبة السجائر، سحبت سيجارة بلهفة وتيقظ كمن يسحب زناده على غريم، جرّت نفساً عميقاً بشكل مهيب، يلفت النظر.
هنالك بشر لا يستطيعون تنفس الصعداء إلاّ إذا كان الهواء ملوثاً، حدّثت نفسي. ولكن بهذا الدخان، الذي قيل الكثير عن مخاطره، حتى وضعوا تحذيرات مرعبة على علبه؛ كانت جيسيكا تتوقد، ومع كل نفس تنشرح أساريرها. كيف يتقدم الضار على النافع، يسري في عروقنا ويمنحنا غبطة وطراوة ولو لوقت قصير، سألت نفسي.

..ما فهمت، سألت جيسيكا بفضول استحببته. لم أفهم ما المقصود بذاك الشغب الاصطلاحي؛ العقل التنويري_الأصولي.

"التنويري" قالتها بصوت عال تهزّه ضحكة خفيٌة. نفثت دخانها بوجهي بتحرش، وأردفت بخفوت ودلع "الأصولي"
ما هذه الشقاوة، وما هذا التعبير المدغم، ما المقصود به بحق السماء؟
دبّ في داخلي شعور بالرضا والمرح، ليس لتقطيع الاصطلاح وإخراجه بطريقة تمثيلية ممتعة، تشبه ولحد ما طريقة مارلين مونرو، بل لأنني نجحت بجرجرتها بعيداً عن أمراض الجسد.
ها هي، قلت في سري، تستفهم عن معنى الاصطلاح، عن أمراض العقل ولو بشكل غير مباشر.

..ولماذا تكتمين ضحتك، سألتها بوداعة وتحرش مقابل، بينما بسطت يدي على الطاولة وكأنني انتظر شيئاً ما يحط فيها، لأمسك به بجبروت اللحظة.
انظري إلى ذاك العصفور، استطردت، يلقي قصائده بصوت الطبيعة، عفوياً دون كتمان أو تصنّع، هو الشاعر الحقيقي ودونه نحن البشر، لم نرتق بعد لنحذو حذوه، نبذخ ما في سرائرنا تحت الشمس ولا نستحي.

..ما علينا، قالت وهي تنظر إلى الشجرة العملاقة التي أشرت إليها في محيط المقهى، لنبقى مع الاصطلاح. وسنتحدث عن العصافير والشعر لاحقاً.. أردفت غامزة.
..حسناً جيسيكا، إذا كنت مصرّة على التظاهر بعدم الفهم؛ فلا بأس عليك، لنبقى مع الاصطلاح، كيف تريدين فهمه؟
بالكرسي أم بهذه السجائر التي تعشقين، أم تودين أختيار شيء آخر؟ سألتها بهدوء وأنا أقلب علبة سجائرها مع اشتداد رغبتي في احتساء كأس من النبيذ.

يتبع..

فاتن نور
Nov, 2016



#فاتن_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيسيكا
- العلمانية ضد محاربة الأديان..
- حوار عن العقل النقلي
- وزارة التعليم العالي وتحديات الكعب والتنورة
- تحريض..
- وجه الحقيقة والحقن بالبوتكس
- الوجه الآخر للإرهاب
- الفاتيكان معقل الراسخين في الاستثمار
- كوكتيل أسئلة دينية..4
- كوكتيل أسئلة دينية..3
- الكرة الخفية والإله الخفي
- كوكتيل أسئلة دينية..2
- ورقة التوت يا وطن الضجر
- كوكتيل أسئلة دينية
- اغتراب الطلع
- العقل ليس قرباناً لأصنام الدين
- ازدراء الأديان في ميزان المسؤولية
- بين العقل العلمي والعقل الديني
- شعارات تعبّر عن جزع السنين
- الإسلام الصحيح مفهوم واقعيّ أم متخيل؟


المزيد.....




- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن نور - جيسيكا..2