أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نائل الطوخي - عبد الناصر هو البطل الملحمي، المدخن المحترف و بائع التذاكر.. منذ خمسين عاما















المزيد.....

عبد الناصر هو البطل الملحمي، المدخن المحترف و بائع التذاكر.. منذ خمسين عاما


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1619 - 2006 / 7 / 22 - 14:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


أول عام 1956: بابا نويل يحمل هديتين، الدستور للمصري و الاستقلال للسوداني. هكذا يتصور صاروخان العام الجديد. يبدأ العام بحدثين هامين. الاعتراف باستقلال السودان و صياغة الدستور المصري. لم يمكن في هذا الوقت فصل إعلان الدستور الجديد عن عبد الناصر، الزعيم الشاب الآخذ في التألق. مانشيت الأخبار هو "الدستور يعلن اليوم" و تتوسط الصفحة صورة الرئيس جمال عبد الناصر و تحت الصورة "24 مليونا يستمعون له اليوم و هو يعلن الدستور". يعلن عبد الناصر أن الشعب المصري صار الآن 22 مليونا لا عشرة ملايين، في إشارة إلى تضمن الدستور الجديد حق المرأة في الانتخاب. يتحول ناصر لا إلى شخص يسترجع النساء إلى السياسة بعد أن تم تغييبهن على يد رجال آخرين، و لكنه رجل يخلقهن من العدم، يضيف ملايين من النساء إلى تعداد الشعب المصري. لذا كان لابد أن تسير 5000 امرأة من نقابة الصحفيين إلى دار الرياسة لتحية الرئيس جمال عبد الناصر و قد حملت بعضهن لافتات "حقق لنا الدستور حياة كريمة و مساواة عادلة"، و البعض الآخر حملن صورة الزعيم شخصيا.
يرسم صاروخان صورة لعبد الناصر على هيئة فرعون و هو يهدي ابنه المصري أفندي على هيئة فرعون أصغر، هرما رابعا، هو هرم "الدستور الجديد"، لم يصنع الأهرام الثلاثة السابقة أي سلف، لم يصنعها أي تاريخ قديم، و إنما البطل الحالي, ابن اللحظة، نفسه هو من صنعها، الأهرام الثلاثة لم تكن إلا "الجلاء، صفقة الأسلحة و السد العالي".
كذلك يظهر دور جديد لعبد الناصر، دور بائع التذاكر. يسأله رجعي في كاريكاتير لصاروخان أمام قطار مكتوب عليه "الدستور": إيه مافيش بولمان. فيجيب بائع التذاكر عبد الناصر بابتسامة ساخرة: لا.. القطر الجديد كله درجة واحدة". و ارتباطا بالرجعي القديم: ينشر خبر صغير عن أن أفرادا من أسرة محمد علي سيسجلون بدوائر الانتخاب بشرط عدم وجود أحكام ضدهم و إذا لم يكونوا محرومين من حقوقهم السياسية.

حشيش و سياسة
العداء لنوري السعيد و لحلف بغداد على أشده في مصر، يتجلى هذا في محاكمة فراش مصري يعمل بالسفارة المصرية في بغداد و اتهامه بالضلوع في مؤامرة على حلف بغداد بتفجير السفارة التركية هناك. أخبار اليوم تستند إلى أقوال متهمين فلسطينيين آخرين بأنهما كانا يهربان الحشيش و تصف المحاكمة بأنها قضية حشيش يحولها نوري السعيد إلى مؤامرة سياسية كبرى. يرسم صاروخان نوري السعيد و هو ينحني على الأرض ليشعل فتيل نار، اسمه قضية الفراش المصري، في الوحدة العربية. عندما سيحكم على الفراش المصري بالسجن أربع سنوات ثم النفي من العراق ستستشهد أخبار اليوم بقول أم المتهم أنها تفوض أمرها لله في نوري السعيد. بعدها بحوالي عشرين يوما سينشر خبر عن العفو عن الفراش المصري و ترحيله فورا إلى مصر، ستجري الأخبار معه حوارا. فيها "سيعترف" بتفاصيل القبض عليه. لقد وضعوا القيود الحديدية في قدميه فلما قال لهم لقد ألغيت القيود الحديدية في مصر أجابوا إنها لا تزال موجودة في العراق.
عهد جديد قياسا إلى بغداد التي لا تزال تضع القيود الحديدية في سيقان مواطنيها. يسافر وفد من الطالبات المصريات من الجامعات المصرية إلى جميع الدول العربية ليقمن باستعراضات في جميع العواصم العربية "ماعدا بغداد! إن بغداد وحدها هي التي رفضت استقبال الطلبة المصريين". و في كاريكاتير صاروخان: نوري السعيد في السجن بملابس المسجونين بينما عبد الناصر في الخارج ببزته العسكرية. يقول عبد الناصر: "الفرق الوحيد بينا و بين نوري السعيد أنه عاوز وحدة عربية داخل السجن و مصر عاوزة وحدة عربية خارج السجن." عبد الناصر رمز مصر. الشعب المصري شعب حر، خرج من سجنه، و هو شعب مجند يرتدي بزته العسكرية، و يحاكم الخونة. العسكري يحاكم الخائن.
لعبد الناصر تأثير على الغرب. هو يثير القلق و الاهتمام في الغرب و الحب في الشرق، هذا التأثير لن يفارق صورته أبدا. تنشر الأخبار عن حديث لجمال عبد الناصر أمام وفد يضم 43 صحفيا الصحفيين الأمريكيين يمثلون 11 ألف صحيفة و 2500 محطة تليفزيونية ل3 ساعات و إقناعه لهم!! لا يخلو الأمر من أعراض دراماتيكية. شكري القوتلي يقول بعد لقائه بعبد الناصر و سعود في القاهرة: "جئت لمصر لأشفى من مرضي فخرجت بدواء لألام الأمة العربية." هنا سيصبح عبد الناصر طبيب قلب ماهرا، يشفي أوجاع زملاءه الرؤساء. في حدث سابق، رسم صاروخان عبد الناصر طبيبا يكشف عن قلب المصري أفندي فيتضح له أنه عبارة عن "الدستور".

في قلب الظلام!
هذا التأثير من عبد الناصر كان سلبيا أحيانا. فالدول الكبرى تبادل الزعيم الوطني العداء. يتم نشر هذا بشكل مبالغ فيه و مع مسحة بلاغية. بعد زيارة وزير خارجية بريطانيا سلوين لويد للقاهرة يعود إلى بلاده "بصورة مظلمة عن الشرق الأوسط . يعلن أن سبب الظلام هو السياسة التي يتبعها الرئيس جمال عبد الناصر للقضاء على مركز بريطانيا في الشرق". أما المانشيت الرئيسي للجريدة فيكون "ظلام في لندن بسبب سياسة النور في القاهرة." ينشر خبر عن فتح وزارة الخارجية البريطانية أبوابها يوم الأحد على غير العادة لترد على عبد الناصر و تستدعي الصحفيين من بيوتهم لتدلي إليهم بحديثها.
سيرسم صاروخان كاريكاتيرا يصور فيه أبا إنجليزيا يعد ابنه بأن يذهب به إلى حديقة الحيوانات في حالة عدم إدلاء عبد الناصر بتصريحات في هذا اليوم. عبد الناصر هو الأب الأكبر، هو القادر على التدخل بتصريحاته في صميم العلاقات الأسرية، حتى في قلب أوروبا، القارة الأكثر عداء له. تحتج بريطانيا على مصر بسبب ما تنشره إذاعة صوت العرب من كراهية. هنا سيفرد الصحفي محمد حسنين هيكل تقرير الصفحة الأولى من الأخبار ليكشف عن ان الوثائق التي اعتمدت عليها وزارة الخارجية البريطانية ساعتها هي وثائق مزورة. و سيصف تقريره هذه القضية بالمزيج من السر الضخم و الفضيحة المدوية." التراوح بين صورة الزعيم الشاب الذي يغضب الغرب و اللاعب المحترف الذي يكشف عن عدم حنكة خصمه هو ضروري لتأكيد الحرافة و ضربات المعلم .
هذه الدعاية و الدعاية المضادة لمصر كانت الصحف تنقلها بحرارة، و عندما يلقى عبد الناصر خطابا يشرح فيه أسباب العداء لمصر ستختار له الأخبار مانشيت "لا تهتز أعصابي و لا تهتز أقدامي". أعصاب عبد الناصر هي عنصر مهم. و هي الآن باردة. فيما بعد ستصبح قيد الاشتعال، سيغني له عبد الحليم حافظ حينها متغزلا: "يا قايدها لهيب من أعصابك، من دمك من دم شبابك". برود أعصابه الآن يتم التأكد منه من موضع بعيد بعض الشيء: سيجارته.
بعد التأميم سيلقي عبد الناصر خطابا أمام 500 من الصحفيين الأجانب. ستنشر أخبار اليوم صورا له و هو يلقي الخطاب. إحداها صورته و هو يدخن سيجارة. سيكون تعليق الأخبار: لا تفلت منه عبارة ولا تنطفئ سيجارة. في أول العام، و أثناء زيارة تيتو لمصر، نشرت صورة لتيتو و مرافقه يشعل له سيجارة وبجواره عبد الناصر الذي يشعل سيجارته بنفسه. عبد الناصر البطل هادئ الأعصاب، القادر على إشعال سجائره و إبقاءها مشتعلة، و التحكم فيها. السيجارة هنا هي المعركة التي يشعلها ناصر و يتحكم في دورانها، و لا يسمح لغيره، هو المدخن المحترف، بالتحكم فيها، في منطقة الشرق الأوسط كلها. يجتمع عبد الناصر بالفدائيين في غزة و يعلن من هناك عن قيام الجيش الفلسطيني. يروي ذكريات عن صداقته للفدائيين و كيف زاملوه في الفالوجة و دلوه على الطرق الفلسطينية و أعانوه هو و زملاءه.

رأيت الدموع
في أول إبريل سيخرج القائد العام البريطاني من مصر استعداد للجلاء. يرفض القائد التصوير ويرفض مقابلة الصحفيين بل و سيقوم الضباط بتفتيش العربات التي دخلت مطار أبو صوير للتأكد من عدم وجود آلات تصوير أو صحفيين. هذا الخروج السري و التأكيد على الخوف من الصحفيين سيضفي على الأمر نكهة الفضيحة التي يريدون لها أن تبقى سرية، و لكنها تنفجر رغم أنف الجميع. في يونيو سيتم الجلاء. نصيحة من الأخبار: لا تقل اليوم صباح الخير بل صباح الجلاء. و احتفالا بجلاء آخر جندي بريطاني يقام تمثال لفدائي مصري في ناصية شارع سليمان باشا و 23 يوليو. يحمل التمثال خنجرا مضاء و قنبلة يدوية و مدفعا رشاشا.
في 18 يونيو سيرسم صاروخان واحدا من الرسوم الكاريكاتيرية المنصفة القليلة التي رسمها في حق شعب مصر. المصري أفندي يشكر عبد الناصر على جهاد أربع سنوات فيشكره عبد الناصر على جهاد سبعين سنة. حتى هنا، تظل الكلمة الأخيرة لعبد الناصر، كما في أغلب سائر رسوم صاروخان، هو فقط من يمنح المصري أفندي التأشير بأن جهاده هو الذي قاد للجلاء.
بعد الجلاء ستهتز للحظة صورة القائد الشجاع الذي لا تهتز أعصابه و لا أقدامه: يكتب محمد حسنين هيكل مقالا عن بكاء جمال عبد الناصر و هو يرفع العلم المصري. يعرف هو أن هذه الدموع تمثل اهتزازا لن يتكرر قريبا، إذا تكرر، للصورة التي يحبون رسمها لعبد الناصر. سيبدأ مقاله بالسؤال: "رأيت الدموع في عيني عبد الناصر لأول مرة في حياتي، وربما لأول مرة في حياته."

جاي أتقبل التهنئة
استعدادا للاستفتاء على الدستور وعلى رئاسة الجمهورية تنشر الأخبار سؤالا خطيرا: "يتساءل البعض لماذا يجري الاستفتاء لانتخاب رئيس الجمهورية و قد نص على مرشح واحد هو جمال عبد الناصر و لماذا لا يتقدم أكثر من مرشح لهذا الاستفتاء؟" لن يتأخر الجواب: "و قد علمت أخبار اليوم أن السبب في هذا هو أن دستور يناير سنة 1956 ينص على هذا أي ألا يتقدم للاستفتاء إلا مرشح واحد فقط سواء الآن أو بعد أن تنتهي مدة رياسة الرئيس الأول و هي 6 سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء."
22 يونيو هو موعد الاستفتاء. في اليوم التالي و تحت عنوان انتصار سيوصف منح الأغلبية الساحقة من الأصوات لعبد الناصر و للدستور الجديد. و لأن انتخاب عبد الناصر هو انتصار للشعب نجد المصري أفندي يزور عبد الناصر الذي يحمل ورقة مكتوب عليها 99.9% فيقول عبد الناصر: أنت جاي تهنيني؟ و يرد المصري أفندي: أبدا. أنا جاي أتقبل التهنئة.
مقابل الدولة الجديدة التي تقوم في مصر هناك الدولة القديمة الآخذة في التفسخ في الغرب، دولة الأسرة الحاكمة القديمة. الملكة السابقة نازلي، التي تقيم الآن في بيفرلي هيلز القريبة من هوليود، اشترت أسهما في شركة أمريكية للبترول و عثرت الشركة على أبار جديدة فارتفع سعر السهم و أصبحت نازلي من جديد امرأة واسعة الثراء. تقول الأخبار أنها كانت تخشى شبح الفقر و الشيخوخة، أما شبح الفقر فقد تخلصت منه، أما الشيخوخة فهي العدو الذي لا تستطيع نازلي أن تفر منه رغم المساحيق و الأصباغ و الحلاق الذي يمر على منزلها كل يوم. بشكل ما، كانت صورة التأثير الغربي تعادل امرأة شمطاء تحاول التجمل، مثل نازلي. صاروخان يجعل عبد الناصر فنانا تشكيليا يرفض الموديلات القبيحة و العارية بخلاعة ويرسم موديلا مصرية جميلة ومحتشمة معلنا بأنفة انه لا يرسم الموديلات من الخارج.

حبيب الشعب
في نهاية يوليو يسافر عبد الناصر إلى يوغوسلافيا، في بلغاريا يتم التأكيد على صورة الرئيس المحبوب من الشرق المكروه من الغرب. ينشر خبر عن عزم شركة يوغوسلافية إتمام بناء جسر يوغوسلافيا في أيام حتى يشاهده عبد الناصر في زيارته. في بلغراد يجلس عبد الناصر في مقهى و يطلب كوبا من الجيلاتي بالفانيليا. ويفاجئ بالجماهير تحاصره و هم فخورون به، كما يروي نص الخبر ساعتها، هو المواطن الفخري لمدينة بلغراد، و يروي المانشيت الرئيسي للأخبار أيضا أن سكان 7 مدن يوغوسلافية سهروا طوال الليل للترحيب بعبد الناصر الذي سيمر بهم، السهر كلمة ترتبط بالعشق، و عبد الناصر هو ليس أبا مفترضا للأمة، و للشرق كذلك!، و إنما حبيبا كذلك، هو الرجل الوحيد في الأمة، كما أحبوا رؤيته في مجتمع لا يفهم إلا الذكورة.
أزمة تمويل أزمة السد العالي تظهر في الأفق. تنسحب أمريكا من تمويل السد العالي و تشكك في قدرة مصر على رد القروض بينما تستشهد الأخبار بتقرير البنك الدولي الذي يؤكد على أن مصر قادرة على رد الديون. عندما يعلن التأميم تقف الشرطة لحماية تمثال ديلسبس في بورسعيد، تمثال السياسي الذي أشار إليه الزعيم في خطبته إشارة سلبية، خوفا عليه من غضبة الجماهير. تقف الشرطة لحمايته. في يوم تال، سيرسم صاروخان نفس التمثال و قد تحطمت يده اليسرى و جاء إيدن من خلفه و وضع يده مكان اليد المحطمة. تحطيم صاروخان للتمثال يسترجع من الذاكرة تمثال الفدائي الذي أقيم فرحا بالجلاء، اليد هنا موطن الخير أو الشر، اليد المحتالة لإيدن و اليد المقاومة للفدائي المصري الذي يحمل مدفعا رشاشا.
بعد التأميم. عبد الناصر المحبوب من شعبه و المكروه من أعدائه. يظهر في صورة له في الأخبار في عربته يحيي الجماهير و البوليس يمنع اقتراب المواطنين منه. و على الناحية المقابلة من الصورة ثلاثة عناوين، إيدن خائف من عدوى التأميم، احتجاج أمريكي على تصريحات عبد الناصر المتطرفة ، كيلرن يخرف. و الخبر الأخير عن طلب سفير بريطانيا السابق في مصر بلاده إعادة احتلال قناة السويس. سيبدو هذا مبالغا فيه أحيانا كثيرا. يكتب صلاح منتصر عن حفل أقامته المسجونات للاحتفال بالتأميم يرقصن فيه ويرتدين زيا فرعونيا. منهن سجينة يهودية اسمها مارسيل كانت متهمة في قضية صهيونية تعلن في الحفل أنها رجعت عن أفكارها و أنها كانت ضحية للدعاية الصهيونية، أما الآن، و وسط زميلاتها المصريات فقد أعلنت أنها كانت تستحق العقوبة و تستحق السجن "كنت مضللة مخدوعة". فقط بين المصريين يمكن للمرء أن يرجع عن أفكاره و أن يؤمن بعدالة القضية و زعيمها.

عبد الناصر، فوزي و إيدن
يقول عبد الناصر أن مصر ستحارب حربا نظامية شاملة و حرب عصابات، و يعلن انتصارها في معركة إدارة القناة. يأتي هذا ردا على تلويح إيدن باستخدام القوة ضد مصر. و يعلن ماوتسي تونج، بعد اعتراف مصر بجمهورية الصين الشعبية، التدخل بالسلاح إلى جانب مصر. إسرائيل تطلب التدخل في مناقشة أزمة القناة في مجلس الأمن. الآن عبد الناصر هو البطل العربي، للعدوان الثلاثي، يسجل 112 مولودا في حمص باسم عبد الناصر. و أثناء العدوان، ينشر خبر عن أن قوات المعتدين تقتل مصريا كان يحمل صورة عبد الناصر، هي وحدها تستفز المعتدين، لا سياساته.
ستتحطم صورة الغرب قليلا. فوستر دالاس وزير خارجية أمريكا يهاجم السياسة الاستعمارية لبريطانيا و يقول بأن هناك خلافات بين أمريكا و أوروبا في هذا الشأن و ستهاجمه الصحف البريطانية. هنا سيأخذ الرأي العام في مصر في محاباة أمريكا. صاروخان يرسم إيدن و هو يحطم تمثال كريستوفر كولمبس لأنه هو الذي أكتشف أمريكا. في الثامن من أكتوبر يلقي محمود فوزي خطابا في مجلس الأمن يحدد فيها شروط مصر للتفاوض حول أزمة السويس. ستقول الأخبار، و بشكل طفولي قليلا، أن التصفيق قد تم له لخمس دقائق و تنهي خبرها بالقول: "و المعروف أن الجمهور لم يصفق لسلوين لويد – وزير خارجية بريطانيا – أو لبينو عندما تكلما أول أمس." الأشخاص هنا هم من من يديرون المعركة، و التصفيق لفوزي يعني انتصار القضية العادلة.
تبدأ بريطانيا وفرنسا في التسلح للحرب ضد مصر. إيدن: التراجع عن الإجراءات العسكرية الآن إجراء مميت لبريطانيا. يبدأ الهجوم الإسرائيلي في 31 أكتوبر، ثم البريطاني في 31 أكتوبر. تستخدم بريطانيا و فرنسا حق الفيتو ضد قرار أمريكي بخروج إسرائيل من مصر. الغرب منشق بين أوروبا و أمريكا، لن يكون هذا أول انشقاق و لا آخر انشقاق له، سيحدث مثله بعد أقل من خمسين عاما، مع تبادل ضروري لدوري الخير و الشر.
الوضع في بريطانيا وفرنسا يغلي. مظاهرات حاشدة في بريطانيا ضد إيدن. روسيا توجه إنذارا للدولتين العظميين بسحب قواتهما و إلا ستسحقها. تعلن وزارة الدفاع الأمريكية أن بريطانيا و فرنسا خرقتا الاتفاقات الدولية مع امريكا و أنها تعلم أنهما استخدمتا العتاد الحربي الأمريكي في غزو مصر. سيبدو كل الرأي العالمي ضد الحرب. في نهاية نوفمبر 1956 سينشر خبر عن إصابة إيدن بإعياء شديد ثم بانهيار عصبي. سترجع الأخبار ذلك إلى "الحملات الضارية التي تعرض لها منذ غزو مصر بالاشتراك مع فرنسا." الميل لاختزال الحرب في أشخاص كان عادة متبعة دوما في الحروب، يتم هنا بشكل انتقامي و في مواضع غريبة. صورة عبد الناصر، التصفيق لمحمود فوزي و إنهيار إيدن. ميزان المعركة مائل لصالح ليس مصر وحدها ولكن لصالح أمريكا وروسيا بالأساس. إيدن يستقيل من الحكم، و يبكي في مجلس الوزراء البريطاني. بينما تحصل آخر ساعة على "نصر عالمي" بإدلاء عبد الناصر بحديث لها عن ظروف الحرب و العمليات العسكرية .
ينتهى العدوان. عبد الناصر هو البطل بلا منازع. و التمثال الذي حماه البوليس من غضبة الجماهير لم تعد هناك وجاهة في حمايته. يتم نسف تمثال ديلسبس ثلاث مرات قبل أن يسقط في مياه بورسعيد، هذا التمثال الذي نسفه صاروخان من قبل، و لكن باحتراف أشد و في عملية شبه جراحية، يد مكان يد، أما الآن فالتمثال يغرق في البحر بكامله، و معه شمس الإمبراطورية العجوز إلى الأبد.



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دافنشي, يعقوبيان، و جرائم النشر، حرية التعبير في مجلس الشعب
- دم بارد.. بعثرة الندوب في جسد الواقع
- كرنفال الكرة و الادب على ناصية العالم
- بلدوزر.. تجار حشيش و مقابر.. تاريخ ملاحقة الكتاب الرخيص
- أدب المتدينين في إسرائيل و شيطنة الآخر
- يرسم نفسه، يكتبها، و يهدي فنه للعالم، مرايا الفنان بيكار
- فيروز و الرحابنة.. صوت عصي على الوصف و مسرح يعري النزاعات و ...
- كأس العالم.. إن شاء الله.. القضية الفلسطينية على الجدار العا ...
- عن تشابه الأحذية برغم كل شيء، حذاء الجيش و حذاء الباليه
- شاعر إسرائيلي: تصوروا أننا نقتل و خلاص! تصوروا أننا أشرار جد ...
- كومبارس الكتابة و الثورة المؤجلة
- ميتاعام.. الوقوف على نقيض الحفل التنكري الإسرائيلي
- كتب السوبر ماركت.. عمارة يعقوبيان بجوار اللانشون و الشامبو
- مينا.. جسر أدبي من الإسكندرية لنيوأورليانز
- بين رسم الحدود و تمزيقها.. علاء خالد و أمكنة للتسامح
- إميل حبيبي.. فلسطيني منفي عن إبداعه
- الاديب الاسرائيلي أ. ب. يهوشواع ليهود أمريكا: لسنا منكم
- كيف اختفى القبطي؟ و لماذا لم نشعر به عندما ظهر.. صورت الأقبا ...
- قاسم حداد و فاضل العزاوي في القاهرة, إلهان, واحد للحكمة و ثا ...
- الاستقلال اليهودي و جراح النكبة


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نائل الطوخي - عبد الناصر هو البطل الملحمي، المدخن المحترف و بائع التذاكر.. منذ خمسين عاما