أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - معتز نادر - خمسُ مقالات في الحضارة العاكِسة















المزيد.....



خمسُ مقالات في الحضارة العاكِسة


معتز نادر

الحوار المتمدن-العدد: 6789 - 2021 / 1 / 15 - 17:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ـ خَمسُ مقالات في مفهوم الحضارة العاكِسة ـ
نظرة نقدية للأخلاق الإقتصادية

مقدمة :


أنا انظر للحياة ولنفسي وللنظام المركب لأهواء البشر بفضول وتحفظ وأحيانا بسأم ومع ذلك لا أستطيع إلا أن أنصت حيال إحباطاتنا وإحساس خيبة الأمل التي تجتاح اولئك ممن لم تسنح لهم الفرصة أن يقولوا كلمتهم في الحياة ، أنا أشعر بالعبث عندما يستمر هذا الشعور تجاه الآخرين بمطاردتي طوال سنوات إلا أن ينكفئ بين الفينة والأخرى ليتبدل في لحظة محددة إلى شعور بشفقة عابثة ومنهكة لكنها خالية من التعاطف التقليدي أي التعاطف من أجل إشباع
مازوخي وحسب إذ لا يمكن طرح أفكار بمنطق جدي دون شعور بحالة تعاطف عامة
لأن خلفية الكتابة بشكلها العام هي خلفية تعاطف لكنها بالمحصلة هو تعاطف شخصي يمتد للآخرين ، ففي تلك اللحظة يصرخ شيء في أعماقي :
إن شعوري بالتفاهة والتململ من فقداننا لمواهبنا وعجزنا من أن نفهم مدى قوتنا الكامنة القادرة على استنباط جمال خالص من داخلنا واستبداله بدلٌ من ذلك بالقبح الديناميكي اليومي- ليس كافيا كي يجعل عقلي يتفهم ويتقبل مصائب وأحزان الكثير منّا عموما على أنها أمر طبيعي وأنها نتيجة لخياراتنا ولقلة حيلة تلك الخيارات ، إذ يكمن خلف ذلك الوضع سبب خفي وباطني له علاقة بأنظمة حياة متنوعة تسبّبت في تشكيل أزمة وعي و تآكل في طبيعة التفكير
بذات الوقت لا فائدة هنا بأن نقف على همومنا ومشاكلنا وننظر لأنفسنا بوصفنا مساكين غير قادرين على التحرك بغية تغيير شيء ما في واقعنا مهما بدا صغيرٌ ومحدودٌ ذلك الحيّز من التغيير ولأني مقتنع من ناحية أخرى بأنه عندما يبدأ المرء بالشفقة على نفسه فإن هذا يعني اعترافه بأن الحياة هزمته وأنه خسر معركته ضد الظلم المتخفي في قراراتها
إن الدافع الذي يجعلني أشعر وأفكر وأطمح هو نفسه من يجعلني أتمعن ساهماُ بطبيعتنا وغرابتنا كبشر وأيضا بسذاجتنا وطفولتنا ، وبعبثية المعنى بأن كل انجازات الدنيا وتبعيات الحضارة ليست كافية كي نتأقلم مع طبيعية عذاباتنا ومصائرنا المختلفة في حال كان الأمر يتعلق بعقبات ومطبّات نراها ونشعر بها ونعرف أنها السبب في تعطيل مشاريعنا ، فمثلاً عندما تغضب من احدهم وترغب بإنتقام صغير ستشعر بالإشباع إن تحقق انتقامك بصرف النظر عن شكل ذلك الإنتقام وقسوة المفهوم فمهما كان الشعور بأنك حصلت على العدالة التي تستحقها صغيرا إلا أنه سيمنحك الرضا وبأن ذاتك حصلت على عدالتها الخاصة لنقل كرامتها ثم في السياق نفسه أَنظر إلى سرداب التاريخ البشري - واندفاعه الباسل نحو جوع غريزته ذو الديناميكية الفريدة المترفّعة عن تعقيدات كل شخص على حِدا حينها سأشعر بالهوّة السحيقة والهشاشة بين ماهية تصرفاتنا كأفراد مفروضين على واقع الحياة في مواجهة معنى تلك التصرفات ودورها في استمرار الشرط البشري إذا ما حاولنا هنا ومن باب الجدل تنحية الجانب الغريزي جانباً ولو لبرهة و أعتقد من هذه النقطة تحديداً يبدأ الحراك المحوري للتساؤل الفكري *الأخلاقي*
ويُطرح التساؤل العريض بوعي وجدية ما معنى ما سلف ذكره:
بلا شك لدي العديد من التكهنات لتساؤل طبيعي وقديم يكتنف في داخله حيرة تقليدية يختص بها العديد من أصحاب الفضول ولكن إدراك المسألة من جانبها هذا لا يعني الحصول على إجابة مقنعة
فلطالما احتجت وغيري لإجابة موغلة ترضينا وتجعلنا نشعر بالإمتنان
في هذه اللحظة من حياة الفكر يغدو الإنجاز الذهني المتماسك الذي يمكن الوصول إليه بالنسبة لي هو سؤالي سؤال أنفسنا لماذا نشعر ونفكر على تلك الشاكلة التي نحن عليها ؟ وإلى أي مدى سنقدر كبشر وكمُنتج كوني قابل للفناء أو الإستبدال في نهاية الطريق ـ
على تطوير أفكارنا وانبعاثاتنا وحماية مشاعرنا من التلف في ظل دوامة النظام التقني الرقمي الصاعد كقمر اصطناعي والمتحالف مع رغبة الملايين من الأفراد -وهذا حقهم- باستغلال الفرصة المرئية على شاشات أجهزتهم الخاصة بغية قول كلمتهم والتعبير عن هواجسهم
السطور الأخيرة ليست نقد موجه لعقلية هذا العصر الرقمي أو تطوره عن عصر أخر لأن التكنولوجيا مُنتج بشري تساعدنا بشكل مباشر أو غير مباشر على فهم مشاعرنا ومحاولة تطويرها والولوج لذاتنا الخفية - وإنما هي أي السطور الآنفة تمثّل تكريس لسحر التساؤل الوجودي الخالد حول دور العقل الذي لا ينفك يطالب بشروحات لا تنتهي لأشياء ستنتهي أو ستتغير ذات يوم وتلك الأشياء هي كل مادة يتعامل عقلنا معها وكل فكرة يحاول نزقنا الولوج إليها
إن الفرد المفكر لنَقل صاحب النظرة المتأملة والإحساس الرقيق والشعور الخاص بالعزلة سيختار آسفاً في كثير من الأوقات أن يرضخ لحاجات الواقع بمعناها اليومي وبأقل خسائر نفسية جهدت الأنا طويلا على تحصينها -وذلك من خلال سلوك براغماتي تقليدي فيما ستظل لحظات سكونه الخاص تمثّل مفتاحاً لتعريف نفسه بكونه شخص خُلق ليكون فنان متأمل بينما ليس بالضرورة أن يكون كذلك فعلاً لكن تلك الصورة عن نفسه ربما تكون مريحة وكافية للفرد حتى هو يقاوم خسارة قيمة وجوده
نحن نعيش في تحدي دائم بين جدوى الفكر المُجرد في مواجهة قوة الغريزة في جانبها الجيني والذي فعليا غالباً ما يكسب التحدي وهذا لا يمثل نكسة أو مشكلة بحد ذاتها أو تساؤل عدمي مُنهك بل على العكس إن ذلك التحدي إنما هو محاولة محاكاة لما قدمه وما سيقدمه العقل رفقة تداعياته الفنية الجديرة بالاستمرار أطول فترة ممكنة
من المؤكد علمياً أن المخ ينقسم لنصفين نصف يهتم بالأمور الحسابية والتفاصيل العملية وقسم أخر يختص بالتأملات والأحلام ، وعملية الصراع أو المقايضة بينهما لا تنفي حقيقة كونهما مخ واحد من نصفين لا يمكن استمرار المادة الحية التي هي نحن بدون إحداهما وبالتالي فإن عملية التجاذب بينهما هي بمثابة ولاء استمراري بنكهة جدلية لطبيعة جسمنا الماديّة كي نظل نشعر ونفكر ونتأمل – كي نستمر في محاولة أن نكون بشر نسعى بأن نفهم ماهيتنا بشكل أفضل
اليوم يأخذ الغوص في طرح مثل هذه المسائل الذاتية النرجسية بيئة خصبة للعلم التجريبي الحديث عبر مئات الفيديوهات المقدمة من خلال قنوات اليوتيوب المستندة أصولا على تجارب وأبحاث لعلماء بيولوجيين يقومون على تفصّيل نوعية سلوك الكائن الحي وكيفية تطوره جينيّا وبالتالي محاولة ابتكار أسئلة أخلاقية جديدة ومحاولة فلسفتها ليتم إسقاطها طرداً بما ينسجم مع توقعات تلك الأبحاث ومحاولة التكيف معها ذهنيّا
وبالرغم من هيجان الاندفاع الإعلامي المرئي في دعم تلك الأبحاث إلا أن توظيف التلميح النظري الأدبي يظل دائماً ذا حساسية خاصة ومستساغ لدى العديدين .
لنعتبر ماسبق مدخل لما سيحتويه سرد الفكرة لاحقاً

ـ الأخلاق الإقتصادية *الحركية* و الأخلاق الحرّة * الذكية *:

منذ أن بدأ النظام البيئي والبيولوجي الحيوي بزرع جينياته تمهيدا لخلق نظام تكاثر كائناتي رهيب لا مثيل له و رغبة الفعل السامي في سلوك البشر لا تنفك تبحث عن تعريفها وعن دورها الريادي في معادلة البقاء المحكومة بالحاجة الغريزية والمعرفية على حدٍ سواء وبحتمية التبدّل وما من الشك أن فكرة الأخلاق لدى البشر لنقل من الناحية التاريخية ملتزمة بالولاء والتفاني بأداء المهام إخلاصاً للقوانين التي تجعل الجميع قادر على الاستمرار بالحياة وفق إيقاع منسجم وبصورة مُشرّفة ومن هنا يرتبط الفهم لمسألة الأخلاق بالغاية السامية لفعله فمثلاً النظام النَملي أو ما اسميه *أخلاق النمل * هو كناية عن النطاق البيئي الملتزم والمؤطر حركيّاً وسلوكيّاً وجغرافيّا وفق مساحة وانتشار منظّم لتلك البيئة الحيّة وإقحام فكرة النظام النملي هنا إنما هي لكي نبين الفرق بين الأخلاق الإجتماعية الإقتصادية المحدودة المبنية في جوهرها على العبودية لفكرة المملكة المتمثلة بالملك أو الملكة التي هي رأس الهرم في النظام النملي على حد سواء وبالتالي استمرار المساحة الجغرافيا لتلك العبودية من خلال التفاني والالتزام من قبل العاملين والعاملات خدمة للمجتمع الحيوي وبالتالي كرّست المجتمعات النملية نفسها كإحدى أكثر المجتمعات ديمومة في تاريخ الكائنات الحيّة
وهي تشبه بطريقة أو بأخرى آلية النظام الملكي في المجتمعات البشرية إذ أن العائلة الملكية كتاج لا تتغير بينما تتبدّل الشخصيات المُمثلة لها والساهرة على حمايتها نفس الأمر عند مجتمع النمل الذي هو غاية في النظام والإخلاص وبذل الجهد إذ تتغير النملات العاملات جيل بعد جيل فيما هنّ يحمينا الملكة و المستعمرة بينما تظل الملكة على قيد الحياة وتنتهي المستعمرة بموت الملكة لتبدأ محاولة بناء مستعمرة جديدة من قبل الناجيين وبنفس تلك الشروط وبالتالي ينتهي ولاء كل فرد كان يعمل في تلك المستعمرة المرتبطة بشكل أساسي بالحركة الآلية الصارمة والمكرسة لخدمة هدف واحد ومحدد وهو بقاء الملكة واستمرار المستعمرة وهذا يعني وفق النظام الملكي عموماً أنه لا داعي لأي إضافة ترمز لأي تطوير متمرد خارج عن المألوف طالما لا قيمة جوهرية له ولا يقدّم حسب العقلية السائدة أي إضافة تُذكر من شأنها تطوير مستقبل المملكة وبالتالي - يظل المِثال المُحافظ هو الاحتمال الأنسب لاستمرار العرش .
مثال الأخلاق النملية هنا إنما هو كناية عن تداعيات حركية محكومة بمساحة المكان و بتقاليد المملكة فليس ثمة أي عملية إبداع حر بمعناه النفعي لنقل من شأنه رسم أو تخيل وضع جديد للنظام يقفز به من أفق لأخر
وبالنسبة للمجتمعات البشرية تعتبر الأنظمة الملكية أو الأميرية نموذج حي للأخلاق الحركية أو الاقتصادية حتى عندما تعيش أفضل حالاتها على المستوى الاقتصادي وربما على مستوى دخل الفرد لكن هذا الإنجاز الملحوظ يظل محدود من دون أن يغيّر من فكرة أن ثمة دول كثيرة ليست ملكية لكنها في غاية السوء لكننا هنا نتحدث في نقطة محددة تبتعد عن الشكل الإقتصادي الواضح لتغوص أكثر بالتداعيات الفكرية لبنية الأمثلة القادمة
إذ ما الذي يمكن أن يفهمه المرء من الحياة إذا ظل مقتنعٌ طوال حياته أنه من عائلة ملكية أو أميرية وأنه يجب عليه أن يشعر بالتميّز والتفوق لأجل ذلك ، يا له من عبث فعلاً !
وبديهيّاً فإن معنى فكرة الأخلاق عند تلك الأنظمة مستمدَ كذلك من الصرامة والإلتزام والتبعية للرمز حتى أخر نفس وهذا ليس بعارِ أو بخطأ من الناحية الوجودية لأن كافة الكائنات تسعى للاستمرار بكل الطرق الممكنة وهذا شأن أخر - لكن في جانبه الاستمراري يكون جامد وعديم الشغف وباهت إذ أنه مثالي للبقاء والولاء المطلق للعرف والإرث وربما في تطوير حالة البحبوحة في العيش بينما البشر ليسم كذلك تماماً وإن كانت طبيعتنا تهفو لأمان متأخر محاط بأجواء *الرحم * الذي يحمي من فخ السقوط بالهاوية لكنه بذات الوقت أي ذاك النظام يضع حد للإحساس بمكانة الوعي وبمحاولة البحث عن مصير أكثر حرية وأكبر مساحة وكذلك بمستقبل ذو مواصفات خاصة يفجر إمكانيات كل فرد على حدا بغرض الإمساك بقوة أكبر بفرص الإستمتاع بالحياة وجعلها أكثر فعالية وجدوى وليس بالضرورة أن تكون تلك المواصفات عظيمة أو استثنائية بل ربما تكون بسيطة ومسالمة ومن خلالها يبتعد قدر الإمكان السؤال العبثي المُنهك الذي يصرخ على الدوام لماذا وجودنا ؟ وما فائدتنا ؟ونحن لاشيء في هذا الكون الواسع لذا لا نستطيع تقديم أي إضافة تُذكر ؟ تلك التساؤلات التي تشعرنا بعدم الأمان وبالتالي تقودنا بأن نتمسك بالغيب أو بِقوى لا نفهم غاياتها تماًما لكنها تسطيع أن تُشعرنا بأنها قادرة على تنظيم حياتنا كي نحصل على الأمان والحماية وهنا بالذات الفخ الذي نقع فيه
فالإنسان البسيط المتصالح مع بساطته هو إنسان قوي عندما لا يسمح للأخر في الاستخفاف بتلك البساطة وهذا مثلا يختلف كليّاً عن لفظ *درويش * حسب المنطق الشعبي والذي هو كناية عن الشخص قليل الحيلة والمستهدف من بقية أفراد المجتمع
باعتقادي لا يوجد أي معنى على الإطلاق لوجود شيء اسمه ملك أو نظام ملكي
أما إذا كنا سنتحدث عن نظام ملكي بصلاحيات تنفيذية كالمغرب والأردن وتايلاند والسعودية أو أميرية تنفيذية كالعديد من دول الخليج العربي فإن السطور لا تسعنا هنا للتحدث عن بشاعة الفكرة وبؤسها لأن مفهوم العبودية في تلك الدول يأخذ أبعاداً حزينة وبائسة
إن منصب الملك في كثير من الدول بات شكليّا أو منصبٍ فخري مثل بريطانيا وهولندا والسويد واليابان *إمبراطورية *، ومع ذلك فإن مجرد بقاءه كوَعي يمثل رمز قومي أو تاريخي لجيل ما يُعتبر مؤذي حسب وجهة نظري ، لماذا مؤذي لأن أجيال كاملة سيصطدم وعيها لاحقاً بهذا الجدار الرمزي مهما كان هشّا عِلماً أنه لن يكون واضحٌ أن تلك الأجيال تأبه به لأنها تبدو أي الأجيال بأنها تتصرف بحرية لكنها باطنيا ودون أن تشعر تأبه فيه فطالما هو موجود فستأبه فيه ولن تأبه فيه ثقافيّا بل ستأبه نفسيّاً
على سبيل المثال منذ مدة شاهدت مقطع فيديو لشابة بريطانية تبكي تأثراً من تواضع الأمير هاري *الخارق* لمجرد أنه كان يساهم بيديه بتنظيف متجر أو ما شابه بينما الأمير نفسه وهو ابن الراحلة الأميرة ديانا قد أعلن هذا العام تنازله وزوجته عن ألقابهم الملكية وإعلان استقلالهم المادي
ومن المعروف أن العائلة المالكة ببريطانيا تحصل على عائدات مالية من الحكومة البريطانية وبطبيعة الحال من الضرائب، بالنسبة لي شخصياً أشعر على سبيل المثال بأن عمر الملكة اليزابيث يفوق الخمسمائة سنة وبأنها جاءت من قلب العصور الوسطى
ولو قام اليوم أحد البرلمانيين في السويد وطالب بتحويل السويد إلى جمهورية فلن يرضى أحد بذلك لأنه سيعتبر مساس بالإرث السويدي
من الرائع أن يكون الملك حامل لمنصب فخري لا صلاحيات له ويعيش مثل بقية الناس ... حسنا طالما الأمر كذلك إذاً لماذا وجود المنصب بحد ذاته ؟!!
من جهة أخرى ربما أواجه سؤال مشروع من أحدهم وهو لماذا أتحدث في أمر لا يلتفت إليه أحد عموماً بما فيهم اولئك الذين يعيشون في ظل الأنظمة الملكية بأشكالها المتعددة ، كما لماذا الإصرار في رغبتي على إلغاء المنصب الملكي طالما لا أهمية عملية له في أوروبا الغربية والإسكندنافيه ؟
أجيب : بكل بساطة لأنه لا يجب أن يكون موجوداً ، بمعنى ما الذي يريد وجوده كمنصب أن يذكرنا فيه ؟ هل بأن العائلات الملكية ذات قداسة إلهية لا يجوز تغييرها لكي تظل تفطّن الشعوب بأنهم أقل شأنا من العائلات الملكية التي تستمد جذورها من الرعاية الإلهية !
أم لكي يعرف الجميع بأن الملك من أثرياء الدولة ويجب على المواطن العادي أن يتقبل هذا لأنه من الطبيعي أن يكون الملك أثرى من المواطن العادي؟!
أم لكي يبتسم المواطن المقتنع المخلص ويحيّي الملك عندما يراه يسير متواضعا بالشارع مثل بقية البشر بوصفه تصرّف خارق للطبيعة ؟!
أنا أفهم أن الإخلاص للإرث والأعراف هو بمثابة مساحة أمان خاصة لعقلية الجماعة أي ما اسميه رغبة -الاستمرار العكسي- فإذا بقي الولاء للماضي متألقاً سيساعد على استمرار الولاء للمستقبل فطالما حمل الماضي جينات الملوك والعز والسؤدد فإن تلك الجينات ستنتقل لتدعم رغبة المستقبل في البقاء والتمدّد وهذا بالذات هو منطق كافة الإمبراطوريات والدول عبر التاريخ وهذا مفهوم تماًما شريطة أن تأخذ من الماضي أفضل وأقوى ما فيه وليس الجانب الأقل إبداعاً والأكثر تهورا وبطشاً فيه
نفهم أنه من المستحيل نسف الماضي من ذاكرة الشعوب لكن من الجمالي والإبداعي تناوله بجديّة وعمق وبالتالي احترام العقل الذي يحاول ويصر في محاولته على تغيير شيء في طريقة تعاملنا مع الحياة
وعندما نصَر كبشر على الاحتفاظ بهالة الرمز المثالي بكونه شيء فوقي متعالي - فسنظل عندها نقبل كبديهيات بقاء الهوة في الفوارق الاقتصادية والمعيشية بين البشر لكونها وفقا للفكرة شيء طبيعي يعكس دورة الحياة ونوعيتها لهذا أَفصل هنا بين * الأخلاق المجتمعية *التي تمثل شعور الإنسان بالظلم وبين *الأخلاق الحرة* التي تمثّل شعور الإنسان بالعدالة التي يخلقها لنفسه والتي تحرمه منها تلك الزائفة وعدالة الفرد ربما لا تؤول لنهاية مثالية أو هادئة بل ربما تكون بعيدة عن توقعات الشخص أو ليست كما يبتغيها ولكنها على الأرجح ستكون أقرب لحقيقة الشخص ووعيه لجوهر ذاته ومصيره
في كثير من الأحيان لا تكون الحياة عادلة والذي يجعلها قريبة من أن تكون عادلة هو سعي المرء منّا لعدالته الخاصة عبر محاولة تغذية مشروعه الشخصي
إذ كان ثمة شيء عادل واحد في الحياة فهو محاولة الإنسان أن يشبه نفسه ، أن يكون ذاته ،
من هذه الزاوية وحسب ممكن التعامل مع فكرة الأخلاق بشكل ندّي وجدّي
إذ لا يمكن فصل الأخلاق بوصفها منظومة أفكار تعمل على توظيف المشاعر وجعلها أعمق تأثيرا على أسلوب حياتنا - عن الدور الإستراتيجي للتاريخ السياسي الإقتصادي والإجتماعي للشعوب
وهنا يغدو من الصعب محاولة إضافة ما تم التطرق إليه بخصوص هذا الموضوع من قِبل عشرات الفلاسفة والمفكرين عبر عشرات بل مئات السنين
ـ ولكن ما أود التركيز عليه هو أنه كلما استطاع الفرد تغذية إحساسه بالتعبير عبر جعل مشروعه الشخصي ناضج قدر الإمكان كلما أخذت فكرة الأخلاق قيمتها عبر أحقية ذلك المشروع أي أن السلوك سيكون إيجابي ومتفاعل والتعامل مع المواقف سيكون متوازن ، وكلما تسببت الظروف أو طبيعة الحياة أو الشخص نفسه بجعل المشروع الشخصي عصي عن التحقيق كلما تدهور محيط القيمة الأخلاقية مع تدهور نتيجتها الفردية لتنعكس مباشرة على الشخص نفسه تشاؤماً وإحباطاً ولتغدو الحياة برمتها منعدمة الإثارة وخالية من الدافع بالنسبة للفرد وهنا تسقط القيمة الأخلاقية مع تضاءل القيمة الإنسانية وحقها في الإنجاز من دون أن يبرز من الفرد سلوكيات غريبة أو وقحة
على سبيل المثال شاب يريد فعليّاً دراسة الفن التشكيلي في الجامعة بينما تشاء ظروفه غير المواتية بأن يعمل بمتجر لأجهزة الهاتف الذي هو ليس عملٌ سيء بطبيعة الحال في هذه الحالة حتى لو أصبح يملك المال كي يفتح متجر خاص بِه إلا أن إحساسه بأهميته سيظل ضئيل وهامشي لأنه يبتعد عن رغبته القديمة وهي الفنون التشكيلية وبالتالي سيظل يتخيل نفسه فنانٌ تشكيلي وبأنه إنسان لم يحقق ما يتمناه في الدنيا وسيتنهد كلما ذُكرت سيرة الفن أمامه وبالتالي تنخفض القيمة المعنوية بانخفاض قيمتها الجوهرية التي هي رغبة الإنسان ودافعه الحي
وبالمقابل العكس صحيح للشخص الذي يريد أن يملك متجر لأجهزة الهاتف مثلا ويضطر لفتح محل بقالة لأن ظروفه المحيطة لا تسمح بتحقيق رغبته الأولى فيما لا تكون إمكانياته الفردية هي العائق
والفكرة الآنفة لا تنطبق مثلاً على شخص يريد أن يكون تاجر كوكايين أو تاجر أسلحة لأن ذلك يتناقض كليّاً مع الهدف من نُضج وَعِي الفرد وفحواه الإبتكاري الخلاّق
*
من جانبٍ أخر إننا نسمع ونقرأ دائما على حصول ممثل سينمائي ما على عشرات الملايين من الدولارات مقابل تمثيله لفيلم ، أو أن يحصل لاعب كرة القدم على 15 مليون دولار على الأقل كراتب سنوي من النادي الذي يلعب له أو أن ينتقل لنادي أخر مقابل 150 مليون يورو مثلاُ أو أن يحصل لاعب في دوري كرة السلّة الأمريكي على عشرات الملايين سنويا .. هؤلاء يحصلون على تلك الأرقام الفلكية لأنهم يملكون موهبة معينة من دون نكران دور تلك المواهب في إمتاعنا كمتابعين ، لكن ألأجل ذلك فقط يحق لهم أن يحصلوا على تلك الأموال ..ما معنى ذلك !!! ما الفائدة منه ؟
ربما يتنطّح أحد المتحذلقين الإقتصاديين ليقول بأن الإغراءات المالية تشكّل دافعا قويا لأصحاب الطموح كي يسعوا جاهدين لتحقيق أحلامهم وبالتالي المساهمة الفعّالة بتمرير دولاب عملية التقدم والتطوير التي تعيشها المجتمعات وتفعيل أجواء الماكينة الإقتصادية
سأجيبه حينها بأن ردّه سطحي وتِقني وتعيُشي ولا يقدم إضافة ذات كفاءة ، اولئك المتحذلقون المنبهرون بريادة الماكينة الإقتصادية وبدورها الحضاري العظيم ! * وإن كان يبدو ذلك صحيحاً في أوقات عديدة * لكني هنا لن أرضخ لمجرد صحة ذلك الإعتقاد - اولئك لا ينفكون يصدعون رؤوسنا بدور الذكاء العملي الحاد وبعبقرية النفعية لأنهم وحسب وجدوا لهم موطئ قدم في عالم المال وبعالم الإدعاء السياسي المتقشف الباهت !
إن إولئك الرياضيون والمشاهير من أصحاب المداخيل الخرافية يستطيعون قطعاً أن يعيشوا وعائلاتهم في منتهى الرفاهية والبذخ وأن يكونوا بعيدون ماديّا عن غيرهم بأقل من ربع المبالغ التي يتقاضونها
من هنا يمكننا القول أن حالة التقزّم الذهني تأخذ شكلا بعيداً من الحتمية الإقتصادية لتتبدل إلى حالة غباء دولي ومجتمعي شامل إنها تمثل فعليّا حالة إستعصاء مُحبطة
نحن كبشر حول العالم نعيش حالة تقبل بديهي متعلق بمثل تلك التناقضات وكأنه شيء عادي على اعتبار أن النظام المالي العالمي قائم من يومه على التأثر بالتداولات المالية وأن التطور الإقتصادي والصناعي مرتبط بشكل عضوي بذاك التأثر
إن الحراك المالي اليوم هو عبارة عن أرصدة بصيغة أرقام تنتقل من مكان لأخر، وإن انعدام المسؤولية بتوزيع المال بين الناس لا زال يتسبب في أن تعيش مناطق كثيرة من العالم بما فيها بعض الدولة المرتاحة معيشيّا كأمريكا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا - تفاوت مخيف بين فئات المجتمع بما يتعلق بالأجور ، أنا أعيش بفرنسا وأرى ذلك،
بالنسبة لي لا أتحدث عن هذه المشاكل من باب رغبة بتفريغ شحنة فلسفية أو لأني لا أنام تفكيرا بالفقراء ، بل لكوني إنسان يحاول لفت النظر لحق الإنسان كبشري يسعى نحو بشريته
فاليوم على سبيل المثال يعيش العالم على وقع وباء مرضي يسمى طبيّاً - كورونا- يجتاح العالم ويحصد عشرات الآلاف من الأرواح في كل بقاع الأرض وسط مخاوف كبيرة من عدم قدرة النظام الصحي في أوروبا الغربية التي يستفحل الوباء فيها على تحمل أعباء المصابين بالوباء في لو استمر بضعة أشهر أخرى بسبب نقص الأسرّة والأجهزة المعدات
أليس من المفترض هنا أن تكون مئات ملايين الدولارات الإضافية التي تُعطى وتُصرف على لاعبي كرة القدم أو السلة أو الغولف مثلاً- مالاً مشروعاً لتطوير ودعم المنظمات الصحيّة في كل بلد بعيداً عن بيروقراطية منظمة الصحة العالمية
لندع مشاهير الرياضة وشأنهم – فمثلاً الفرق بين راتب الموظف الحكومي في دولة كفرنسا التي تعد كواحدة من أوائل الدول في معدلات دخل الفرد - وبين صاحب أي منصب رفيع فيها سنجده مهول ومفاجئ في الوقت الذي تُلغى فيه الضريبة على الأثرياء وهذا شيء غير مفهوم حدوثه في بلد يدّعي تزعمه للمشهد الحضاري من جانبه *العادل * كفرنسا
إذ ثمة فرق كبير بين 2000 يورو أو 2500 يورو يتقاضاها الموظفون العاديون أو متوسطي الدخل في فرنسا هذه الأيام و بين 15 ألف يورو كأقل تقدير على الأقل يتقاضاها صاحب أقل منصب رفيع في الدولة ولا أقصد هنا أن يتساوى صاحب الإمكانيات مع من لا إمكانيات لديه أو لنقل مع صاحب الإمكانيات الضعيفة فهذا شأن أخر ، ولكن ما أقصده أن يكون الفارق مفهوماً ومعقولاً وأيضا أن يُفهم لماذا هو كذلك فمن حق الأشخاص الخلّاقين التمتع بحياة لا تجعلهم يشعرون بعقدة النقص المادية كي يقدموا المزيد
عندما كبّشر نتقبل تلك الفروقات والهوة الإقتصادية المخيفة بين الناس وذلك السخف فيما يتعلق بتوزيع المال بينما نحن نلعب ونضحك -سنفهم حينها لماذا نتقبّل وجود الملوك والأمراء كلَون اجتماعي اقتصادي بارز حتى يومنا هذا ، ففي وسط كل هذا الشجع والبؤس والغباء يوجد منظومة قِيم إقتصادية جمعية ملتزمة تثير التقزز و تدعو ملايين الشباب للانضمام إليها كي يحققوا أحلامهم ويصبحون أثرياء يدعونها المُثل العليا أو إقتصاد السوق أو لعبة الإغتناء * فيتم من خلالها بناء بيئة مثالية للحث على الإنجاز العظيم ! لتكون نتيجتها على سبيل المثال حالات انتحار عديدة لموظفين شبان يابانيين متخصصين يعملون لدى شركات كبرى لأنهم تعبوا من هشاشة التزامهم بعمل يجيدونه جيداً لكنهم يفتقدون لشغفه
تعزيز الطموح لدى الأفراد للوصول للأهداف يأتي عبر تغذية الشغف والإلهام بأن يحب كل فرد عمله ولا يأتي من خلال رمي النقود في مكان ناءٍ وعلى الفرد الوصول إليها قبل غيره باستثماره كل أنواع الحيلة والخداع و بذلك يُثبت لنفسه ولمديره بأنه الأذكى والأجدر للحصول على الجائزة الكبرى
بينما على النقيض فبخلق الدافع المستقل والذي يعرف مصلحته لن يكون هناك جائزة كبرى وإنما سيكون هناك جائزة دائمة لن تكون حكراً على فرد محددٍ سعيد الحظ لأنه أدهى من الأخرين بقليل بل سيتسنى للجميع التفكير بالجائزة للحصول عليها
النظام الحالي المالي المبني على الإلتزام والتبعية يهدف دائماً بأن تنجح القلة بتحقيق أحلامها مقابل تحطيم كل الأحلام المتبقية والأنكى أنه يتم توريث هذه العقلية للأبناء
مع دعم الشغف والعاطفة كأسلوب عمل سيكون لكل فرد فكرته الخاصة التي يسعى لتحقيقها وسيكون هناك ملايين الأحلام التي لا تشبه بعضها والتي يمكن تحقيقها بتعزيز القدرة على الخلق والإبداع .
الماكينة الإقتصادية بدورها التاريخي المؤثر والذي من الصعب فهم تعقيداته لا تصنع منظومة نوعية أو ذات كفاءة بل تصنع سمعة إعلامية تزدهر من خلال العلاقات والرياء والمبالغة وبالتالي تخلق بيئة مناسبة تحدد قِيَم معينة ذات طابع ملتزم يرتكز عليه النظام الإقتصادي كشرط لإستمراره ،
من الإثارة أن أصبح ثريّا بمجهودي وتعبي المستمر ولكن من الرائع والضروري فهم لماذا أريد أن أكون ثريّا ، فمثلاً مليارديرمثل بيل غيتس مؤسس شركة ميكروسوفت أو ستيف جوبز مؤسس شركة أبل لإلكترونيات الحاسوب كان من يدفعهم للأمام هو شغفهم بعملهم وإيمانهم بأحلامهم وبأنهم قادرين على تقديم إنجازات ثورية تساهم في صناعة العالم تقنيّاً وهم أبدا لم يعيشوا بطريقة باذخة ومسرفة عندما باتوا أثرياء لاحقاً
من المهم أيضا أن أحب الخير ولكن الأهم أن أعرف لماذا أريد أن أقوم بعمل الخير،
و إذا كنت مهووس بمشاهدة أفلام العنف فعلي أن أسأل نفسي لماذا أرغب بذلك ؟ هل لأني سادي مثلاً ؟ أم لأن العنف جزء من البناء النفسي للبشر ؟
في كل مل نقوم به نحتاج عاطفة ذكية تدعم قراراتنا وإسلوب حياتنا وهذا لا يمنع بذات الوقت من أن نتعامل مع الحياة بإنسيابية وحب دون إجهاد زائد رفقة إبتسامة عذبة تمنح الأمل إن أمكن ذلك
*
ومع أن حرية الأخلاق مسألة نسبية بدورها إلا أنها تأخذ بعداً أعمق وأكثر كفاءة وتمرداً من الأخلاق الإقتصادية
فهي لا تستمد معناها من مفهوم الإرادة الحرة الذي هو مكون جاذبٌ ونسبي في طبيعتها لأن الإنسان لا يتصرف وفق إرادته في كثير من الأحيان بسبب أن طبيعته المادية ونظامه العصبي والوراثي يلعبان دوراً محوريا بالمدى الذي يستطيع الفرد أن يكون حرّا من خلاله - بل لكونها أي تلك الأخلاق وهذا أساسي جداً لا تأبه لفكرة الرمز كمرجع قادر على منح الإيجابية
الحقيقية إن المسألة هنا أي الفرق بين أنواع الأخلاق لا يتلخص جوهره عبر الوصول لنتيجة ختامية للموضوع عن من يجب الإستمرار به كمنهج أو كأسلوب حياة ولو أن هذا أحد أهدافي لكتابة الموضوع ، ذلك لأن جدلية الوصول للفعل المتسامي لن ينتهي طالما البشر موجودون ولا أعتقد أن هذا التساؤل سيفنى عما قريب وأعتقد أيضا أن وسائل التواصل الإجتماعي تعمل بشكل حثيث على تقريب مثل هذا التساؤل من خلال فيديوهات تنمية بشرية تعرض وجهات نظر علمية تعزز الطاقة الإيجابية لدى الفرد منّا وتساهم في تغذية الجانب الإبداعي وجعل جدوى تساؤلاتنا أكثر عمومية وتفرّعاً وبالتالي تصبح مشروع رأي لكافة المستويات الثقافية و تجعلنا نصدّق بأن التعريف للفعل الأخلاقي سيظل مبتورا ومفرّغ من محتواه طالما ظل يهدف لعزل الغاية الإبداعية ذات الطابع الفردي ومحاولاً بدل ذلك وضع الأخلاق الإجتماعية ذات الطابع الشكلي فوقها على اعتبار وفق للتعريف الأول أن مفهوم الأخلاق يُعرّف ضمن إطار الحالة الجمعية الساعية للأمان ،عِلماً أنه لا يجب أن يُفهم هنا من خلال ما سبق بأن الأخلاق الحرة لا يوجد بها التزام أو نظام بل على العكس إنما يجب أن يكونا جوّانيين غير ظاهرين شكليا ومتمردَين ذوي نزعة خلاقة وبالتالي يكون القرار *الأخلاقي* في قالبه الفردي يمثل حالة عامة للشخص نفسه تشمل السالب والموجب و يُتم تعريف الفرد من خلاله بدلٍ من أن يكون كناية عن برنامج *متفاني* لمواقف أنيّة تخدم وحسب نظام إقتصادي سياسي يدّعي السمو لخدمة الإرث ولخدمة الولاء الأتوماتيكي الإقتصادي مثلما يعيش الإنسان اليوم بكافة دول العالم وبالأخص دول العالم المتقدم ذات الإقتصادات القوية والناضجة وهذا لم يتغير منذ سنين طويلة وفي المثال الإقتصادي لا شك أن الفرد هناك يلعب دور ملتزم لكنه دور ترويجي محكوم بقواعد السوق وبالتالي سيكون من الصعب فرديا التفكير بإعادة صياغة النظام بشكل أعمق وأكثر حرية بسبب الغطاء الإعلامي والمرئي الهائل اللذين يطغيان على كافة رغبات هذا العصر وبسبب أن الماكينة الإقتصادية لديها قوة طاحنة وسحر مغري بذات الوقت فهي لا تترك مجال للفرد إلا أن يمشي مع نوعية الحياة المتاحة ومن هذه الزاوية تحديدا يستمد النظام قوته واستمراريته
ولكي لا أُفهم خطأ هنا وأكون واضحٌ جليٌ .. لم أقصد بالأخلاق في كل ما ذكرته
المعنى الرمزي لفعل الخير ، أو الإلتزام بالولاء لقِيم مجتمع ما تُقاس أخلاق المرء فيه من خلال قدرته على ترويض حاجاته الغريزية الأساسية بما يخدم مصلحة المجتمع إذ لا علاقة بين الغريزة والأخلاق ما نتحدث به إذا كان غرضنا عدم الإيذاء ، وإنما ما أعنيه هو الوفاء في اختيار الوسائل الأكثر ابتكاراً في محاولة التغيير الإيجابي من خلال آلية ذاتية الدافع والإلتزام بها وهذا يحتاج بالضرورة لنضج وفهم عميقين لتقلبات ذواتنا كما يتطلب بحث مستمر عن هويتنا كأفراد ، بهذا المعنى يصبح من غير الممكن أن يكون الشخص الغدّار المُخادع شخصٌ أخلاقي ذلك لأنه بعيدٌ عن الإيجابية بشكل كامل وهو سلبي تماما لأنه يتسبب بالأذية
إذاً *الأخلاق الحرة *لا تنبع من المعاناة والسعي إلى الفضيلة بل تنبع من الإدراك والعُمق اللذين يملكان القدرة على خلق اللحظات الخاصة والسعيدة ، كما أنها لا تصدر من قرار ضيق بقدر ما تكون منظومة فكرية تحاول أن تعي قرارها وتتحمل مسؤولية ذلك القرار بشكل واعي ومستقل ومن هنا تأخذ شكلها الحر ، لدينا مفهوم الصداقة كمثال قريب بعيد بآن معاً فمثلا ربما لا تشعر بمشاعر عاطفية حارة تجاه صديقك المقرب كالتي تشعر بها تجاه عائلتك وأشقائك لكنك تشعر بثقة كبيرة تجاهه لا تلمسها بآخرين تشعر بعاطفة محبة تجاههم ومن جهتك كصديق عليك أن تتحمل مسؤولية تلك الثقة
فهنا تفهم نفسك بأنك لا تفضل الشخص الذي تحبه على الشخص الذي تثق فيه لأن الثقة بين الأشخاص شيء نقي وخاص جداً وذو قيمة كبيرة للحياة قد لا يتواجد بين أشخاص يحبون بعضهم عاطفياً فتجدهم يجرحون بعضهم في مواقف أو حوارات عديدة سطحية ، بينما الأشخاص الذين يثقون ببعضهم سيخجلون من فعل التجريح قدر الإمكان لأنهم يحترمون ثقتهم وبالتالي يحترمون حرية قرارهم تجاه تلك الصداقة
*
بالتأكيد الأخلاق النملية متفانية وصارمة وتهدف لبقاء النوع واستمراريته ولكنها ظالمة للوعي الذي يريد أن يفكر ويحلم ويحترم المواهب ، إنها ظالمة حقاً
السلوك الميكانيكي خُلق للآلات وليس للبشر
مثلاً عندما أدخل للمتجر هنا في فرنسا وأرى الشبان والشابات يعملون
لمدة ثماني ساعات خلف الشاشات ليحسبوا أسعار البضائع للزبائن أمثالي ، ثماني ساعات يعيشون حالة انغماس كامل مع الأرقام عندها أفكر كيف سيكون عقل كل واحد منهم عند انتهاء وقت هذا العمل الآلي الأتوماتيكي !
بالطبع هم يحتاجون هذا العمل كي يقاوموا ويمرحوا في نهاية الإسبوع وأنا بدوري أقول أن هذا العمل يصلح للآلات ولا يليق بالبشر هم يعملون بمنتهى الأمانة والإلتزام لكنه عمل ظالم ولا يطوَر الفرد بل ينهكه نفسيا
ومثال المتجر ينطبق على سائقي الحافلات في فرنسا مثلا فسائق الحافلة لا يتحدث مع أحد إلا للضرورة فهو يعمل ثماني ساعات بتفاني وكل يوم تقف حافلته أمام عشرات الإشارات المرورية بينما ينتظر أن تفتح الإشارة ليكمل طريقه فعلاً هذا عذاب من نوع خاص ، أتخيل يوم ما أن يكون هناك حافلات بدون سائق وليذهب ذاك السائق ليتعلم الرسم أو العزف على أي آلة موسيقة أو أن يتمشى جانب النهر أو أن يكون سائق سيارات سريعة إذا كان يحب القيادة
ممكن أن يقال أن أعمال المتجر وسائقي الحافلات هي أعمال أصحاب عديمي المواهب ممن لا يملكون مهنة مميزة تدر مالاً ولكن الواقع أن *عديمو المواهب* هم كذلك لأن ليس لديهم الوقت كي يسألوا أنفسهم بثقة عن الأشياء التي يحبونها فعلاً أو عن الأعمال التي يحبون القيام بها والتي هي بعيدة عن بحثهم الذاتي وتقتل الرغبة داخلهم تلك الرغبة التي هي هويتهم الحقيقية كأفراد ،
والحقيقة هي أن ليس الوقت هو من لا يسمح لهم بالبحث عن أنفسهم وإنما طبيعة الحياة المرتبطة عضويا بالنظام الإقتصادي وتوزيع المال العام الذي يحدد كيفية سير الحياة على مدار الإسبوع وهو الذي يصنع اولئك الناس ويحدد طريقة تفكيرهم
في الحقيقة أنا لا أملك بدائل ملموسة عموماً ولا للمثالين السابقين خصوصاً ولست في موقع يسمح لي بتقديم البديل فهذا محكوم بالتقدم الصناعي والتقني
كل ما في الأمر بأني أرى وأشعر يقينيّاً بأنهما عَملان ظالمان وغير عادلين ، وبأننا نستطيع كبشر القيام بأشياء لا تُفرض علينا تدريجياً وبشكلٍ ممنهج أي أن لا نكون ضحية لمخططات إقتصادية جائرة وطويلة الأمد .
وإذا أردت أن أتناول أمثلة من صلب البنية الإجتماعية القبلية تكون أكثر التصاقاً وتأثيراً على بناء الفرد ووعيه فسنجد أنفسنا أمام تساؤلات متفاقمة حول جوهر حديثنا فالمغزى الأخلاقي يتغير وفق متطلبات وظروف كل مرحلة تاريخية
فمثلا قطع رؤوس البشر المخالفون للقوانين والشرائع عن طريق الفأس عند قبائل الغال مثلا أو عند قبائل مطلع الحضارة يُعتبر أمر طبيعي وهو منفصل بشكل كبير عن أن الشخص الذي يقطع الرؤوس أو يأمر بذلك ممكن أن يكون نجمٌ أخلاقي بالمعنى الفروسي بنظر قومه في كثير من القضايا الأخرى
كما نجد عند المجتمعات الشرقية أو العربية على وجه الخصوص بأن النظرة إلى الشخص الأخلاقي أو المحترم مثلاً لا يتم إسقاطها على كيفية نظرته أو تعامله مع المرأة لأن المرأة إلى منتصف القرن الماضي عالميا وإلى الآن في غالبية المجتمعات الشرقية والعربية تمثل إشكالية كبيرة بوصفها عورة ترتبط الكثير من معاني الشرف والنخوة بشخصها فربما نجد شاب ينتمي لتلك المجتمعات العربية ذو سمعة طيبة وسلوك في غاية اللطف والتهذيب يقوم بذبح شقيقته وحتى التنكيل بها لمجرد رآها تسير في الشارع ويدها بيد شاب غريب ، منذ أشهر ضُربت فتاة بالأردن من قبل ذويها حتى كُسر عمودها الفقري ومن ثم ماتت وذلك بسبب نشرها صور مع خطيبها على الفيسبوك !
صدقوا هذا يحدث الآن في القرن الحادي والعشرين من قبل أناس طبيعيين ودودين لا يقومون بأي سلوكيات شريرة في الوضع الطبيعي لكنهم يتصرفون بمنتهى الوحشية لأسباب لا يمكن التفكير بأنها من الممكن أن تسبب أي ضرر جسدي
هذه الأمثلة وغيرها تقودنا لنتيجة بأن فكرة الأخلاق بمعناها البشري التاريخي هي احتمالات فكرية تبحث عن أدوار مناسبة كي تفرضها على الواقع الوجودي للإنسان
كما هي ببساطة وفق لحديثنا أن يكون لديّ قدرة كفرد على أخذ القرار وقدرة مماثلة على احترام القرار وإدراك الأشياء من خلاله
وعندما يتفاقم السؤال الأخلاقي أكثر يتبدّل تدريجيّا لينظّم قوانين ذاتية حرة نفسيّا تتسبب بالحصول على قدر من المتعة والجمال
والحقيقة هي أننا لن نتوقف عن محاولاتنا السردية المتعلقة بفلسفة المصطلحات
لكي نكون قريبين من الشكل الذي تهفو إليه طباعنا
من حق الناس عموما أن يكونوا شيء أخر غير الذي فُرض عليهم ، أن ينتقلوا من الإلتزام بالأخلاق *النملية الإقتصادية * إلى الأخلاق الحرة *الذكية *
ممكن أن يُقال من خلال ما سلف أن طبيعة الحياة هكذا أي أنها ليست عادلة
طيب هذا صحيح ولكن ما المطلوب فعله حيال ذلك أن نقول اوكى الحياة ليست عادلة وكفى أعتقد أنه بالإمكان تجاوز هذه النتيجة لبعض الوقت والغوص أكثر بتعقيدات التركيبة الذهنية المُسقطَة اجتماعياً وسلوكيّاً والتي تنعكس على غالبيتنا بالسلب وبتنغيص لحظاتنا الجميلة التي من حقنا التمسك بها والتمسك بها هو تكريس لمبدأ إبداعي ومستقر ، نحن لا نتحدث عن القرار الأخلاقي من منطق تنظيري لأنه إذا كان كذلك فإنه لا يوجد أي دور يلعبه هذا القرار وبالتالي لا أهمية لوجوده وبالتالي لا يوجد فائدة هنا من كتابة الموضوع أصلاً ، وإنما نتحدث هنا لنحاول تكريس قناعة متعلقة ببناء المشروع الشخصي الناضج –الأخلاقي- بطبعه إن كنّا مصرين على مصطلح أخلاقي وهذا لا يهم من حيث الشكل
بالمحصلة نحن لا نتحدث عن صدأ الأخلاق الفروسية بل عن سوء استثمارها اقتصاديّا وعقم الحديث عنها في ظل هذا الإستثمار
في احدى المدن المكتظة بالسيارات حصل أن طلب شاب لطيف من رجل مسن رأه ماشياً أن يقلّه بالسيارة بدل من أن يكمل طريقه سيراً على الأقدام
فأجابه المسن : شكرا لك على العرض لكني لا أستطيع لأني أريد الوصول بسرعة فأنا على عجل من أمري .. !!
في أحيان كثيرة توهمنا الحضارة بعكس ما نريده
وموضوعنا غير موجّه للأذكياء وحسب إنما للذين يؤمنون بأن خيارهم هو الأصدق والأكثر جدارة هؤلاء هم *الأخلاقيون* .

ـ غرابة الفرد ومفهوم الثقافة العاكِسة :

بشكلٍ عام ثمة شيء مزيف يتخلل محاولة ترجمة الفكر الإنساني إلى واقع إيجابي مشرق أو محتمل وهذا الزيف يصنعه الشعور بالشك أمام الفناء المحتمل المفاجئ والغير متوقع بالتزامن مع رغبةٍ مٌعذبةٍ لدى الفرد الواعي بأن يكون ندّاً لهاجسهٌ الأول في الحياة -وهذا هو السبب حسب اعتقادي وراء خلق مفارقاتٍ وتناقضاتٍ عجيبة في الحياة تجعلنا مدهوشين وشديدو الإنتباه حيال الكثير من المواقف والحوادث المتباينة التي تخص نشأة الفعل ورَد الفعل لدى الإنسان وبالتالي محاولة الغوص عميقاً في بنية التفكير وطبيعة الحياة

-في غرابة السلوك البشري :

أنت تشعر بالصدمة عندما تسمع أو تقرأ عن رجلٍ حرق عائلته بالكامل *زوجته وأطفاله - أو أطلق النار على زوجته وأولاده ثم انتحر بسبب إحساسه المتواصل بالذلّ لعدم قدرته مثلاً على تلبية مطالبهم أو بسبب تراكم خلافات دفينة مع زوجته أو لأي سبب أخر
أو تسمع عن إمراة قتلت أطفالها الثلاثة ثم أطلقت النار على نفسها أو نفذت عملية غرقٍ جماعيٍ رفقة أطفالها في بٌركةٍ ما نتيجة إنهاكها من حالة فقرٍ مدقعٍ ، أو شابةٌ لطيفةٌ قسمت رأس والدها بفأسٍ بعد أن قطّعت زوجة أبيها في مطبخ المنزل لأمور متعلقة من حيث الظاهر بالإرث أو ما شابه إن هذه الحوادث ليست نتاج مخيلتي وإنما حدثت ومستمرة بالحدوث وأنت تجد أن مجرد التفكير فها تقشعّر له الأبدان .
وفي الكثير من هذه الحالات التي يغدو فيه الانتحار أو القتل الجماعي سلوك مشترك كحل جذري لكل مشاكل الحياة دفعة واحدة قد لا تكون الرغبة في الانتقام حسب ظنّي هي الدافع الأساسي للقيام بالجريمة وإنما المحرّك الفعلي يكون تراكم مشاعر الاضطهاد العميق الذي يشكل الحقد الجانب الأكثر وضوحٍ وهشاشة بنفس الوقت مقارنة بالتداعيات الأخرى في الشخصية لأنه عندما يصل حد الكراهية به أو بها لقتل أعز من يجمعها بهم روابط أُسرية ونفسيةٍ عميقة الغور ومن ثم قتل المرء لنفسه فإن هذا الأمر يتجاوز مفهوم الحقد والإنتقام بشكلهما السطحي فإذا بالمرء ينتقم بالنتيجة من شيءٍ قديمٍ يسكن المشاعر ويتراكم في الأعماق فيما يتعذر فهمه أو شرح أسبابه تماما وبالتالي يصعب الوصول لحل أو مقايضة للخلاص منه فيتفجر دفعة واحدة ليحدث مأساة مدوية .
كما أن حضور الدافع المادي للقيام بذلك النوع من الحوادث إن وٌجد لا يفسّر حدوث عمليات القتل بتلك الطرق المروعة وإلا قام بها منفذوها بطرقٍ أسرع و أخف وطأةً
إن المسبب الأصلي واضب على خذلان المرء وإهانته لسنواتٍ وجاءت اللحظة التي تَوّج به ذلك الشيء البغيض خذلانه على حساب استقرار العائلة وراحة وجودها وبالتالي تصير لحظة القتل الجماعي إنما هي لحظة انتقام سوريالي غير مفهوم من ذلك الشيء الذي تم التعويل عليه والإيمان به وحُبُّهُ بشكلٍ سحيقٍ وعاطفيٍ وبصورةٍ مؤلمةٍ لكن الظن به قد خاب وبالتالي يجب معاقبته على عدم إنصافه بأشد عقابٍ ممكن وعندما تتم معاقبته فإن المرء يعاقب ذاته ويعذّب نفسه ولن يفلح العقاب ما لم ينتصر عليه ويهزمه بقوة مثلما فعل هو سابقا ً–
وبالتالي فإن هزيمة ذاك الساكن الغائر في الداخل إنما هو نفسه الذات القديمة والقتل بتلك الطريقة إنما هو قتل لكل لحظة إيمانٍ وثقةٍ بقيمة اسمها العدل من وجهة نظر الفاعل
وقياساً لما قيل ذكره سيكون من العدل تفهّم وجهة النظر القائلة بأن ما سلف يُعتبر تنظير باهت وعديم الجدوى وشكلي هو الأخر مقارنة بتلك الأحداث الجلل خاصة إذا تم الإطلاع عليها من قِبل مرتكبي تلك الأعمال وبالأخص عندما يكونون في زنازينهم .
وإذا دققنا بتلك السلوكيات فسنجد أن من يقوم بتلك الأعمال هم في عديد من الحالات من الورعين أو المسالمين الذين كانوا لطفاءٌ بصورةٍ عامةٍ في حياتهم مع الآخرين ولكنها تلك اللطافة الكئيبة والغير محظوظةٍ والمهملة على مر السنين لأجل ذلك يأخذ تصرفهم هذا الطابع الدموي الجنوني كي ينتصروا لأنفسهم على الذل الذي جعلهم صامتين أكثر من اللازم ولفتراتٍ طويلةٍ دون أن يحركوا ساكناً
الذي يَقتل بتلك الطرق الإستثنائية الغريبة لا يجرؤ في كثير من المواقف على قتل أشخاصٍ يكرههم فعليّاً هو يقتل أشخاصاً كان يتعاطف معهم بطريقةٍ أو أخرى وبالتالي يستحقون جريمته يستحقون مرافقته إلى العالم الأخر فيقوم بقتل أمه أو تقوم بقتل أبنائها ومن ثم يقتل المرء نفسه لأن عقله لن يحتمل حقيقة ما فعله بينما لن يطبّق المرء نفس الاسلوب في القتل على الآخرين الغرباء عنه لأنهم بعيدين عن صحبة الذاكرة خاصته فلماذا يقتلهم إذا ؟ ماذا سيصنع بهم ؟ إذ لا يوجد تاريخٌ نفسيٌ مشتركٍ مع إولئك الغرباء
هو يقتل أشخاصا يريدهم ويحتاجهم وهنا تكمن المفارقة العجيبة المعقّدة فيقتلهم بمنتهى السادية عبر ذاك التصرّف الشاذ الذي يظهر فجاةً ليتحول إلى فعلٍ تراجيدي لا سابق له ففي تلك اللحظة التي تتم من خلالها عملية التصفية تنهار منظومة الدفاع في الذات وينهار دفعةً واحدةً قانون الردع الأخلاقي المتوارث منذ نعومة الأظفار ليحل محله هجوماً جذريّا واحدٌ لا ثانٍ له فيغدو جسد المغدور محاكاةٍ باهتةٍ رخيصةٌ لا معنى لها لصراعاتٍ قديمةٍ غامضةٌ المعالم عميقة الغور مسرحها الذاكرة المشوهة وبطلها الذات المكبوتة
ذلك الفعل هو لحظة نكران تامٍ من قبل الفاعل تجاه القوى المبهمة التي عجزت عن منع القّتل فبدت متواطئة وعميلة مع السبب الذي جعل الأمر ينجح والدماء تسيل
هي أيضا بالنسبة لبعض الأفراد في بعض الأحيان لحظة تعوّيض للتجاهل *الرباني* الذي يمنع المصائب فيما يظل الشخص يتعذب مع أحبته ؟ فذلك جحيمٌ لا يمكن احتماله ولا يمكن القبول به ويجب أن يحدث شيءٌ عظيمٌ مقابل ذلك الإحساس بالظلم والهزيمة- يجب أن يحدث شيء شنيع لا يستوعبه العقل ..
في مكان أخر من الحديث أفكر بألمانيا النازية وكيف كان مديرو المعتقلات والسجانون يتصرفون بشكلٍ طبيعي مع عائلاتهم يلاعبون أطفالهم وينظرون إليهم بعطفٍ وشفقةٍ ثم بعد ذلك وبعد لحظات العطف والأجواء العائلية الرائقة يذهبون لعملهم كي يضعوا المعارضين لنظام حكمهم وفئاتٌ أخرى من المعارضين و اليهود والغجر بأفران الغاز
وهنا الطامة الكبرى عندما يقول شخص مثل أدولف اخمان أحد أهم
الضباط المشرفين عن معسكرات الاعتقال النازية خلال الحرب العالمية الثانية تحت ما سُمي حينها بـ الحل النهائي- للقضاء على خصوم النازية –بأنه كان ينفذ أوامر قيادته وحسب وبأن لا مسؤولية عليه بخصوص عمليات التصفية التي طالت الملايين حسب ما أدلى به أثناء المحاكمة التي انتهت بإعدامه شنقاً
إنه لا يعتبر أن هناك أي غضاضةٍ بما فعله وأنه مجرد آلةٌ ثمة من يدير مُحركها
وفي سوريا كنا نقابل نماذح تحاكي ما نتحدث عنه في ظل قسوة النظام الأمني إذ تجد رجل يخدم في أحد الأفرع الأمنية يعيش في نفس الشارع بجانب منزلك ويبدو شخصاً عاديٍ ودودٌ للغاية ولا يظهر عليه أي شَر بالنسبة لنا نحن سكان الحي ثم نكتشف أنه يذهب إلى عمله على مسافة 3 كيلو متر لينزع أظافر المعتقلين على سبيل المثال أو يعلّق أحد المعارضين بالمقلوب
بالنسبة لرجل الأمن ذاك لا يتخيل أبنائه مكان الذين يعذبهم لأنه هو من يقوم بتربية أولاده ويعلمهم أن يحبوا بلدهم حسب رؤية النظام الذي يخدمه وبالتالي سيحب الأولاد أباهم الذي يَسهر كجنديٍ وَفيٌ لدى ذلك النظام ، يا لها من مقايضة للاستمرار والعيش
بالفعل إن * الثورة أعظم صرخةٍ في وجه الظلم*
-في حالة فريدة من نوعها أصدرت محكمةٌ ألمانيةٌ حكماً بالسجن على ممرضٍ ألماني سنة 2015 بالسجن مدى الحياة لقتله أكثر من 83 مريضاً في مدينتي ديلمن و الدنبورغ من خلال حقنهم بموادٍ سامّةٍ تسبب لهم نوباتٌ قلبية ٍمميتةٍ ثم بعد ذلك يتظاهر بإنقاذهم أمام زملائه كي يبدو بطلاً بنظرهم وبأنه متفاني بإنقاذ حياة الآخرين حسب ما أدلى به أمام قضاة المحكمة ،
الدافع هنا غايةٌ في الغرابة عندما يٌقتل 83 إنسان على يد شخصٍ من أجل أن يحصل على بعض نظرات الإعجاب من الآخرين
بالفعل السلوك الإنساني لا حلّ له
هذا أغرب ربما ونحن في القرن الواحد والعشرين من واقع وجود حركةٌ دينيةٌ متطرفةٍ تقوم باختطاف الناس وقتلهم وقطع رؤوسهم
وهو لا يقل وحشيةً من حيث خلفية المعنى عن المذابح المباشرة العصرية
الإعلام العالمي لا يتناول الحادثة على أنها مجرزةٌ بينما لو نفس الـ 83 شخصاً قطعت رؤوسهم على يد جماعةٍ مسلحةٍ مثلاً كان التناول العالمي سيكون مختلفٌ من خلال انتشار الخبر بشكلٍ طاعونيٍ بكافة مناطق العالم
إن الشعوب تسمع عن حوادث جرائم الحرب بينما لا تكترث في تفصيل كل حادثةٍ على حدا وفي ذات الوقت يعتريها الإثارة بالحوادث الواضحة والممسوكة إعلاميا
الذاكرة الإنسانية تشمئز من الأشياء التي تَمس تعقيدات غريزتها بينما لا تكترث بالحوادث التي تكشف تناقضات أخلاقياتها
فعند إنشاء مجلس الأمن أو الدول النافذة في العالم تحالفٍ عسكريٍ والقيام بقصف دولةٍ *خارجة عن القانون* أو لنقل تعيش اقتتال عسكريٌ مسلح
بينما يخلّف هذا القصف مئات الضحايا المدنيين فإن ذلك لا يُعتبر جريمة حربٍ لأن مجلس الأمن هو من يُشرف على هذا القصف
إن هذا يحدث اليوم في دولٍ كاليمن وسوريا فيُقتل المئات من المدنيين دون أن يهتز ما يُسمى بالضمير العالمي
*العقلية العالمية الأمنية ليست معنيّة بشكلٍ كبيرٍ بإيقاف المذابح والجوع والمرض بقدر حرصها أن يتم ذلك بهدوءٍ وكتمانٍ وإدارة*
سمو الحضارة بشكله الحالي لا يقنّن عدد الضحايا من البشر أو من باقي الكائنات وإنما يجعلهم غير مرئيين أو ظاهرين للعلن - على الرغم من انتشار كافة وسائل الإعلام رفقة النية الحسنة لوسائل الحماية والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان
وليس شرطاً أن يكون سلوك الإنسان ورغبته بتخفيف نزعته نحو نظام التصفية عبر قوانين أكثر إنسانية مرهونتان بعمق التجربة الحضارية أو هدفٌ بريءٍ لها فمثلاً أعداد الضحايا التي وفّرها الطب والتقدم العلمي بإيجاد مضاداتٍ حيوية وأدوية للأمراض والأوبئة التي كانت قاتلة في العصور الوسطى كالتفوئيد والكوليرا والتي كانت تفتك بالآلاف في كل مدينةٍ كان يحل الوباء ضيفٌ عليها –لن يمنع موت ضحايا غيرهم لأسباب أخرى لم تكن موجودة في العصور الوسطى لكنها تُعد أحد أكبر أزمات هذا العصر كتفشي ظاهرة التلوث المناخي مثلاً ولنا أن تتخيل عدد الأشخاص الذين يموتون سنوياً لأسباب متعلقة بالتلوث بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ

إني أتحدث عن العنف ليس لأني لست عنيفاً بل عالعكس لأني إنسان غارق بالعنف وأعيش في قلب ثقافته وجموحه ..
* فنزعة الإنسان لا ترفض وجود العنف في كل لحظةٍ وإنما ترفض كونه موجودٌ على الدوام*
في الأمثلة السابقة تتجلى فكرة الحضارة العاكسة بوصفها تكوّن طابع استعراضي للقوانين الدولية وبطريقة غير بريئةٍ إذ يٌصدّرالمشهد العالمي المرئي إحساسٌ ومُنطلقٌ ثقافيٌ وسياسيٍ رائج الصيت بأن كل شيء في مستقبل الإنسان سيسمو للأرقى والأكثر سلاماً وأمناً وأن النظام العالمي يفعل كل ما بوسعه لتحسين صورة الإنسان وهو يجهد لأجل ذلك في الوقت الذي يكون فيه ذاك الترويج كاذب بقدر حجم التردد الذي يسوده وهنا يكمن الفخ الحضاري المخادع بجعل المدارس الفكرية والأدبية الفنية ومنظومة التفكير البشري بوجهها العام وعبر وسائل الإعلام تصدح بالراحة التي ستعم بواسطة هاجس مرور الزمن والتقدم التقني ، بينما في حقيقة الأمر يتعين على العقول الثورية الواعية أن تنسف ذلك الفخ عبر محاولة اكتشاف الزيف في الواقع المعاش كي يصلوا إلى الصدق الكامن في الأحلام – إلى الأمل – إلى واقعية الآمال وكفاءتها المشروعة
في الحقيقة لا أعتبر ما سبق تشاؤماً من وإنما تحريضٌ على التشاؤم عبر هزيمة الخديعة التي تحرّك وهم التفاؤل الحضاري
فعلى سبيل المثال الإيحائي :
قام سكانٌ محليون في مدينة فالنسيا الإسبانية بإحراق قرني ثور ضمن مباريات مهرجانات جماهيريةٍ روتينيةٍ تخص مصارعة الثيران المشهورة في إسبانيا على وجه الخصوص كما يتم في مهرجاناتٍ أخرى إطلاق الثيران في الشوارع وسط جموعٌ من الجماهير التي تقوم باستفزاز الثيران – في فالنسيا أدى الأمر لقتل الثور نفسه بعد أن شعر على الأغلب بالهلع والخوف فضرب رأسه بعارضةٍ خشبيةٍ عريضةٌ وسط الحلبة في خضم تأوهاتٍ جماهيريةٍ قلقةٌ سخيفةٌ على مصير الثور - فيما تٌعتبر هذه الحادثة شيئاً عادياً في بلدٍ يُصرع فيه مئات الثيران سنويا داخل الحلبات إذ تنتهي في مجملها بقتل الثور طعناً بالرماح على ظهره وفي أحيان قليلة تنتهي بمقتل المصارع أو خروجه بإصاباتٍ بليغةٍ
وتقول الإحصائيات إن أكثر من خمسة ألاف ثور يُقتل سنوياً في إسبانيا بسبب مصارعة الثيران
وبينما أصدرت مقاطعة كاتالونيا في 2010 قانوناً يمنع هذه الهواية الشعبية القديمة - أسقطت المحكمة الدستورية العليا في اسبانيا القانون بذريعة التعدي على التراث الثقافي لمواطنيها !!!!
غريبٌ أمره هذا التراث الثقافي للمواطنين الإسبان المرتبط بطقس قتل الثيران إلى الأبد في بلدٍ يُنظر إليه بوصفه بقعة متحضرةٍ من دول العالم الأول في غرب أوروبا .
ومن المعروف أن تقليد مصارعة الثيران متوارثٌ منذ العصور الوسطى وكان تحت إشراف المؤسسات الدينية وقتها.
لا يمكن أن أتغنى بالمحبة والسلام في ظل البؤس والزيف المتراكم في هذا العالم
إن واقع التقدم في مسيرة الحياة يمنح إيحاءاً ملموساً بالإزدهار والأمان
- ومع ذلك لايمكنني الإنسجام مع إعتقاد أنه سيأتي يوم يحقق الإنسان من خلاله ما يصبو إليه *أمنيّا وتعايشيّا *بينما أعيش في عالمٍ إنسانيٍ أشعر عميقاً بأنه يخدع نفسه ولأنه يخدع نفسه فإنه بالمحصلة سيقع في فخ التردد بالتعاطي مع نتائج التقدم العلمي الذي يسعى لأجله وبالتالي سينقلب على مجهوداته من خلال التشكيك الدائم بفاعلتها عندما يُسقطها على الواقع
وسيشكك دائما بها كي يبقى مع زمرته في دائر الأمان – الأمان الذاتي –العالمي- العقلاني المتوازن !
فدولة كالولايات المتحدة التي تتواجد فيها جامعة هارفارد إحدى أعرق الجامعات في العالم و وكالة ناسا الفضائية الرائدة و أحد أشهر معاهد العالم معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا–
في نفس هذا البلد يقوم رئيس الدولة برفع يده كالأطفال الصغار لكي يحلف اليمين الدستورية أمام رجل دينٍ يقوم بتلقين الرئيس العبارات التي يجب أن يرددها ضمن أجواء غاية في الهزلية
كم يبدو مدعيٌّ وتبعيٌّ ومبتذلٌ بشكلٍ مٌغرقٍ هذا الوفاء الأمريكي الرسمي للقيم الدينية بالتوازي مع مكانة المؤسسات العلمية
لا أنوي هنا التحدث عن غيظي تجاه المنظومة الدينية ولكن ما أقصده هو التساؤل عن فوائد الدافع الأساسي لإعتماد مثل هذا الطقس الشعائري عند انتخاب الرئيس إذ المفروض أنه لا علاقة للشعائر الدينية عند مراسم تنصيب رئيس لدولةٍ تسير لنقل بخطٍ قريبٍ من العلماني
لكن حقيقة الفكرة من وجهة نظري تتمركز بأن ذلك الطقس الإنتحابي سيترك أثرٌ عميقٍ في الوعي الإجتماعي الأمريكي أكثر مما ستتركه وجود وكالة ناسا على الأراضي الأمريكية
لأنه عندما يكون مثل ذلك الطقس الإنتخابي شائعاً في بلد رائدٍ على المستوى العسكري والإقتصادي مثل أمريكا فإن هذا يعكس تزمتٌ اخلاقّيٌ شكليٌّ تعيشه العقلية الأمريكية في الوقت الذي لا يبدي فيه الأمريكيون مثلا أي إحتجاجٍ واضحٍ عندما يُحرمون من حقوقهم حينما يلغي رئيس الدولة ضمان التأمين الصحي الذي يعيل عشرات الملايين من الأمريكيين!!!
من جانب أخر نجد أن منطقة نزاع سياسي وعسكري كمنطقة الشرق الأوسط تتأثر العقلية فيها مثلا بمصطلح الشهادة كبُعدٍ أخلاقيٍ ومثالٍ نموذجي عن حجم التضحية
لكن هذا المديح العسكري الجنائزي سيئ النية يمنح شرعيةً لضرورة وجود الحروب أكثر من حقيقة كونه نتيجةٍ حتميةٍ لها
إن الأشخاص الذين يلتزمون بعمل ما طوال حياتهم يفعلون ذلك لأنهم يحبون القيام بذلك بالمقام الأول فيضحون بالكثير من اجل قضاياهم هم يفعلون ذلك لأنهم يؤمنون بمشاريعهم ويرون أنها تستحق أن يمضوا جٌل عمرهم في خدمتها ، أما الجندي الذي يٌقتل بالحرب هو لا يريد أن يموت وإنما يريد أن يعود إلى منزله لكي يعيش ويستمتع بالحياة
-إن الوضع الطبيعي مجازاً لا يقول أنه يجب مكافأة الجندي لأنه قُتل بالحرب دفاعاً عن وطنه بإعتباره شهيداً ، بل الوضع الطبيعي ألا يكون هناك حروبٍ حتى لا يكون هناك شهداء
إن الرؤساء وقادة الدول في الشرق يقايضون رغباتهم بحياة الآخرين بأن يطلقوا عليهم لقب شهداء ، يا لها من وضاعة
فيما سبق سيرى القرّاء من مناطقٍ بعيدةٍ من أوروبا الغربية أو الإسكندافية فيما إذا وصلت هذه الكتابات لأيديهم بأن الطرح السابق إنما يعود لتواجدي بمنطقة الشرق الأوسط المليء بالحروب والصراعات الإثنية والفقر وبالتالي يبدو طبيعيّا تأثري بأحداثه السبب الذي من شأنه جعلي أنظر لكافة مناطق العالم نظرةٌ سوداويةٍ تشاؤمية ٍ ومن المرجّح أيضا أن تكون هذه الرؤية من إولئك القرّاء مرفقة بأن الحقائق الإقتصادية والأمنية تشير إلى أن العالم عموما بات أكثر أمناً وتقدماً وأقل وحشية في الخمسين سنة الأخيرة بشكل خاص بالتزامن مع تزايد الرخاء الإقتصادي في بقع عديدة من العالم مقارنة بأعداد الضحايا الهائلة التي حصدتها الحروب مثل الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها قرابة الـ 50 مليون إنسان :
بالنسبة لي كإنسانٍ لديه وعي وكحاملٍ للقلم أقول بأنه ليس مطلوباً مني أن أتشدق بالإشراقات البشرية الموجودة والتي تم إنجازها على كافة الأصعدة مقابل ألا اهتم كفاية بالكوارث و والحروب والمجاعات في العالم بحجة أنها ليست كثيرة ً وغير ممتدةٍ جغرافيّاً !أوّ لأن العديد من سكان العالم لا يسمع بها !
ثم أني ككاتب عشت في منطقة أزمات وحروب وعاصرت ثورات ومواقف عديدة أرى أنه من الضروري علي التحدث في قضايا أثرت وساهمت في بناء الوعي لدي وكذلك بنظرتي للعالم .
العالم بات أكثر أمناً ولكن هذا لا يعني أني سأكون سوداوي أو متشائمٌ إذا تحدثت عن واقع سيء وعن بيروقراطية قاتلة تفتك بروح الإنسان وتحوله لمجرد رقم كما يحدث اليوم في قارة أوروبا
من ناحية أخرى وبإستثناء غرب أوروبا والدول الإسكندنافية وأستراليا وكندا
يشير تقرير صادر عام 2012 عن منظمة فاو للأمن الغذائي إلى وجود حوالي 870 مليون شخص في العالم أغلبهم يقطن في المناطق النامية من العالم يعانون من نقص مزمن بالغذاء –وأشار تقرير أخر عام 2014 بأن ما يزيد قليلا عن واحد من بين تسعة من سكان العالم - يعانوا من نقص التغذية .
ـ حقيقة الشعور الثوري ووهم الجاذبية السياسية :

أفكر كثيرا بالجدوى الكامنة من مهنة الكتابة وموقعها في مسلسل التقدم الإنساني ومدى حضورها في ذاكرة التاريخ وبتهميش فحواها
من قبل الجانب *اليميني * الذي يحكم الحياة بشكلها السياسي المحافظ والمساير للرغبة الشعبية الجامحة - فتنتابني الريبة لأجل ذلك
في الحقيقة أريد أن أذهب أبعد من أن أبدو وحسب كيساريٍ كارهٍ ورافضٍ للعقلية الذي يمثلها الزيف البراغماتي بوجهه المهين
السياسة هي تكريس للمشاعر والقناعات الجماعية ذات المصالح المشتركة من أجلِ ذلك النجاحٌ فيها مضمون وإذا تم بَخ القليل من الكلمات الشعبوية في إذن الجمهور المتلهف للعرض الشيق سيكون الهدف مضمون عندها –
ذلك التوجّه للوصول لعقول الناس سيظل رخيصاً ومبتذلاً بالنسبة للشخصيات الغير مهتمة بتلك التوجهات بذريعة أنها لا تمثلها بينما ستفضّل البقاء في حالة المترقب المندهش على أن تدخل في خضم المعمعة الشعبية المقروءة مُسبقاً حتى لو كان الثمن البقاء تحت إمرة ذلك الشعبوي الجماهيري القائد الذي ربما يجعل من تلك الشخصيات الموهوبة تعاني من طريقة تسيّده للمشهد السياسي الشعبي
هذا إشكالٌ حقيقيٌ وسوء فهمٍ مجتمعي نوعي عندما تجتمع الطبيعة الإنسانية المتضاربة على ذلك النحو في مكانٍ واحدٍ
الحالة المختلفة بشكلها الثوري الرافض للشكل السياسي التقليدي الحاكم ُتفضل أن تكون ضحية على أن تكون شريكة للعقلية الديماغوجية وهنا ربما يصح تذكر قول الفيلسوف - بيرتراند راسل- بما معناه أن المتشددين وأصحاب النفوذ يغيرون العالم لأنهم يثقون بأنفسهم بعكس الحكماء الذين يفتقدون للثقة بالنفس والإيمان العميق بأفكارهم فيسيطر عليهم الشك - هذه قول رائعٌ وواقعيٌ لكنه ليس حكماً نهائياً على الفكرة وإنما وجهة نظر مٌلهمة إذ أن المتوقدين فنيّاً وأدبيّا على سبيل المثال يعانون من التردّد في العديد من مواقف حياتهم وعدم وجودهم في مواقع القرار يعود في أحد أوجهه لخشيتهم المفرطة من الحكم الأخلاقي الشكلي للتاريخ عليهم ، أيّ تاريخ ؟َّ التاريخ الأدبي –السياسي- الارشيفي ! هم لا يريدون أن يخسروا امتيازهم الشرفي والذي هو أنقى حدث في حياتهم مقابل سلطة دنيوية زائلة من وجهة نطرهم وفي هذه النقطة عليهم أن يتقبلوا نظرة البعض إليهم بوصفهم يعبرون عن نوع ثقافي نخبوي استفزازي في حال افتقدوا للشجاعة التي تجعلهم يقفون أمام قراراتهم المناهضة للتفوق الكمّي للجهة المقابلة
نحن هنا لا نتحدث عن صراع فئوي مضني وإنما نحاول تبني منهج تمردي طويل الأمد
ضد العوامل المحبطة لمجهود المرء وسلامة أفقه
بصورة مجازية الفن ينهل غالباً من بئرهِ الرومانسي بينما السلطة السياسية تستمد جاذبيتها من سادِيتها الناعمة ـ من لا مبالاتها المستفزة تجاه النزعة الحيوية المتمردة
خرافية وغريبة جداً حالة السطوة البشرية تلك بنظرتها الكسلى العميقة لحركة الحياة
ومهمة السياسة بشكل خاص هي أن تجعل الجماهير تعشق تعلقها بقناعاتها وديناميكيتها اليومية من خلال تعليقات وخطابات ذاك السياسي أو ذاك –ورجل السياسة *مثلما ذُكرت في كتابات سابقة * تكمن مهمته وحسب بتكريس تلك القناعات لدى الجمهور -هي لعبة يفهمها الطرفان لكنها يجب أن تُلعب ،
لطالما كانت الحالة الحاكمة حالة وسطية من حيث القيمة المجتمعية فالطبقة الحاكمة ليست طبقة موهوبة وليست عادية بذات الوقت بل هي مناسبة .. مناسبة للحياة اليومية المنخرطة بماكينة النهار ودورة الحياة
والفنانون بمختلف تفرعاتهم سيدعمون ذلك التوجه السياسي من غير قصد ما لم يكن نتاجهم صادمٌ وعميق الغور
على الفنان الحقيقي بنكهته المتمردة أن يرفض دور الضحية في المجتمعات ودور الضحية هنا هو إصراره أن يظل يكتب أي شيء بحثاً عن الإعجاب والخلود بينما يظل الحُكم السياسي مستمرٌ باحتقار أمثاله بإتباعه سياسة التهميش والتقليل من احترام الموهوبين وهذا ما يحدث في الأنظمة المستبدة بوجه خاص وبالعالم الغربي بصورة أقل وضوحاً وأكثر التفافاً - لأن هذه الرؤية عبر جانبها السلبي ستُظهر الإبداع بكافة أشكاله بوصفه حركة خادمة للوضع السياسي القائم إنما بقالب ثقافي رقيق وغير لا فت وهذا القالب بطبيعته قريب من حياكة العالم السياسي للأشياء من حوله أما الموهوب الحقيقي المؤمن بعقلية الرفض صاحب الخيال الخصب والنزق الفكري سيحتقر الطرفين أي السياسي والمبدع الضحية ولن يشعر بالراحة معهما وسيظل يشعر بالأهمية إذا ما قورن بالذي يراه من شهوة مزيفة للحياة شهوة تبحث عن خوفها وليس عن سبب خوفها –
أنا لا أحبذ العالم السياسي على تلك الشاكلة *الذي لا نستطيع التفريط به بطبيعة الحال* لا أؤمن بوجهات نظره لأني ببساطة لا أشعر بالأمان والثقة من خلال تلك المغامرات
ولا يستطيع رجل الدولة هنا أن يقول لي بأن مشاعري وتقيماتي الحياتية هي مشكلتي
ذلك لأنه يتدخل بتلك المشاعر من خلال نفوذه
ومن ثم أتيقن رويداً رويداً بأن الثقافة السياسية بشكلها الإقتصادي الحيوي إنما هي ثقافة استنزافية لحقيقة ما يدور داخل نفس الإنسان ، إن الصوت العالي للسياسة عبر الإعلام والمنابر هو غطاء للعواصف الصامتة داخل الفرد العادي لكنه غطاء بيروقراطي باهت وعديم الأفق -هو تماماً تمهيد للقضاء على رغبة الإنسان رفقة شعوره بالمتمرد
السياسة تكرّس بمعنى ما حالة اقتصادية واقعية لذيذة ومباشرة في طريقة تعامل البشر فيما بينهم بطريقة خفية فالواقع السياسي يمهد للرتابة وللزيارات العائلية والعيش المستقر
أستطيع أن أتفهم متعة مزاولتها لكن مشكلة الفكر السياسي المعاصر
المستعصية تتحدد بكونها ترغب بتجسيد حالة صدق معتملة ومنظّمة داخل العقل لكنها تفشل في تصديرها للناس فلا يظهر منها إلا صدى تلك الحالة على شاكلة خطابات وعبارات رنانة زائفة
أحيانا يريد الحزبي اللامع أن يكون صادقاً لكنه يفشل في ذلك لأنه يتعامل بشكل مباشر مع رغبة الناس بالزيف الذي يستهدف وَهم الأمان فينهزم تدريجيا الشيء الصادق والجدير بداخل السياسي ويتحول بالتالي لبوق وصوت و آلة تخدع نفسها قبل أن تخدع الآخرين
السياسة أيضا هي الضجيج والانغماس مع الحركة -الحركة التي تتوزع حول ما يريده الناس –مبدأ السياسة يقوم على عدم معاندة تلك الرغبات لدى الأشخاص وفي حال معاندتها لتلك الرغبات ستغدو الأجواء السياسية متصالحة مع مشاعرها الذاتية وستصبح عندئذ ثورة وهنا بالذات وبالتحديد سيكمن جدواها وتبدأ تتحول لشيء نظيف ونقي فتبدأ عملية الإنقلاب على التاريخ الزائف الغير مثير الغارق في سكينة حركية عبّرت عنها تماما تلك السياسات التي كانت سائدة والتي غيرّت المجتمعات لكن الذي غيرته في المجتمعات لم يكن مٌخلصاً ومن أجل ذلك ما زالت السمة الرئيسية للعالم الإنساني بأنه عالم حروب خفية وشجع وشركات شهوانية مخيفة لغالبية سكان الأرض ،
وهنا يجب القول بأن مهما كان المرء مٌلهما وخلّاقا فإنه لا يمكنه مقاومة رغبته بالتسلّط وبأنه صاحب سلطة يمكنها تغيير أشياء
و الحياة تسير هكذا فعندما يعرف المرء منهم *أي الحكام* بأن قراراته ينتظرها ألاف الجموع فإن هذه الحقيقة تملؤه بالتميّز الخاص وبالحس الخالد بأنه يمتلك الفكرة الأقوى والأكثر جاذبية وحضوراً و وهماً
إذ من الروعة اليقين بأني أمتلك الفكرة التي يفتتن بها الآخرون
قرارات الإنسان عبر التاريخ تقول بأن التبرير يسبق الفعل لكن ذاك التبرير يكون أقوى وأكثر حسماً بعد تنفيذ الفعل وبالتالي يمنح الشخص شرعية الذهاب بعيداً بأفعاله بالأخص عندما تكون شريرة وخالية من الإحساس
*
مع الزمن ستبدو فكرة قيادة المجتمع من المؤسسات الحقوقية المرموقة ذات القواعد المتينة أكثر جدارة وأحقية من اعتلاء الأحزاب السياسية للسلطة في المجتمعات –وسيكون مقبولاً قيادته من قِبل الحّركات ذات اللون الفكري المدني التي لا ترتكز على الوطنية الضيقة في مفهومها لتطوير المجتمع وإنما في احترامها العميق لتأثير الإرث الفكري ومكانة حركة الإبداع في المجتمع –
الأحزاب والحركات الناشئة نسبيّاً و المهتمة بالمشاريع البيئية في أوروبا كأحزاب *الخضر* في فرنسا وألمانيا وكندا وأستراليا تُعد مثالا مقبولا لما نتطرق إليه وهناك أحزاب وحركات *نصف سياسية* إن جاز التعبير تحاول صهر الأفكار السياسية المتمثلة بالأحزاب التقليدية في مشروع نوعي وقارّي حاضن إذ تبدو فكرة غاية في الحمق وسط هذا الصخب الفكري المتلاطم - وصول أشخاص ذوو رؤية حزبية ضيقة إلى سدة حكم المجتمع وسيكون مناسبا أن تكون السياسة شريكة في الاقتصاد ، أما حالة التوازنات السياسية العالمية التي يرعاها مجلس الأمن ستظل تفشل على الدوام في تأسيس حالة ألفة بين الشعوب -ودعوتها الشكلية الهشّة المبتذلة للسلم العالمي سيظل موضع استهتار واستهانة بالنسبة للباحثين عن راحة الفرد في كل مكان ،
يجب أن تسعى المؤسسات المدنية الفاعلة لطموحها نحو عالمية مشروعها و قيادة المجتمع وبالتالي فإن حقيقة رفضها لهذه الغاية بذريعة تبنيها شعار اللاسلطوية يبدو غير مقنعٍ عندما يكون البديل شخص سياسيٌّ شعبوي ضيق الأفق ومُغرق بالجشع الإقتصادي

لماذا علي أن أتقبل واقع أن يكون الثراء سبيلاً إلى السلطة وهذا هو الحال في بلد مثل الولايات المتحدة على سبيل المثال ؟
لماذا الثراء والسطوة عند حكام الخليج العربي يَسمح لهم باعتقال شاعر أو ناشط حقوقي أو أي إنسان في المجتمع عبر مؤسساتهم العائلية الوراثية ؟ في الحقيقة نحن نتقبل ذلك عندما نُصر على أن تظل المنظمات الفاعلة والتي تستطيع شكلا ومضموناً التأثير على صوت الناس و محاولة خلق حالة من العدالة الاجتماعية أن تظل خائفة من تلوثّ أخلاقياتها بسبب دخولها عالم السياسية المتشعب بالعلاقات والتوجهات المشبوهة
على تلك المؤسسات أن تبتعد عن ذلك القلق لأنه ليس في محله وليس في صالح أحد
عندما تستطيع مؤسسة مدنية جمع ملايين الأصوات دفاعاً عن قضية مستحقة ما وهذا يحدث بطبيعة الحال - لن يصعب حينئذٍ هزيمة شرذمة من المحرضين القوميين الشوفونيين
في هذه الحالة نحن لسنا بسلطويين رخيصين وإنما جديين نريد أن يحيا الجميع في كل مكان – نريد لنا أن نتنزه ونأكل ونضحك في الحدائق مع عائلاتنا ورفاقنا، نريد العيش وحسب
إذا كانت المؤسسات المدنية بحق تؤمن بذلك بشكل واعي وممنهج عليها إذا أن تنسف من ذهنها فكرة أن تكون بعيدة عن السلطة لصالح العصبوية المالية الشرهة
من جانب أخر إذا وقفت للحظة أفكر بعمل الأمين العام للأمم المتحدة سأجد بأن ليس له أي عمل واضح يقوم به بالنسبة لصفتهِ وللعبارات التي ينطق فيها والتي تصدّر رغبته في السلام ، هو مثال للموظف الدبلوماسي الثابت الغير قادر على التحرك أو التأثير بينما يشعر في ذات نفسه أن وجوده في منصبه رفقة عباراته اللطيفة المواسية التي تحاول تهدئة التوترات الدولية تنضوي على أهمية خاصة وهنا الطامة الكبرى ذلك لأن عدم وجود منصب الأمين العام بحلته الحالية لن يكون له أي تأثير سلبي على حياة الشعوب وإنما وجود ذاك المنصب بزيه الدبلوماسي من دون أن يكون له دور فاعل هو الذي يؤذي الحياة والدول لأن في هذه الحالة يكون ثمة غطاء لحالة الظلم المتفشية
فعندما يكون المنافس للظلم مشلولاً ومسلوب الإرادة وفق قوانين وضعها هو بنفسه ستتبلور حينها فاعلية اللاعدل وتصبح أشد فتكاً من أي وقت
وسيتسنى لدولة عظمى مثل روسيا أن تساهم في اغتصاب الكثير من الدول بمجرد اعتراضها على قانون بمجلس الأمن وذلك باستخدامها خاصية الفيتو *السحري* وبالتالي تغدو النتيجة المرئية التي لا جدال فيها هي أن روسيا دولة معتدية مثلاً ليس لأنها دولة عظمى بالضرورة بل لأنها عضوٌ في مجلس الأمن وحسب .
العالم السياسي الرخيص والهش سيظل على الدوام يفتقد الشجاعة التي تدفعه للاعتراف بهذا الواقع المرير
وجوهر عمل المؤسسات المدنية المحترمة يحتم عليها أن لا تسمح بتمادي ذلك العالم الرخيص
ـ في انتصار العبث الأخلاقي على الأخلاق الشكلية :

في البداية يجب التأكيد دائماً بأنه لا يُقصد بجزئية الأخلاق هنا على أنها المفهوم الاعتيادي التهذيبي المتعلق بأعراف وتقاليد المجتمع والإخلاص له وتصدير صورة نزيهة للمرء داخل المجتمع والتي لا أجد على المستوى الفردي طائل واضح منها حتى ولو لم أكن أريد تكريس الشيء البديل الفظ من الناحية الشكلية وذلك لسبب بديهي ألا وهو انتشار البؤس العام نتيجة الإلتزام الشكلي بتلك الأخلاق وسيطرة حالة من التعجرف السياسي الصبياني على المشهد العالمي والمنعكس حالة نجومية في اتخاذ القرار يدفع ثمنه الكثير من الناس الذين لا ذنب لهم وهذا ليس بهذيان فأي نظرة إحصائية متمعنة إلى العالم بقاراته الخمس ستكون نتيجتها الاقتصادية بالمقام الأول مؤسفة و كارثية
ما أنشده في هذا الموضوع هو التركيز على هشاشة التشدق العالمي والفلسفي الفكري العصري *المُدعي فهمنة *بروعة القيم الأخلاقية العصرية الرحيمة وضرورتها والتي هي برأي أخلاق –عاكسة- مشكوك بأمرها وتقوم أساساً على المساس الشكلي بمبدأ التعاطف والرحمة وإهماله تماما من ناحية المضمون وبالتالي يكون هدف تلك القّيم هو تقويض الفرد وجعله غير واثق من نفسه وغير صادق بل و خائفٌ أيضا
إن مفهوم *الأخلاق* الذي نتشوف إليه هو التجربة الأخلاقية النابعة من إفراز النتائج الشخصية النفسية للفرد بحد ذاته –أي تلك المنبثقة من لحظات إبداعية وحالة إلهام تٌسقط رؤاها على واقع مهترئ وإذا أردنا أن نحصر مفهوم الأخلاق في هذا الإطار سنجد أن الأخلاقي هو الشخص الجيد والسيء في آن معاً
وهذا التعريف لا يمنع ولا يبدل جوهريا من فكرة أن ذلك الشخص من الممكن أن يتحول إلى مجرم بالصدفة وفق قواعد المجتمع ولأسباب لا خيار له فيها وهذا عبث بحد ذاته
-شخص مسالم مثلاً يتعرض لهجوم من شخص بمنتهى الَشر والسوء فيدافع عن نفسه دافعاً الشرير بيديه فيسقط الأخير على خلف رأسه ويموت فيذهب الشخص الجيد للسجن 7 سنوات بجريمة قتل غير متعمدة ولكن هذه الحادثة لن تقلل من قيمة الشخص الجيد الخيّرة لكونه مفيد وطيب القلب لكن الشخص الجيد في هذا المثال يجب أن يعي عبثية الموقف الذي جرى معه *لا أقصد ألا يحزن لكن أن يُدرك طبيعة الحادثة * المفارقة هنا بأن تلك الحادثة ستؤثر على طبيعة حياة الشخص الجيد بوصفه محكوم عليه بالنسبة للقانون وذلك سيعكر صفو حياته لاحقاً كل هذا بسبب شخص دنيء كان يتقزز كل من حوله بالنظر إليه
من وجهة نظري إن المنطق الأخلاقي لإعادة صياغة وتغيير جذري على خلفية المعطيات والتداعيات العالمية على مختلف الأصعدة ولاسيما على صعيد الشجع الاقتصادي وعلى صعيد حالة التوحّد في الخطاب السياسي العالمي .
أما عن الأخلاق المعاصرة بمفهومها الإعلامي الجديد بعد الثورة التقنية لوسائل التواصل الإجتماعي - فهي توصيف ساذج وسطحي لأشياء عميقة وغريبة الأطوار تدور في عمق الإنسان – أقول ذلك لأن طبيعة الإنسان معقدة و إشكالية بحد ذاتها وليست أخلاقية بالمعنى المطلق أو بالمعنى الدارج والمٌروّج له
-لماذا نتطرق هنا للعبثية الأخلاقية ذلك لأن غرض الفكر العبثي الإيجابي –العشوائي في بعض الأحيان والذي هو ليس بالغير مسؤول كما يٌروج له بل منضبط وجدير ونفسي جداً- غرضه أن يكون أخلاقي بمعنى سلوكي كاشف واستدلالي لا أن يكون أخلاقي بمنطق مجتمعي مجامل
إن هدف العبثية هو البحث عن صدق اللحظة وحساسيتها وليس عكس ذلك وذلك الهدف يبحث عن السبب الذي تهدف إليه الأخلاق الدارجة ولا تجده في ذاتها الإنسانية في ذات الوقت -
إن العبثية في لحظتها المناسبة هي *الأخلاق* التي نحلم بها- إنها حالة بحث عن الإيجابي
ولا أقصد هنا بالعبثية ذات السلوك العشوائي الغير مدروس -والمجاني الاستعراضي الذي يبتغي وحسب لفت النظر إليه من دون أن يكون صاحب مشروع ذاتي حقيقي يهدف للبحث عن مجهوله
إذ ليس هدف العبثية هو الوصول للنتائج وإنما في استمرار البحث عن تلك النتائج واستمرار البحث عنها يعني أن يعبّر ذلك البحث بمجهوده عن خَيرها وجدواها
إن في داخل العبثية نظام رهيب وإلا كانت المنظومة الذاتية للشخص المعني بها ستنهار أمام أي احتكاك قانوني وضعي أو مادي أو موقف عملي يمثل تحديا بالنسبة لها
على سبيل المثال ثمة بعض الشبان الأناركيون القريبون من نظرتي للعبثية مُصريين أن يُظهروا اختلافهم الشكلي على حساب مضمونهم الفكري إنهم يريدون أن يقولوا شيئا عبر مظهرهم الخارجي ، يرغبون أن يتم الاعتراف بهواجسهم عبر شعور الآخرين بالغرابة تجاههم
هذا حقهم ولكني لا أجده كافيا كي يكون مشروعاً فكرياً مقنع
هم متغيرون وانقلابيون لدرجة أنهم ينقلبوا على الفكر الذي صنع شخصياتهم وكوّن مواقفهم تجاه الحياة
بالنسبة لي -* ليس هناك فكر يتغير كل يوم وإنما يتغير وحسب عندما يكون ثمة تجربة تتغير دائماً*
*
بشكل أو بأخر الفلسفة الأخلاقية من المنظور التاريخي هي التعبير عن حالة سَعي تعتري طموح الإنسان نحو الخير ،هذا جميل ، ولكنها أيضا ورقة لعب للباحثين عن الأقنعة المزورة - للباحثين عن العفّة وعن الخداع المُهذب الشائع جدا في عالم السياسة والإعلام بوجه خاص
بالنسبة لي أُدرك حاجتنا لغطاء الحماية الذي يشعرنا بالأمان
وكي لا أكون مبالغاً اعرف أن الإنسان مهما كان قوياً فهو لا يستطيع أن يكون صادقا في كل لحظة من الحياة فهو لن يصمد أمام حاجته للحماية والأمان التي توفرها المسايرات المجتمعية ذات الإطار الجمعي -بالتأكيد هذه ليست دعوة للكذب على الذات وإنما للوقوف أمام الذات التي تعبر بطبيعة الحال عن حالة صدق ووضوح
ريما يسأل القارئ من أن يكون مفهوم العبثية فضفاض كمفهوم الأخلاق من خلال طرحي هذا
سأجيبه بأن ليس ثمة تعريف للعبثية إنما هي حسب اعتقادي السلوك الناتج من تفكير عميق وجزئيات نفسية دفينة وبذات الوقت شديدة الحساسية
للدرجة التي ربما تظهر من خلالها أكثر تنظيماً من الرؤية الحالية لروعة التنظيم الإقتصادي والإجتماعي
إن مقالتي تمثل وجهة نظر بأن الأخلاق التي نحياها حاليا عبر الخطاب الإعلامي والسياسي والفكري في أحيان كثيرة ليست بالأخلاق التي نطمح إليها وهي بحاجة لإعادة نظر من زاوية عبثية إن جاز التعبير والعبثية هنا لا تمثّل السالب وإنما تعبّر عن الحيرة بين مستوى الأفكار حتى نصل للفكرة الأقوى والأكثر جدوى ومنفعة -تلك الحيرة التي تدفع للتمرد والتجربة
بالمحصلة لن أدافع عن الفكرة كثيراً فكل إنسان يستطيع أن يكتشف ذاته وعشوائيتها بالطريقة المثلى إذا نوى ذلك .
*
أمثلة حية للسقوط *الأخلاقي *:
مثلا مجلس الأمن الدولي يرى أن من اللأخلاقي أن تقوم القوات الحكومية في سوريا بقصف المدنيين وتدمير البنية التحتية وهذا بحد ذاته موقف سياسي شكلي ورخيص ومتهالك لأن من اللأخلاقي جداً أن تكون روسيا التي تسببت وشاركت في قتل ألاف المدنيين في سوريا – هي العضو الأبرز وصاحبة القرار الأهم في مجلس الأمن وذلك عبر استخدامها المتكرر لحق النقض *فيتو* لإنقاذ النظام السوري من العقاب ،
من اللطيف أيضا ألا يكف رئيس مجلس الأمن عن القلق تجاه الحرب الدائرة في اليمن والصومال والعراق وغيرها.. لكن من اللأخلاقي أن يظل يقلق من دون أن يقوى على فعل شيء وهو رئيسٌ لمجلس الأمن
يجب أن يفهم العالم ويعترف أن وجود مجلس الأمن بصيغته الحالية هو جزء من تفاقم الفكر السياسي العالمي في ظل عجزه على إيقاف الحروب
وأن الأخلاقي *العبثي* في هذه الجزئية هو ألا يكون موجوداً بالأساس وفق صيغته الحالية لا أن يكون موجودٌ من دون أن يقوى على فعل شيء – مثال أخر في إسبانيا يعيش الناس بسلام وسط حالة من التحضر والرقي لكن الثيران هناك لا يعيشون بسلام عندما يُقتل ألاف الثيران سنويا في حلبات مصارعة الثيران برأي كل ما هو أخلاقي في إسبانيا لا يعادل هذا السلوك الدموي المتوحش لتأتي بعد ذلك المحكمة العليا في إسبانيا وتعلن أن طقس مصارعة الثيران هو جزء من الثقافة الإسبانية !!!!!!وقد تم ذكر هذا المثال في مقال * غرابة الفرد ومفهوم الحضارة العاكِسة *
-ما أريد قوله تماماً هو أن العبثية ليست تعبير وحسب عن الشيء المعقّد والعدمي والسلبي...
بل هي حالة إدراك وفكر وإحساس بحتمية وغرابة العبثية من قبل الفرد وفق المعطيات الراهنة -وبالتالي تكون بأفضل حالاتها محاكاة واقعية وعملية لجوهر التمرد والوعي الفكري الثوري الذي يمثّل قمة الأخلاق الغَير سياسية والغَير عسكرية .
العبثية الأخلاقية تمثّل حالة عدل تُحاكم الشخص المعني ، والقانون الأخلاقي إذا لم يكن عادلاً فسيكون عبثيّ سلبيّ
*
من حق قائل أن يتساءل طالما تنضوي العبثية على كل هذه الإيجابية فلماذا لا يكون حضورها مماثل لحضور النظام الأخلاقي القانوني الذي يحكم العالم ؟
سأجيب بأن التفكير العبثي سابق للنظام الأخلاقي فالقرار الأخلاقي الحالي هو نتيجة لحالة عبث داخلية منهكة أدت لتلك النتيجة ، بعض القوانين الأخلاقية الحالية ستضطر جرّاء الوعي التدريجي للإرتداد لعبثيتها أو لطبيعتها الأصلية كي تبحث عن نتائج أفضل لتبني أخلاقياتها وبالتالي تغيير قوانينها وقواعدها
إن النظام العبثي هو نظام فكري وسلوكي متطور في حقيقة الأمر
ولن تظل العبثية * الإحساس –الفكر *أسيرة النخبوية وهذا ما يعول عليه النظام الأخلاقي القادم الذي هو مٌلك محتمل لكل فرد

ـ التوجه العكسي للنتاج الإنساني :
لا يُبتغى من هذا العنوان تقديم عرض لـ سلخ ذاتي بشري بسبب واقع هش وقاسي ومتقلب من الناحية الاجتماعية والسياسية جراء ما يحصل من تجاوزات بكافة بقاع العالم ، فبالمحصلة سنظل لكوننا أشخاص نتأمل ونفكر -ممتنون للفرصة التي جعلتنا نقول ما نحن مقتنعون فيه ،
وممتنون لهذه اللحظة التي اسمها الحياة .
- فليس هدف الكتابة أن تنشد على الدوام عالم نقي خال من العيوب لا تشوبه شائبة وإنما تطمح بعالم يمنحنا على الدوام فرصة التعبير وأن نتصور العالم بطريقة أفضل ، وبالتالي الشعور بعالمٍ تكتنزه تفاصيل وتعقيدات غاية في الجمال والإثارة تفجّر الأسئلة بداخلنا ، إن حالة الرغبة في السعي والتطوير عبر رفض الحالة الواقعية التقليدية المليئة بالإجحاف ومقاومتها عبر أبرز الأعمال الفنية والموسيقية والحركات الفكرية المختلفة على طول الزمان لم تكن مجرد موضة تكمّل معيشة تلك العصور بل كانت بحث جدي داخلي وفوضوي عملاق لإيجاد أفضل صيغة ممكنة للموازنة بين جوهر الفكرة وصداها الحركي التي تعبر عنها طبيعة الإنسان وسلوكه ونظام حياته ، أي البحث عن أفضل انسجام بين ماهية الفكرة وانفلاتها النوعي الملموس واقعيّا، إن محاولة السعي إنما هي بالضبط محاولة لتقريب غرابة الفكرة الجديدة في كل وقت لتغدو وجهة نظر عمومية تسعى نحو الجمال المطلق .
فكرة -تحريك الوهم- :
من البديهي أن يجعل الفرد من الماضي والحاضر مادة
لتوقعاته ولطريقة تفكيره ولهواجسه ، بالنسبة لي أرى أن التفكير بتفاصيل أحداث الماضي يجعلنا نحاكي الحاضر بطريقة عميقة وأكثر شمولية وجمالاً
وعلى هذا سنأخذ كمثال إيحائي تجربة –بوذا- النفسية الغنية والعظيمة كمثال يخدمنا هنا إذ أن –سيدهارتا غواتاما – الإسم الأصلي لـ ـ بوذا لم تقدّمه الظروف كـ نبي تقليدي يتواصل مباشرة مع القوى العليا أو لديه قصص اعجازية أو صاحب إمكانيات خرافية تعزز قيمته لدي مريديه ، وإنما قدّم أفكاره بوصفها أفكارٍ تأملية بطابع فلسفي عبر تجربة نفسية عميقة تدعو إلى التصوف والتزّهد ولم يطلب من مريديه تلاوة أي طقوس متعلقة بالبوذية بشكل خاص حتى أن تعاليمه كانت شفوية ، وإنما ما أراده هو التوحّد والتأمل بروعة الكون الواسع ، ومع ذلك تحولت البوذية مع مرور الزمن وعبر مئات السنين لديانة رسمية تتبع لها معابد ضخمة مزينة في الهند ونيبال وتايلاند والصين وفيتنام غيرها من مناطق شرق أسيا وهذا التطور المعماري الديني المتعلق بالبوذية لم يكن ينادي به بوذا نفسه ولم يعاصره ، وليس المقصود هنا وضع اللوم على البوذيين بشكل خاص لأنهم حركوا أفكار بوذا من خلال تحريك وهمهم النفسي الذي هو خلاصهم وأمنهم من وجهة نظرهم ،وإنما المقصود أن كافة شعوب العالم لا تلتزم بما يطرحه مؤسس الفكرة بصرف النظر إن كان مصيباً أو مخطئاً ، وإنما تضيف وتغيّر أشياء تتناسب مع حاجتها للأمان والخلاص الأبدي من ناحية وحاجة بنية المجتمع لهذه الإضافات من ناحية أخرى فالخلاص بالنسبة للشخص البوذي العادي لا يشبه الخلاص نفسه بالنسبة لشخصية خلاقة ومميزة كشخصية *سدهارتا *
والإسقاط السابق الذي ينطبق على البوذية ينطبق بذات الوقت على المسيحية بدرجة أخف بسبب اختلاف الظروف فالمسيح حسب الرواية التاريخية لم يرى أية كنائس وفكرة الصليب كانت غامضة عموما ولم تكن أساس للعقيدة المسيحية في حياة المسيح فيما بعد تحولت منذ عهد الإمبراطور الروماني قسطنطيين لتقاليد وتصورات وأساليب معمارية جمالية ممنهجة تحاكي معنى حضور المسيح في الوعي والهدف من وجوده كفكرة بصرف النظر عما كانت عليه سابقاً هذه الفكرة وظروف تشكلّها
إن الشعوب دائما ما تحتاج لهوية اجتماعية سياسية تحميها من المجهول قبل أي شيء أخر
فكرة تحريك الوهم لا علاقة لها بمؤسس الفكرة بل هي حالة إيهام رمزي ذاتي ترتكز على الفكرة الأساسية وتعتمل داخل الفئة المستهدفة نتيجة حاجة تلك الفئة إليها وبالتالي تسعى للمزيد عبر تقديم إبداعات أخرى تضيف للفكرة الأساسية آفاق أخرى ربما لا تشبهها تماماً بصرف النظر عن أي إسقاط أخلاقي معنوي * فالنظم الدينية عموما لا علاقة لها بالنظم الأخلاقية لأن النظم الدينية نُظمٌ ائتمارية * تعمل بمبدأ الثواب والعقاب ـ وهذا بحد ذاته لعبة خطيرة ومكلفة إنسانيّاً حسب السرد التاريخي لأنها تُبنى على الكثير من القصص الوهمية والغير صحيحة ، وما سبق يختلف بطبيعة الحال عن تطور الفكر الاعتيادي عبر الأجيال عندما يأتي مفكر يضيف فكرة ما مختلفة أو مطورة عن فكرة مفكّر ما كان قد سبقه ، في مِثَالينا السابقين لا يوجد مؤلفات بوصفها مرتكزات تسمح بالإضافة
الفيلسوف الإغريقي -سقراط - 469 ق.م - 399 ق.م ، يُعتبر من أكثر الفلاسفة تأثيرا في الفلسفة الغربية من دون أن يكون له مؤلفات تُقرأ ،
والمعروف أن الفيلسوف أفلاطون قام بمهمة نشر تعاليم أستاذه ،
إذا اتطلعنا على سيرة سقراط الذاتية بتمعن سنجد أن قيمته بوصفه متمردٍ من الطراز النادر هي أكبر من كونه فيلسوفا بالرغم من كونه أحد مؤسسي الفلسفة الغربية ، فلقد دفع حياته ثمنا لأفكاره ومعتقداته الشجاعة الغريبة عن عصره آنذاك فيما عجز الكثيرون عن محاكاة أفعاله ، فقررت الطغمة الحاكمة التخلص منه بالنفي أو بالسُم فاختار السُم لقد انتحر بقرار ذاتي ونوعي قبل تنفيذ حكم السلطة عليه بالنفي ؟!
بعيداً عن تأثير سقراط الهائل على اثنين من أبرز الفلاسفة الإغريق أفلاطون وأرسطو فقد كان المعروف عنه أنه كان يحرّك تأملات الناس البسطاء الذي كان يلقاهم ويحدثهم في الشارع بشكل دائم عبر أحاديثه القريبة من عقولهم وهواجسهم
فقد كان يعتقد أن تلك الطريقة أكثر فائدة من تدوين الأفكار على الورق ،
الفلسفة الغربية تطٌوّرت عبر أفلاطون وأرسطو وما لحقهم من فلاسفة بعد ذلك ولم تذكر الدراسات أو حكاية الإرث الشعبي سقراط كقيمة متمردة من الطراز النادر أو كحالة ثورية ، وإنما كفيلسوف شعبي صاحب نهاية مأساوية
لقد تحول سقراط مع الزمن لفكرة رمزية شديدة التوهج ـ تبدّل إلى مادة تتحمل تغيير بسيط في طريقة تفكير فلسفية تحاكي تجربته لأن وجوده بحد ذاته كان بمثابة فكرة عظيمة ـ و غير مكتوبة وهذا أجمل ما فيها فليس هناك أجمل من أن يتحول المرء لفكرة
ومنعاً للبس لا يُعنى * بالوهم * في موضوعنا بوصفه شيء ثانوي لا قيمة له يتبناه أشخاص مجانين وإنما ينبع من احتياجات وبيئة نفسية خاصة تحكم ظروف مجتمع معين وبالتالي تعي ما تريد من ذلك الوهم الغير متجلي ماديّاً وبذات الوقت لا تملك القدرة على المحاكمة العقلية للذي تريده وتتشوف إليه ، إن الوهم كإيجاز هنا هو ذلك الإرهاص النفسي والعاطفي الذي حركه الحدث الثقافي الصادم والعميق الغور
وبالتالي فإن عرض الفكرة بتلك الصيغة لا تكون كناية عن شيء خبيث يدين نوايا المجتمعات ، وإنما هي نقد لموجود قديم متوارث هدفه التروج للإنجازات الشكلية التي تحاكي الرغبة السطحية وإهمال المضمون الذي يحاكي المعرفة العميقة والثبات بمحاولة فهم الذات ، والمفارقة هنا أن ذلك يتم من دون تخطيط مسبق من تلك العقلية السالفة الذكر لأن الفرد مثلما تم ذكره لا يتعامل عموماً مع إرهاصاته العميقة بطريقة واضحة لأن لكل إنسان وَهمه الخاص الذي يعتز به ويحميه من أي تلف محتمل ،
من أكثر الأشياء أهمية في شخصية المبدع انه يجعل المتلقي يتفاعل بشكل جدّي مع نزعاته الشخصية وهذا تماما ما يفعله المبدعون النوعيين بمختلف مجالات الحياة .
إن أعظم الأشياء في هذا العالم تنبثق من أساس بسيط لكنه غير ملحوظ .
قال أحدهم :إن ( التاريخ يكتبه المنتصرون ) ربما التاريخ يكتبه المنتصرون ولكن بعد أن يضيفوا إليه شيئا من وهمهم الخاص كي يقتربوا أكثر من نشوة انتصارهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



#معتز_نادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخلاق الحرّة نظرة نقدية للأخلاق الإقتصادية
- 2011 مدخل لمفهوم الثورة النقيّة *البداية *:
- العنكبوت الأرملة
- شِعر حُر- الحياة غريبة والجمال بسيط
- النظرة العكسية للِنتَاج الإنساني
- المثليين بين الإضطهاد التاريخي وعُقم النظرة *الأخلاقية* :
- شِعر حر - * من ديواني عواطف الشرق -سمفونية الغزل *
- قصص قصيرة جداً
- ثورة ضد الحكومات * الفصل بين الميلشيوي والثوري
- شِعر حر -مذكرات عام 2008
- من الثورة السورية إلى الأزمة الأخلاقية الكبرى :
- في إنتصار العبث الأخلاقي على *الأخلاق الشكلية للعصر :
- ملخص وفكرة فيلم - النهاية المحتملة- ( قصة سَعيد ):
- شِعر حر
- فاعلية وجَمال المرض النفسي ؟!
- حقيقة الشعور الثوري ووهم الجاذبية السياسة :
- الإلحاد بوصفه قيمة -من كتاب *الحوارالعظيم*
- غرابة الفرد ومفهوم الحضارة العاكسة:


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - معتز نادر - خمسُ مقالات في الحضارة العاكِسة