أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة26














المزيد.....

ظل آخر للمدينة26


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 6787 - 2021 / 1 / 13 - 13:36
المحور: الادب والفن
    


صارت أسواق المدينة مألوفة لي، وأصبحت أمي تكلفني بين الحين والآخر، بشراء بعض لوازم البيت من المدينة. ولطالما أنبتني كلما وجدت حبة بندورة تالفة، أو حبة بطاطا ذابلة، ثم تحثني على أن أفتح عيني جيداً وأنا أشتري الخضروات، ولم تكن مستعدة للاقتناع بأن الباعة لا يتركون لفتى في مثل سني حرية اختيار ما يشتريه.
طلبت مني ذات مرة أن أشتري كيلوغرامين من اللحم، من ملحمة العائلات الواقعة في سوق باب خان الزيت، وكنا زبائن لهذه الملحمة ندخلها على فترات متباعدة. ذهبت إلى الملحمة بعد الدوام المدرسي، واقترحت على صاحبها عبد الحفيظ - مثلما أوصتني أمي - أن يزن لي قطعة لحم حمراء خالية من الدهن، فلم يعرني أي انتباه. اختار قطعة من إحدى الذبائح المعلقة خلف الزجاج، قطعها بالسكين، ووضعها في الميزان. أبديت احتجاجي عليها بسبب ما فيها من دهن. قال لي إنها جيدة ولا داعي للاحتجاج، غير أنني غادرت المكان دون أن آخذ قطعة اللحم.
اعتقدت أن أمي ستثني علي بسبب موقفي الحاسم، فلما وصلت البيت، أخبرتها بما حدث معي، فلم يرقها ذلك، وطلبت مني أن أحضر قطعة اللحم في اليوم التالي. حرت في الأمر، وشعرت بالحرج وأنا أعود إلى اللحام وهو يخرج القطعة نفسها من الثلاجة، فأحملها وأعود بها إلى البيت.
أمي كثيرة التطير، عصبية المزاج، فكأنها ورثت مزاج أبيها. لم يساورني شك في حبها لي وحرصها علي. لكن لمسة الحنان التي هي أبرز تجليات هذا الحب، لم تكن تظهر في تصرفاتها إلا لماماً، بسبب انزعاجها الدائم وميلها إلى التذمر من كل شيء.

***
كنت أذهب أحياناً في فترة عطلة الغداء إلى حي المصرارة، أستأجر دراجة هوائية بمبلغ وفرته من مصروفي الشخصي. هناك تعلمت بعد محاولات عديدة ركوب الدراجة الهوائية، فاعتبرت ذلك ميزة لمن يدرس في مدارس المدينة، وتباهيت بها على أقراني الذين كانوا يتلقون تعليمهم الإعدادي في قرية صورباهر المجاورة.
ولا أكتفي بذلك، بل أذهب بين الحين والآخر إلى الصخرة والحرم، أؤدي صلاة الظهر في بعض الأحيان، ثم أقرأ دروسي وأنا أمشي غادياً رائحاً في إحدى الساحات المحيطة بهما. أعود إلى المدرسة عبر طريق المئذنة الحمراء المفضية إلى باب الساهرة، أو عبر طريق الواد المفضية إلى باب العامود. أصبحت أعرف أسماء الأماكن والأسواق والحارات، وأسماء المتاجر والمطاعم والمقاهي، وحينما أعود إلى القرية كان لدي ما أقوله عن المدينة.
غير أن أمراً واحداً ظل صعباً بالنسبة لي، وأظنه كذلك حتى الآن، وهو التحدث باللهجة المدنية التي يتحدث بها أهل القدس. ففي قريتنا، درج الناس على توجيه السخرية المرة لكل من يحاول تغيير لهجته الأصلية، وكان الذين يتجرأون على مخالفة هذا العرف، يتعرضون لكثير من التهكم والإساءات، فلم أجرؤ، وأنا الشخص الخجول، على مخالفة المألوف، فبقيت أتحدث بلسان أهل قريتي، ولكن مع شيء من التلطيف والتخفيف، ثم حينما أصبحت قارئاً للكتب، صرت أميل إلى الاستعانة باللغة الأقرب إلى الفصحى المسكنة.
أما عمّي عايد، فلم ألحظ أنه استفاد معارف أو عادات جديدة، رغم الفترة الطويلة التي قضاها تاجراً في أحد أهم أسواق المدينة. لم يبدل لهجته القروية، بل إنه كان في بعض الأحيان، يعود إلى ترديد مفردات من اللهجة البدوية، التي كان يتحدث بها أثناء إقامته في البرّيّة، كأنه راغب في إقناع المتزمتين من أهل قريتنا، بأن المدينة لا تستطيع أن تختطفه من بينهم.
يتبع..



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل آخر للمدينة25
- ظل آخر للمدينة24
- عن المثقف الفلسطيني ورهانات الحداثة
- عن القدس في كتاب نسب أديب حسين
- ظل آخر للمدينة23
- ظل آخر للمدينة22
- ظل آخر للمدينة21
- ظل آخر للمدينة20
- ظل آخر للمدينة19
- ظل آخر للمدينة18
- ظل آخر للمدينة17
- ظل آخر للمدينة16
- ظل آخر للمدينة 15
- ظل آخر للمدينة14
- د. حنا ميخائيل.. مثقف ثوري لا يمكن نسيانه
- ظل آخر للمدينة13
- ظل آخر للمدينة12
- ظل آخر للمدينة11
- ظل آخر للمدينة10
- ظل آخر للمدينة 9


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة26