أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نضال الربضي - الطَّيِّبون يذهبون!














المزيد.....

الطَّيِّبون يذهبون!


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 6778 - 2021 / 1 / 4 - 09:09
المحور: سيرة ذاتية
    


العم مُرقص سلامه، أبو فادي، زوج بنت عمَّة والدتي، قِبطي عاش عمره كُلَّه في الأردن، بدأ حياته يعملُ في تزين الصور بالخرز، فنَّانٌ بحق، حتى افتتح مشغله الخاص، و معرضه، مع شريك أردني، حتى آخر لحظة من حياته، حين ودعنا مُتألِّما ً بعد أن أنهك السرطان اللعين رئتيه و أجبره أن يُغمض عينيه. للعم مُرقص ولدان و ثلاث بنات، كُل ٌّ منهم يحمل ُ من نفسِه صفة ً ما، جميعهم أحبَّاءُ إلى قلبي، و كُلُّهم يصغرني بالسن. أراهم إخوتي و أخواتي، و أُحسُّ تجاههم بشعور ٍ خاص.

كان العم مرقص شخصا ً مُتميِّزا ً يحب الحياة، و يؤمن ِ أنَّها في يد ِ من خاض َ صِعابها، و أن الرُّجولة الحقيقية هي أن يعمل المرء ما يستطيع، و أن يستطيع ما أدرك أنَّه موجود و كائن و قابل للفعل. قِبطي من الصعيد، قويٌّ كجبل، و مرن ٌ كجُلمودِ ذهبٍ تمَّ تسخينُه حدَّا ً جعل من صلابته شيئا ً يستجيب بشكل عذب ٍ إلى نار ٍ مُستحقَّة للاستجابة، لا يُهادِن في حق، و لا ينثني لباطل، و لا يبيع ُ مبدأه ُ و لا يقول إلا كلمة ً موزونة ً لها معنى و تأثير يفهمه اللبيب و يستجيب له الكريم.

أذكره حين تخرُّجي من المدرسة، حين أقام لي والداي حفلاً متواضعا ً في بيتنا، لم أنتبه إلا و قد رفعني على أكتافه، و هو العملاقُ جسدا ً، و ابتدأ يرقص احتفالا ً بتخرجي، كانت هذه طريقته في التعبير عن نفسه، أصيل ٌ في شعوره، و فخور ٌ بنفسه و بمن يُحب.

حين علمتُ بمرضه زرتُه في بيته، مع زوجتي، و تألَّمتُ كثيراً، حاولت ُ أن أخفي ألمي، و جهدتُ ألا يبدر َ مني ما يُنبئه بدُنوِّ الساعة التي سيغمضُ فيها عيناه. كرهتُ أن يرى في عينيَّ اللتين تألقتا فرحا ً يوم حملني على كتفيه، يأساً، و جزعاً، و خوفاً، وودتُ لو استطعت ُ أن أهبهُ الحياة، لكني لستُ إلا بشرا ً، و سأمضي إلى حتميِّة ما مضى إليه هو يوما ً ما.

حين أغمض عينيه للمرة الأخيرة، كرهتُ الطبيعة، و نظامها، و الحياة، و كل ما فيها، لكنَّ عقلي الذي يأبى إلا أن يتحكَّم في صبر، و أمسك الدفَّة، و قال لي: انتظر، ما زال أمامك الكثير لتشهده، و حين ثُرتُ في وجهه، و لعنتُه، و لعنت الحياة أجاب بهدوئه المعتاد: معك حق، و لكن الحياة تستمر، و عليك أن تفهم أن وجدانك من حقه أن يثور، و أنا من حقي أن أفكر و أعقل، و من حقك أنت أن تكون لكلينا معا ً الوعاء و الإطار و الوعي و النفس و الهُويَّة، و هذا حقنا عليك.

أدركتُ كما أُدرك الآن أن الحياة تستمر، لكني أدرك أكثر من أي وقت مضى أن الطيبين يذهبون، و أن ذكراهم لا يمكن أن تَخلد إلا إذا و فقط إذا اخترنا أن نصنع كلَّ ما هو خير، و جميل، و مفيد، و نافع. فقط عندها، نكون ُ قد أكرمنا ذكرى من نُحب، لأننا عندها نكون عند حسنُ ظنِّهم، الذي ما هو إلا استجابتهم الفطرية لأصالة ما فيهم، و فهمُنا نحنُ لهذه الأصالة التي هي جزء ٌ منا بحكم طبيعتنا المُشتركة، و التي تترسَّخُ فينا أوَّلا ً بقوَّة الوجدان الذي يربطنا بمن نُحبُّ و يدفعنا لتقليدهم، و ثانيا ً بالعقل الذي يُفكِّر و يحلِّل و يخرُجُ بالنتائج.

يذهب الطيبون، صحيح، لكن العقل يقول، لا: بما علَّمونا، بقوا، و لم يذهبوا!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوح في جدليات – 32 – بعض خواطري – 10.
- قراءة في العلمانية – 13 – عن علاقتها مع الكرامة الإنسانية – ...
- بوح في جدليات – 31 – بعض خواطري – 9.
- قراءة في العلمانية – 12 – عن علاقتها مع الكرامة الإنسانية – ...
- قراءة في استحقاقات فايروس الكورونا – الردود التلقائية للأفرا ...
- قراءة في العلمانية – 11 – عن علاقتها مع الكرامة الإنسانية.
- ضوءان على أعتاب الفجر
- ما وراء البحر
- قراءة في الحب - الوجه الآخر نابعاً من البيولوجيا.
- قراءة في العلمانية – 10 – ما بين بُنى الوعي و القرار السياسي ...
- قراءة في العلمانية – 9 – عن الطبيعة البشرية، و تشابكها مع ال ...
- عن سام نزيما و ملفيل أديلشتاين – شهادةٌ على انتصار الإنسانية ...
- بطاقة إنسانية من السِّياق الفصحي.
- قراءة في الذاكرة – الموثوقيِّة بحسب القياس العلمي.
- يا سوداء الصخرة ِ: كوني.
- انهضا – أفلا تقبِّلين.
- المُسافر لا يعود.
- قراءة في ظاهرة التحرُّش الجنسي – التعريف، السلوكيات، الأسباب ...
- بوح في جدليات – 30 – بعض خواطري – 8.
- قراءة في العلمانية – 8 – عن الطبيعة البشرية، و تشابكها مع ال ...


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نضال الربضي - الطَّيِّبون يذهبون!