|
قراءة في العلمانية – 13 – عن علاقتها مع الكرامة الإنسانية – 3.
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 6744 - 2020 / 11 / 26 - 09:45
المحور:
الادارة و الاقتصاد
عوداً على التعريف الأول للعلمانية: كفصل الدين عن الدولة، و بالتالي كنتيجة: إنتاج الحلول التي تتناسب مع الواقع المُعاش و تتعامل مع حقيقته، بدون العودة إلى نصوص قديمة ظهرت كإجابات عن تحدّيات لواقع متزامن مع تلك النصوص، و بتجذُر ٍ في ماضٍ سبق تلك التحديات حمله أصحابه القُدماء إلى وقت ظهور تلك النصوص العتيقة،،،
،،، من هذا الفصل بين الدين و الدولة ينتج ضرورة ً شكل ٌ للتفاعلات المختلفة بين أفراد المجتمع، تطلبُهُ طبيعة هذا الفصل، و هو الشكل التفاعلي المبني على المصالح المُشتركة، و التي تتبلور في جميع مناحي الحياة على شكل: حاجات، للتعليم، للعمل، للتسوق، للاقتناء، للترفيه، للحركة الحُرة، للتفاعل مع الأقران و الأصدقاء و الأقرباء، للتعبير عن الرأي، لإفساح المجال للحيّز الشخصي للفرد كي يُعبِّر عن نفسه، إلى آخره من المجالات التي يشترك البشرُ في نوعها، و يختلفون في طريقة تحقيقها.
إن هذا الشكل التفاعلي الناتج عن العلمانية يحمل طابعا ً مُزدوجا ً، أو لنقل: طابعا ً على مستوين. أما المستوى الأول فهو: فردي، بمعنى أنه متعلق بشخص الفاعل، يعكسُ توجُّهاته و منهجه في الحياة، لذلك فهو متنوِّع ٌ بقدر ِ اختلاف أنماط تعبير الأفراد ِ عن أنفسهم. أما الثاني فهو جماعي، له ُ شكل ٌ واحد ينتج ُ عن اندماج الشخصيات ِ الفردية داخل مُنصَهَر ٍ قانوني ٍّ اجتماعيِّ واحد هو: العقد الاجتماعي بين الدولة و الفرد.
في هذا العقد الاجتماعي تضمن ُ الدولة الحقوق الإنسانية َ الفردية، و يضمنُ الفرد الالتزام باحترام خصوصيات كل فرد ٍ آخر في المُجتمع و الاندماج مع المجتمع بالقدر المطلوب لتحقيق ِ تعاون ٍ يستديم شكل المجتمع و الدولة، و يضمن لذاتِه خصوصيتها. هذه هي طبيعة ُ العلاقة ِ العلمانية بين الفرد و الدولة.
حتى هذه النقطة و من هذه الزاوية لا بدَّ للاعتراف للعلمانية بِخصائصها الضامنة لاستعلان ِ شخصية ِ الفرد و إمكانية ِ بلوغِه بمُنتهى إمكانياته الشخصية، لكن طبعا ً بشرط ِ توفُّر ِ الظروف التي تسمح للفرد بأن ينمو و يُحلِّق. هذه النقطة بالذات ينبغي التوقُّف عندها مليَّاً و التَّساؤل:
هل يا تُرى إذا ما ضمنت ِ العلمانية ُ حُريِّة َ الرأي و الكرامة الإنسانية، و حمت ِ الحقوق الإنسانية َ الأساسية، و أبلغتنا نقطة ً لم تعد علينا فيها رقابة ٌ من سُلطة ٍ دينية ٍ، سنُستطيع ُ عندها بالضرورة أن نرتقي لُمستويات ٍ أعلى من الوعي، و نبلغ َ إلى المُجتمع الأرقى و الأعلى؟
لا بُدَّ للجواب ِ على هذا السؤال أن يُؤكِّد َ حقيقتين أساسيتين:
الأولى: أن الخطوة الأساسية و الأولى هي التخلص من سيطرة قيودِ السلطة ِ الدينية. الثانية: أن الخطوة الأولى على أهميتها كأساس، إلا أنها لوحدها لا يمكن ُ أن تُبلغ أيَّ مُجتمع ٍ نُقطة َ الانطلاق نحو العدالة و المساواة و الخير الشامل المُوزَّع ِ توزيعا ً عادلا ً إلا إذا تمَّت إعادة بناء الشكل الاقتصادي للمجتمع على أُسس ٍ تنطلق من مبدأ ِ مصلحة المجتمع و الفرد، لا من مبدأ رأس المال الفردي و خدعة ِ الحق ِّ المزعوم لصاحب ِ رأس المال.
من هذه النقطة بالذات تنتُج ُ المشكلة الأكبر و الأعظم للإنسان: أن يشتري َ صاحب ُ المال وقت العامل!
يقول ُ صاحبُ المال: أنا أدفع ُ لك مالا ً مقابل َ الوقت الذي تقضيه في العمل، هذا عدل: تعطيني وقتك و أعطيك المال.
الخدعة ببساطة شديدة: يقضي العمل وقته في العمل لُينتِج بضاعة مادية تُباع، أو خدمة يدفع ُ الزُّبون أو العميل لها ثمنا ً، فيحصل صاحب رأس المال على ربح ٍ كبير يفوق ما يدفعه لمجموع العمَّال مُضافا ً إليه مجموع تكاليفه و ضرائبه كاملةٍ، و بِما يجعله شديد الثراء، بينما يدفع للعمَّال ما يكفي لإبقائهم على قيد الحياة من جهة، و يضمن بقائهم متعلِّقين به كمصدر لتلك الحياة الشبيهة بأقرب مستوى للموت من جهة ٍ أخرى.
هذه المعادلة تحديدا ً هي ما يجب أن يتغير، و لا مجال َ للمساومة ِ هنا! هذه المعاداة هي أساس التفاوت الطبقي و سبب ُ استدامة ِ الظلم و الاستغلال و الجشع! هذه المعادلة هي بالذات المبدأ و الآلية و الهيكل الذي لا يمكن ببقائه أن تتحقَّق َ أي عدالة أو مساواة أو ارتقاء ٌ نحو مستوى أعلى من الكرامة الإنسانية!
رأسُ المال كمبدأ ٍ اقتصادي، لا يستطيع ُ أن يتغوَّل َ كما يفعل ُ الآن إلا إذا استطاع َ أن يتغلغل َ إلى داخل ِ القرار السياسي للدولة، فيفرض َ بقوَّة القانون مبادئ العولمة و الاقتصاد الحر و السوق المفتوح، و هي كُلُّها كلمات ٌ قد تبدو أنها مُحمَّله بطاقة ِ إبداع ٍ إيجابيه، تخلق ُ الفرص، و تأتي بالجديد، و تُنتجُ المختلف، و لا خلاف على هذا، لكن،،،،،،،
،،،، أقول ُ لكن، و هنا مَناط ُ الفهم: يكون ُ كلُّ هذا الإنتاج و الإبداع و الجديد نتيجة ً لاحتقار المبدأ الإنساني الأوّل الذي يعترف ُ للإنسان بكرامته و حقِّه في الكفاية و الرفاهية و الانتصاب على نفس ِ المستوى مع كل ِّ فرد ٍ آخر، هذا بالذات ما لا يمكن ُ أن تسمع َ مُنظِّري و دعاة الرأسمالية الحُّرة يتحدَّثون بجدِّية ٍ عنه، و أقول ُ بجدِّية لأنهم قد يتحدَّثون عنه لكن بما يخدمُ هيكلية َ اقتصادهم، بما هو َ وهم ٌ و تنظير ٌ و تجميلٌ و تسخيف ٌ و خداع، و هذا كُلُّه لا يعني الحقيقة َ في شيء، إنَّما هو لصاحب ِ العقل أو الوجدان مُجرَّدُ وهم ٍ آخر يقصد ُ به صاحب رأس المال عن طريق ِ من وظَّفهم أن يُزيح َ النفسَ التَّوَّاقة للعدالة و المساواة عن مسعاها إلى أمر ٍ تلتهي به، لا اكثر.
إذا ً ما علاقة ُ العلمانية بالكرامة من هذا المُنطلَق؟
ببساطة: أن تقوم َ الدولة بدورها في ما يلي:
1- فصل الدولة عن الدين من جهة التشريع. 2- أن تكون الدولة هي المرجع الوحيد للتشريع. 3- أن لا تنافس َ الدولة أي سلطة أخرى، لا دينية و لا غيرها. 4- أن لا يتحكَّم َ رأس المال في سياسات الدولة. 5- أن يخضع َ رأس المال لاستراتيجيات الدولة الاقتصادية، و على رأسها أن يستثمر في قطاعات السوق التي تحدِّدها الدولة. 6- أن تضع الدولة القوانين التي تضمن أن يكون العامل شريكا ً في الشركة أو المصنع بالأسهم أو الإيرادات. 7- أن تضمن الدولة شمول كافة المواطنين في مظلات الأمن الاجتماعي من: سكن ٍ و علاج ٍ و توظيف ٍ و تعليم ٍ.
بهذا فقط يمكن ُ أن تقترن َ العلمانية ُ بالكرامةِ الإنسانية!
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوح في جدليات – 31 – بعض خواطري – 9.
-
قراءة في العلمانية – 12 – عن علاقتها مع الكرامة الإنسانية –
...
-
قراءة في استحقاقات فايروس الكورونا – الردود التلقائية للأفرا
...
-
قراءة في العلمانية – 11 – عن علاقتها مع الكرامة الإنسانية.
-
ضوءان على أعتاب الفجر
-
ما وراء البحر
-
قراءة في الحب - الوجه الآخر نابعاً من البيولوجيا.
-
قراءة في العلمانية – 10 – ما بين بُنى الوعي و القرار السياسي
...
-
قراءة في العلمانية – 9 – عن الطبيعة البشرية، و تشابكها مع ال
...
-
عن سام نزيما و ملفيل أديلشتاين – شهادةٌ على انتصار الإنسانية
...
-
بطاقة إنسانية من السِّياق الفصحي.
-
قراءة في الذاكرة – الموثوقيِّة بحسب القياس العلمي.
-
يا سوداء الصخرة ِ: كوني.
-
انهضا – أفلا تقبِّلين.
-
المُسافر لا يعود.
-
قراءة في ظاهرة التحرُّش الجنسي – التعريف، السلوكيات، الأسباب
...
-
بوح في جدليات – 30 – بعض خواطري – 8.
-
قراءة في العلمانية – 8 – عن الطبيعة البشرية، و تشابكها مع ال
...
-
بوح في جدليات – 29 – بعض خواطري - 7
-
قراءة في العلمانية – 7 – عن الطبيعة البشرية، و تشابكها مع ال
...
المزيد.....
-
حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة
-
مفاجأة جديدة اليوم|.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 19 أبريل 2024
...
-
شويغو يتفقد مصنعا لإنتاج الدبابات وقاذفات اللهب الثقيلة (فيد
...
-
ارتفاع أسعار النفط بعد أنباء عن هجوم إسرائيلي على إيران
-
بعد انقطاع دام ثلاثة أشهر بلجيكا تستأنف استيراد الماس من روس
...
-
مطار حمد الدولي ينتزع الصدارة في قائمة أفضل مطارات العالم
-
هتكسب أضعاف الفلوس اللي معاك في شهر واحدة بس .. مع أفضل 6 شه
...
-
حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة
-
-قضية الذهب الكبرى-.. قرار جديد من هيئة مصرية بحق رجل الأعما
...
-
ستاندرد أند بورز? ?تخفض تصنيف إسرائيل طويل الأجل
المزيد.....
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
-
جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال
...
/ الهادي هبَّاني
-
الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية
/ دلير زنكنة
-
تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى
...
/ سناء عبد القادر مصطفى
-
اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك
/ الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
المزيد.....
|