أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - مشكلتي مع التعابير














المزيد.....

مشكلتي مع التعابير


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6767 - 2020 / 12 / 21 - 11:49
المحور: الادب والفن
    


بدأت مشكلتي مع التعابير منذ الصف الأول الابتدائي حين وقف مدير المدرسة في مكان عال، وطلب من كل تلميذ جاء بدون مريول أن يعود إلى بيته "ع الكعب". لم أفهم لماذا على الكعب. بدا لي هذا التعبير شاقاً. فهمت حينها أن على التلميذ أن يعود إلى بيته ماشياً على كعبيه. وكان رد المدير الثابت على كل تلميذ حاول أن يشرح أو يبرر سبب مجيئه بدون مريول: "ع الكعب، يالله"، رافضاً أن يسمع ومشيراً بيده إلى الطريق الواصل إلى المدرسة.
وقبل أن يسمح المدير للتلاميذ بالدخول إلى صفوفهم بعد أن عاد المخالفون إلى بيوتهم "ع الكعب"، قال بطريقة التهديد إن من يأتي إلى المدرسة في الأيام القادمة بدون مريول "لا يلوم إلا نفسه". كان هذا التركيب عسيراً علي أيضاً، ولم تفلح محاولاتي في فهمه، ولم يكنه سوى أنه أضاف خوفاً إلى خوفي من التعبير الأول.
قبل أن أتخفف من ثقل التعبيرين السابقين، تعثر فهمي بتعبير جديد، جاء هذه المرة من الكتب المدرسية. إنه "تكافؤ الفرص". كنت أعلم أن الفرص هي فترات الاستراحة التي نقضيها خارج غرف الصف بعد كل حصة أو حصتين. أما "تكافؤ" فهي كلمة ثقيلة بذاتها ولم أدر ما علاقتها بالفرص، وكيف يجمعهما الكتاب بهذا الشكل اللصيق. ولا شك أن المعلم لم يخطر في باله أن يوضح هذا التعبير بمثال أو أن يقوله بتعبير آخر أو بطريقة أخرى تفتح ثغرة في سوره المنيع. يكرره مرات عديدة وكأنه كلمة واحدة. لا بد من احترام مبدأ "تكافؤ الفرص". كما تعلمون فإن "تكافؤ الفرص" مبدأ أساسي.
حفظت التعبير كما هو وكتبته مرات في المذاكرة وحصلت على علامة جيدة، وامتدحني المعلم دون أن يدري مشكلتي مع هذا التعبير، ودون أن أجرؤ على كشف مشكلتي معه. ثم ظل هذا التعبير زمناً طويلاً عصياً على فهمي.
بالتزامن مع مشلكتي مع "تكافؤ الفرص"، واجهتني مشكلة مع كلمة واحدة هذه المرة، هي كلمة "امتياز". ماذا يعني أن تأخذ بريطانيا "امتياز" تنقيب النفط في العراق؟ هل يعني أنها أجادت التنقيب أكثر من فرنسا مثلاً فحصلت على درجة الامتياز؟ ومن هو المعلم الذي يمنح هذه الدرجة؟ ودائماً لا أنا أجرؤ على السؤال عما يبدو لي أن الجميع يفهمه سواي، ولا المعلم يجد حاجة إلى شرح ما يفهمه الجميع. وهكذا تكررت قصتي السابقة نفسها مع هذه الكلمة.
لكن مشكلتي مع التعابير والمفردات لم تقتصر على الطفولة بل استمرت ولكن بشكل مختلف. إذا كانت المشكلة في الطفولة تنبع من غموض التعبير بالنسبة لي، فإن منبعها فيما بعد كان زيادة التدقيق في التعبير إلى حد يخترق الغلاف الذي نسجه الاعتياد حوله. قصتي مثلاً مع التعبير الديني الشعبي الدارج في التعازي: "الله يرحمه"، بدأت في الطفولة واستمرت فيما بعد لأسباب مختلفة. حين توفيت أختي بعمر أربعة عشر عاماً، وكانت تكبرني بعامين فقط، كان يضيق صدري بهذا التعبير الذي راح يكرره الناس. كنت أسمع هذا التعبير عند ذكر أسماء أشخاص لا أعرفهم ماتوا من زمن بعيد حتى باتت عبارة "الله يرحمه" كأنها جزءاً من اسمه، "فلان الله يرحمه"، لكن اختي ليست من هؤلاء ولا أريد لها أن تشبههم. بدا لي تعبير "الله يرحمها" مصادقة نهائية على موتها، وكأن هذه المصادقة تقتل أملي بأن يكون موتها عابراً أو كاذباً. لكن الجميع كان يقول التعبير ويكرره إلى حد أن ضيقي منه اختنق تحت ضغط الكثرة، فاستسلمت.
استمر ضيقي من هذا التعبير إلى الآن، ولكن على أساس جديد، دون أن أفقد إحساسي "الطفولي" المضني بأنه مصادقة نهائية على خسارة أبدية. مشكلتي اليوم مع هذا التعبير/الدعاء، هي أنه ينطوي على اعتبار الله قاسياً وعقابياً، وليس رحماناً رحيماً. حين أفكر بالتعبير اتصور الله في صورة لا تطابق صورته لدي. بدلاً من الرحمة الأصيلة والحضن الهني والاتساع المريح، يحل الانتقام والخوف والضيق. التعبير يضمر أن النفس لا تعود إلى ربها "راضية مرضية" بل مروعة وقلقة. رجاء الرحمة ينبغي أن يكون موجهاً إلى البشر الأحياء الذين يمكن أن لا يرحموا الفقيد بعد موته، سواء بألسنتهم أو بأطماعهم.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعارضة السورية في طور الهبوط
- المأساة السورية وليمة صحفية (قراءة في كتاب الأسد أو نحرق الب ...
- المنشقون والثورة السورية
- العلويون في مهب السلطة السياسية 2
- العلويون في مهب السلطة السياسية 1
- ماذا نستفيد مما يحصل في فرنسا؟
- هل السلطة السياسية أولوية؟
- أمي والقضايا الصغيرة
- -انا في سورية وأريد العودة الى وطني-
- الصمت ليس حقا لمن لديه ما يقول
- ضحايا وجلادون
- حين تتحول الهوية إلى وثن
- مشكلة الفرنسيين مع الإسلام
- هل العلة في الطريق أم في -الهرولة-؟
- عن رهينة فرنسية اعتنقت الاسلام
- سورية بعد موجة التطرف الإسلامي
- لا حقوق وطنية بدون حقوق يومية
- سورية المدمنة على النقصان
- حضورنا المباشر في السياسة
- العدو الصديق وأزمة مياه الحسكة السورية


المزيد.....




- بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع ...
- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - مشكلتي مع التعابير