أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سامح عسكر - الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (6)















المزيد.....

الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (6)


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6765 - 2020 / 12 / 19 - 20:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الأستاذ "أنيس منصور" كتب مقالا عام 2005 أعاد فيه أصل الحضارة المصرية لمنطقة النوبة جنوبا، وهو بذلك يقصد أن الحضارة المصرية القديمة انطلقت من الجنوب إلى الشمال أولا - مثلما سقنا في الحلقات السابقة- وأن هوية المصريين القدماء كانت سمراء اللون بملامح أفريقية كالتي يتمتع بها شعب النوبة:

يقول أنيس منصور في جريدة الشرق الأوسط: "كتبت كثيراً عن أهل النوبة وعن تاريخهم العظيم، وأنهم أصل الحضارة الفرعونية، وأن ملوكنا وملكاتنا الجميلات المحندقات نوبيات ـ فيما عدا نفرتيتي فتبدو انها من أصول غير مصرية، أما حتشبسوت ونفرتاري وتيتي حماة اخناتون وغيرهن فمن النوبة. وأنا أرى أن حماة اخناتون هي صاحبة أجمل شفتين في تاريخ مصر الفرعونية وأجمل أنف أيضاً، أما الوجنات فهي بارزة وهذا يدل على أصلها الأفريقي، وكتبت أيضاً أن بلاد النوبة كانت على صلة مباشرة بأوروبا، دون أن تتوقف عند مدن الوجه البحري والعاصمة منف، وفي الوثائق الاغريقية أن أهل النوبة ونبلاءها وملوكها هم أيضاً الذين علموا مصر والاغريق نظام الملك ونظام الترقي بين الوظائف.

ولم يكن ذلك مجاملة لأهل النوبة على حساب التاريخ، وانما هي الحقيقة، وما كتبه البروفسور وليام ادامز في كتابه (النوبة طريق إلى أفريقيا) ليس جديداً علينا، وأهل النوبة يشكون في مثل هذه الكتب التي تحاول أن تخلق انفصالاً أو صدعاً بين مصر والنوبة، فالنوبة مصرية وأهلها مصريون ما في ذلك شك، واذا كان بعض السياسيين الأميركان أو بعض رجال الكنيسة الكاثوليكية يشيدون بأهل النوبة وحاجتهم إلى العدل والانصاف، فليس حباً لهم، وانما تشجيعاً لهم على كراهية مصر والانفصال عنها، حتى الدراسات الأميركية عن الحضارة النوبية تلقى حذراً وخوفاً شديداً، والذي قاله البروفسور أدامز من أنه ذهب إلى النوبة بحثاً عن الانسان البدائي فوجد حضارة مستقرة، ليس جديداً" انتهى

وعقّب عليه الكاتب المصري "حسن سليمان" في مقال على جريدة التحرير في يوليو 2018 قائلا: "تقلب النوبيون في حوض النيل الأوسط بين السراء والبأساء، وعمروا القرى والمدن، وأنشؤوا نظاماً إدارياً كان الأول من نوعه، حين كانت أوروبا وآسيا في جماعات رعوية مترحلة، وسنرى ما صنع النوبيون في مصر من حضارة طبقت الآفاق، وخطفت الأضواء وصارت مصر بذلك- وهى وليدة الحضارة النوبية والسلالة النوبية – أم الدنيا، واحتلت موقعها المرموق؛ إذ سطع نور الحضارة أول مرة في الدنيا شرقاً وغرباً، وكان امتداد الوجود النوبي إلي مصر العامل الحضاري الأول، وكما أسلفنا لم يكن في أوروبا أو آسيا أو بقية إفريقيا شيء يمكن التعويل عليه، وخطف النوبيون في مصر كل عوامل التقدم والرقي من بيئتهم، وسطع نور حضارتهم حتى ملأ الآفاق فكراً ولغة وعقيدة وتنظيماً إدارياً، وأرسوا قواعد العمران رياً وزراعة وصناعة وعقيدة" انتهى

كلام منصور وحسن يثبت أصالة مصر أفريقيا لكن بمصطلح جديد هو "النوبة" وهو مفهوم عن شعب الجنوب المصري اصطلح عليه بعد الغزو اليوناني البطلمي الذي أوجد فارقا بين الهوية البيضاء في الشمال والأصل الداكن في الجنوب، حتى توسعوا في إطلاق المصطلح على شعوب ما بعد الشلال الأول..ودليلنا في ذلك غياب مصطلح النوبة عن تاريخ مصر قبل العصر البطلمي اليوناني، فلم يُذكَر هذا الإسم في برديات القدماء المصريين في عصر الأسرات ولا في العهد القديم الذي صنف قبل هذا الزمن بقليل، لأن التفريق بين النوبي والمصري لم يكن موجودا، فالاثنين واحد بهوية واحدة وشكل واحد جرى انفصاله بمرور الزمن، ومما قيل في ذلك أن أصول كلمة النوبة تعود للفيلسوف اليوناني "سترابو" Strabo الذي يعد أول من سمى شعب الجنوب المصري بهذا الإسم، وغاية ما ذكر لتعريف شعب الجنوب هو مصطلح "الكوشيين" حتى لا زال هذا الإسم لصيقا بهم.

أما التطابق بين حضارة مصر شمال الشلال الأول وجنوبها فهو حاضر في ممالك كرمة ونبتة ومروي Kerma،Napata ، Meroë وهي ثلاثة حضارات أفريقية جنوب الشلال كانت مشتركة مع شمالها في هوية واحدة، ولمن يدعي الأصل الأبيض لمصر ما عليه إلا أن يزور متحف "كرمة" في السودان الذي افتتح عام 2008 ورؤية الفن الأفريقي الكرمي والكوشي والنبتي خصوصا في التماثيل التي تتطابق أدبيا وفنيا مع الفن المصري القديم طوال عصر الأسرات في تصوير الجسد البشري، وأزعم أن هناك حَجرا على تلك المعلومات الآن في الثقافة المصرية لما يتضمن ذلك من اعتراف بأصالة مصر الأفريقية من ناحية، وما يعنيه الخلاف المصري السوداني سياسيا بعد الثورة المهدية في القرن 19 والتي تسببت في جرح غائر بين الشعبين لا زالت آثاره موجودة في عنصرية متبادلة وشقاق حول هوية بعض الأقاليم كحلايب وشلاتين..

ودليلا آخر في وجود معابد لآمون جنوب الشلال في منطقة جبل البركل Jebel Barkal شمال الخرطوم، وهو إثبات آخر أن الدين المصري القديم لم يكن محصورا في وادي النيل شمال الشلال الأول ، وعلى مدعين الأصل الأبيض أن يجدوا معابد لآمون بنفس الدرجة والشكل والمعنى في منطقتي الشام وآسيا الصغرى التي تذهب أبحاثهم أنها منبع الإنسان المصري القديم، بينما التاريخ الشامي في تلك الفترة كان مختلفا وحاضرا بثقافات أخرى من فينيقيا وأوجاريت والحيثيين والبابليين والأكديين والآراميين ..وجميعهم شعوب مختلفة عن الشعب المصري شكلا وثقافة..

حتى أن معبد موت Temple of Mut وملكته الشهيرة "تاكاهاتين" Takahatenamun يقعان في نفس المنطقة ضمن جبل البركل والفن المصري القديم على جدران المعبد متطابق مع الذي وجد في طيبة ومنف والإسكندرية مما يدل بشكل قاطع على هوية واحدة وثقافة متصلة، وبرغم أن معابد آمون والأهرامات الكثيرة محيطة بجبل البركل مما يدل عى اتصال حضاري وليس فقط سياسي لكن يخرج علينا من يزعم أن الثقافة مختلفة وأن شعوب النوبة السمراء سودانية ليست مصرية ، بتصرف فاضح ينم عن جهل في المصطلحات والتاريخ السياسي لوادي النيل قرابة 7 آلاف عام، وفي تقديري أنه لولا العنصرية والخلاف السياسي بين مصر والسودان..علاوة على التأثير الضارب في عمق الثقافة المصرية الذي ينظر للأفارقة كموطنا للعبيد ما ورثنا تلك الرؤية وتفتح ذهن المصريين المعاصرين لتلك الحقائق دون خوف.

كما أن الثقافة الكوشية لم تكن تخلو من لمحات الدين المصري القديم، فرأينا أبرز ملوك الكوشيين "تاهارقا" Taharqa و"طنتاماني" Tantamani اللذان يعدان من أبرز ملوك الأسرة 25 الكوشية يوصفان في سجلاتهم بعبدة (آمون ورع) وكذلك آثار الملك الكوشي "أماني نتاكي ليبت" Amaninatakilebte ومجوهراته المحفوظة في متحف بوسطن بالولايات المتحدة التي يحوي آثار لعبادة الإلهة المصرية "إيزيس" وآثار أخرى في المتحف للحضارة الكوشية تحوي متعلقات خاصة بالإلهة "حتحور"

والدارس في الحضارات يعلم جيدا أن الآلهة المشتركة تدل على دين وثقافة وهوية ولغة مشتركة في تلك العصور، وأتحدى أي مصري أن يكون له علم بسيرة هؤلاء الملوك من قبل، فقد طُمٍست آثارهم وأخبارهم من سجلات المصريين إعلاميا وثقافيا ، وجرى تصوير هذه الأسرة – أي 25 – بالاحتلال السوداني كأجانب مثل الهكسوس، بينما في التاريخ لم نعرف عن آلهة الهكسوس سوى أنهم كانوا شعوبا أسيوية ..ولو كان لهم نفس الدرجة من الاتصال مع المصري القديم لرأينا (آمون ورع) آلهة في الشام..أو بنيت معابد وتماثيل على الطراز المصري مكان آلهة ومعابد حمص وحماه ودمشق التي يغلب عليها الطابع الروماني والفينيقي المختلف عن الطابع المصري.

كما أن معبد آمون لم يوجد فقط ضمن جبل البركل ولكن وجد أيضا في منطقة "ناقا" أو "نقعة" Naqa عاصمة مملكة مروي بجوار الخرطوم، وهناك وجدت تأثيرات رومانية مما يدل على اتصال حضاري بين الرومان الذين سكنوا الفيوم وبين شعوب جنوب الشلال الأول، كما وأنه في إطار نفس الحضارة الأفريقية لمروي وجدت آثار لملوك كوشيين ك "ناتاكاماني Natakamani الذي لا يختلف تمثاله المكتشف كثيرا عن تماثيل رمسيس المكتشفة في مصر على طول وادي النيل، وكذلك الملكة شناكداخيتي Shanakdakhete التي بُنيَ لها هَرما ضمن حضارة مروي، وللمرة الألف فالثقافة التي صنعت الأهرام لتُصبح مقابر للملوك والملكات في هذا العصر هي ثقافة مصرية خالصة انتقلت لشعوب أخرى في زمن مختلف كآسيا وأمريكا..لكن في هذا العصر تحديدا كان المصريون هم أول من وصلوا لفكرة الأهرام كمباني عملاقة، ولو كانت نظرية مدعين الأصل الأبيض صحيحة لبُنيت تلك الأهرامات في الشام وأوروبا ..لكن ولأن الأصل مختلف والهوية مختلفة لم يحدث ذلك ولم يُسجل أركيولوجيا.

ويبقى أن الاتصال الفكري والثقافي والشكلي بين حضارات مصر والسودان يدل على هوية واحدة مما أوجد صلة قديمة جدا بين الشعبين ولم يفرقهم سوى السياسة التي بدأت تلك الخلافات كما قلنا في عصر الثورة المهدية، ومن قبل تزوج خلفاء الدولة الفاطمية بسودانيات أنجبت إحداها الخليفة "المستنصر بالله" الذي استعان بفرق سودانية وجيوش نوبية لحماية مُلكه، والتاريخ يحكي في تلك الفترة تقاربا شعبيا بين مصر والسودان وشعوب أخرى شمالية كالأرمن..حتى جاء صلاح الدين الأيوبي ولغى هذا التقارب وأحدث مجزرة في جند السودان وطرد كل من له صلة في هذا التقارب معهم حسبما يحكي المؤرخ "ابن الأثير" وفي سيرة جند السودان في العصر الفاطمي عبرة قد نكتشف بها أن ما فعله الخليفة ليس عن قناعة باختلاف شعبي مصر والسودان ولكن لمواجهة التُرك الذين أقاموا دولة الإخشيد..وهددوا حدود دولتهم في أفريقيا عبر السلاجقة، وكانوا نافذين في الدولة المصرية من أثر الخلافة العباسية في عصرها الثاني المعروف بالموالي التُرك..

لنا عودة..



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (5)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (4)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (3)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (2)
- الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (1)
- الحزب العلماني المصري..كفكرة سيئة
- دخول الإسلام بنجلاديش وأندونيسيا بالحرب لا بالدعوة والتُجار
- طموح شيخ الأزهر السياسي
- القصة الأصلية لصحيح البخاري
- روشتة الحكم الرشيد للسيد جو بايدن
- الإسلام السياسي والحرية الصحفية
- رسالة لشيخ الأزهر
- رحلة في سيكولوجيا المرأة والجنس
- خرافات حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية
- فرنسا وصراع الوجود
- العلمانية ..ضرورة حياة
- مسلمو فرنسا وجريمة الشيوخ
- برلمان مصر والشريعة الإسلامية
- قصة الأشاعرة والماتوريدية
- الوساطة الروسية في ملف كاراباخ


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سامح عسكر - الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة (6)