أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد السلام الزغيبي - كناري محاصر بالعذاب..














المزيد.....

كناري محاصر بالعذاب..


عبد السلام الزغيبي

الحوار المتمدن-العدد: 6764 - 2020 / 12 / 18 - 23:04
المحور: الادب والفن
    


كان لزاماً عليّ أن ادفع ثمن الاشتراك في خدمات العمارة التي أقطنها نهاية كل شهر٬ في المكتب الذي يتولى هذه المهمة٬ الواقع في شارع ذروسوبولو، بحي كلياتسو الأثيني. يطلق على الاشتراك بـ "كونيوخريستا" التي يدفعها سكان العمارة شهرياً٬ مقابل تنظيف واجهة البناية ومداخلها٬ إضافة إلى خدمات أخرى. ثمة مسافة قصيرة تفصل المكتب عن بيتي، أصل المكان، السيدة المسؤولة تجلس في مواجهة الباب، وعلى مقربة منها طاولة كبيرة عليها قفص لطائر كناري.

المكان معتم وعديم التهوية، والسيدة المسئولة مستغرقة في تجهيز فواتير الدفع٬ فيما النظارة الطبية المستقرة على أرنبة انفها على وشك السقوط. تنفث دخان سجائرها كالعادة بشراهة٬ ليصل إلى رئة الكناري، لكن ماذا عساه أن يفعل الطائر المسكين، وهو حبيس القفص؟

فكرت ربما اعتاد الطائر على حياة القفص وعلى سجائر السيدة، فعندما تفتح له باب القفص لا يطير٬ ومع الوقت ينسى أن لديه أجنحة ويرفض الطيران٬ معتقداً أن الحرية حماقة لا تليق به. أتطلع إليه أحياناً وهو يحرك ذيله وينفش ريشه حين يرى من خلف زجاج المكتب٬ الحمام في الخارج وهو يلتقط الحبوب ثم يحلق في فضاء الحرية٬ أرى في عينيه حسرة واضحة المعالم. كما يقابل هرة السيدة الكسولة الوديعة بالحسد٬ فهي لها الحرية في الحركة داخل حدود المكتب وخارجه أحياناً٬ عندما تتاح لها الفرصة.

بصراحة كل مرة أحضر المكان لأجل دفع فاتورتي، أشفق على الطائر٬ وأتمنى له من صميم قلبي الخلاص له من هذا السجن الكئيب٬ أنا الباحث عن الحرية أعي تماما معناها٬ وأمقت السجن والسجان.

في زيارتي الأخيرة للمكان نظرت إليه بإمعان ولمحت في عينيه عتاب كبير ولوم دفين٬ كأنه يوبخني، قائلاً لي: "أنا طائر صغير حبيس القفص تحت رحمة إنسان ظالم منع عني أبسط الحقوق٬ وهي التحليق في السماء مع أسراب طيور أخرى، وبناء عشي الذي اختاره بنفسي".
آه لو يعرف أنا أعلم بحاله وما يشعر به٬ وأعرف أنه محاط بالقسوة٬ ولكن عليه أن لا يظلمني. فقد حددت موقفي منذ زمن من الحرية٬ ولن ارتضى بفقدها تحت أي شرط. عليه أن يعلم أنا أعشق الحياة لغاية الوله٬ أعشق الناس والبيوت والطرقات والأصدقاء.. والحكايات المحملة بالتجارب٬ ولا أستمتع برؤية الطيور الحبيسة في الأقفاص، لكني عاجز تماما عن مد يد العون لها لتتنفس مجدداً هواء الحرية.

قبل أن أغادر المكان اقتربت من القفص٬ تطلعت إلى الطائر٬ يعتريني الخجل، بسبب عجزي عن مساعدته، وهمست في أذنه:

- اطلب منك السماح، فلست مسئولا ما حل بك، لكن قدرك هو أنك طائر جميل سقط في شبكة تاجر باعك لهذه المرأة التي وضعتك في هذا القفص، كل همها يكمن في الاستمتاع بوقتها وبتغريدك٬ فيما أنت محاصر بالدخان والعذاب وبهرة كسولة.



#عبد_السلام_الزغيبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضاءات مسرحية مفاهيم واتجاهات
-   عازف الاكورديون...ينثر البهجة في الشوارع
- أثينا بين الصمت والهذيان
- عازف الاكورديون...ينثر البهجة في الشوارع
- الكلاب في زمن الكورونا
- معمرة يونانية نموذج من أمهات الماضي
- طبيبتي الصغيرة مرضت
- شطيرة سمك التونة بالهريسة الحارة
- * شاعر الشباب والحب... سامحنا
- قراءة في كتاب الحركة المسرحية في بنغازي
- بلد العميان...
- سرحان بين الغيط والبيت...
- العم جورج وأنا والأسماك..
- العم جورج وأنا والأسماك
- رحيل عاشق السينما..مروان عكاوي
- الشعالية.. والهلال..وأنا
- تريبونة الظل...ملعب البركة..
- المعنى والصدى- لجمال حيدر- كاتب مثابر يدوّن سطوره بحبر القلب
- البني آدم والانسان...
- بوش وترامب والكتاب المقدس...


المزيد.....




- عام من -التكويع-.. قراءة في مواقف الفنانين السوريين بعد سقوط ...
- مهرجان البحر الاحمر يشارك 1000 دار عرض في العالم بعرض فيلم ...
- -البعض لا يتغيرون مهما حاولت-.. تدوينة للفنان محمد صبحي بعد ...
- زينة زجاجية بلغارية من إبداع فنانين من ذوي الاحتياجات الخاصة ...
- إطلاق مؤشر الإيسيسكو للذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي
- مهرجان كرامة السينمائي يعيد قضية الطفلة هند رجب إلى الواجهة ...
- هند رجب.. من صوت طفلة إلى رسالة سينمائية في مهرجان كرامة
- الإعلان عن الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي ...
- تتويج الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...
- -ضايل عنا عرض- يحصد جائزتين في مهرجان روما الدولي للأفلام ال ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد السلام الزغيبي - كناري محاصر بالعذاب..