أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوسف رزين - التشريع المالكي في مرآة التاريخ المغربي















المزيد.....



التشريع المالكي في مرآة التاريخ المغربي


يوسف رزين

الحوار المتمدن-العدد: 6764 - 2020 / 12 / 18 - 19:11
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عاش المغاربة منذ العصر الوسيط الى الآن أطوارا متتالية من القيام و الانهيار لدولتهم دون قدرة منهم على التحكم بمسارها و منعها من السقوط مع ما يستتبع ذلك من مآس مروعة. هذه المآسي و هذا الخوف من السقوط المدوي للدولة و غرقها في اتون الحرب الاهلية و المجاعة و الطاعون المتكرر باستمرار هو ما يقض مضجع المؤرخ و يسلب النوم من عينيه و يدفعه الى البحث المتواصل عن اسباب هذا الانهيار و طرق تجنبه. صحيح انه كانت هناك محاولات رائدة لمؤرخين وسيطيين كابن خلدون و ابن هيدور و ابن رضوان المالقي و اخرون.. و هي كلها اتفقت على ايراد عدد من الاسباب مجتمعة كالجفاف و تمرد الاشياخ و غلبة الخرج على الدخل و الثقل الجبائي الخ.. لكن في الضفة المقابلة للبحر الابيض المتوسط نجد ان الاوربيين عانوا من نفس ضروب الجفاف و التحدي الفيودالي للملكيات و مع ذلك استطاعت اوربا تجاوز هذه العراقيل الطبيعية و البشرية و الخروج من شرنقتها الوسيطية نحو الانوار و النهضة و الحداثة على عكس المغرب. فما السبب يا ترى ؟ ماذا لو ان عنصرا من عناصر البنيتين التحتية و الفوقية كان له دور في هذا الانهيار المتكرر للدولة المغربية دون ان نعيه و نسلط عليه الضوء و الذي هو في حالتنا هاته عنصر او عامل التشريع الفقهي و كيف انه يمكن ان يكون سببا من الاسباب الرئيسية في هذا الانهيار؟ هذا ما سنعالجه في هذا المقال.
ارتضى المغاربة المذهب المالكي لانفسهم منذ العهد المرابطي بعد ان توزعوا ردحا من الزمن بين مذاهب خارجية و شيعية الخ... و قد فسر البعض هذا الاختيار لهذا المذهب و اعتماده من طرف الدولة المرابطية كونه وافق نزوعها نحو الشدة و البساطة و التزمت كونها دولة فتية قدمت لتوها من فيافي الصحراء. غير انه بالتأمل في طبيعة هذا المذهب فإننا سنكتشف ان الامام مالك رغم انه اتسم بالشدة في الاحكام الا انه مع ذلك ترك مذهبا اتسم بقسط وافر من العقلانية و حرية الرأي في استنباط الاحكام على عكس ما يشاع عنه.
يوضح في هذا الصدد الباحث جورج طربيشي في كتابه " من اسلام القرآن الى اسلام الحديث" كيف ان الامام مالك كان رائدا لمدرسة الرأي ما جعل الامام الشافعي يشنع عليه في كتابه " الأم". فأبرز الشيوخ الذين اخذ عنهم مالك الفقه هم من اصحاب الرأي و اشهرهم ربيعة بن ابي عبد الرحمان الذي لقب ب"ربيعة الراي" كما انه في كتابه "الموطأ" كان كثيرا ما يستعمل عبارة: هذا رأيي ..و هو رأيي..أرى.. لا أرى..او عبارة : احب ..لا احب..اني اكرهه..لا بأس.. ما يعني انه عند مالك كان هناك هامش من استخدام العقل في التشريع مع وجود النص. فمالك كما يقول طربيشي كان يحتفظ بنوع من الاستقلالية تجاه النص الحديثي و لم يكن يتقيد به دائما.
بالاضافة الى ان مالكا اعتمد في مذهبه ثلاث آليات في الاستنباط يمكن وصفها بالعقلانية و هي آلية القياس و الاستحسان و الاستصلاح.فالقياس عنده هو الحاق امر غير منصوص على حكمه بامر اخر منصوص على حكمه لعلة جامعة مشتركة فيهما و بذلك يكون القياس آلية تسمح باشتغال نسبي و مشروط للعقل بما يوفره من فسحة للحراك التأويلي ما بين النص و الواقع. فالقياس عنده هو واحدة من الاليات الممكنة للاجتهاد و يعتبره مخرجا من المخارج الممكنة في حال صمت النص ازاء واقعة ساطعة بناء على منطق المماثلة القائم على قياس الشبيه على الشبيه و انزاله على حكمه. و كمثال على ذلك قاس مالك حداد الامة على الحرة فالاولى حدادها شهران و خمس ليال و الثانية حدادها اربعة اشهر و عشرا.
أما عن الاستحسان فقد اعتبره تسعة أعشار العلم و هو بمثابة قياس مزدوج. فالمستحسن يمضي من قياس اول الى قياس ثان يأخذ به بالرغم من انه اقل جلاء من الاول و اكثر خصوصية منه فهو اذن ترخص من القاعدة اي استثناء منها. و كما يعرفه الشاطبي فهو في مذهب مالك الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة قياس كلي. فحكم القياس مرجعه الى النص في حين ان الاستحسان و لو كان محدودا بالجزئيات فإن فيه قدرا من الاجتراء على كليات النص. و كمثال على ذلك فإن مالك اباح الاطلاع على العورات في التداوي لأنه و ان كان الدليل يقتضي المنع فإن رؤية العورات ابيحت لما قد يترتب على المنع من أذى للمريض.
و اما عن الاستصلاح فهو عند مالك اعمال مباشر للقياس المرسل من دون رجوع ال ضابط مباشر من النص. و هو يعني الاخذ بالمصلحة أجزئية كانت أم كلية جلبا لمنفعة او درءا لمفسدة. و بذلك يوضح طرابيشي ان الاستصلاح في الاجتهاد المالكي مثل هامشا لا يستهان به من الحرية ازاء منطق النص. فهو اجتهاد طليق من قيد النص. و قد حمل اسماء عديدة كالقياس المصلحي و القياس المرسل و الاستدلال المرسل و المصالح المرسلة و التي يمكن ادراجها في خانة ما سماه سائر اهل الفقه ب"البدعة الحسنة".فمالك كان يرسل المصالح اذا غاب النص كما سمح لنفسه بارساله اكثر من خمس ما رواه من الاحاديث و لم يكن يتقيد بسندها اعتبارا منه ان قيمة الحديث في متنه لا في سنده. لكن هذا التعامل المرن مع النص من طرف مالك سيتم محاربته من طرف من جاء بعده من الفقهاء مانعين بذلك كل نزوع عقلاني في التشريع الاسلامي.
يوضح طرابيشي خط الانحراف الذي عرفه التشريع الاسلامي عن العقل ابتداء مع الشافعي الذي كرس السنة وحيا مقارنا لوحي القرآن حيث رفعها الى مرتبة القرآن كما قبل باحاديث الاحاد. لكن اخطر ما قام به هو تأسيسه لآلية الناسخ و المنسوخ و بذلك يكون قد اطلق من قمقمه عفريت التلاعب بالنص القرآني، اذ ليس القائل الالهي لهذا النص هو من يحدد ما هو ناسخ و ما هو منسوخ من الايات بل هو المؤول البشري لهذا النص. يوضح طرابيشي ان الشافعي عمل على استئصال العقل من حقل الفقه بشكل تام و ذلك بتأسيسه لنظرية القياس حيث جعلها عاملة على مستوى الفروع لا على مستوى الاصول. فحسب الشافعي ليس للعالم ان يحكم او يفتي من عنده متذرعا بأنه لم يجد مطلبه في المصادر الثلاث الكبرى و الحصرية للعلم (القرآن و السنة و آثار الصحابة) و لو فعل يكون قد دلل فضلا عن اثمه على جهله و سقطت عنه بالتالي صفة العلم. كما لا يعترف الشافعي بالاستحسان و هو يعرفه بأنه الإحداث و هو ليس اجتهادا لانه لا اجتهاد الا قياسا على نص بل هو تعسف لانه " من استحسن فقد شرع" و هذا يعد اشراكا بالله و كسرا لاحتكاره حق التشريع، فمن يستحسن يكن قد قال برأي نفسه و من يقل برأي نفسه يكن قد اتبع هوى عقله و فك ارتباطه بالشرع. و بذلك (يقول طرابيشي) يكون الشافعي قد قاد انقلابا لاهوتيا و ابستيمولوجيا داخل التشريع الاسلامي فهو لم يترك للعقل من وظيفة اخرى غير ان يكون قياسا. و لذلك فإنه بعد الشافعي سيختفي فريق اهل الراي و سيحتل اهل السنة الساحة تماما و سيعرفون لاحقا تحت اسم " اهل السنة و الجماعة" او " اهل الحديث". و لم يقف الامر عند هذا الحد من التضييق على العقل و النص القرآني داخل المنظومة الفقهية بل تلاه فقهاء اخرون زادوا الخرق على الرتق مدشنين بذلك انتصار الحديث على القرآن و النقل على العقل و هو ما يظهر جليا مع ابن حزم.
يوضح طرابيشي ان ابن حزم كان في البداية شافعيا قبل ان يؤسس مذهبه الظاهري. و خلافا لما يعتقد عنه بأنه كان نصيرا للعقل فإنه كان على العكس من ذلك فيما يتعلق بالتشريع الاسلامي فهو كان امتدادا للشافعي بالشكل الاكثر غلوا، حيث اعلن بطلان مبدأ القياس و كف يد العقل ازاء سلطة النص التي لا يجوز ان تعلو عليها سلطة اخرى. فقد حصر ابن حزم وظيفة العقل بفهم النص و الالتزام بالمنصوص عليه دونما اعتبارا لدرجته من العقلانية او اللاعقلانية. فشروط المعقولية يستمدها العقل من النص لا من نفسه فليس من معقول الا معقول النص حتى و ان يكن من منظور العقل لا المعقول. و يعرف ابن حزم العقل بأنه الفهم عن الله لاوامره و بالتالي لا مجال لاستخدامه في التشريع و لذلك نجده يقول:" و هم يحرمون بعقولهم و يشرعون الشرائع بعقولهم بغير نص من الله تعالى و لا من رسوله و لا اجماع من الامة فهذا هو ابطال حجج العقول على الحقيقة" كما يضيف "العقل لا يحرم شيئا و لا يوجبه و العقل عرض من الاعراض محمول في النفس و من المحال ان تحكم الاعراض و توجب و تشرع".
يوضح طرابيشي ان ابن حزم بناء على ما سبق لا يبيح حجة العقل في تحليل او تحريم و لا في تحسين او تقبيح و لا حتى في اجتهاد او استحسان او تعليل. لقد حصر ابن حزم دور العقل في معرفة الاشياء على ما هي عليه فحوله الى عقل انطباعي تنحصر كل فاعليته بالفهم السالب و تكاد كل نزعة تدخلية من جانبه ان تعد كفرا و لذلك حمل ابن حزم على اهل القياس و الرأي و الاستحسان. فالاولوية المطلقة عنده هي للنص لا العقل. و لم يتوقف ابن حزم عند هذا الحد بل تعداه الى ابطال الاجتهاد بالرأي بفكرة تمامية النصوص و تمامية النوازل معا حيث قال " ليس في العالم شيء الا و فيه سنة منصوصة" و أضاف " لا نازلة الا و فيها نص موجود" ضدا على القاعدة الفقهية التي تقول: " النصوص متناهية و النوازل لا متناهية". و بذلك يكون قد حبس النص في صحراء اللاتاريخ ، يقول طرابيشي. فهو في نظره لا ينفعل او يتفاعل مع محدثات الامور او مجريات التطور بلغة العصر. و لم يكتف عند هذا الحد بل تابع مسيرته في معاداة العقل بأن نفى التعليل انسجاما مع مذهبه الظاهري القائم على عدم جواز قياس المسكوت عنه على المنصوص عليه و لو جمعت بينهما علة ما. و هو يقول في هذا الصدد " الله لا يفعل شيئا من الاحكام و غيرها لعلة بوجه من الوجوه" و ان " العلل كلها منفية عن افعال الله و عن جميع احكامه البتة" و أن " تعليل اوامر الله معصية" و أن " القياس و تعليل الاحكام دين ابليس و مخالف لدين الله تعالى". كما يرفض ايضا مبدأ السببية قائلا بأن " الاسباب كلها منفية عن افعال الله تعالى كلها و احكامه" و يرفض كذلك مبدأ مقاصد الشريعة و ان الله تعالى انما يفعل الشرائع لمصالح عباده اعتمادا على الاية التالية: " لا يسأل عما يفعل و هو يسألون".
يخلص طرابيشي في النهاية الى ان ابن حزم هو المؤسس الفعلي للاكليروس الاسلامي. فبالاضافة الى ما قام به فإنه اعتبر أن رواة الحديث معصومون من تعمد الكذب و بالتالي لا داعي لتواتر الحديث بل يمكن قبول احاديث الاحاد – على النقيض مما ذهب اليه بعض اهل الحديث و الفقه و الكلام من اعتبار التواتر شرطا لقبول الخبر- و ذلك انطلاقا من مبدأ " نقل الثقة عن الثقة" فجعل هؤلاء الثقات شركاء حقيقيين في صناعة القول الالهي مما يتيح لهم ان يتحكموا بالقول الالهي القرآني لا تأويلا فحسب بل حذفا و الغاء عن طريق آلية الناسخ و المنسوخ. فإذا كان الشافعي اعتبر الحديث وحيا الهيا و لكنه لم يجز نسخه للقرآن فإن ابن حزم زايد عليه بأن اجاز نسخ الحديث للقرآن فصار بإمكان حديث الاحاد ان ينسخ القرآن و بذلك يكون ابن حزم قد جعل تشريع الرسول له نفس المكانة للتشريع الالهي و الاخطر من ذلك انه جعل الرواة "الثقاة" واضعي الحديث على لسان الرسول مشرعين في نفس رتبة القرآن.
يوضح طرابيشي ان الشافعي رفض الاستحسان بدعوى ان من استحسن فقد شرع و ان ابن حزم رفض القياس و التعليل بدعوى ان من قاس او اجتهد فقد شرع و لكنهما في المقابل جعلا من حدث قد شرع و بذلك صار التشريع في الاسلام عن طريق وضع احاديث على لسان الرسول مهما كانت لا معقوليته او تناقضه مع تعاليم القرآن الشيء الذي حول المسلمين الى أمة لا عقلانية و دموية و استبدادية.
و طبعا كان هذا هو التيار الذي سيسود داخل الفقه الاسلامي و الذي سيتضخم و يتقوى فيما بعد على يد ابن حنبل عن طريق منهجية محاربة استخدام العقل في التشريع و تضخيم المدونة الحديثية و نسخها للقرآن و تحويلها الى متاهة تشريعية يصعب الخروج منها.
كان هذا جردا سريعا للتحولات التي عرفها التشريع السني من مالك الى ابن حنبل. و ما يهمنا في هذه الدراسة هو تحديد اثر هذه التحولات الفقهية على المذهب المالكي بالمغرب. نسجل في هذا الصدد حدثان مميزان في تاريخ الغرب الاسلامي . الاول هو قيام المعتضد بن عباد بحرق مؤلفات ابن حزم بطلب من الفقهاء المالكية و الثاني هو حرق السلطان المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين لكتاب احياء علوم الدين للغزالي و مرة اخرى كان هذا الاحراق بطلب من الفقهاء المالكية. ما يدفعنا للقول ان البيئة الاندلسية المغربية كانت تدافع عن نفسها من تسرب التأثيرات المشرقية اللاعقلانية علما ان كلا من ابن حزم و الغزالي كان شافعي المذهب.
من جهة اخرى يمكننا ان نجزم ان الفلسفة العقلانية ما كانت لتظهر في المغرب و الاندلس لولا حاضنة فقهية عقلانية تمثلت في المذهب المالكي القائم على الراي و عمل اهل المدينة و صغر المدونة الحديثية و القياس و الاستحسان و الاستصلاح. فمعلوم ان الفلسفة العقلانية اذا كانت قد اكتملت اركانها على ابن رشد فإن المؤسس الفعلي لها كان هو الفيلسوف ابن باجة وزير المرابطين و منه نفهم لماذا توقف المشروع الفلسفي العقلاني عند ابن رشد و لم يتابع مسيره . فالمذهب المالكي العقلاني الحاضن لهذا المشروع لم يكن في احسن حالاته في عهد الدولة الموحدية. يذكر ان هذه الدولة دشنت عهدها بقتل الفقيه المالكي الابرز الذي هو القاضي عياض علما ان مؤسسها ابن تومرت كان في الاصل تلميذا للغزالي شافعي المذهب.
اذن بتبدل الدولة الحاضنة للمذهب المالكي من مرابطية الى موحدية ذات العقيدة المهدوية كان طبيعيا ان يتسرب الانهاك للمذهب المالكي و يكف بدوره عن احتضانه للمشروع الفلسفي العقلاني و لهذا نفهم لماذا انقلب الخليفة الموحدي الناصر على ابن رشد و فلسفته و تحول من راع الى عدو لها. فابن رشد كان في الاصل يشتغل وحيدا في بيئة غريبة عنه و بعيدا عن حاضنته السياسية (دولة المرابطين) و الفقهية (المذهب المالكي) و لذلك كان طبيعيا ان يفقد المشروع الفلسفي العقلاني بالمغرب قوته الدافعة فيصل مع ابن رشد الى محطته الاخيرة.
و يبقى السؤال : هل استعاد المذهب المالكي عافيته بعد زوال الدولة الموحدية ؟ الجواب هو لا. فرغم تخلص الدولة المغربية في عهد المرينيين من عقيدة المهدوية و استعادتها للمذهب المالكي الا انه لا يمكن القول انه كان في احسن حالاته و متحررا من التأثيرات المشرقية. فما يسجل عن هذه الدولة هو تاسيسها للمدارس المرينية و هو امر عارضه فقهاء القرويين بشدة لان هذه الخطوة كانت تنسج على منوال المدارس النظامية بالمشرق و بذلك بدا واضحا ان المذهب المالكي سيفقد حريته و مرونته و يتحول الى ايديولوجيا رسمية للدولة. يضاف الى ذلك ان تاسيس هذه المدارس ألغى شرط الرحلة في طلب العلم. و معلوم ان من كان يطلبه في السابق كان من الميسورين ماديا و المستقلين فكريا حيث يقضي فترة من عمره متنقلا بين الشيوخ من بلد لاخر فيكتسب العلم من مصادره الاصلية دون تحكم من جهة معينة فيتخرج بعد اجازته من شيوخه واسع الاطلاع مستقل التفكير. بينما في عهد المدارس المرينية صارت الدولة تتحكم في مناهج التدريس مقصية منها العلوم العقلية من فلسفة و منطق و اعتزال و في المقابل كان الطلبة القادمون من اوساط فقيرة يخضعون لهذه المناهج بحكم ان الدولة تضمن لهم الاكل و المبيت. و رغم معارضة المالكية لهذه المدارس في بداية الدولة المرينية الا انهم سرعان ما رضخوا للامر الواقع في عهد ابي السلطان ابي السعيد و ابنه ابي الحسن.
اذن اجواء كهاته ما كانت لتزيد المذهب المالكي الا تكلسا و اغترابا عن اصوله العقلانية. لكن ما يهمنا في هذا المقال هو دراسة الأثر الذي خلفته ثلاث مواقف تشريعية محددة عبر عنها فقهاء المالكية على مسيرة المجتمع المغربي و حدت من تطوره. فما هي هذه المواقف الثلاث؟
اول هذه المواقف هو موقف التشريع المالكي من الربا. فكما نعلم فإن المذهب المالكي شأنه شأن بقية المذاهب في العالم الاسلامي قد حرم الربا بشكل قطعي. فما أثر هذا التحريم على تطور المجتمع المغربي؟
كنا قد شرحنا في مقال سابق كيف ان المغرب عانى من دورية الجفاف و ما يجلبه على الدولة و المجتمع من كوارث و لذلك سنت الدولة الموحدية سياسة المخازن لمواجهة هذا الجفاف. لكن مع ذلك ظلت هذه السياسة قاصرة عن حل هذا المشكل لان الدولة المغربية عانت من مشكل اخر و هو تمرد الاشياخ عليها. لقد ظل مصير المجتمع المغربي رهنا بمصير الصراع المحتدم بين السلطة المركزية الممثلة في الملك و الاقطاع الممثل في الاشياخ. و لم يستطع التحرر ابدا من هذه الثنائية المدمرة. و كلما حل الجفاف الا و أطل خطر تمرد الاقطاع على السلطة المركزية و تهديده لاستقرار المغرب و بالتالي فإن سياسة المخازن لم تكن ناجعة بشكل تام لانها ببساطة كانت تتعرض للنهب من طرف رؤساء الاقطاع فيقع المجتمع مرغما فريسة المجاعة و ما يتلوها من اضطرابات. و السؤال هنا هو لماذا عجز المجتمع المغربي عن تجاوز خطر الاقطاع؟ لماذا ظلت هذه الظاهرة تتجدد بتجدد الدولة المغربية نفسها؟
الجواب هو ان استمرار ظاهرة الاقطاع بالمغرب و ديمومتها كان بسبب عجز فئة التجار عن الظهور بقوة على مسرح التاريخ و من ثم كسرها لقبضة الاقطاع على المجتمع. صحيح انه ظهرت في العهد الموحدي فئة تجارية نشطة لكنها مع ذلك ظلت عاجزة عن تجاوز عتبة الاقطاع على عكس تجار اوربا. فلماذا يا ترى؟
يكمن الجواب في تقديرنا في تحريم فقهاء المالكية غير المبرر للربا بشكل قاطع و غير عقلاني. و لفهم هذه النقطة دعونا نرحل الى اوربا و نشاهد ما فعله تحليل الربا على يد جون كالفن من تحرير لقدرات التجار في مواجهة الكنيسة و الفيودالية و اطلاق لمارد الراسمالية و معه تحرير كامل اوربا الغربية من شرنقة القرون الوسطى.
يوضح الباحث محمد حبيدة في كتابه" تاريخ اوربا من الفيودالية الى الانوار" ان المصلح الديني جون كالفن باباحته للربا و تبريره لحق الراسمالي المانح للقرض في الحصول على الفائدة انطلاقا من ضرورة الاخذ بعين الاعتبار بمبدأ"حصة المجازفة" في التعامل المالي قد مهد لظهور الراسمالية و لتغلب الطبقة البورجوازية الصاعدة على قيود الفيودالية و الكنيسة معا. فباباحة الربا ظهرت الابناك و انتقلت الثروة من الارض الى النقود التي بدورها تحولت من وسيلة للاستهلاك الى وسيلة للانتاج و الاستهلاك معا. ما ساهم في تفكك النظام الفيودالي و حلول النظام البورجوازي محله القائم على التجارة و الرواج المالي.
اما على الصعيد السياسي فقد حدث تطور هام بفضل اباحة الربا و هو التقاء مصلحة الملك مع مصلحة التجار. فقد كان الاول بحاجة الى التجار لتمويل المشاريع الكبرى و الحد من نفوذ الفيودالية و بالمقابل كان التجار بحاجة الى سلطة مركزية تضمن لهم وحدة السوق التجارية و تعفيهم من الضرائب الفيودالية و الحواجز الجمركية بين اقاليم المملكة. و بذلك وضعت الفيودالية بين مطرقة الملكية و سندان البورجوازية فاختفت مع مرور الوقت و اتخذت اوربا طريقها نحو الدولة القومية الحديثة.
كل هذه التطورات التاريخية حرم منها المغرب بسبب تحريم فقهاء المالكية للربا بشكل قطعي و بذلك ظل الانتاج بالمغرب اسير موسمي الخصب و الجفاف الدوريين و ظل مصدر الثروة هو الارض لا النقود. إن تحريم الربا او القروض بفائدة او ما يسميه الفقهاء بيع المال بالمال جعل حركة الانتاج حبيسة سقف معين له ارتباط بمستوى التساقطات المطرية كما ان فوائضه تظل في ملكية كبار الاقطاعيين ما دام ان اصل الثروة في هذه الحالة هو الارض لا المال. اما باباحة الربا فانه يصبح بامكان فئة اجتماعية مبادرة (التجار) لا تمتلك الارض ان تستدين و تحقق فوائض انتاجية تنافس الانتاج الاقطاعي كما ان طبقة التجار المبادرة بنفس القدر الذي تستطيع به الانتاج من خلال الاقتراض فانها تستطيع ايضا تسويق هذا الانتاج ما يخلق رواجا تجاريا يعم البلد باكمله لكن الاهم من ذلك هو ان الانتاج هنا ينتقل من من مستوى الفائض الداخلي (الانتاج الفلاحي) الى مستوى فاض القيمة (الانتاح الحرفي و الصناعي) و توفر فوائض مالية تؤدي الى ظهور المصارف و استقرار سعر صرف العملة و انتقال الثروة من الارض الى المال. لكن فقهاء المالكية بالمغرب المتشبعين بالمؤثرات المشرقية الشافعية اللاعقلانية حرموا الربا بشكل قطعي حارمين المغرب من تطور تاريخي كان في أمس الحاجة اليه.
و هنا يطرح السؤال التالي: ماذا كان بوسع الفقهاء فعله ما دامت النصوص الشرعية كلها تحرم الربا؟ هل كان في يدهم خيار آخر غير عصيان النص؟ للاجاية عن هذا السؤال نطرح سؤالا مقابلا هو : هل حرم الاسلام الربا بشكل قطعي لا لبس فيه ام ان الفقهاء تشابه عليهم الامر؟
بداية نشير الى ان الامام الشاطبي وصف الربا بأنه "محل نظر يخفي وجهه على المجتهدين و هو من اخفى الامور التي لم يتضح معناها الى اليوم" . و وصف ابن كثير الربا بانه "باب من أشكل الابواب على كثير من اهل العلم" . اما الغزالي فقال : " مسائل الربا..من اغمض المسائل". ما يعني ان قضية الربا لم تكن محسومة لدى كبار فقهاء الاسلام. بمعنى ان قرارهم الصادر بتحريمها بشكل مطلق لا يستند على اسس واضحة لديهم. و لذلك يحق لنا كأبناء القرن الواحد و العشرين ان نمارس حقنا في التدبر في النصوص الشرعية و محاولة البحث عن العلة الكامنة وراء تحريم الربا ، و هل هي محرمة بشكل كامل ام جزئي؟ و لذلك سنقوم بالرياضة الذهنية التالية :
نجد اولا الاية الكريمة التي تقول : " الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا و احل الله البيع و حرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف و امره الى الله و من عاد فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون" سورة البقرة الاية 275 . توضح هذه الاية ان القرآن يحرم الربا، لكن السؤال الذي يطرح هو : هل القرآن حرم الربا بشكل تام ام بشكل جزئي ؟ بمعنى هل هذا التحريم هو مطلق أم مطلق مقيد؟
للاجابة عن هذا السؤال نورد الاية التالية : " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة و اتقوا الله لعلكم تفلحون" سورة آل عمران الاية 130. اذن كما نلاحظ فإن هذه الاية تقيد الاية التي سبقتها و تقصر التحريم على الربا المضاعف اي الذي تتجاوز فائدته مائة في المائة ، أما الفائدة المعتادة في القروض البنكية و التي لا تتجاوز مثلا عشرة في المائة فإنها لا تدخل في خانة التحريم لعدم انطباق شرط المضاعفة عليها.
و نجد ايضا في الاية التالية :" يا ايها الذين آمنوا لا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم و لا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيما" سورة النساء الاية 29 انه بالتدبر الهادئ فيها نجد ان القرآن يحرم اكل المال بين طرفين بالباطل الا ان يكون تجارة عن تراض منهم. اي ان اكل المال بالباطل بين طرفين هو حلال في حال تجارة بينهما تقوم على التراضي فكيف ذلك ؟
اولا لفهم هذه المسألة علينا اولا ان نعرف ما هو اكل المل بالباطل بين طرفين؟ الجواب هو ان اكل المال بالباطل هو أمران : القمار و الربا، لكنه يصبح حلالا في حالة التجارة عن تراض و لان القمار ليس تجارة بل فقط مجازفة بالمال فإنه يتبقى لنا الحالة الثانية التي هي الربا حيث ان الربا هو بيع المال بالمال و تتحدد حليته أو حرمته حسب حضور عامل التراضي من عدمه. فإذا كان الربا بفائدة يسيرة مقدور عليها فإن التراضي يكون حاضرا بين الطرفين المقرض و المقترض اما اذا كانت فائدتها اضعافا مضاعفة فإنه يصبح استغلالا من الطرف الاقوى للطرف الاضعف فينتفي منه عامل التراضي فيصير حراما.
و نجد في الاية التالية ما قد يوضح اكثر هذه الفكرة . قال تعالى " و اخذهم الربا و قد نهوا عنه و اكلهم اموال الناس بالباطل و اعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما " سورة النساء الاية 161. اذن اذا وضعنا في الاعتبار ان الربا المذكورة في هذه الاية هي مقيدة بالربا المضاعفة و ان اكل اموال الناس بالباطل المذكور في هذه الاية ينتفي منه عنصر التراضي فإن مضمون الاية السابقة يتضح اكثر.
كما نجد في الاية التالية :" اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله و رسوله و ان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون و لا تظلمون و ان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة و ان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون" سورة البقرة الاية 278-280 . ما يشد انتباهنا في هذه الاية هو عبارة " و ان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون و لا تظلمون". الا تحلينا عبارة " لا تظلمون و لا تظلمون" على المبدأ الفقهي الشهير : لا ضرر و لا ضرار ؟ أي ان اقراض المال في الاسلام يجب ان يتم وفق مبدأ "لا ضرر و لا ضرار" او بعبارة قرآنية " لا تظلمون و لا تظلمون". فتحريم القرآن للربا يخص الدرجة لا النوع. اي ان الفائدة الربوية يجب ان تنخفض للدرجة التي ترضي المقرض و المقترض ، فإذا انخفضت الى الصفر اضرت بالمقرض و اذا ارتفعت كثيرا عنه اضرت بالمقترض، لكن اذا استقرت في نسبة محدودة كأن لا تتعدى العشرة في المائة مثلا فإنه في هذه الحالة ينطبق عليها مبدأ التجارة عن تراض القرآني وفق قانون " لا تظلمون و لا تظلمون".
و ما يزيد من تأكيد هذه الفكرة الاية التالية التي تقول :" من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة و الله يقبض و يبسط و اليه ترجعون" سورة البقرة الاية 245. للاشارة فهذه الاية فسرها الفقهاء على انها تعني الانفاق في سبيل الله اي انهم جعلوا القرض الحسن صدقة ! و شتان بين القرض و الصدقة. كما أن استعمال القرآن لمصطلح القرض الحسن يفيد بذمه للقرض السيء. فأين هو اذن هذا القرض السيء الذي ذمه القرآن و الذي يجب ان يكون معناه مقابلا لمصطلح "الصدقة". في الواقع لا نجد في القرآن اي اثر لقرض سيء يكون مناقضا لكلمة الصدقة و عليه فإن كلمة القرض الحسن في القرآن تعني قرضا له خصائص معينة يمدحها القرآن و لا داعي لتحريفها الى معنى اخر لا علاقة له بالقرض. اذن فما هو معنى القرض الحسن؟
بالاستناد الى الايات السابقة نقول ان القرض الحسن هو كل ربا بفائدة محدودة يترتب عنها عنصر التراضي وفق مبدا "لا تظلمون و لا تظلمون" و مقابله القرض السيء و هو كل ربا بفائدة مضاعفة يتوفر فيها عنصر الاستغلال و الاستضعاف و الظم. ان القرآن لا يحرم المعاملات المالية القائمة على الاقراض مقابل فائدة بل يحرم الاستغلال الكامن في هذه المعاملات و المبني على استخدام القوة و الظلم و الاستضعاف. لذلك نجده يتوعد كل من يستخدم القوة و الاكراه في معاملاته التجارية حيث يقول الله سبحانه و تعالى:" ويل للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون و اذا كالوهم او وزنوهم يخسرون، الا يظن اولئك انهم مبعوثون ليوم عظيم" سورة المطففين الاية 1-5 .
نخلص في نهاية هذه الفقرة الى ان الاسلام لم يحرم الربا بالمطلق بل حرم فقط عنصر الاستغلال فيها كما ان اثمها يقع على المقرض لا على المقترض و لكن الفقهاء آثروا تقليد المسيحيين في تحريم الربا و امتنعوا عن التدبر الهادئ في ايات القرآن حتى اذا جاء جون كالفن واباح الفوائد البنكية فانطلق معه مارد الراسمالية من قمقمه و بقي المسلمون اسرى النظم الاقطاعية لا يستطيعون منها فكاكا.
لكن المؤسف ان هذا التحريم للفوائد البنكية لا زال ساريا الى اليوم مع بعض المحاولات المحتشمة من طرف بعض الفقهاء لاباحته. و هذا يعني ان اقتصاد الدول الاسلامية يعيش تحت رحمة تهديد حقيقي. فكيف ذلك ؟
اذا استحضرنا الواقع الحالي في بلد كالمغرب مثلا نجد ان الابناك التقليدية التي تقرض بالفائدة موجودة و بكثرة و هذا دليل على قوة اي اقتصاد و حيويته و لكن هذه الابناك التي هي ركيزة الاقتصاد الوطني تعاني من خطر كامن يتمثل في الفتاوي المحرمة للفوائد البنكية على اعتبار انها ربا و هذا امر له أثر خطير على هذه الابناك. فإذا وضعنا في الاعتبار تدين شريحة واسعة من المجتمع المغربي و امتثالها لتعاليم الدين و فتاوي الفقهاء فإن هذه الشريحة ستمتنع عن الاقتراض من البنوك التقليدية رغم قدرتها على السداد ما سيؤثر سلبا على الرواج المالي و الاستثماري و الاستهلاكي بالبلد ما يعني اثرا سيئا و مباشرا على الاقتصاد. لكن الاخطر من ذلك هو امتناع هذه الشريحة من المجتمع عن ايداع اموالها في الابناك بدعوى انها ابناك ربوية آثمة لا يجوز التعامل معها و المساهمة في ارباحها. و سلوك جماعي كهذا يعني في المحصلة ضعف نسبة الاستبناك و هذا له اثر خطير على الاداء الاقتصادي لأي بلد. فضعف نسبة الاستبناك معناه ضعف السيولة النقدية و ضعف الدين الداخلي و ارتفاع نسبة الفائدة و ضعف العملة الوطنية.
طبعا هناك من سيحيلنا على الابناك المسماة "اسلامية" كبديل عن الابناك التقليدية غير ان هذه الابناك التي تعمل وفق مفهوم المرابحة لا تعدوا كونها شركات توظيف الاموال و لا يمكنها بأي حال تعويض الابناك التقليدية . بل على العكس من ذلك نرى ان الابناك التقليدية تعمل في تناغم تام مع مقتضيات الشريعة ما دام ان مفهوم الفائدة على القرض البنكي يتطابق تماما مع مفهوم القرض الحسن الذي ادخله فقهاء العصر الوسيط في خانة الصدقة !
عموما نقول ان فقهاء المالكية حين حرموا الربا بشكل مطلق فإنهم حرموا المجتمع المغربي من تطور تاريخي كان في أمس الحاجة اليه في العصر الوسيط و حين يصرون على ادانتهم للابناك التقليدية و وسمها بالربوية فإنهم دون دراية منهم يهددون الاقتصاد الوطني على المدى المتوسط و البعيد لانه بانهيار الاقتصاد تنهار معه الدولة و تكف الشريعة انذاك عن اداء مهامها بالمجتمع من حفظ للدين و النفس و المال و العقل و النسل.
و نمر لموقف آخر للتشريع المالكي في العصر الوسيط ساهم في تعطيل مسيرة المجتمع المغربي الا و هو تحريم الفلسفة و ادانتها من طرف الفقهاء المالكية. و هو امر غريب جدا لأن المذهب المالكي هو اكثر مذهب ينحو نحو استخدام العقل في التشريع و في عصره الذهبي في عهد الدولة المرابطية ظهر عندنا الفيلسوف الكبير ابن باجة و مشروعه الفلسفي العقلاني الواعد لكن بعد ذلك تدهورت الدولة المغربية و معها المذهب المالكي فتأثر بالمذاهب المشرقية و صار بدوره معاديا للفلسفة و العلوم العقلية و في هذا الصدد نورد هذا النص المقتطف من مقدمة ابن خلدون المؤرخ و القاضي المالكي يستعرض فيه موقفه من الفلسفة :" و امام هذه المذاهب الذي حصل مسائلها و دون علمها و سطر حجابها فيما بلغنا في هذه الاحقاب هو ارسطو المقدوني من اهل مقدونية من بلاد الروم من تلاميذ افلاطون و هو معلم الاسكندر و يسمونه المعلم الاول على الاطلاق يعنون معلم صناعة المنطق اذ لم تكن قبله مهذبة و هو اول من رتب قانونها و استوفى مسائلها و احسن بسطها و لقد احسن في ذلك القانون ما شاء لو تكفل له بقصدهم في الالهيات ثم كان من بعده في الاسلام من اخذ بتلك المذاهب و ابتع فيها رايه حذو النعل الا في القليل. و ذلك ان كتب اولئك المتقدمين لما ترجمها الخلفاء من بني العباس من اللسان اليوناني الى اللسان العربي تصفحها كثير من اهل الملة و اخذ من مذاهبهم من اضله الله من منتحلي العلوم و جادلوا عنها و اختلفوا في مسائل من تفاريعها و كان من اشهرهم ابو نصر الفارابي في المائة الرابعة لعهد سيف الدولة و ابو علي بن سينا في المائة الخامسة لعهد نظام الملك من بني بويه باصبهان و غيرها. و اعلم ان هذا الرأي الذي ذهبوا اليه باطل بجميع وجوهه".
و يضاف الى ذلك ان المدارس المرينية كانت تدار من طرف الفقهاء و تخضع لاملاءات المحبسين الكارهين للفلسفة و العلوم العقلية لذلك كانت المواد التي تدرس فيها خالية من هذه العلوم فصار من يشتغل بها يرمى بالزندقة. و في هذا الصدد نورد فتوى للفقيه المالكي الونشريسي في كتابه "المعيارالمعرب" حول علم الكلام يقول فيها :" نقل الغزالي و هو شيخ الهدي قال: اختلف في الاشتغال بعلم الكلام فقيل فرض كفاية و قيل يحمله من قام و قيل فرض عين و قيل حرام و ان التقليد يجزئ و لأن يلقى الله بكل ذنب سوى الشرك خير من ان يلقى الله بعلم الكلام. و الى هذا ذهب الشافعي و مالك و احمد بن حنبل و سفيان و جميع اهل الحديث من السلف رحمهم الله. قال عبد الاعلى : سمعت الشافعي يقول لأن يلقى العبد ربه تعالى بكل ذنب سوى الشرك خير له من ان يلقاه بشيء من علم الكلام . و قال ابو يوسف : من طلب العلم بالكلام تزندق".
ما يهمنا في هذا الموقف المالكي المعادي للفلسفة و علم الكلام و العلوم العقلية عموما في العصر المريني هو محصلته التاريخية : هل افاد المجتمع المغربي أم لا؟ هل ساهم في تطوره أم في ارتكاسه ؟ أليست الامور كما يقال بنتائجها ؟. و عليه فإنه حينما نلقي نظرة فاحصة على مسار المجتمع المغربي منذ تاريخه الوسيط الى قدوم الاستعمار الاوربي نجد انه غرق في الانحطاط و التدهور الذهني كنتيجة مباشرة لغياب الفلسفة و الفكر النقدي عن المغرب. و هذا امر طبيعي ، ففقهاء المالكية لم يعودوا في العصر المريني يضعون مسافة فاصلة بينهم و بين فقه الشافعي و الغزالي و ابن حنبل كما كان عليه الامر في العصر المرابطي بل صاروا يضمنون فتاوى فقهاء المشرق برمتهم لفتاواهم المالكية المذهب. و هو ما لاحظناه في فتوى الونشريسي المحرمة لعلم الكلام فذهب معها قول الفيلسوف و القاضي المالكي ابي الوليد بن رشد بأن الحكمة هي الاخت الصغرى للشريعة ادراج الرياح. فمالكية العصر المرابطي ليست الضرورة هي مالكية العصر المريني و ما بعده.
و نختم دراستنا هاته بموقف المالكية من اليهود و هل أفاد المجتمع المغربي ام لا ؟ لمن لا يعلم فإن فتاوي المالكية نزلت باليهود المغاربة في العصر الوسيط الى مواطنين من الدرجة الثانية. و يكفي ان نتعرف على فتاوي المغيلي و الونشريسي بخصوصهم لادراك حجم الاقصاء و سوء المعاملة الذي تعرضوا له فقد كانوا ممنوعين من بناء كنائسهم في العهد المريني و كلما اقاموا كنيسة لاداء شعائرهم افتى الفقهاء بهدمها كالفتوى التالية للفقيه العبدوسي :" ..فرأى من الثلم و العرة على المسلمين ان تقام رسوم الشرك في بلاد المسلمين فأمر بأن تهدم الكنيسة المذكورة و ان يعفى اثرها. فانقطع بذلك منكر عظيم و خمدت بدعة ثم اراد اليهود المذكورون اخزاهم الله ان يعيدوا بناءها و يرجعوا الى ما هم عليه من اقامة دينهم و احياء سنتهم و لم تعقد لهم بذلك ذمة و لا ضربت عليهم بذلك جزية".
كما منعوا من اختيارهم للباس و المراكب التي تروقهم حيث افتى الونشريسي بتحريم ذلك قائلا :" و ما يفعله اليهود اليوم في الاسفار من ركوب الخيل و السروج الثمينة و لبس فاخر الثياب و التحلي بحلية المسلمين في لبس الخف و المهماز و التعمم بالعمائم فمحظور شنيع و منكر فظيع يتقدم بإزالته بما أمكن". و يضيف " و لا يمكنون من النقش على خواتمهم بالعربية و لا يباح لهم لباس الاصفر من الالوان لانه لباس الصحابة و الخلفاء و الاشراف".
غير ان اسوء معاملة تلقاها اليهود من جراء فتاوي فقهاء المالكية كانت تلك المتعلقة بدفع الجزية حيث قرنوها بتلقيهم الاهانة و الاذلال اثناء دفعها. و لتوضيح ذلك نورد الفتوى التالية للفقيه المغيلي:" و صفة اخذها أن يجمعوا يوم اعطاءها بمكان مشتهر كالسوق و نحوها. و يحضروا بأخسه و اسفله قائمين على اقدامهم و اعوان الشريعة قائمين فوق رؤوسهم بما يخوفهم على انفسهم حتى يظهر لهم و لغيرهم ان مقصدنا اذلالهم باخذ اموالهم و يدرون ان الفضل لنا في قبول الجزية و ارسالهم بعد اخذها ثم يجلب منهم فرد بعد فرد لقبضها و يضع على عنقه بعد قبضها و يدفع دفعة يرى انه خرج من تحت السيف بها". اما الونشريسي فأفتى بخصوص اخذ الجزية من اليهود كالتالي:" الزج في الرقبة كما قال الامام ابو حنيفة في صفة اخذ الجزية. يزج في رقبته تحقيقا للصغار في قول ربنا عز و جل " حتى يعطوا الجزية عن يد و هو صاغرون" و الله الموفق بفضله". و يضيف " قلت: في وجيز الغزالي ما نصه : الثالث الاهانة، و هي ان يطأطأ الذمي عند التسليم فيأخذ المستوفي بلحيته و يضرب في لهازمه".
يلاحظ من خلال هذه الفتاوي الحاطة من قدر اليهود ان الفقهاء اصدروها بناء على ما جاء في الاية القرآنية التالية:" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الاخر و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين اتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون"سورة التوبة الاية 29. اذن فأخذ الجزية من اليهود حسب الفقهاء يجب ان يكون مقرونا باهانتهم في اي زمان و مكان. لكن هل فعلا قصد القرآن ذلك؟ و اذا كان الامر كذلك فلماذا دعا القرآن و فرض على المسلم عدم مجادلة الكتابي الا بالتي هي احسن؟ و هو ما تنص عليه التالية:" و لا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن الا الذين ظلموا منهم و قولوا امنا بالذي انزل الينا و انزل اليكم و إلهنا و إلهكم واحد و نحن له مسلمون". سورة العنكبوت الاية 46. أي ان الاساس في معاملة الاقليات الدينية في المجتمع المسلم هو التسامح و الحلم او ما يسميه القرآن ب "المجادلة بالتي هي احسن". و ان الحالة الوحيدة التي يصبح فيها من حق المسلمين التعامل بالتي هي أخشن هي حالة الظلم و الاعتداء من طرف اهل الكتاب. اي ان التسامح يمثل الفعل لدى المسلمين و التشدد يبقى فقط استثناء و رد فعل عن ظلم صادر من اهل الكتاب.
و عليه تصبح اية دفع الجزية اية تخص فئة من اهل الكتاب (و ليسوا كلهم) مارسوا الظلم و الاعتداء على المسلمين فحق عليهم ان يعاملوا بصرامة فيقاتلهم المسلمون و يجبرونهم على دفع الجزية ما يجعلنا نفهم ان هذه الجزية هي في الواقع غرامة حربية عن الضرر الذي احدثوه لا ضريبة يؤدونها مقابل الاحتفاظ بدينهم كما اشاع الفقهاء. بمعنى ان هذه الاية هي اية تاريخية و ليست حكما دائما خصوصا اذا علمنا انها اية مدنية بينما الايات المكية تحض على التسامح و اللين و الحكمة و الموعظة الحسنة. ثم اذا وضعنا في الاعتبار ان الفقيه المالكي الشاطبي بنى منهجه في مقاصد الشريعة على جعل الايات المكية حاكمة على الايات المدنية فإن اية الجزية تصبح في هذه الحالة اية تاريخية جاءت في سياق معين تميز بالصراع بين اليهود و المسلمين زمن هجرة الرسول الى المدينة . لكن الذي حدث هو ان الشافعي بابتداعه لمبدأ الناسخ و المنسوخ تحولت هذه الاية الى ناسخة لجميع ايات القرآن المكية الداعية الى التسامح مع غير المسلمين و سميت بآية السيف و صارت فعلا سيفا مصلتا فوق رؤوس الاقليات الدينية في البلاد الاسلامية.
لكن ما يهنا اكثر في هذه الدراسة هو أثر هذه الفتاوي على مسار تاريخ المغرب و كيف ان فتاوي فقهاء المالكية المتشددة مع اليهود ساهمت بمزيد من الارتكاس للمجتمع المغربي. لقد كان من أثر هذه الفتاوي المقصية لليهود ان استقروا بجنوب المغرب في المناطق الواقعة تحت سيطرة الاعراب و نالوا حظوة كبيرة عندهم. فهؤلاء لم يكونوا يهتمون كثيرا لاقامة الشريعة في مناطق نفوذهم و ما كان يهمهم هو المال و المصلحة فقط و هو ما جنوه بمعاملتهم الحسنة لليهود الذين كانوا خبراء بتجارة الذهب الصحراوية بالاضافة الى علاقاتهم الجيدة مع الممالك النصرانية باوربا فلعبوا دور الوسيط بين الاعراب و الاوربيين فأفادوا و استفادوا و مارسوا شعائرهم بكل حرية في مناطق الاعراب و عاشوا فيها بكل حرية و كرامة على عكس المناطق الواقعة تحت نفوذ فقهاء المالكية الذين ثار غيظهم و بدا واضحا في فتاواهم كفتوى الونشريسي التالية :" و ما يفعله اليهود في الاسفار من ركوب الخيل و السروج الثمينة و لبس فاخر الثياب و التحلي بحلية المسلمين في لبس الخف و المهماز و التعمم بالعمائم فمحظور شنيع و منكر فظيع يتقدم في ازالته بما امكن ...لما شاهدناه من حصول الامن القوي لهم عند العرب و الحظوة الكبيرة لما يروجون من حصول النفع منهم فيرضى العربي ان يستأصل هو و جميع اهله في نجاة اليهودي الذي معه فلم يبق لما وجدوا السعة عند من لا ينكر عليهم من جفاة العرب و حفاتهم تزيوا بأفخر زي المسلمين اذ كانوا لا يفعلون ذلك في الحواضر اخمد الله ظهورهم و أعز الاسلام بذلتهم و صغارهم".
كان اذن لهذا الاقصاء لليهود من طرف الفقهاء ان لجؤوا الى مناطق نفوذ الاعراب فأمدوهم بأسباب القوة من مال و علاقات مع الاوربيين ما جعل هؤلاء الاعراب يستقوون على المغاربة الحضر ، فاحتلوا مناطقهم و استضعفوا فلاحيهم و حولوهم الى مواطنين من الدرجة الثانية و اتوا على ما تبقى من الحضارة المغربية و اتموا تخريبها فدرست بسببهم العديد من المدن و الحواضر في الوقت الذي كانت فيه اوربا تنطلق نحو أفق التقدم و الحداثة.
تجدر الاشارة الى ان هذا التقدم الذي عرفته اوربا كان بفضل اعتماد النظام الرأسمالي و تحررها من الفيودالية و هو امر ما كان ليتم دون تحول في السلوك المسيحي تجاه اليهود حيث كف المسيحيون البروتستانت عن اضطهادهم و تحالفوا معهم مستفيدين في ذلك من خبرتهم العريقة في ممارسة الربا و الصيرفة.
و بهذا نكون قد وصلنا الى ختام دراستنا هاته و التي حرصنا من خلالها على تتبع مسار التشريع المالكي و المنعطفات التي مر منها و اثر هذا التشريع على تاريخ المغرب. ان هذه الدراسة جعلتنا –على عكس ما قد يتبادر للذهن- فخورين بهذا المذهب الاقرب الى عهد الرسول و الاكثر عقلانية من كل المذاهب التي تلته. لقد كان اجدادنا المالكية من الفطنة و الذكاء ان منعوا عن مذهبهم المؤثرات المشرقية فحرقوا في عصرهم الذهبي (الدولة المرابطية) كتب ابن حزم و ابي حامد الغزالي . لكن الظروف التاريخية كانت اقوى منهم فجرف مذهبهم المالكي من طرف التيار المشرقي اللاعقلاني و المتعصب فتحول فقهاؤه في العصر المريني الى مرددين لفتاوي الشافعية و الحنبلية دون حسيب او رقيب فحرموا الربا بإطلاق و الاشتغال بالفلسفة و اضطهدوا اليهود في حين فعلت اوربا العكس فتقدمت و ازدهرت و استقوت و استعمرتنا.
اذن هذه الدراسة هي دعوة لفقهاء المالكية لمراجعة الذات و العودة الى المنابع الاصلية و تخليص الشخصية المالكية من الشوائب المشرقية و وضع جدار عازل عنها. فقناعتنا هي ان المذهب المالكي لم يقل كلمته بعد و مازال يختزن في ثناياه الكثير من قيم العقلانية و الحداثة و التسامح.



#يوسف_رزين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجذور الوسيطية لمشكلة الصحراء
- تأملات في الزاوية المغربية
- المخزن و الثروة و التراكم المستحيل
- القبيلة المغربية..من -اجماعة- إلى - الجماعة-
- القطاع الصحي في العصر الوسيط بالمغرب
- الطاعون و المخزن..مختصر تاريخ المغرب
- ابن خلدون و المغرب ..بحث في دقائق العلاقة
- مقتل الملك بطليموس و نهاية الحكم الملكي بموريطانيا السياق و ...
- الحماية القنصلية بالمغرب
- غزال الكعبة الذهبي
- يوسف و السجن قراءة في كتاب - يوسف و البئر- لفاضل الربيعي
- الاساطير المؤسسة للتاريخ الفاطمي
- تمثلات الاجانب عن افريقيا السوداء عبر العصور
- الاسلام في الأسر
- من بنى مراكش ؟ مقاربة مجالية لتاريخ المغرب
- علم العمران الخلدوني
- عبد الله العروي مضللا
- قراءة في كتاب : شدو الربابة بأحول مجتمع الصحابة ،خليل عبد ال ...
- كفاح بن بركة
- النظام الدولي : النشأة و التطور


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوسف رزين - التشريع المالكي في مرآة التاريخ المغربي