أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير الخويلدي - أبو العلاء المعري بين اللزوميات ورسالة الغفران














المزيد.....

أبو العلاء المعري بين اللزوميات ورسالة الغفران


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 6759 - 2020 / 12 / 12 - 10:31
المحور: الادب والفن
    


" أرى الأشياء ليس لها ثبات"
يعتبر أبو العلاء المعري الشاعر الأبرز بعد المتنبي في الفترة القديمة التي شهدت فيها الثقافة العربية تطورا ملحوظا وثورة شاملة على الموروث وتسلحت فيها بإرادة صلبة نحو الإقلاع والتجديد بغية الإضافة والابداع.
لقد ولد بمعرة النعمان بأدلب في سوريا سنة 973 وعاش هناك ومكث في الشام الى أن توفي عام 1057 واشتغل بالشعر والدب والنحو وزاد عليها بالتفكير وابداع الرأي في السياسة ونقد الواقع الاجتماعي والدعوة الى الثورة على الموجود والحلم بالمنشود وشمل نقده المجال الديني والحياة اليومية وكذلك العادات السيئة. لقد تراوحت أعماله بين لزوم ما لا يلزم في المجال الشعري على مستوى البناء الشكلي للقصيدة من جهة نحت القافية والرد على حكاية بن القارح في مسألة الغفران والتطرق الى الجحيم والفردوس والقول بجنة العفاريت وتخطى المحبسين عن طريق الحرية الباطنية وبلغ النظر العقلي الذي عوضه عن حرمانه من النظر الحسي. في الظاهر رسم المعري صورة سوداوية عن المجتمع وصوب نظرة متشائمة من الحياة وأبدى نوع من التبرم من الأوضاع وسخر من ممارسات السياسيين وحمل على رجال الدين وأعلن معارضته لكل سلطة ولكل حكم ولكن في الباطن جعل من تمرده نوع من اثبات الذات وحوّل ثورته الشعرية الى وسيلة للارتقاء نحو الأحسن ودفع يأسه من الحياة الى أن يكون محركا للوعي بالعالم وجسرا للعبور نحو الآخر واسترجاع معنى الكينونة. لقد عاش أبو العلاء غريبا ومنعزلا ولكن غربته كانت مؤانسة للشعراء السابقين له وانعزاله كان وقود ابداعه وتوغل في الأدب العربي حتى الالمام من هوامشه وتفاصيله بعد هضم كلياته واستهلاك مشهوره وبلوغ مرماه وأبدع في الشعر وصفا وهجاء وتشبيها وسخرية وتخييلا وجاوز الحد واخترق المحظور في رسالة الغفران وفكر فيما لم يجرا على التفكير فيه أحد قبله وكشف عن التناقضات ومواطن الضعف في البنية الفقهية المتينة. لقد مجد المعري العقل وسافر الى بغداد طلبا للحكمة وبحثا عن الانوار المعرفية والعلوم العقلية والكتب النقدية واستخدمه في صناعته الأدبية والشعرية بذكاء وقاد وفضله على النقل والسماع وشحذ به قدراته على الفهم والحفظ والكلام والتأليف والتعمق في التفكير والتأمل في خلوة روحية بجلها على الاتصال بالناس ومخالطتهم. لقد نظم الكثير من القصائد والدواوين مثل اللزوميات والغاز وجامع الأوزان وسقط الزند واستغفر واستغفري وألّف مجموعة من الكتب مثل الفصول والغايات وملقى السبيل ومثقال النظم ومجد الأنصار واقليد الغابات والأيك والغصون وتاج الحرة وخماسية الراح وجزر النابح واللامع العزيزي وراحة اللزوم وضوء السقط وذكرى حبيب خصه لأبي تمام وخط جملة من الرسائل أهمها مثل رسالة الغفران ورسالة الصاهل والشاحج.على هذا الأساس لم يكن المعري لسانا متكلفا ولا من صناع الكلام وانما كان عالما موسوعيا وعارفا بدقائق الأمور ومنتبها الى الواقع الذي ينتمي اليه وشاهدا على عصره وملما بعلوم حضارته ومتمكنا من تاريخ الأدب والشعر والفن وقادرا على التنائي النقدي مع العادات والتقاليد والحس المشترك الذي تعتقده الدهماء والعامة. لقد تم تنزيله ضمن رواد القلق الوجودي والمنزع العقلي والنقد الثقافي والمذهب الإنساني في الحضارة العربية الإسلامي ولكن مختلف المعارك الشعرية التي خاضها والردود على الردود التي انخرط فيها جعلت منه أديبا كبيرا ومفكرا لامعا وصاحب فكرة فلسفية تخاطب الانسان بلغة كونية وتبحث عن قيمة الحياة. لقد مطلعا على العقائد والديان والمذاهب ورافضا للتصوف والقول بتناسخ الأرواح ومهاجما لأصحاب العقائد وباحثا عن الايمان الحي والفكرة الدينية الحرة ولذلك ظل متعطشا للحقيقة ومحاربا للجهل والظلم والخرافة وبانيا لعمارة المعرفة وناصحا بالمنهج العقلي الطبيعي ومستهزئا بالباحثين عن الشهرة والمال والجاه والحكم. أما موقفه من السياسة فكان ناقدا لأوضاعها وساخرا من فسادها وتعكيرها لصفو الحياة الاجتماعية ومناديا بضرورة الالتزام بالشيم الاجتماعية وأخلاق المروءة وتحمل الامانة ولقد عبر عنه بالأبيات الساخرة التالية:
يسوسون الأمور بغير عقل فينفذ أمرهم، ويقال ساسة
فأف من الحياة واف مني على زمن رياسته خساسة
وإذا كانت هذه الشخصية الفكرية الفذة بقيت متروكة ومهملة في الثقافة العربية وألصقت بها أبشع النعوت واتهمت بالزندة والالحاد فإن تأثيرها الكبير على الثقافة العالمية يظهر خاصة في الكوميديا الإلهية لدانتي. فكيف لمن أتعبته الحياة وهجر المجتمع أن يؤسس للوجود الإنساني ويصلح ما أفسده الأشرار والمنافقين؟ أليس هو القائل في الغاية السامية من الحياة: "خفف الوطء ما اظن أديم الأرض الا من هذه الأجساد"؟
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الثاني من الخطاب عن أصل وأسس اللامساواة بين البشر لروس ...
- الجزء الأول من الخطاب عن أصل وأسس اللاّمساواة بين البشر لجون ...
- الديمقراطية بين معرفة الحقيقة ومصلحة السلطة
- ازدياد التفاوت بين الطبقات الاجتماعية
- ما هو التوجه في الفكر؟ حسب عمانويل كانط
- آليات توجيه الرأي العام
- الحركة الاجتماعية بين التغيير السلمي وراديكالية الثورة
- من هو جورج أورويل: مؤلف كتاب 1984؟
- والتر بنيامين أو نقد أيديولوجية التواصل
- ماذا يمكن أن تكون الفلسفة في عيدها العالمي؟
- الفلسفة الكانطية بين التطوير والتقييم
- مقابلة مع المحلل النفسي مصطفى صفوان
- تقنية النانو والهندسة الإلكترونية
- ملامح الأيديولوجيات الجديدة
- تطورات الذكاء الاصطناعي
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
- صناعة الأيديولوجيا ونقد المجتمع
- كيف تُفسر العلوم العرفانية؟
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟
- كوفيد -19: الفلسفة والدرس في علاقتنا بالبيئة


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير الخويلدي - أبو العلاء المعري بين اللزوميات ورسالة الغفران