وليد المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 1616 - 2006 / 7 / 19 - 13:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمثل الوجود الاسرائيلي كدولة غير معترف بها من قبل الكثير من الشعوب العربية والاسلامية عاملا مجهضا لجميع بوادر التغيير والتحرر من السجون المجتمعية قديما وحديثا ، وذلك لان اسرائيل تدعم المتناقضات داخل المنطقة العربية الاسلامية ، من اجل ان تديم حالة الصراع والهيمنة المطلقة على مقدرات المستقبل العربي والاسلامي ، من خلال صيرورتها كقوة مدعومة عالميا من قبل النسق السياسي السلطوي متمثلا بالولايات المتحدة الامريكية ، إذ تجري عملية القبول المجتمعي بأسرائيل من خلال فرض الكثير من ستراتيجيات العنف والتجاوز على ارادة المجتمعات العربية من خلال وسائل متعددة تركز في مجملها على خيارات النبذ والسيطرة الدائمة على المستقبل ، حيث تعاني اكثر الانظمة العربية من تبعيات دائمة وضمن اشكالها المتعددة من اقتصادية وسياسية وثقافية ، تحاول من خلالها كسب الكثير من المكتسبات على حساب مجتمعاتها وما تملك من رغبة في التجاوز لمجمل السلطات والارادات التي تحد من السيطرة على الواقع الاجتماعي والسياسي ، مرتبطة بالانظمة العربية العاجزة عن تأسيس القبول المجتمعي بوجودها ، فضلا عن عجزها عن خلق الشرعية المجتمعية كدول حديثة منتخبة من قبل المجتمع ، كل ذلك يخلق حالة الاحباط لدى هذه المجتمعات من خلال رؤيتها المجتمع الدولي غير مكترث لكافة التجاوزات التاريخية ماضيا وحاضرا من قبل اسرائيل على فلسطين ولبنان ، ولان المجتمع الدولي يعيش حالة العزلة الوجودية والفكرية من خلال تأثير وسيطرة الاعلام الدولي الملتصق بعائديات ومصالح تتفق بالضرورة مع الولايات المتحدة صاحبة الدعم الاكبر لاسرائيل في المنطقة العربية الاسلامية ، فأن امر تعرية الارهاب الذي تقوم به اسرائيل ضد فلسطين ولبنان يكاد ينتمي الى دائرة العدم ، حيث تمثل الاعتداءات الدموية الاخيرة على لبنان اللعبة المتبقية لدى الولايات المتحدة من اجل تغيير المنطقة العربية الاسلامية من خلال ضربها لجميع القوى التي لاتتفق مع برامجها وستراتيجياتها المستقبلية من اجل اضعاف التيارات الشمولية التي تتخذ جانب المواجهة وتمثل الاخر – الغرب ( امريكا نموذجا ) ضمن صفة المعتدي غير المؤسس لحضارة عالمية من الممكن ان تساهم في بناء قواعد للاحترام المتبادل بين الشعوب ثقافة ومعرفة وانماط سلوك مجتمعية او المساهمة في تحرير هذه المجتمعات عن طريق الاساليب والاتجاهات غير المتصفة بالعنف او التجاوز العسكري والعراق مثالا جوهريا لذلك الامر، بالرغم من وجود الكثير من مراكز الخلل والتراجع عن انتاج مجتمعات حديثة ومتطورة لعوامل كثيرة يتداخل فيها القومي المحلي والعالمي السلطوي .
ان اسرائيل منتجة للصدام "الحضاري" غير المرتبط باللقاء والتلاقح عن طريق آليات القبول المجتمعي ، بأعتبارها اداة لبرامج اكبر تشمل المنطقة العربية الاسلامية من اجل احتضان اوسع لمصادر السلطة والثروة والمعرفة تتضمنها القوى التي تملك الجاهزيات السلطوية مرتبطة بقدرة الافراد مالكي رأس المال الذين يسيطرون على مقدرات العالم وشعوبه ماديا ومعنويا ، حيث يشكل العنف المباشر من قبل الاقوى " طبقات ومجموعات سلط " احدى الوسائل الرئيسية المستخدمة لدية لتغيير الآخرين ، وذلك معمولا عليه من قبل الكثير من الطبقات المنتصرة سياسيا وثقافيا واقتصاديا ، حيث جرى دمج والغاء الكثير من الثقافات قديما بواسطة هذه الطريقة الدموية متمثلة بالغزو والاحتلال ومن ثم التبعية المباشرة من خلال صيرورة مجتمعات بأكملها يحكمها افراد تابعين لامبراطوريات اكثر سطوة وشمولا .
ان اسرائيل تشكل بنية انتاج عدم الاستقرار والتطور في المنطقة العربية الاسلامية وعاملا غير مصاحب للتغيير المستقبلي مادامت خارطة العالم قطبية واحدية ، وما دام الوجود المجتمعي العربي الاسلامي اكثر تخلفا وانزواءا ضمن يافطات الاصول المعرفي والثقافي ، اي اقتصار المواجهة الثقافية والمعرفية من خلال التيارات الشمولية الاسلامية فحسب ، اي غياب تيارات ديمقراطية تطرح البديل الحضاري للمجتمعات العربية الاسلامية ومن ثم تتبنى هي بدورها عامل رسم خارطة المستقبل بلا اية قدرة للتبعية او تشكيل عوامل اجهاض مزمنة للمعرفة والتطور بشكل عام .
أذ يشكل وجود السيطرة العقائدية على مجتمعاتنا بشكلها الاصولي مصدرا متواصلا لضعف ابنية الدولة العربية الاسلامية لان هذه الاخيرة تخاف الجماهير ومن ثم ما تقوم هو الاختفاء خلف ثكناتها ومؤسساتها العنفية من اجل بقاء الاقلية الحاكمة اكثر اكتسابا للسلطة والثروة كأفراد وعوائل واحزاب شمولية .. الخ ، وما وجود التكتلات السرية سوى دعوة للخيانة او التجاوز على جسد الامة السياسي المجتمعي ، هذا ما ترسخه الدولة العربية المعاصرة من خلال ادوات النبذ والتخوين وتكوين الكثير من مراكز المنع وتضييق الحركة والحرية ، كل ذلك ساعد على تأصيله مجمل عوامل جلها تتعلق بذاتنا العربية الاسلامية كحمالة للعنف والاقصاء بشكل تاريخي مزمن ، فضلا عن وجود اسرائيل كدولة حمالة للعنف والتجاوز على الجسد العربي الاسلامي ، لذلك سوف تكون ادوات الصراع غير متكافئة مع القوى المنتصرة والمدعومة دوليا وبين مجتمعات ولا نقول دولا لان الدول العربية غير منتجة للاستقلال من حيث السيطرة على الواقع المحيط بها او السيطرة على مستقبلها الذي يكاد يحمل صفة الذوبان والتلاشي مع الاشكال الحديثة المجهضة لامكانيات التغيير نحو الافضل مع ما يئلائم ورغبات وحالجات المجتمعات العربية الاسلامية .
ان ما يحدث في لبنان وفلسطين والعراق يشكل تجاوزا هائلا على ذاكرة الشعوب ، من خلال تأبيد الواقع الاكثر مأساوية ودموية ، تساهم في تحقيقه القوى الكبرى التي تريد تغيير المنطقة من خلال التراجع عن دعم الاسلام بشكله السياسي ومن ثم خلاء الساحة السياسية والاجتماعية بيد المجموعات المدعومة من قبل المحتل بكافة اشكاله المباشرة وغير المباشرة ، فالضحية لا يمثل القادة او الزعماء بل يمثل القواعد او التجمعات المتماهية مع هيبة وكاريزما القائد المنتصر ضمن البيئة السياسية والاجتماعية السائدة .
ان عملية الخروج من الازمة التاريخية يتطلب زحزحة الشروط السلطوية لدى المجتمعات العربية الاسلامية ومن ثم الانتصار لقيمة الانسان من خلال بقاء الشعوب في حالة تجاوز دائمة لاشكال التماهي مع المستلب بكافة اشكاله من داخلية تحاول ان تزعزع الوجود الاجتماعي راسمة صورا واشكالا زائفة للمعرفة والحقيقة والسلطة او من خلال ذات القوى التي تحاول عزل المجتمعات من خلال ثقافة الاستهلاك العابرة للقارات وبواسطة تأبيد الازمنة السلبية المعدمة عن انتاج لحظات بشرية جديدة ، كل ذلك يتطلب
1- رسم خارطة جديدة للمواجهة مع المحتل في العراق ولبنان وفلسطين وغيرها من الدول التي تفتقر الى وجود الارادة المجتمعية ، تتمثل من خلال العودة الى المنابع الاولى للثقافة العربية الاسلامية من اجل تجاوز جميع الاشكال التي عجزت عن التواصل مع المحيط الاجتماعي والثقافي المعاصر ، والتي تشي بامكانيات المنع والحضر وتأسيس التابوات المصاحبة لجمود الزمان والمكان على حد سواء
2- الاهتمام بمسألة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان من اجل ان يكون التغيير داخليا وغير منبثقا بواسطة هذه القوى السلطوية العابرة للقارات بشكل عنفي ودموي ،فالديمقراطية سلاح متعدد الاستخدام من الممكن ان تستخدمه القوى التي تقف الى جانب المواجهة مع الذات لتبرير عجزنا وتخلفنا ومن الممكن ان يستخدم من اجل خدمة مجتمعاتنا كي تواصل التطور والتحديث بشكل مستقل عن مجموعة الارادات الخارجية التي تشكل في كثير من الاحيان قدرة كبيرة على الاحتواء والتأثيرالمصالحي لقيمها وثقافتها المركزية فحسب .
#وليد_المسعودي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟