أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عادل حبه - تحديات خطيرة امام حكومة المالكي















المزيد.....


تحديات خطيرة امام حكومة المالكي


عادل حبه

الحوار المتمدن-العدد: 1612 - 2006 / 7 / 15 - 10:33
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


بعد مخاض عسير ومرور اشهر، تشكلت حكومة السيد نوري المالكي على اساس توافق يضم اطراف عراقية متنوعة. واستبشر العراقيون، بعد ان تقطعت انفاسهم، بتشكيل حكومة قد تسهم في إعادة البلاد الى جادة العقل والحكمة والهدوء والتسامح بعيداً عن قرقعة القنابل والمفخخات ونغمة التهديدات المتبادلة والبلطجة والتي لا تعود بالخير على أي من العراقيين وبمن فيهم المتطرفين وأهل الغلو والملثمون وحملة الغدارات، فهذه التقليعة لا تفتح المدارس والمستشفيات ولا تربي الاطفال ولا تفتح بيوت الزوجية لذريتهم. وزاد من تفاؤل العراقيين مبادرات السيد رئيس الوزراء ومحتوى خطابه وبرنامج الحكومة الداعي الى نبذ العنف وجمع الاسلحة غير المرخصة وحل الميليشيات والدعوة الى مصالحة بين العراقيين.
بالطبع لم تقع الغالبية من العراقيين في دوامة الوهم والسراب أو التفكير بأن لدى الحكومة حل سحري قادرعلى حل جبال من المشاكل التي ورثها العراق من تركة السلطة الديكتاتورية وخرابها اللامحدود وتخبطات الادارة الامريكية وأخطائها والمطبات الكبيرة التي وقعت فيها حكومة الدكتور ابراهيم الاشيقر، إضافة الى الاخطاء التي ارتكبتها غالبية النخب السياسية العراقية وعلى اختلاف اطيافها وعدم وضوح اهدافها ومنهجها لمعالجة الاوضاع الخطيرة في البلاد. بالطبع لا يمكننا هنا ان نعفي من الخطأ الناخب العراقي وخياره الخاطئ خلال الانتخابات التي جرت عام 2005، هذا الخيار القائم على الطائفة والمذهب وليس على البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الوطني العراقي القادر على التخفيف من معاناة العراقيين وحماية العملية السياسية ودفع العملية الديمقراطية الى الامام. وفي هذا الإطار لسنا بصدد الخوض في معضلة التدخل الخارجي والارهابي منه او تدخل دول الجوار ونشاطات مخابراتها المدمرة أو أجهزتها الاعلامية في بلادنا وهو ما يحتاج الى بحث منفصل.
ان برنامج الحكومة الحالية قابل للتحقيق تدريجياً وليس بضربة عصا اذا ما قامت الحكومة الحالية بجملة من التدابير السياسية والتنفيذية والتشريعية والاقتصادية العاجلة. ان المهمة الاشد الحاحاً بلا منازع امام الحكومة هي مشكلة الميليشيات، التي اصبحت عائقاً جدياً امام اي استقرار للوضع في البلاد. فالديمقراطية تتعارض كلياً مع كثرة مراكز حملة السلاح، وهي الآن في بلادنا فاقت كل تصور. فالدولة والدولة وحدها التي تحتفظ بقوات مسلحة في بلد يطمح الى الديمقراطية، والميليشيات تعطل اية بادرة للديمقراطية. لقد اشار رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بحق الى خطورة بقاء الميليشيات المسلحة على الساحة وهي تعبث وتقتل بدون اي واعز وضمير اوحرص على البلد، اضافة الى تأكيده على ضررة جمع الاسلحة المحظورة. وعلى كل عراقي شريف اتخاذ موقف مساند ومسؤول ازاء هذه الدعوة الوطنية. وعلى اقطاب الميليشيات بكل اطيافها ان يعلنوا ويشرعوا بحل الميليشيات وجمع الاسلحة الني نهبت من الدولة وتسليمها الى ثكنات الجيش وادانة كل من يصر على حمل السلاح والتمسك بنهج العنف. وفي هذه المهمة العسيرة، يتحمل رئيس الوزراء وحكومته مسؤولية جسيمة وبالغة الصعوبة. فإن عدداً من الوزراء وتحديداً بعض وزراء التوافق وجيش المهدي وفيلق بدر هي الاطرف التي تختزن الاسلحة وتصول وتجول على الساحة اما بميليشياتها او بدعم سياسي من هذه الاطراف المشاركة في الحكم. ان مصيبة هذه الميليشيات وغالبيتها من موظفين سابقين في الاجهزة الامنية الصدامية، هو انها لا تخضع كلياً لاية قيادة، بل وتتمرد على قياداتها او من ساندها ورعاها. ولعل اغتيال المرحوم مزهر الدليمي والبعض من اهالي الانبار ممن تستروا على الارهاب والميليشيات هو مثال صارخ على الجوهر الاجرامي المنفلت لهذه العصابات التي دافع عنها البعض لاغراض انتهازية بإعتبارها "مقاومة" ضد المحتل ثم انقلب سحرها على الساحر. وينطبق الامر على ميليشيات الطرف الاخر المتهم بالقتل والذي يهدد بعض رموزه بالاطاحة بعمائم بعض المرجعيات الدينية.
اما الطرف المقابل الذي ينغمر بأعمال إنتقامية تطال العشرات من العوائل البريئة فشأنها ليس أقل شراً من جيوش العصيان والارهاب للطرف الأول. بالطبع كل هذه الجرائم والكثير منها بثت اعلامياً من قنوات الارهاب العربية، ويتم مباركتها بفتاوى دينية عجيبة وبدعوات كاذبة عن "تحرير البلاد من الكفار"، وتلقى الدعم من قبل حركات سياسية ودول مجاورة وتمول من بعضها ومن اثرياء الارهاب وعلى المكشوف. ولكن غباء من يرعى هذه النشاطات هو انهم لا يأخذون العبرة من سلوك هذه الميليشيات وتجبرها ثم مصيرها. لقد انقلبت هذه الميليشيات على من دعمتهم وآوتهم في افغانستان والبوسنا والشيشان وهي الولايات المتحدة ، فكيف لا تنقلب على من يساند هذه الميليشيات ويحتضنها الآن في كل المدن العراقية جنوبها ووسطها وشمالها وغربها. انها تدعي مقاومة الجيوش الاجنبية!!، ولكنها تحصد يومياً ارواح المئات من العراقيين الابرياء وبشكل وحشي. ان دعوة السيد رئيس الوزراء لحل وتصفية الميليشيات، بما فيها الميليشيات التابعة للحزبين الكورديين رغم الفارق، ودعوته لجمع ادوات الموت والاسلحة المنهوبة يجب ان تتحول الى حملة وطنية عراقية شاملة لوقف التدمير والقتل الجماعي واعادة بناء البلد. وعلى الفئات المستنيرة في المجتمع العراقي وخاصة المثقفين، ان تشحذ هممها وقلمها وتقف في مقدمة القوى الداعية الى تصفية هذه الظواهر الشريرة واعادة الامن الى بلد السلام. نعم وعلى الرغم من المخاطر، ينبغي ان لا يقف المثقفون كمراقبين على هذه الافعال الاجرامية دون فعل سلمي معاكس لكبح النزعات الشريرة لاساطين الارهاب العراقيين او العرب.
ومن ضمن الخطوات الهامة التي ينبغي اتخاذها هو السعي لاقامة حياة سياسية سليمة في البلاد. وهذا يتطلب بإتخاذ تدابير تشريعية وتنفيذية عاجلة تسهل من عملية اشاعة الاستقرار. ان اول هذه التدابير التشريعية هو ان تطرح الحكومة على مجلس النواب مسودة قانون لنشاط الاحزاب السياسية والمنظمات المهنية ومنظمات المجتمع المدني. فالفوضى الجارية الآن في العمل السياسي العلني الجديد والعمل السري في المجتمع العراقي لا يوفر فرصة فريدة للعنف والارهاب ونشاط اجهزة القمع السابقة وأجهزة المخابرات الاجنبية فحسب، بل قد تؤدي الى تدمير العملية السياسية السلمية الديمقراطية في العراق والعودة الى نهج الاستبداد البغيض، بل واشده شراً الا وهو الاستبداد الديني. وإذا لم يجر معالجة هذه الفوضى بشكل سريع، فإن ذلك سيؤدي الى تفاقم حالة البلطجة السياسية والى أسوء مما هو موجود في الصومال ومما كان موجوداً في افغانستان قبل سقوط ملا عمر او ما ساد في لبنان اثناء الحرب الاهلية. لابد ان يشرّع على وجه السرعة قانون لعمل الاحزاب يتم فيه منع تحول دوائر الدولة، كالوقف السني والشيعي وهيئة علماء المسلمين والمؤسسات الخيرية مثل مؤسسة شهيد المحراب ومكتب الشهيد الصدر، الى احزاب سياسية. كما ينبغي منع حملها للسلاح وتحولها الى جيوش جرارة تثير عدم الاستقرار في البلاد. كما يتطلب من هذا التشريع مراقبة واردات الاحزاب وتدوين نظامها الداخلي والنص على ضرورة عقد مؤتمراتها واشاعة الديمقراطية في حياتها الداخلية دون ان تتحول الى احزاب عائلية يسودها الاستبداد او يتحكم بها هذا الشيخ او ذاك من شيوخ العشائر او رجال الدين. ان من يتابع العمل السياسي الجاري في العراق يصاب بالهلع حيث ان هذه الاحزاب بكيفيتها غير قادرة على رعاية الديمقراطية الوليدة في البلاد، لان غالبيتها لا تمارس الديمقراطية في حياتها الداخلية. ويلاحظ المواطن العراقي ان غالبية الاحزاب السياسية تستند في نشاطها الى ثلاثة عوامل: السلاح والمال المتسرب اليها من أطراف خارجية واثارة المشاعر المذهبية والطائفية القائمة على العنف وليس على الرحمة والتسامح المفروض في اي دين، أي انها لا تقدم برنامج اجتماعي اقتصادي لاعمار هذا البلد المنكوب من أجل كسب انصار لها، وهو لا يعني الا اشاعة الفساد بكل اشكاله. ان هذه الاحزاب تستغل الجهل والتشوه الذي أحدثه النظام السابق في المجتمع كي تتفنن في استخدام الاسلحة وتشكيل الميليشيات وفرق المسلحين وإثارة عواطف الناس البسطاء المذهبية والدينية لاهدافها السياسية الرخيصة، دون ان تقدم الحلول لمشاكلهم. لقد مرت ثلاثة اعوام على انهيار نظام التدمير والقتل وهي كافية لاثبات خطل ممارسة غالبية النخب السياسية العراقية، خاصة تلك التي استندت على الواجهة المذهبية والطائفية، وتأكيداً على ما اشرنا اليه اعلاه.
ان ما يهدد العمل السياسي في العراق والديمقراطية الوليدة فيه اليوم هما امران خطيران. الاول هو بناء الاحزاب والحركات على اساس مذهبي وطائفي وليس على اساس برنامج اجتماعي للعراقيين اجمع. فالمذهب لا يمثل ولا يمكن ان يمثل هوية البلد. انه امر وجداني وروحي شخصي ولا يشكل نظاماً لادارة مجتمع عصري ولا يوحده، بسبب التنوع المذهبي والاثني والديني في العراق. وهذا العامل ليس بإستطاعته ان يكّون هوية عراقية ولا يبلورها، بل يبددها ويشرذمها. ولعل تجربة السنوات الاربع التي مر بها العراقيون خير برهان على ذلك. والامر لا يختلف ان كان انصار هذا المذهب لهم اغلبية او اقلية في المجتمع. ويشكل المثل الايراني، الذي فرض على المجتمع الايراني بعد ثورة الشعب عام 1979، برهاناً حياً على فشل النظام المذهبي الديني في بناء مجتمع متماسك عصري تجمعه الهوية الوطنية وليس العباءة المذهبية. فالمجتمع الايراني منقسم الآن على نفسه وبشكل خطير، ويحيطه كوم هائل من التحديات الاجتماعية الداخلية. ويمكن ايراد امثلة أخرى كالمثل السوداني والجزائري والصومالي والافغاني واللبناني. إن العراقيين بعد سقوط الحكم السابق لم يخرجوا الى الشوارع وهم مرحبين بسقوط اعتى نظام استبدادي طائفي غارق في تطرفه القومي والطائفي لكي يتم استبداله بنظام طائفي آخر. كما ان الشعب لم يرحب بسقوط صدام حسين ليعود فلوله من الشباك مرة ثانية وبمعيتهم عتاة التكفيريين والمتطرفين المذهبيين او أن يلتحق انصاره بالاحزاب الدينية "ويسوّدوا جباههم" بين ليلة وضحاها ويلبسوا مختلف انواع العمائم والدشاديش الافغانية ليتحولوا بين ليلة وضحاها الى "مؤمنين" ومبشرين لدين سداه ولحمته القسوة وسفك الدماء حسب تفسيرهم. يجب ان يدرك مروجي التيار المذهبي المتطرف من كل الاطياف ان الطريق غير ممهد لهم بتطبيق ما في ذهنهم من فهم مذهبي وديني على مجتمع معاصر، فطريقهم لا يجلب الاستقرار لبلاد عانت لعقود من عدم الاستقرار.
إضافة الى ذلك، فأنه من غير الممكن اسقاط احداث مريرة محزنة في تاريخنا الغابر البعيد على واقع العراق الحالي. فينبغي التخلي عن هذه الاسقاطات اذ ان العراقيين لا يتحملوا مسؤولية ما حدث قبل 14 قرن من تصفيات وقتل للخلفاء الراشدين وما لحقها من فاجعة للامام الحسين وعائلته على يد يزيد بن معاوية. فلماذا يجري تحويل العراق الى ساحة لصراع ليس للعراقيين أي دور فيه، ويجري اتهام هذا بـ"الرافض" والاخر بـ"عدو آل البيت"، ويتحول كل هذا الهذر الى "طنطل" يقطع رؤوس العراقيين ويبيدهم على الهوية المذهبية ويحول بلدهم الى ميدان للقتل والتدمير؟ إن هذه العقلية القاصرة والمدمرة هي التي ادت الى"تكويك" التونسي وغيره من المتطرفين الغرباء القادمين من وراء الحدود والذين ليس لديهم اي فكرة عما يدور في العراق ليقوموا بتفجير مرقد سامراء وغيرها من الاماكن المقدسة بهدف اشعال لهيب نار الفتنة الطائفية بتهليل من بعض العراقيين المتسترين على هذه الاعمال الشائنة. ومقابل ذلك يقوم المتطرف من الفصيل الآخر بتنفيذ دوره العبثي استجابة لارادة رموز التطرف المذهبي التي تطمح الى التحكم والتسلط وفرض الاستبداد الديني، وليس الى بناء مجتمع مسالم متماسك يسوده التسامح. ان على الاحزاب الدينية ان تدرك ان ليس امامها من مستقبل سوىالتخلي عن الاطار المذهبي والديني في العمل السياسي فهو اكبر اساءة للدين نفسه وللايمان الديني. وعلى هذه الاحزاب التمسك بالهوية العراقية وببرنامج اجتماعي اقتصادي يفتح الطريق لاعمار البلد. ان تسلط التيارات المذهبية على غالبية المحافظات خلال الثلاث سنوات المنصرمة لم تجلب سوى الدمار والقتل وعدم الاستقرار والفساد واستمرار دوامة العنف وأدخلوا العراقيين في نفق شائك ومظلم وفرضوا نمطاً بائساً من الحياة الاجتماعية والثقافية. انه خير دليل على خطل مثل هذا الخيار.
ولا بد لرئيس الوزراء الجديد التفكير بجدية في دور رجال الدين في المجتمع العراقي البالغ الحساسية والتعقيد في الظرف الراهن. اعتقد ان على رجال الدين العودة الى مهمتهم الاساسية في الجوامع والمساجد لرعاية الوجدان والقيم الروحية السديدة في المجتمع وليس الخوض في السياسة ومناوراتها الشائكة. ان مهمة رجل الدين تتحدد في دعوة المؤمنين الى محاربة الفساد وتحريم نهب اموال الدولة ووتكفير دق اعناق المواطنين ونحرهم على الهوية وايقاف المسلسل المرعب للتفجيرات العشوائية التي تطال ابرياء لا ناقة لهم ولا جمل. ان رجال التطرف الديني قد ازاحوا بالقوة من غالبية بيوت الله العناصر المعتدلة والحكيمة لتتحول هذه البيوت الى ساحات للتدريب على القتل والنحر او الى مخازن للمعدات العسكرية او اماكن لتسجيل المتطوعيين للميليشيات المذهبية والارهابيين. انهم بذلك قد افرغوا الدين من محتواه الوجداني و"سلبوا" حتى حق "الخالق" في التعامل مع المخلوق. ان هؤلاء المتطرفين من كل الالوان تحولوا الى انصار "دين" لا علاقة له بالقيم الروحية السمحة بل الى ضباط مخابرات ومتوحشين، لم ير عباد الله لهم نظيراً في اشد الايام سواداً في تاريخنا. ومن هنا يتطلب وقف هذا الاندفاع الاهوج لرجال الدين المتطرفين المتسلطين على المشهد السياسي في البلاد. ان هذا السلوك يتطلب وقفة جدية من الحكومة وخاصة من قبل العقلاء "الصامتون" من رجال الدين، الذين عليهم ان يتعضوا بالحكمة القائلة "الساكت على الظلم شيطان أخرس". عليهم ان ينقذوا دينهم ومعتقداتهم من سوق المضاربات الدموية لرجال التطرف الديني، والعودة الى المهمة الرئيسية لرجل الدين وهي صقل روح التسامح والامان والصفاء بعيداً عن روح الانتقام والاثارة والعنف.
وفي هذا الاطار لابد ان تحسم الحركات السياسية موقفها من وجود القوات الاجنبية في العراق. هناك قدر من التشوش قد يصل الى حد الرياء والخداع للرأي العام العراقي تمارسه احزاب مشاركة في الحكم وتتعامل يومياً مع هذه القوات واداراتها السياسية. فما زالت اطراف في الحكم تتحدث بلغتين في هذا المجال. فمن ناحية تعلن الحكومة بكل اطيافها عن موافقتها على بقاء القوات الاجنبية في العراق لحين استتباب الامن فيه. الا ان هناك اطراف داخل الحكم وممثلة بعدة وزراء ولكن تصب كل جام غضبها على "المحتلين". فالتيار الصدري يفتعل الصدامات مع القوات البريطانية في البصرة ومع القوات الامريكية في مدينة بغداد، وهو ممثل في الحكومة بأربعة وزراء، هذه الحكومة التي تطلب رسمياً من الامم المتحدة بقاء هذه القوات. فما هو الموقف الحقيقي لهذا التيار؟ ونفس الامر ينطبق على جبهة التوافق وعلى الحزب الاسلامي العراقي الذي يمثله السيد طارق الهاشمي بإعتباره نائباً لرئيس الجمهورية. فالرجل يتباحث مع الادارة الامريكية ويوافق على بقاء قواتها الا انه يشجع ما يدعى بـ "المقاومة"!!!. يجب حل هذا التناقض بين الموقفين. والامر لا يقتصر على هذين الطرفين بل يتعداهما الى اطراف أخرى مشاركة في الحكم وتحمل القوات الاجنبية كل اوزار الاحتقان والصراعات المذهبية والفساد وتعثر عملية اعادة البناء والبطالة والرشوة الخ. نعم ان لهذ القوات أخطاء وانتهاكات، وآخرها حادثة المحمودية المشينة، ولا يمكن غض النظر عنها بل يجب فضحها ويجب تسمية الخلل دون المبالغات والتستر على المصدر الحقيقي للأخطار التي تهدد البلاد. فمن باب التشويش القاء اللوم على القوات الاجنبية في اثارة الاحتقان الطائفي. فالمروج لهذا الشر معروف للقاصي والداني في العراق وخارجه، ولا يخفي مثيروه من العرب ومن العراقيين ومن "مجاهدي القاعدة" مسؤوليتهم عن هذا الاحتقان، ناهيك عن تراث بغيض آخر روج له هو النظام البائد. كما أنه لا يمكن ان يجري تجاهل او التقليل من خطر أخطبوط الارهاب الدولي وهو يضرب يميناً ويساراً في العراق وبلدان عربية ودول اجنبية ويهدد الاستقرار في العالم، بحيث ينبري البعض من النخب السياسية بوصفه على انه بعبع امريكي من أجل البقاء في العراق. ونفس الامر ينطبق على حملات الاغتيالات الواسعة التي طالت اساتذة الجامعات والمهنيين العراقيين واصحاب الشهادات ورجال الاعمال الذين قتلوا او تعرضوا للخطف واطلق سراح بعضهم بعد ان دفعوا الفديات بالملايين. ويروج البعض ضمن التستر على الفاعل الحقيقي اتهامات ضد جهات امريكية او بريطانية او حتى اسرائيلية بالمسؤولية عن هذه الجرائم. في حين ان الكثير ممن جرى خطفهم، تم ابلاغهم من الخاطفين على انهم عصابات اجرامية تبغي المال و تمول الشبكات الارهابية في العراق. والطريف انه لم يجر العثور على اي اسرائيلي ولا امريكي في هذه الفعاليات. إن من قام بالكشف عن خروقات الجنود الامريكان هي الادارة الامريكية نفسها، وحوسب العديد منهم على افعالهم المشينة. كما ان مظاهر اجرامية كانت سائدة ضمن ممارسات النظام السابق ولكنها كانت تتم بالخفاء وبعيداً عن كاميرات الجزيرة او تلفزيون دبي او قناة البغدادية. إن تذبذب وتناقض النخب العراقية في موقفها من وجود القوات الاجنبية يذكرنا بالمثل البغدادي"مشتهي ومستحي". هذا الموقف يدعم معنويات تلك القوى الارهابية التي تفتك بالعراقيين عبر تستر اطراف عراقية على الجرائم عن طريق هذا الخلط بالاوراق. ان الموقف من وجود القوات الاجنبية يجب ان يكون قراراً وطنياً عراقياً عاماً تشارك فيه كل الاطراف العراقية عبر ممثليها في مجلس النواب، ولا يصح ان تقرره عصابات مسلحة من المجرمين وفلول العهد السابق وارهابيين مستوردين من سوريا والسعودية واليمن والصومال والبوسنة وتونس والمغرب والجزائر وغيرهم من الشلل الاجرامية العراقية والعربية وحتى الدولية.
اذن امام الحكومة العراقية مهمة شاقة لا يكتب لها النجاح الا عبر الصدق في التعامل بين اطرافها، والصدق في الموقف ، تماماً كما عبر عنه السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية وبحق مخاطباً واصفاً البعض كونهم "في النهار مع الحكومة وفي الليل مع الارهابيين". نعم يوجد في الحكم من يلعب على الف حبل، وهذا هو العائق الاكبر امام الحكومة في تحقيق برنامجها.
التحديات خطيرة امام وزارة السيد نوري المالكي، وهو بحاجة الى ايادي شريفة نزيهة لتحقيق الاستقرار،. ويحتاج الى عقول حكيمة وخبرات في محتلف الحقول وليس الى مهرجين سياسيين وقادة ميليشيات لكي ينجز المهمة النبيلة التي تقع على عاتقه. عسى ان يوفق في مهمته ويلهم العراقيين الحكمة للسير في حادة الصواب.



#عادل_حبه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات ايرانية ( 9 ) رحلة
- يوميات ايرانية ( 8 )
- يوميات ايرانية 7
- مأزق الوعي والعقل والتدين في البلدان العربية والاسلامية
- يوميات ايرانية ( 6 ) تنامي التيار الديني السياسي
- حزيران 1776 أول لائحة لحقوق الانسان وضمان الحريات الفردية
- يوميات ايرانية 5 الشعب الايراني ونظام الشاه ومحنة العراقيين
- يوميات ايرانية - 4
- يوميات ايرانية ( 3 ) التوجه نحو العاصمة طهران
- يوميات ايرانية - 2
- برتولت بريخت : أحد قمم اعمدة المسرح في القرن العشرين
- يوميات إيرانية
- حول رسالة كيانوري السكرتير الاسبق للجنة المركزية لحزب توده أ ...
- ايران تسعى الى سلاح نووي وليس الى طاقة نووية
- اليقظة ايها العراقيون...-الطالبان- يدقون ابوابكم
- 72 [عاماً على تأسيس الحزب الشيوعي العراقي [ حزب العراقيين بك ...
- على هامش الاحداث الخطيرة في العراق
- حكومة مهنية وطنية وليس حكومة ولاءآت حزبية وطائفية
- الواجهات المذهبية مأزق لا يخرج العراقيين من محنتهم
- هل كل ما بني على باطل هو باطل؟


المزيد.....




- ما علاقته بمرض الجذام؟ الكشف عن سر داخل منتزه وطني في هاواي ...
- الدفاع المدني في غزة: مقتل 7 فلسطينيين وإصابة العشرات بقصف إ ...
- بلينكن يبحث في السعودية اتفاق إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق ...
- مراسل بي بي سي في غزة يوثق أصعب لحظات تغطيته للحرب
- الجهود تتكثف من أجل هدنة في غزة وترقب لرد حماس على مقترح مصر ...
- باريس تعلن عن زيارة رسمية سيقوم بها الرئيس الصيني إلى فرنسا ...
- قبل تصويت حجب الثقة.. رئيس وزراء اسكتلندا يبحث استقالته
- اتساع رقعة الاحتجاجات المناصرة لغزة في الجامعات الأمريكية.. ...
- ماسك: مباحثات زيلينسكي وبايدن حول استمرار دعم كييف -ضرب من ا ...
- -شهداء الأقصى- تنشر مشاهد لقصف قاعدة -زيكيم- العسكرية


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عادل حبه - تحديات خطيرة امام حكومة المالكي