أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - -ألمواطن المتميِّز- فيلم يطرح قضايا إغتراب المثقف والشهرة وفكرة العودة إلى الوطن الأم















المزيد.....

-ألمواطن المتميِّز- فيلم يطرح قضايا إغتراب المثقف والشهرة وفكرة العودة إلى الوطن الأم


علي المسعود
(Ali Al- Masoud)


الحوار المتمدن-العدد: 6743 - 2020 / 11 / 25 - 16:05
المحور: الادب والفن
    


محنة المثقف المغترب والشهرة عند عودته الى الوطن الأم يجسدها الفيلم الارجنتيني " المواطن المتميز"
The Distinguished Citizen
الجزء الثاني
علي المسعود
في الجزء الاول من المقالة تناولت زيارة الكاتب " دانيال مانتوفاني " الى موطنه ألاصلي الارجنتين و زيارة لبلدته ( سالاس) ، و تلبية لدعوة من عمدة المدينة ، لغرض منحه أرفع وسام وهو وسام "المواطن المتميز"، بعد 5 سنوات من نيله جائزة نوبل للأداب ، وكشف لنا المخرجان "ماريانو كوهن " والمخرج "جاستون دوبرات" محنة المثقف عند عوته الى الوطن الأم ، والتحديات عند مواجهته للخراب وللفساد المستشري في جميع الاوساط ، وبالاخص في الوسط الثقافي ، حتى تتحول حربه مع طواحين الفساد الى معركة خاسرة ، ويتعرض للهجوم وألاعتداء ، ويُتهم بان الغرب أحتضنه لتشويه سمعة بلده ، ويصل الأمر الى حد التخوين . وهذا الحالة يعاني منها المثقف المغترب في البلدان المتخلفة . وعندنا في العراق مثلا ، عاني الكثير من المثقفين العراقيين المغتربين من الاقصاء والتهميش ، حتى انني لازلت اتذكر قبل سنوات حين أستضافت فضائية عراقية معروفة في أحد برامجها برلماني وهو رجل (دين) أيضاً ، وكان يتحدث عن العراقيين في الخارج وهو يصفهم ب (عراقيي المكدونالد والبيتزا ) ، ولعل الشيخ لايعلم كم عانوا و قاسوا من أجل الوصول الى برالامان وبحثا ًعن أدميتهم التي كان النظام ينتهكها كل يوم والحفاظ على رقابهم من مقصلة الجلاد ، وحتى وهم في غربتهم كان العراق في قلوبهم و حدقات عيونهم .
في الجزء الثاني من المقالة ، نستكمل حكاية الكاتب والمثقف (دانيال مانتوفاني) في رحلته الى بلدته بعد فراق دام 40 عاما . الكاتب (دانيال مانتوفاني) الذي يصيبه الأحباط لما حصل له خلال الندوة من هجوم وتخوين ، حين ظهر أحد "مثقفي" البلدة ، وهو مختالا بلقب "دكتور"، وبكونه من الصفوة المثقفة والذي يتهم الكاتب مانتوفانى بأنه أثرى وأشتهر عن طريق تشويه صورة بلدته وتحقيرها فى قصصه التى تنتشر بين الجمهور الأوربي . بعد مغادرته لقاعة الندوة ، نراه وهو جالساً حزينا وعلى مصطبة قريبة من احد البيوت ، يخرج صاحب البيت وهو رجل كبير مع وزوجته ويقدموا له شراب " المته" ويسمى " شاي الباراغواي"، وعند عودة الكاتب "دانيال مانتوفاني" الى الفندق ، يتصل بمساعدته ( نوريا ) ويطلب منها شراء للكرسي المتحرك للصبي الذي جاء مع والده الى الفندق وطلبه منه . ويخيرها بين شراء الكرسي أو إرسال له المبلغ لشرائه ويعطيها رقم الهاتف للاتصال به . في الفصل الرابع من الفيلم ، والذي كان بعنوان "البركان" والذي يكون إفتتاح مشهده عند بيت صديقه القديم وحبيبته "إريني"، وعند العشاء تفاجئه أريني برأيها بما يكتب :" ما يفاجئني بحق هو أنك أما ساذج جداً أو نرجسي جداً ، لست موقنه أيهما أصوب ؟ ، لتجاهلك أن بعض الناس هنا في " سلاس " قد يشعرون بالاهانة مما تكتبه ، أتعرف ذالك؟". وفي دعوة العشاء هذه أيضاً وفي بيت صديقه أنتونيو " يتعرف على ابنتهم الشابة "جوليا " وتقوم بالدورالممثلة (بيلين شافان) ويصطدم بانها نفس الشابة التي جادلته في الندوة ومن ثم قضت ليلتها معه في الفندق . عند عودته الى الفندق يفاجئ بالفتاة الشابة جوليا تلحقه الى الفندق ، ويأمرها فورأ بمغادرة الغرفة ، وتخبره انها تريد مغادرة هذا البلدة و لاتريد العيش حياة مزرية مثل أمها وتغادر غاضبة وتصفه ب( المخنث) ، يفيق من الحلم على طرقات الباب ، يخرج من الفندق لحضور ألاحتفالية تكريمه ونصب تمثال له وسط المدينة أبعد ما يمثله أو يكون شبيه له ، وبعد الاحتفال يخبره العمدة بشان مسابقة الرسم بانه سيضطر قبول بعض اللوحات التي رفضها ، وترجى الكاتب بان يقبل تلك اللوحات ، حتى يمر الحدث بسلام ، ينظر اليه دانيال نظرة أسى وألم حين يكتشف بأن الوسط الثقافي في مدينة( سالاس) ، يحكمه الفساد والمحاباة ومراعاة الخواطر ومداهنة المسؤولين في البلدة . وبدلا من اختيار الفائزين الثلاثة وفقا لمعايير جودة العمل المقدم وما يحمله من إبداع وإبتكار، يفرض عمدة ( سالاس) سطوته ويبدل النتائج محاباة لأصحاب النفوذ في البلدة .
في طريق عودته الى الفندق يعود أليه الرجل البدين ريناتو ويعيد دعوته له على العشاء ، ولكن الكاتب "مانتوفاني "يرفض دعوته ويوضح له السبب ، بأن شخصيات قصصه خيالية ولا وجود لها ، ولاشئ مشترك بينه وبين الكاتب ، ولذا ليس مهتماً بتلبية دعوته . في محاضرته الاخيرة لم يكن الحضور سوى خمسة فقط ، بحيث يخبرهم انكم تستحقون التصفيق لانكم واصلتم الحضور، بإعتقادي سبب هذا التجاهل للكاتب من قبل أهالي مدينة (سالاس) ، ربما خوفهم من الدكتور ورجاله ، وربما أرادا مخرجا الفيلم أن يصور لنا وبرؤية ناقدة تخلف مدينة سالاس ، وأهلها الذين لا يهمهم منجزه الادبي لانهم لايقرأون ، بل المهم تلبية أحتياجاتهم . بالآضافة الى أن الكاتب " مانتوفاني " يحمل رؤية وأفكارا لاتتطابق مع أفكار الكثير من أهالي بلدته الصغيرة "سالاس" ، فهو ليس رجلاً مؤمنًا كثيرًا بالتقاليد والعادات المتوارثة ، ويعتبر أن المراسيم الثقافية ليست سوى مظاهر يهدف المسؤولون عبرها إلى أرتداء ثوب المثقف والعارف والمهتم بالثقافة ، كما يشعر الكاتب مانتوفاني- أن ثمة شعوراً دفينا بالحسد والغيرة يكنه أهل البلدة له ، بعد أن لفظ أوضاعهم المتآكلة الرثة، ليعيش فى رغد وبحبوحة الغرب . فالقرية المُهملة والمتروكة هي بالفعل نقيض طموح الرجل الذي لا ينكر إنه من هذا المكان المتخلف ، هو متحفّظ جداً في لقائه بالناس الذين يطبطبون على ظهره أو يأخذونه في الأحضان، يوقفونه في الشارع لتصويره بكاميراتهم المحمولة . هذا يدعوه إلى الغداء لتذوّق طبخ أمه ، وذاك يطلب منه عشرة آلاف دولار لشراء كرسي متحرّك لابنه ذي الحاجات الخاصة مجموعة من الأحداث تواجه الكاتب في هذه البلدة الصغيرة تجعله محط عدم مبالاة الكثير وكره البعض .
ومن امام الفندق ترمى صور للكاتب ومكتوب عليها خائن . بين ليلة وضحاها يتحول "دانيال مانتوفاني" من مواطنًا متميزًا وبطلًا متميزًا الى رجل خائن ، ويبدأ مانتوفاني الغاضب بشكل متصاعد في حربه مع التخلف والفساد في مدينته التي كانت مصدرألهامه وأبداعه . يذهب وحده الى مسابقة الرسم وفي الطريق يشاهد التمثال الذي أقيم تكريما له وقد تم تشويه من قبل الحاقدين ومنهم الدكتور فلورنزيو (مارسيلو أندريا) وزمرته ، وفي المعرض يفاجئ بفوز اللوحات التي سبق وأن تم رفضها ، وبعد طرد منديز الحكم الثالث ، وفي كلمة للكاتب قبل إعلان الجوائز ، قال فيها :" أفضل السياسات الثقافية هوعدم تبني سياسة ثقافية ، دوما ما تعد الثقافة شيئاً ضعيفاً هشاً ، شيئأ واهناً يحتاج الى الحراسة والحماية والنشروالدعم ، الثقافة عصية على التدمير وقادرة على النجاة من أسوا الكوارث، كانت هناك قبيلة برية في أفريقيا ، كلمة الحرية غير موجودة في قاموس لغتهم، أتعرفون لماذا ؟ ، لانهم كانوا أحراراً ـ أذن كلمة ثقافة تجري دوماً على السنة أجهل وأغبى وأخطر البشر ، أنا شخصيا لا أستخدمها أبدأ ، سيداتي سادتي ، هذه ليست اللوحات التي اخترناها للفوز ، حتى لم يتم أختيارها للمنافسة ، مثلا هذه للوحة للدكتور فلورنزيو مرفوضة "، وهنا ينفجر البركان الاول حين يهجم عليه الدكتور صارخا بوجه " أخرس ، أيها المنبوذ ، أيها الحثالة ! ، ويحاول رجاله الاعتداء على الكاتب بعد رمي البيض عليه ، فعلا لا كرامة لنبي بين قومه !! . وسط هذا التهديد من قبل الدكتور فلورنزيو (مارسيلو أندريا) ورجاله وغضبهم ، يتم تهريب الكاتب " دانيال مانتوفاني" من الباب الخلفي خوفأ على حياته ، وقبل هروبه يخاطب الحاضرين من مدينته (سالاس) ، ويقول لهم بالرغم من وحشية الافعال وقذارتها والتهديدات التي واجهها لكنه يشعر بالرضا الشخصي لانه يشعر بالمسؤولية للمحاولة في جعل هذا العالم مكانا اقل فظاعة ، وهو يعرف انها قضية خاسرة ولكن هذا لايعني بأنه سوف يستسلم ، سوف يواصل القتال , ويقول لأهل مدينته سالاس (أبقوا كما انتم ، ولا تدعوا شيئأ يتغير، واصلوا كونكم مجتمعاً منافقاً ، وأفتخروا عن غباء بجهلكم ووحشيتكم " ، ثم يرمي وسام المواطن المتميز على المنضدة ، يخرج من الباب الخلفي هاربا من بطش الدكتور وعصابته وخشية في الانتقام منه .
وينفجر البركان الثاني هذه المرة من ناحية حبيته السابقة وزوجة صديقة" إريني" حين تعلم بمبيت ابنتها جوليا عنده في الفندق ، ويصبح الرجل مطاردا وتنصحه اريني بالذهاب للفندق وجلب حقيبته والرحيل فورا من سالاس قبل أن يعثر عليه زوجها و صديقه انتونيو صديق طفولته الذي إستقبله بالترحاب ثم يكشف بعد ذلك عن غيرة وحقد دفين ـ متحولاً في نهاية الفيلم إلى رجل يشكل خطرًا على حياته ، وقبل هروبه من الفندق لاينسى أن يثني على قصص واسلوب الشاب ( روميرو ) موظف الاستقبال في الفندق ، وينصحه بالبساطة في اسلوبه ، لأن تبسيط الامور في الأدب هو رأفة فنية ، ويوعده بنشرها عند عودته ، لكنه لم يفلح من النجاة من غضب انتونيو الذي يدعوه الى الصيد و لكنه يصطادوه ويسقط الكاتب برصاصة من بندقية صديقة "أنتونيو" وعند أطراف مدينته (سالاس) في الفصل الاخير والذي أعطاه الكاتب عنواناً " الصيد " ، يسقط بطل الرواية في المدينة التي أحبها ، ملهمته في الابداع ضحية للتعصب وقصورالرؤية والتخلف لسكانها .
ينتهي فيلم" المواطن المتميز" في مشهد للقاعة المكتظة بالجمهور ولقاءهم مع الكاتب "دانيال مانتوفاني " بعد تقديمه من قبل الناشر لروايته الجديدة " المواطن المتميز " ويبدا الكاتب بقراءة لمحة بسيطة عن الرواية ، ومن الفصل الاول "(الدعوة ) يتحدث الكاتب " تبدأ هذه القصة بخطاب ورقي مرسل من مسقط رأسي (سالاس)، أظن أن كل مافعلته في حياتي هو محاولة الهروب من ذاك المكان، لم تستطيع شخصياتي المغادرة قط اما أنا فلم استطيع العودة ، وفي سؤال له من أحد الحضور وهو : " رغم أن رواية "المواطن المتميز" تقع أحداثها في مدينة( سالاس) ، مثل رواياتك السابقة ، المختلف انك البطل في هذه الرواية ، ألا تطن أن ذالك القرار متمركز حول الذات أكثر مماينبغي؟ ، يجيب الكاتب " نحن الكتاب نتمركز ونرجع دوما الى ذواتها ، نرجسيون ومغرورون واعتقد تلك أداة اساسية للكتابة ، القلم ، الورقة ، والغرور ، دون ذالك لايمكنك كتابة أي شئ" . في هذا الفيلم يتعاون المخرجان "ماريانو كوهن " والمخرج "جاستون دوبرات" مع كاتب السيناريو "أندريس دوبرات" في تقديم عمل مبهر وخلاق تناول أزمة المثقف المغترب مع الوطن ألام الغارق في الجهل وتسيطر عليه المافيات في كل مفاصله ، وهذه الموضوعة لم يتم تناولها في السينما من قبل .
فيلم "المواطن المتميز" قد حاز على العديد من الجوائز منها جائزة أحسن فيلم أسباني في مهرجان ( غويا) السينمائي وجائزة فيتوري فينيتو أحسن فيلم ، وجائزة فولبي أحسن ممثل وهو" أوسكار مارتينيز " بدور الكاتب ( دانيال ماننوفاني) في مهرجان فينيسيا السينمائي 2016 . بالإضافة لجوائز أحسن ممثل وأحسن ممثل مساعد وهو الممثل ( دادي بريفا) الذي قام بدور الصديق " أنتونيو " وأحسن سيناريو وهو لأندريه دوبرا من الأكاديمية الأرجنتينية . فيلم (المواطن المتميز) للمخرجيْن الأرجنتينييْن غاستون دوبارت ، وماريانو كون، تناول وفي قالب روائي طغت عليه الكوميديا السوداء والسخرية القاتمة ، حول شخصية الكاتب " دانيال مانتوفاني" المتمردة على أعراف وبروتوكولات التكريم الثقافية الموسومة بالنفاق والمحاباة ، وهو ما يتوضّح لاحقاً وبقوة في المشاهد التالية للفيلم ، عندما يتلقى دعوة لزيارة بلدته سالاس، بعد خمس سنوات من حصوله على جائزة نوبل، كي يتم تكريمه وتقليده ميدالية المواطن المتميز أو ألبارز ، بالإضافة للمشاركة في احتفالات المدينة ، في البداية ، يتردد مونتافي في تلبية الدعوة، لكنه يتخذ القرار الذي وصفه بالأصعب في حياته ، عندما يسافر وحيداً إلى أرض طفولته واكتشاف التغيرات الثقافية والاجتماعية التي طرأت على البلدة ، إلا أن عودة الكاتب دانيل لقريته - وبعد بعد أربعين عاماً من الغياب ، وبعد حصوله على الجائزة الأكبر للأدب في العالم - تكشف له ماضي وحاضر هذه البلدة التي هرب منها طويلا رغم أنها كانت مسرح كل أعماله الروائية التي حاز بسببها تقدير العالم أجمع . وربما كي يعرف مدى تخلّف ووضاعة ونفاق المنطقة التي يأتي منها، ويريد أن يثبت لنفسه أنه كان على حق في مقاربته غير الإيجابية عنها في رواياته . وربما كانت السبب الى عودته الى بلده هي حاجته الى روح جديدة في الكتابة وإلى وحي لرواية جديدة ، وهذا هو مايفلح به الكاتب( البطل) في هذه الرحلة القصيرة وبعد خمس سنوات عجاف من عدم قدراته على الكتابة منذ حصوله على جائزة نوبل للآداب. قسّم مخرجا الفيلم الأجزاء السردية في العمل إلى أربعة أجزاء، فيما يشبه فصولاً لرواية بصرية محكمة، جمعت بين السخرية والرصانة ، وبين الحنين الملتبس والصدمة الذاتية. امتاز الفيلم أيضاً بأداء قوي وجامح من قبل الممثل أوسكار مارتينيز، وأتسم هذا الأداء بعفوية طاغية ، ومن استرسال مروّض، وموظف جيداً لخدمة المسار المتصاعد لأجزاء الفيلم الأربعة ، نحو الذروة الصادمة والموجعة في النهاية .
يجدر السؤال: لماذا غادر مانتوفاني البلاد؟ ، ربما لانه كان مضطهدا ، وربما فضل العيش مغترباً لأنه سئم العيش في المدينة، أوأن بلده لم يمنحه فرصًا للتطورالشخصي ككاتب ومبدع ، ربما لم يكن قادرًا على الكتابة عن بلدته وشعبه من منظور إبعاد نفسه ، ربما كان الطموح والوعي بضرورة ترك بلدته الصغيرة ليكون شخصًا عظيمًا ويرسم بلدته الموشومة في ذاكرته ليكتشفها العالم ، وهناك رؤية أخرى يدعوا لها الفيلم وهي على صيغة سؤال أو مجموعة تساؤلات . بعد إغتراب 40 عامًا ، وهو نوع من المنفى القسري ، كيف سنرى البلد الذي نشأت فيه حين تودع أعظم ذكرياتنا وألاحبة لتكون شخصًا ما ؟ ، وهل النظرة إلى الوطن من الخارج تشبه الحقيقة من الداخل؟ .
في فيلم " المواطن المتميز" تُظهرعودة مانتوفاني إلى الأرجنتين الانحطاط ذاته لبلد تحول إلى كره ومكائد وأحقاد وجهل الناس بكل ما يحدث حولهم . الرؤية الأولية هي إلقاء نظرة على مسار الرحلة من السيارة القديمة والمتداعية والسائق الساذج ، كذالك الطريق الترابي والوعر ، وشاحنة سيارة الاطفاء ، والمحسوبية والفساد في الوسط الثقافي ، حيث تفتقر الجوائز الممنوحة إلى أي معايير الموضوعية الفنية ، وغياب ابسط الخدمات ، ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة حيث لا تأخذ آلالأف من الإعانات الموزعة في الحسبان العدالة وعامل الحاجة على الدوام وغيرها من الامور .
الكاتب والاديب "دانيال مانتوفاني" سيكون "المواطن المتميز" لبلد يعيش في حالة من الارتباك . ذلك البلد نفسه الذي دعاه فيه رجل عجوز من البلدة لتناول العشاء ، معتقدًا أن والده هو أحد الشخصيات في القصص الفائزة ، في نهاية الفيلم ، نسأل أنفسنا باستمرار: هل هذا ما رأيناه حقيقي أم أنه مجرد خيال ؟ ، اختفى الخط الفاصل بين الواقع والخيال، وهذا ما أجاب عليه الكاتب في الموتمر الصحفي بعد الانتهاء من كتابة روايته" المواطن المتميز" ، حين سأله أحد الحضور : " في روايتك ما كمية الخيال وما كمية الواقع؟"، وكان رد الكاتب " لا وجود للواقع ، ولا وجود للحقائق ، بل للتأويلات فقط ، الحقيقة أوماندعوه بالحقيقي هو تاويل يسود على تاويل أخر" ، وحين لم يقتنع الصحفي بالاجابة وإعتبرها غير وافية ، عندها يكشف الكاتب دانيال عن ندبه تحت القميص ويشير لها قائلاً : " ماهذه الندبة ؟ أتراها ، ماهي ؟ ، هل هي عملية جراحية قديمة ، أم ندبة من حادث دراجة ؟، هل هي من جرح رصاصة ؟ . "المواطن المتميِّز" يثبت أنه ما زال فى وسع السينما تقديم ما يدهش ويمتع ويثير الفكر، وما يطرح قضايا يندرالتَطٓرَّق إليها، مثل اغتراب المثقف والنخبة والشهرة وفكرة العودة إلى الوطن الأم، وعلاقة المثقف المغترب ببلده الأصلي . فيلم متخم بالجمل العظيمة والمؤثرة والتي تحتوي على "عبارات مشهورة" خلال لقاءات الكاتب دانيال مانتوفاني و خطبه مثل "شخصياتي لا تستطيع مغادرة سالاس ولا يمكنني العودة" . ويمكن اعتبار "المواطن المتميز" فيلما كوميديا مسليا منقوعا فى السخرية والضحك ويمس جوهر حياتنا ، لكونه المدرك لمآسى العالم المتخلف . أعجبني الفيلم كثيرا في تطور الحبكة الواضحة إلى حد ما ، حوارات حذره جدا والمواقف لا تتوقف عن مفاجأة للمشاهد . أنت تبتسم من وقت لآخر ولكن قبل كل شيء تصدمك الدهشة وتتركك بشعور مزعج . وممثل رائع ، منضبط و طبيعي و ساخر اسمه أوسكار مارتينيز ـ، الذي قدم أداءً يليق بجائزة كوبا فولبي (يُمنح لأفضل أداء في مهرجان البندقية السينمائي )، اما الممثل (دادي بريفا ) الذي لعب دور أنتونيو، لقد وجدت تمثيله ذا مصداقية كبيرة .
في الختام ، نجح الفيلم بشكل عام فى كشف مفارقة التباين الفادح بين دول الاغتراب المتطورة ، وفي النظرة والتقيم للمبدع والأوضاع النمطية للعالم الثالث أو المتخلف ، علاوة على ما تضمنه من مفاضلة صعبة بين مسئوليات الفن والحرية الفنية ، والطريق إلى الشهرة التى صارت قيمة منفصلة فى حد ذاتها، بعيدا عن أية جدارة حتى باتت ببساطة موضوع للازدراء كما الإعجاب .



#علي_المسعود (هاشتاغ)       Ali_Al-_Masoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محنة المثقف المغترب والشهرة عند عودته إلى الوطن الأم يجسدها ...
- فيلم - ميثاق الهروب من السجن - يوثق جانب من نضال الشيوعيين ف ...
- رواية الكاتب سلام أمان - الطائر ألاخضر - رواية مليئة بالمشاع ...
- -مجرد أمراءة- فيلم يروي قصة حقيقية عن جريمة شرف على يد تركي ...
- فيلم -طهران تابو- يعري السلطة الدينية في إيران و نفاقها والس ...
- فيلم -محاكمة شيكاغو 7 - يحذر من خطر الجمهوريين على الديمقراط ...
- -سبتمبر من شيراز- فيلم يسرد جزءاً من التاريخ السياسي المعاصر ...
- الفيلم الكوري (شّعر) قصيدة سينمائية مترف بالجمال ، وتأمل بال ...
- ضغوط شبكات التواصل الاجتماعي على الفتيات الصغيرات يناقشها ال ...
- فيلم - الوداع - فيلم يرصد حالات إنسانية راقية ويبرز تناقض ال ...
- أجمل سنوات العمر- رصد السلوك النفسي للجنود العائدين من الحرب
- -من أجل ندى- فيلم يوثق حياة شهيدة الثورة الايرانية ( ندى أغا ...
- (عندما نغادر ) فيلم يسلط الضوء على جرائم الشرف في المجتمع ال ...
- فيلم - لا تنظر بعيداً أبداً -عمل ملحمي يكشف جوهر عملية الإبد ...
- - لاشئ سوى الحقيقة - فيلم يناقش حرية الصحافة في الولايات الم ...
- فيلم -مسيو لزهر- درساَ في التربية والتعليم
- الكذبة الجيّدة فيلم سرد لأثار الحروب الاهلية ولمعاناة اللجوء ...
- الفيلم الاسباني ( آدو) – يكشف لنا جانب من الهجرة البشرية في ...
- فيلم -سنونوات كابول - دعوة إلى نشر الحب والحرية في مواجهة ال ...
- الفرنسي فرانسوا أوزون يكشف الانتهاكات الجنسية ضد الأطفال داخ ...


المزيد.....




- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - -ألمواطن المتميِّز- فيلم يطرح قضايا إغتراب المثقف والشهرة وفكرة العودة إلى الوطن الأم