أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - رسالة إلى صديقي المجهول














المزيد.....

رسالة إلى صديقي المجهول


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 6689 - 2020 / 9 / 27 - 20:41
المحور: الادب والفن
    


إلى صديقي المجهول؛
صدقني يا صديقي لم أكن أقصد، كان رغمًا عنا جميعًا أن نفتح أعيننا على النور الساطع من نافذة التغيير التي ظنناها فُتحت، صدقني لم أكن أقصد.
يا صديقي؛
أعرف أن النور جاذب، وأن الطاقة التي فتحناها ما احتملناها، كانت طاقة نور صافٍ وشفافٍ لأول مرة في وجودنا، والنور الصافي لم نكن ألفناه، كُنا تواقين للخلاص، أرواحنا المعذبة بسجون الأجساد البشرية التي كادت تستسلم للموات، صرخت للنور!! كنا نريد النور يا صاح، كنا نريد النور.
صدقني يا صديقي لم أكن أتخيل أن الطاقة تأخذنا، نلقي بأنفسنا فيها بتلك الدرجة، ما انتظرنا حتى لوداع بعضنا البعض، كان عمرنا لحظتها لحظة، لم يكن في بالنا أن لنا عمرًا أصلاً، ولا من مِنَّا الكبير ولا الصغير، لا أب أو ابن أو جدة أو خال أو عم، لم يكن شيئًا أصلا، فقط كان النور، وكان على أحدنا أن يقفز، وقفزتُ.
يا صديقي صدقني، لم يكن قذف نفسي إلى النور طواعية، فأنا أعرف عن أهل ما بعد القفز في النور، نعم أعرف، رأيت العلامات في وجوههم قبلاً حين ظهروا مرات ومرات لي تعرفها عني، في الميادين، في الأعلام، وباعة المياه المعدنية في الشوارع الدانبية، وشرارة اللألعب النارية في السماء، وفي أزقة بلدتنا القديمة، في كفّ الجدات التي قبَّلناها، وحجر الأمهات الذي احتوانا حين عُدنا بالهزيمة نبكي، وهؤلاء وغيرهم أنت تعرفهم لكن أبدًا لم تختبرهم، لذلك تمنيت لو أنك أنت الذي قفزت، لتكون للأبد نور صاف وشفاف...
صدقني يا صديقي تمنيت، ولأن القبح أبشع من الجمال، ولأن السوء أمرٌّ من الحسن، ولأن الحبس أنكى من الانطلاق، لأجل ذلك، تمنيت لك أن تقفز. فحتى المسافات التي قطعناها في عمرنا ستميل يوما لأنها تعبت من جري قدمي فوقها، هَلْكَ ترابِها، يَبْسَ زرعِها، غاض فيها الماء، المسافات تعبت وآن لها أن تستريح.
صدقني يا صديقي، أعرف عنك خلف النور كيف تكون وحدك، وكيف تمر الأيام تحت عطائك ليلاً مع سؤالك عن لماذا لا يراني؟ لماذا تجيء الخيانات من ذاك الصديق؟! كل الخيانات لها جروح تداوى، إلا خيانة الصديق يا صديقي، كلها مقبولة ومتصالح عليها شئنا أم أبينا، إلا أن يخون الصديق!
يا صديقي صدقني، أعرف تمامًا كيف تكون الوحدة، فأنا تعرفت إلى نبتة كانت أن نبتت وسط صخرة صلدة وقاسية، لكنها نبتت، رغم وجودها الناشز وسط صوَّان الصخرة، لكنها نبتت، صدقني أعرف، وأعرف كيف حين تغمض عينك تراهم، الغائبين؛ الذين كانوا وما عادوا، هؤلاء الذين نعاني حتى أن نستقبل شرّهم أو يبعثرون حلمنا معهم، أعرف، ولا ألوم، إذ شاءت طاقة النور التي فتحناها سويًا أن تختار عنَّا جميعًا.
يا صديقي، لا أعرف من منَّا أكثر حظًا، أكثر حرية، أكثر انفلاتًا، أكثر رغبة، أكثر شوقًا، يأكله الحنين أكثر، لا أعرف صدقني، ولا أعرف إن كان لنا أن يجمعنا قدر آخر في زمن آخر على نفس شاكلة قلوبنا التي كانت كحويصلا الطير خماصًا عن الكراهية خضراء الأثر.
صدقني يا صديقي، ظننتُ أنني هنا وسط النور ناجٍ من الحزن، محاطًا بحماية لا تفل، لا حزن هنا يبقى، محض انفعال ويزول على الفور، لا حزن ولا أثر إلا أثر ذكرياتنا معًا، حين أطلقنا لعنان أحلامنا براحًا من الجنون والانفعال والحب، حين صارت قلوبنا لا كقلوب الناس تمشي عل استحياء، إنما طارت كقطار سريع لا يخرج أبدًا عن القضبان، صدقني.
الأن على البعد أكتشف جنايتنا المشتركة، أكتشف كيف كُنا أنانيين حد الهلاك، لم ننتبه إلا لما نحب ونرضى، وكأن العالم خلا من كل مخلوق إلا أنت وأنا يا صديقي. صدقني الآن فقط؛ لمس قلبي كل حزنك، جبلك الأشيب الذي صرت تحمله بعد أن قفزتُ أنا في النور وتركتك خلفي، هانت تضحيتي التي ظننتها أكبر من كل شيء، وهان خيالي الذي عاش مقتنعًا بأن العالم غدًا يلهيك وتنجو من الحزن، لم أكن أعرف أن الحزن جين وراثي يتوارثه الأصدقاء، وأننا كُنا قد ورثنا بعضنا بعضًا لسنوات وسنوات.
يا صديقي، هل يكفي لك ألف ألف اعتذار عن كل ذلك؟ هل يشفع لي عذاب اكتشافي هذا؟ يا صديقي صدقني؛ جدُّ آسف لك. أقولها وعيني في قلب النور، وقلبي معلق بالنور، وروحي تحيا بالنور، أقولها ولا أعني إلا أنا بكل هذا الأسف.



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من تجليات الخلوة
- دين أمي.
- ضريح التنوير المصري يدفنه إبراهيم عيسى بفيلم صاحب المقام
- أشباه المدن
- الشيخ أحا
- خرافة الصنم والأجيال المستقبلية
- فاصل من تاريخ النشر العربي وأزمته الآنية
- بلوك وريح قلبك؛ بلا مثلي بلا ديني متشدد!!
- رسائل إلى المشترى، الرسالة الرابعة
- المرأة والفيزياء
- حكايات كتاب الألم المقدس
- ترامب... البطل الشعبي العنصري
- طفلان
- مرآة السيارة
- نص البنت التحتاني، كله حلاوة رباني. (أزمة المهرجانات)
- الطفلة
- مقتنياتي من الكتب!! اللعنة!
- ماذا؟
- عامان
- لا تحزن!!


المزيد.....




- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - رسالة إلى صديقي المجهول