أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - مراد سليمان علو - الفزاعة وأغاني المطر














المزيد.....

الفزاعة وأغاني المطر


مراد سليمان علو
شاعر وكاتب

(Murad Hakrash)


الحوار المتمدن-العدد: 6673 - 2020 / 9 / 10 - 20:51
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


(الفزّاعة وأغاني المطر)
للمطر مواسمه المحددة في حوض جبل شنكال، وفي أيام الطفولة كنا نخرج فرحين لاستقبال أول الغيث، نتراكض ونرقص ونغني:
"يا مطرا أسرعي أسرعي بالهطول فالعصافير أكلت قمحك"، وعند إنشادها بالكرمانجية تكون ألطف على السمع نتيجة الموسيقى التي تولدها القافية:
"بارانى ببار ببار جووكا كه نمى ته خوار". ولا يخفى إن أغنية الأطفال هذه كانت مرتبطة بشكل مباشر بزرع الحبوب وخاصة الحنطة والشعير في المنطقة.
ولم يكن الاحتفال بقدوم المطر يقتصر على الأطفال في الشمال، فكان لأهل الجنوب أيضا أغانيهم:
"مطر مطر شاشا ... عبر بنات الباشا
مطر مطر حلبي ... عبر بنات الجلبي".
وقد وظف أغنية الصغار الفلكلورية هذه الشاعر الخالد السيّاب في قصيدته الرائعة "شناشيل ابنة الجلبي".
ولكن إذا ما تأخر المطر عن موعده في عام ما يسرع الأطفال وبتشجيع ومشاركة من الأهالي إلى اختيار طفل جريء ومرح ليلبسوه ملابس رثة وغريبة وصنع شوارب ولحية من شعر المعيز أو صوف الغنم ويقومون بالرقص والغناء حواليه ويدورون به من بيت لآخر يطلبون الطحين وفي بعض الأحيان عندما تغفلهم ربّة البيت ترشقهم بالماء وهي لعبة ممتعة أشبه ما تكون بتعويذة لأبعاد النحس والحظ السيئ عن السنة والدعوات لسقوط المطر ليعمّ الخير الجميع.
تسمى هذه الفعالية بـ (قردكى قردوش)، وفي بعض الثقافات تستخدم دمية يقومون بتزيينها لتشبه فزاعة الحقول إلى حد بعيد والسير بها على البيوت والإنشاد للاستسقاء، وطبعا من الناحية الدينية هناك صلوات وأدعية خاصة بالاستسقاء.
ولكن مواسم الأمطار غيّرت مواعيدها عندنا شيئا فشيئا فاختفى الزرع والمزارعون واختفت معها بعض من تقاليدنا وفولكلورنا الجميل والأصيل من ألعاب وأغاني وأهازيج.
وأرجو ألا يفهم من هذا إن المطر قد قاطعنا وغادرنا للأبد فهو يزورنا ويسقط بغزارة ولكن ليس في مواعيده المعتادة يأتي خلسة، ولكن بعد فوات الأوان؛ مما نتج عن تأخره المستمر موسم بعد آخر اختفاء المراعي أيضا فعزف الناس عن تربية الأنعام والمواشي، ورمى الرعاة عصيهم على مضض مثلما حلّ زملائهم الفلاحين أحزمتهم وأنطقتهم وباتوا يتحسرون على أيام زمان وخير أيام زمان مثل موسم الحصاد في عام 1988 مثلا.
يسقط المطر بغزارة وسرعة وكأنه هارب من أحضان الغيوم المثقلة بهموم (شنكال) وقراها ويتمخض عن غزارة وشدة وشوق المطر سيول لتدمّر ما تبقى من بيوتنا الطينية وطرقنا الترابية وينهى بذلك جميع معزوفات ليالي المطر الهادئة الرتيبة ولا يطيب العزف والجنجنة إلا بوضع إنجانة أو طاسه من الفافون لتحلو السهرة مع التنقيط المستمر ولا شيء يضاهي تلك المتعة سوى العذاب الذي ابتكره الجيش الفيتنامي ضد أعدائهم من الأسرى الأمريكان حيث كان يثبت رأس الأسير ويعلق فوقه برميلا يحتوي ماءً ويجعل القطرات تتساقط برتابة واستمرار على رأسه مما يجعله يفقد صوابه بعد ساعة ويعترف بما يمتلك من معلومات .
تجربة مثيرة نعيشها كلّ سنة في بيوتنا دون أن نقع في الأسر والحمد لله بل تتكرر مرات ومرات في الموسم الواحد وحلاوة عذابها تكمن في وجود أكثر من خرم وشق في السقف فتضع دولكة بلاستيكية تحت إحداها وطاسه فافون تحت الأخرى وربما طاجن من أستيل في مكان آخر وهكذا تتنوع الرنات، واسمع التقسيم أيها الساهر المحظوظ وأطلق الآهات ولتكن القفلة الأخيرة لأغنيتك ساخنة لترضى عليك روح أم كلثوم فالليل طويل والأنغام بعدد النجوم المختبئة وراء الغيوم الحاقدة وما عليك سوى اختيار الكلمات المناسبة وكن مطمئنا فالجالغي سيرافقك دائما وصحبتك ستكون أحلى من المربعات البغدادية وسوالف المرحوم مام (ألياس قولو)، وإذا كانت زوجتك من النوع الذي تلعن اليوم الذي رضت بك زوجا فيه وإن أصبت بخيبة أمل في صبر زوجتك التي لا تضاهي صبر زوجة النبي أيوب فقد يحالفك الحظ آخر الليل وتؤلف سيمفونية لا تقل عن صخب السيمفونية الخامسة لبيتهوفن الأطرش .
وربّما سدّت أمامك كل الطرق وأقفلت بوجهك الأبواب فإياك وذرف دمعة أمام أطفالك الذين يرتجفون بردا لأن سقف بيتك يتكفل بذلك في كل مزنة وإياك أن تضعف أمام زوجتك التي تتضور جوعا فقدم لها بعض الأحلام وتذكر فصل الصيف ليطمئن قلبك كما أطمئن قلب كريف (كرتو) الذي زاره في ظهر يوم من أيام رمضان في منتصف القرن الماضي وبعد السلام والترحيب الحار أشعلوا له نارا ليتدفأ وبعدها جلبوا لكرتو غداءه المكون من خبز شعير وبصلة حمراء حارة من الحجم الكبير وسماقا وبعض الملح وطبعا طاسة ماء فضرب (كرتو) البصلة بكفه وأخذ يفركها بالسماق ويرش عليها الملح وبدأ يأكل بنهم وتلذذ وكلما بلع لقمة يشرب شيئا من الماء ويتمطق فبدا لعاب كريفه يسيل إلى قال له دون وعي:
"بس يصير وقت الفطور سآكل أنا أيضا بصلا وسماقا". فرد عليه كريفه:
" يا كريفي العزيز عند الفطور لن تأكل بصلا بل سنقدم لك ديكا مطبوخا"، فاطمئن كريف (كرتو) حتى وقت الفطور. والآن الدور عليك يا رجل ما هي إلا ثلاثة أشهر ويزورك الدفء ثانية ثم الصيف وستلعب مع العقارب من جديد.
*******



#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)       Murad_Hakrash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صديقي الأبيض
- يومنا المقدس
- ثرثرة دخيل كارو وقصص أرنست همنغواي
- تهريب الحزن من بوابة كردستان
- عندما تغني فيروز اسامينا.
- جبل شنكال الوجيد
- قصص نسيمة شلال ودموع داي شمى
- أغنية بابلية لنادية مراد وخدر فقير
- نصائح مجانين سيباى للأمراء الثلاثة
- هرمان هسة وجاره الأيزيدي
- غوته الشنكالي
- عرش الأمير الخالي
- اللعب بجماجم من طين
- غزلان خدر فقير
- لحن من لالش لخسارة شنكال
- السبايا
- الأم تيريزا وابنتنا ليلى تعلو
- البيت الثاني للأحلام
- هل جرى شيء لشنكال
- شقندحيات ديك في خم المجانين


المزيد.....




- من أثينا إلى بيروت.. عمال خرجوا في مسيرات في عيدهم فصدحت حنا ...
- بيربوك: توسيع الاتحاد الأوروبي قبل 20 عاما جلب فوائد مهمة لل ...
- نتنياهو: سندخل رفح إن تمسكت حماس بمطلبها
- القاهرة وباريس تدعوان إلى التوصل لاتفاق
- -حاقد ومعاد للسامية-.. رئيس الوزراء الإسرائيلي يهاجم الرئيس ...
- بالفيديو.. رصد وتدمير منظومتين من صواريخ -هيمارس- الأمريكية ...
- مسيرة حاشدة بلندن في يوم العمال
- محكمة العدل الدولية ترد دعوى نيكاراغوا
- خردة الناتو تعرض في حديقة النصر بموسكو
- رحيل الناشر والمترجم السعودي يوسف الصمعان


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - مراد سليمان علو - الفزاعة وأغاني المطر