أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبو قمر - غفوة عاشق















المزيد.....

غفوة عاشق


محمد أبو قمر

الحوار المتمدن-العدد: 6662 - 2020 / 8 / 30 - 10:04
المحور: الادب والفن
    


مرت هي من أمام غرفة مكتبي متجهة إلي غرفة الشئون الإدارية ، أنا كأن شيئا ما خطفني ، ارتبكت ، وتاه مني ما كنت أفعله في الأوراق التي أمامي ، تُري من تكون هذه الفارعة الرشيقة التي لم تفعل شيئا وهي عابرة من أمامي سوي أنها ألقت نظرة خاطفة ، العشرات من الجميلات يعبرن من هنا كل يوم ويلقين التحية ويبتسمن ، ومنهن من تحاول جر أطراف أي حديث معي ، لكن ما من واحدة منهن زلزلتني مثلما فعلت هي بمجرد التفاتتها الخاطفة ، حاولت العودة إلي طبيعتي ، لكنني كنت قد فقدت السيطرة تماما علي مشاعري ، لم أستطع فهم مضمون أي ورقة أمامي ، بل دخلت الأوراق في بعضها ، ونسيت تماما ما كنت أفكر فيه قبيل مرورها المفاجيء ، لملمت أوراقي وحشرتها في درج مكتبي ، ثم أشعلت سيجارة في محاولة لاستعادة توازني ، فجأة وجدتها أمامي ، وضعت أمامي ورقة وأشارت بإصبعها إلي المكان الذي يُفترض أن أوقع فيه ، لا أعرف لماذا رأيت مكتبي قد انكمش إلي درجة أنه صار بحجم ورقتها ، كل شيء في الغرفة تضاءل أمام وجودها الذي ملأ عينيّ وسيطر علي كياني ، أردت أن اسألها عن مضمون هذه الورقة ، لكن بدلا من ذلك يبدو أنني سألتها كيف تمكنت من عبور باب الغرفة وهي بهذا الطول الفارع ، وربما قلت شيئا عن عطرها ، أو بدر مني شيئا عن نحولة خصرها ، كانت مضيئة وخفيفة وندية ولا أعرف لماذا خُيل لي أنها مجنحة ، سألتها عما إذا كانت هابطة من السماء أو خارجة لتوها من النهر ، بدا لي أن شعرها مبللا ، وبعض حبيبات الماء تنحدر ما تزال من وجهها نحو مفرق نهديها البارزين ، اتسعت عيناها دهشة من سؤالي إلي حد أنني رأيت صورتي منعكسة في عينيها وكأنني طفل لم يبلغ السادسة بعد ، لم تُجب علي سؤالي وإنما أخذتني من يدي وأجلستني علي حافة المكتب وراحت تُعدل من وضع ياقة قميصي وتعيد وضع كل زرار في عروته الصحيحة وهي تقول لي لماذا لا تنظر في المرآة قبل خروجك من البيت وإلي متي ستظل مهملا وهمجيا وتتعامل مع نفسك وكأنك طفل مشرد ، ثم مسحت وجهي بكفها وقالت : عيناك عسليتان وشفتاك متحفزتان كأنك تريد تقبيل العالم كله ، كانت خصلة من شعرها قد تدلت فوق جبينها ، مددت يدي لكي أعيد خصلتها إلي مكانها ، لكنها أمسكت بكف يدي ووضعته علي صدرها وقالت : قلبك أنت هو الذي ينبض هنا في صدري ، ثم لكزتني في كتفي وهي تقول لي : إلي متي ستظل تنسي؟ ، لماذا كلما رأيتني تروح تهذي وكأنك تراني للمرة الأولي؟! ، هزتني بعنف وهي تقول لي : أنت تحبني أليس كذلك؟! ، ثم قبضت علي أذني وراحت تلويها بعنف وهي تنفخ في وجهي قائلة : قلها لي ولو مرة واحدة حتي أتخلص من شقائي فأنا لا أري في هذا العالم رجلا يمكنني الاعتماد عليه غيرك ، هل تستطيع أن تفسر لي لماذا تهتم بي وتفعل كل شيء من أجلي ثم تفاجئني في كل مرة أكون أمامك فيها بأنك لا تعرفني أو أنك تراني للوهلة الأولي؟! ، ثم فتحت درج مكتبي بعصبية شديدة وأخرجت منه كل أوراقي وراحت تعرضها أمام عيني ورقة ورقة وهي تبكي وتقول لي : أليست هذه صورتي التي ترسمها أنت بيديك علي كل ورقة من أوراقك؟! ، من شدة غضبها توقعت أن تقذف بالأوراق في وجهي ، لكنها هدأت وراحت تصف الأوراق وتعيد ترتيبها ثم قبّلتها وضمتها إلي صدرها وسحبت مقعدا وجلست قبالتي فيما كنت أنا جالسا مازلت علي حافة مكتبي ، لا أعرف كم مر من الوقت دون أن يقول أي منّا شيئا ، فقط كان يجول في عينيها الواسعتين وهي تنظر لي مزيج من الخوف والشفقة والحب والحزن ، من شدة تركيزي في عينيها الجميلتين لكي أفهم ما يجول في خاطرها خُيل لي وكأننا جالسين في مركب صغير ، وكان النهر واسعا وهادئا ومهيبا ، فيما كانت المركب تتهادي فوق صفحته ببطيء ، كان الوقت ليلا والظلام يتكاثف ثقيلا حول المركب ، لكن وجهها كان مضيئا ، ورأيت أن شفتيها كانتا ترتعشان ، ظننت أنها خائفة من وحشة العتمة حولنا ، ويبدو أنها قرأت ما في ظني إذ قالت لي : أنا خائفة عليك ، وراحت ترتعد كالمحمومة وهي تقول : أخذتني أمي بالأمس إلي إحدي العرّافات في محاولة منها لمعرفة أسباب ما أنا فيه من ضعف وما أعانيه من أرق وعدم قابليتي للطعام ثم هذه الكوابيس التي تكاد تقتلني كلما أخذني النوم ..... بعد أن حرقت العرافة كمية هائلة من البخور وبعد أن وشوشت الودع مدة ساعة كاملة سألتني عنك فأخبرتها أنك طيب ومهمل وفوضوي وقلت لها إنني أحب فوضاك ثم رجوتها أن تخبرني لماذا تتعمد أنت نسياني وكأنك تريد إخراجي من حياتك.
انفجرت في البكاء بحرقة وهي تقول : العرّافة أعادت وشوشة الودع لمدة ساعة أخري ثم قالت لي : أنت تحبين رجلا سوف يموت قبل أن تنالي منه قبلة واحدة ، وهو يعرف أنه سيموت قريبا ولأنه يذوب فيك عشقا فهو يريد إبعادك عنه حتي لا تتألمين أو تتحسرين علي فقدانه.
كاد قلبي أنا أن يخرج من حلقي حزنا علي ما تعانيه هي من ألم ، اقتربت منها ، وأخذت وجهها البريء بين راحتي وضممتها إلي صدري ، وقلت لها : العرافات يخرفنّ دائما ياحبيبتي ، ثم إنك أنت التي تنسي ولست أنا ، تخلصي من خوفك الآن وهيا نستعيد سويا ما دار بيني وبينك في لحظة أول لقاء بيننا حتي يكون هذا النهر شاهدا علينا :
أنا : أنت تشبهين امرأة تأتيني في أحلامي كل ليلة.
هي : أنت تشبهني ، فكلما نظرت في مرآتي لا أري سوي عينيك.
أنا : أنت امرأة استثنائية ، بريئة ، وقوية ، وجريئة ، وحرة.
هي : أنت مهمل وياقة قميصك معووجة وكل زرار فيه ليس في عروته الصحيحة.
أنا : فلماذا إذن أري نفسي في عينيك أنيقا ومهندما ورشيقا؟!
هي : أنت لا تسير في الطريق سيرا عاديا بل تهرول دائما وكأنك تريد اللحاق بشيء ما.
أنا : لأنني أبحث عنك في وجه كل امرأة في الطريق
كان الظلام حول المركب قد بدأ يخف ، وكنا تقريبا في المنتصف بين شاطئي النهر ، وكان وجهها بين راحتي يديّ ما يزال ، وكانت شفتاها مهيئتان لقبلة أعمق وأطول من النهر ، وحين هممت بتقبيلها اهتز المركب هزة عنيفة وقعت أنا علي إثرها في الماء ، هي تعلقت بي وراحت تصرخ : لا تمت أرجوك ، كانت تغرز أصابعها في لحمي في محاولة لإنقاذي وهي تقول : العرافة اللعينة لم تقل لي أنك ستموت بين يدي ، كانت يداها ضعيفتين لا تستطيعان بهما إخراجي من الماء ، وكنت أهبط من بين يديها رويدا رويدا، وحين صرت تحت صفحة الماء تماما سمعت جلبة بدا أنها آتية من الشاطيء فاندفعت رافعا رأسي خارج المياه لعل أحدا من الناس ينقذني وإذ بي أري عند الباب جمع من زملائي في العمل يقولون لي : انتهي العمل وحل وقت الانصراف وأنت هنا غارق في النوم ، لملمت أوراقي ووضعتها في درج مكتبي ، وبينما أنا أحكم إغلاق درج المكتب لاحظت أن المرأة التي خطفتني أثناء عبورها تنظر من بين رؤوس الزملاء لتري هذا الرجل الذي كان نائما اثناء العمل ، حينئذ قلت في نفسي : هذه المرأة الجميلة هي الوحيدة التي تعرف أنني سأموت قريبا.



#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفأر السمين
- شرط ، أم قيد ، أم نكتة مملّة
- الصنف الثالث
- أوهام وكوابيس
- ليلة سوداء في حياة امرأة
- الهوي هوايا
- الحلوة برموشها السودا الحلوة
- ما يحيرني!!
- الغنوشي والفريضة الغائبة
- مسلم بالوراثة
- وجهة نظر
- المستشفيات الخاصة في مصر وحلاق الصحة
- حزني عليك لن ينتهي إلا بموتي
- هل يستوي الأعمي والبصير؟؟!!
- إبعد شوية يمكن نفوق
- صدر زوجتي
- البالوعة
- العربجي
- الحمار له ذيل
- البحث عن الأصل


المزيد.....




- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبو قمر - غفوة عاشق