أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دارين هانسن - سيكون كل شيء على ما يرام















المزيد.....

سيكون كل شيء على ما يرام


دارين هانسن

الحوار المتمدن-العدد: 6660 - 2020 / 8 / 28 - 23:52
المحور: الادب والفن
    


حين نشارك المدن الجميلة لحظاتها الضعيفة ونعرف كامل تجاعيدها ووجهها البشع المخبئ بين حيطانها القديمة نترك لأوجاعنا المجال كي تحتل صدورنا. ليست كل المدن الجميلة انيقة بالكامل فبعض عيوبها تختفي في لحظات الازدحام لكن ما ن تترك لنفسك المجال لان تضيع في تفاصيلها ستكتشف حينها بعض الاوجاع المخبأة فيها. لا عيب في عدم الكمال او في الالام عيبنا اننا نخجل من آلامنا من لحظات يأسنا من ضعفنا نخجل من ان نشارك حيرتنا امام الاخرين على العلن. نخبئ انفسنا بأقنعة خلقت من روتين المدن وزحمتها فلا مكان للاستلقاء والتنفس.
اجوب شوارع مدينتي ببطء ابحث فيها عن شيء يشبهني عن حيطان تشبه ظفولت ولا ادري لماذا الطفولة.. اراه يأتي مبتسما كالعادة يضع بأذنيه السماعات ويتراقص في مشيته وهو يتكلم على الهاتف يبتسم لكل المارة وهو يجمع قناني البيرة الفارغة وقناني البلاستيك المرمية في الشوارع. هل تعيريني سيجارة سألني بكل وسامة واجبته بان السيجارة لا تعار بل تعطى ابتسم ولوح لي واكمل حديثه على سماعات الهاتف.
امشي في شوارع مدينتي ابحث عن تفاصيل تشبه مكان ولادتي ولمادا المراحل المبكرة من العمر لا اعرف. اهل لان ابي مريض ام لان الحرب سرقت ذكريات طفولتنا وشبابنا اغتصبت لحظات سعادتنا وعفويتنا. لا اعرف لماذا ابحث عن ماض بعيد.
في مدينتي هنا يقف الناس على إشارة المرور الحمراء ينتظروا الضوء الأخضر كي يعبروا. يوفروا على انفسهم الطاقة المهدورة في الصراخ ومحاولة إيجاد نظام عبثي كما في مدينة طفولتي. وقفت كالبقية انتظر الضوء الأخضر. مقابلي على الجهة الأخرى من الشارع كان ذاك العجوز الذي اعتدت ان اراه كثيرا حين كنت اعمل في الحانة. كان يأتي هناك وحيدا بملابسه القديمة يطلب بعض القهوة ويجلس يدخن علبة تبغ كاملة وبعدها يبدا روتين عمله بالتسول. كانت قهوته دائما بالمجان فتجاعيد وجهه تعيدني الى مدينتي الأخرى الى ابي وتفاصيله الى عاداته القديمة حيث كان يستيقظ في الصباح الباكر في الساعة الرابعة صباحا يغادر المنزل ليقوم بأعمال إضافية كي يعيل العائلة. لم يذكر ابي يوما اعماله الإضافية لكني قررت ان اتبعه يوما لأعرف ماذا يفعل باكرا. كان ذلك في التسعينات في مدينتي الصغيرة في البقعة الأخرى من الأرض. ابي يمشي بسرعة وكنت اجري كي لا اضيع خطواته لا اعرف مااذا راني وكان هو من يتبع خطواتي ويحرسني في من ظلام أيلول والشوارع الماطرة. وقف ابي قريبا من حاوية النفايات وبدا يأخذ قناني البلاستيك وقطع الالمينيوم وبعض الأشياء التي يمكن ان تباع ويعاد استخدامها مرة أخرى. تابعته والدموع تسقط من عيني وتختلط برذاذات المطر وحين وقف ابي علي الحاوية السادسة اتيت اليه ومددت يدي كي استخرج علبة البلاستيك ولكنه سحبها بلطف اعطاني بعض الكفوف ولم نتكلم. جمعنا أشياء يمكن إعادة استعمالها قناني واحذية قديمة وقطع بلاستيك وحين شروق الشمس ذهبنا الى الدكان وبادلناها ببعض النقود اعطاني ابي النقود كي اوصلها الى امي لتشتري لنا الفطور وذهب ولم نتكلم ابدا عن عمل ابي الإضافي .
في مدينتي الجديدة امشي وابحث عن بعض القباحة فيها كي اعشقها.
الراقص المبتسم الذي يجمع القناني والرجل الذي تشبه تجاعيد وجهه تجاعيد ابي دائما في نفس حارتي
وصلت المنزل منهكة أحاول ان احتفظ ببعض التفاصيل عن قبح مدينتي كي اعيدها في ذاكرتي مرة أخرى. نظرت الي هاتفي كان هناك مكالمات فائتة منه. من ذاك الرجل الذي عودني على الكمال. الرجل الذي يحول كل ضعف في الى قوة. ذاك الرجل الذي كان يراقصني وانا ابكي ويمسح بيده دموعي ذاك الرجل الذي عشق قباحتي وحولها الى جمال. كره اكتمالي ووجد فيه بعض النقص. ذاك الذي علمني كيف أكون انا. ؛كل شيء على ما يرام روتين فقط والولادة ستكون عسيرة لكن كل شيء على ما يرام. كان يخبرني ببطء بحزن لا اعرفه فهو الضاحك المبتسم. اشتاقك كثيرا يكمل حديثه وانا اتصفح رسائلي الأخرى وافكر في هذا الاختراع العظيم السماعات مع ميكروفون! اتحدث معه وانا اقرا رسائل امي عن حالة ابي< دخل العناية المشددة ولكن وضعه مستقر سننتظر الغد ونرى ما اذا كانت العملية ضرورية! نحن كالعادة نعيش او مازلنا نعيش! ملل يقتل لحظات الحياة! اختك فقدت الجنين مات في بطنها! ابنة اخوك صارت تمشي وتتكلم قليلا! ربح اخوك في اليانصيب هل تصدقي ذلك اتصلي اشتقت لسماع صوتك> كنت اقرا رسائل امي له بصوت عال بلا وعي مني. صمت لدقائق وسألني عما اذا كنت بخير؟ لا اعرف! اجبته .ولكني اعرف بعض الوجوه القبيحة من مدينتنا! أتذكر ذاك الرجل الذي يأتي الى الحانة يشرب القهوة ويشبه ابي؟ نعم اذكره دائما تتحدثين عنه! لم انتبه باني اتحدث عنه كثيرا. لم اعر انتباهي لكني تحدثت معه حين مشيت تحت المطر هاربة من جسدي من روحي التي كانت تئن حين رقدت في منزل تلك المرأة اول ليلة. كنت امشي تحت المطر ابحث عن أخطاء المدينة عن بعض البشاعة! رايته بالصدفة وطلب مني سيجارة اشتريت بعض البيرة لنا وجلسنا علي الرصيف. اردت ان اعرف عنه شيئا اردت عما اذا كان يشبه ابي. واكتشفت بان الشبه بينه وبين ابي كبير جد! هو الفقد والشوق! فقد من نحب من دون ان نستطيع ان نفعل شيئا او نفهم السبب! فقد ابي امه حين كان طفلا ومازال يبكيها الى يومنا وفقد ذاك الرجل زوجته منذ ١٨ سنة ومن حينها وهو مريض لا يستطيع العمل ويعيش على المعونات الاجتماعية التي تكفيه لكنه وحيدا فبدا يتسول كي يتكلم مع الناس كي يجد عذرا ليكلم الغرباء مثلي. وحيدا يبحث عن حديث عشوائي في شوارع المدينة
أتذكر ذاك الراقص الذي يرقص وهو يجمع القناني ويتكلم على الهاتف؟ خجولا هو مثقلا بوحدته مثقلا بالأم لا يستطيع ايقافها مثقلا بمرض امه في الجزء الاخر من الأرض. اتى هنا حالما بوطن جديد بعمل وحياة جديدة وكانت الشوارع هي من استقبلته. لا يعتبر لاجئ لان بلده ليس فيها حرب ومرض امه وعدم وجود معيل ليست سبب لإعطائه الإقامة هنا! يعيش في الشوارع! هل تذكر بانني اخبرتك بانه يتكلم على الهاتف طوال الوقت؟ هو لا يكلم أحدا يكلم نفسه فقط! يخبر نفسه بان كل شيء سيكون على ما يرام! سالته لماذا يفعل ذلك وقال لي بان ذاته هي من تعرفه تعرف ساعات قوته وضعفه تعرف قصته وتساعده على العيش.
اوجاع المدن وقباحتها أرى نفسي فيها. راقصة عاشقة للحياة فتاة جميلة ابتسامتها تجذب كل من في ساحة الرقص. عجوز تحاول ان تقطع الشارع لكنها لا تستطيع فتسقط. طفل يحاول ان يمشي فيقع. طائر صغير تتركه امه في العش لوحده فيحاول ان يعلم منقاره على النقر. عاشق يرقص وكل فتاة حوله تتمنى قبلة من فمه. تناقضات مدينتي تجعلني اعشق تناقضات نفسي
دعنا نتكلم غدا سأذهب الان الى الشارع كي ار قباحة وسحر مدينتي! لا تقلق الولادة لن تكون عسيرة! سيكون كل شيء على مايرام!



#دارين_هانسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الشوارع الصاخبة
- هل تشاركني رقصتي
- عبثية لحظات الحنين
- في تلك الصحراء عارية
- لربما امي تنتظرني
- ارواح في وجه العاصفة
- تراوما من نوع اخر
- البحر و الصور الغامضة
- توضيح الفرق بين الإسلامي والمسلم يتطلب جهد جماعي
- حول مقال ( الحمرا لم تعد لبنانية)
- ممنوع
- عبرنا من هنا
- هل ننتظر قوة خارجية من الفضاء؟
- آعد التسجيل!
- حيرة واقع معفن
- كيف لي
- وطن افتراضي
- بين تلك الخيم ألاف الحكايا
- كاسك سورية من الحدود
- بحضور سرير ميت


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دارين هانسن - سيكون كل شيء على ما يرام