أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - جنون النار/ قصة قصيرة















المزيد.....

جنون النار/ قصة قصيرة


ابراهيم سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 1597 - 2006 / 6 / 30 - 15:01
المحور: الادب والفن
    


انبطحت الاعمدة ارضا كافاع ، المارة يهرولون هائجين على وجوههم الى جهة النهر القريب، السماء ملبدة بغيوم داكنة ، النار تخرج من قلب الشارع ، ثمة كلاب تنبح بعنف وشراسة . الاعمدة ملأت الشارع ، المارة يتقافزون عليها هربا من النيران .. الرجال توقفوا ، اصطفوا مجموعات وحاولوا اطفاء النيران بالبصاق عليها .. احاطوا بها وصاروا يتبارون ايهم يستطيع ايصال مايقذفه ابعد من غيره .. اعمدة الكهرباء مطروحة كجثث هامدة يتعثر كبار السن بها وناحت حمامة تناثر عشها على الاسفلت ولاذت تحت كلب لاهث .. الصبيان يلوحون للرجال المتبارين بعلامات غريبة ..
اخرون تجمعوا في في الرصيف المقابل ينظرون لزملائهم .. بعد فترة لا النار انطفأت ولا الصبيان غادروا في هذا الليل المعطل .. الرجال تجمعوا ثانية واقترحوا رفع الاعمدة ووضعها في اماكنها كي يعبر الاطفال والعاجزين من كبار السن ..
هرعوا اليها وتوزعوا زرافات على كل واحد ..
بعد جهود حثيثة رفعوا عمودا واحدا وانهارت المجاميع لاهثة تلعن سوء الحظ .. مصابيح الاعمدة تكسرت وتهشمت وتناثرت قطعا .. فلا ضوء ينير الشارع غير النار فاقترح البعض الابقاء على النيران لردع اللصوص وقطاع الطرق ..
ثمة سيدات يبكين في نهاية الشارع ونباح قوي يملأ المكان برمته ..
تقدم احدهم مقترحا بان يسحبون ماء النهر بانابيب مطاطية ذات فوهات ضخمة واطفاء النار الصاعدة .. ومن اين نأتي بها في هذا الليل يا احمق ؟ صاح به الحشد ..
رد عليهم بضجر :
ـ تبت يداكم ! فالظلمة شيطان مريع يقض مضاجعنا .
نباح الكلاب وصراخ العاجزين انهالت وسط الشارع المشتعل ولحق بها صياح النسوة اللاطمات على المشهد المروع ..
النار تبتلع الاسفلت فتتصاعد رائحة غريبة ودخان كثيف يسبح في ظلمة الشارع المخيفة ..
المدينة تتحرك نحو الشارع المشتعل ، الاعمدة الملقاة على الارض تم رفعها قليلا وبجهود مضنية وجاؤوا بالكلاب واسندوا على ظهورها الاعمدة لمساعدة المارين للوصول الى الجانب الاخر .. فكانت تتراقص بفعل النباح المتواصل ..
عقد التجمع الحاشد لسماع الرأي الحاسم في قضية النار ..
اقترح رجل مسن الاتيان بعشرة أفيال ضخمة لسحب كل مياه النهر القريب !
اجابه احدهم متحمساً :
ـ سآتي باربعة ديكة هي كل ما املك !
رد المسن غاضبا :
ـ العديم من احتاج الى لئيم !
قال الرجل متشمتاً
ـ افضل من السؤال ركوب الاهوال ..
صاح رجل من وسط الجمع :
ـ الفيلة تبعد مسيرة عشرة أيام !
انعقدت حلقة الرجال ثانية وقرروا تغيير مجرى النهر والبدء بحملة حفر لم تشهدها المدينة لايصال الماء ا لى النار الهائجة
انبثق من خارج الحلقة صوت اجش..
ـ يحتاج منا حفر شهرين لتغيير المجرى !
اطرق الرجال رؤوسهم خائبين صامتين ..
لعلع الرصاص مجلجلا في السماء لحشد اكبر عدد من اهل المدينة لدرء الخطر المحدق بها ..
صاح الاجش :
ـ مانحتاجه غيمة كبيرة تمطر ثلاث ليال متتاليات .
صعقه رجل بقربه
ـ المطامع لجات والرزق قطرات ياهذا ..
الخائفون من الليل اصطفوا على جهة الشارع اليمنى والمتحمسون لاطفاء النار تجمعوا في الجهة المقابلة ..
ثمة كلب ظل ينبح بعنف موجها نظره نحو فخذ عجل شهي معلق في دكان الجزار المفتوح فانطلق يعدو بشراسة فسقط العمود المتكأ على ظهره محدثا دويا مجلجلا على الارض وانطلقت خلفه راكضة كل الكلاب فكان وقع ارتطام الاعمدة على الارض مخيفا ..
صاح احد الرجال المتحمسين :
ـ هذا اوانك ايها الفيل !
هز الاخرون رؤوسهم مؤيدين ..
هسيس احتراق الاسفلت يتعالى فيما كان المارة يهيمون على وجوههم يتقافزون فوق الاعمدة المبطوحة ..
قال الرجل ثانية :
ـ هذا مآلنا .. علينا الانتهاء من الامر وإلا ستحدث كارثة .. صد النيران او الهلاك !
فجأة اصطف رجال الجهة اليمنى الذين يحاولون الافلات من المشهد ، تحية لجوقة قادمة بملابس زرق مقلمة بالاسود عكست النيران بهاءها يتقدمها رجل اصلع يقرع على طبل ضخم متدل من رقبته مسنودا على كرشه المتهدل يزيد من هيبتها مسيرها المنظم وعزفها الهادئ الذي لم يبال به احد من الرجال المتحمسين لاطفاء النار المنهمكين بتجريب محاولة اخرى لا يبدو انها سارة ابدا ..
الجوقة تسير في جهة الشارع الاخرى التي لم تصلها النيران مخترقة الناس الهاربين من الاتون المهلك والمتقافزين فوق الاعمدة الساقطة .. توقفت الجوقة ..
صاحب الكرش الاصلع تباطأ في دقاته ، تقدم نحوهم رجال الاطفاء بجدار بشري مرصوص لمنع الجوقة من التقدم ومواصلة العزف واختراق الشارع الملتهب والطلب من الاصلع المغادرة مع جوقته ومنع حصول مالا يحمد عقباه ..
صاح الاصلع متحانقا :
ـ جئنا متضامنين لا شامتين !
رد احد رجال المدينة بضجر :
ـ هذه محنتنا ! سنطفئ النار لوحدنا ! لا نريد عيون تتلصلص بنا وتقرع الطبول كأننا في عرس ..
في اللحظات التي شهدت ملاسنة حادة سمعوا صهيلا يقترب .. كان حصانا ابلقا يتقدم وحيدا متدلي الرأس ، توقف قرب الجوقة ورفع رقبته ووضعها على الطبل وسط دهشة الحضور وحيرهم ..
جلجل احد الرجال وبعق شديدا ..
ـ سأعقر قوائم هذا الحصان بسيفي وابطش به واوزع لحمه على الغربان !
جاء الرد من الخلف متضاحكاً
ـ لا ارى بيدك سيفا !
تجهم وجه الرجل وشاط به الغضب ثم وثب على المتضاحك مخترقا الواقفين كأسد هصور ، انثالت عليهما الصيحات ورماهما البعض بالبصاق فكانت كالبال تنهال وصارت كالمطر هطولا اغرقهما ..
ولكن المتجهم اسقط غريمه ارضاً وراح يدوسه برجله وسط الاحتجاج والاستنكار ..
لم يبال بما يسمع فغزت وجهه بشاشة وتجشأ بصوت عال ، اخرج مدية صغيرة من جيبه وبعج بطن المغدور المتضرع الباكي .
انطلق صهيل الحصان الابلق وتحول نباح الكلاب المتخومة الى هرير وصمتت النسوة وتعالى قرع طبل الاصلع .. نهض المتجهم متأبطاً اوصالا مدماة ، خمد الجسد المسجى .
وبازدراء صاح المتجهم بالحاضرين :
ـ ايها الضواري ! الفريسة امامكم والنار من خلفكم ! واطلق ضحكة بلهاء وغادر وهو يلطع شيئاً بلسانه تحت ذعر الحاضرين ..
بعض الرجال المؤيدين لاخماد النار ، هجموا على الجسد المقطع وامعنوا فيه تقطيعا ..
لم يمنعهم احد ولم يتحرك احد لايقاف التمثيل بالجثة وتحول قرع الاصلع مع جوقته الى مقطوعة حزينة بالنايات والمزامير .. تعالت الرؤوس نحو السماء المظلمة ..
طيور ضخمة مغبرة طويلة العنق والرجلين ، اذنابها مبتورة ، تحمل مناقير معقوفة ومخالب كبيرة ..
اطلقت صفيرها المرعب وهي تتجه نحو بقايا الجسد المبعثر ..
ركض الناس خائفين .. جفلت الكلاب .. صمتت الجوقة ..
الطيور الضخمة استنسرت على الجثة وقطعتها اربا وحملت كل منها قطعة وطارت .. تلاشت الجثة تماما ..
واعلن الاصلع صاحب الكرش بأن المنطقة منكوبة وتحتاج الى معونة .. الفوضى تعم المكان برمته ..
واقبال اهل المدينة كان ضعيفا في الحضور ونجدة المنهمكين في خوض جولات ضروس لاخماد النيران التي اخذت بالتحرك وتنذر بالانتشار وتهديد البيوت ..
المتحمسون راحوا يعبئون الاكياس بالتراب وسط معزوفات الاصلع وجوقته ..
مرت ساعات الليل ثقيلة وهم يبنون سدا ضخماً ..
الرجال الواقفين على الرصيف الايسر ينظرون بهلع الى النيران التي لايريدونها ان تخمد خوفا من اللصوص وقطاع الطرق / الذين يتربصون منتظرين اية هفوة قد تحدث وتنهار معها اعصاب الرجال / اخذوا يتثائبون من النعاس الذي ألم بهم واقترح بعضهم اقامة حفلة شواء في الهواء الطلق / ودعوة رجال الاطفاء الاشداء لاثبات النوايا الحسنة /
وتناول عشاء منتصف الليل اللذيذ ..
رفضت الدعوة واعتبرت تعطيلا لهمم الرجال الذائدين عن المدينة المنكوبة ..
فجأة هز السماء دوي رعد مخيف .. تصاعدت الاعناق تنظر الى الغيوم السود الداكنة .. وبدأت قطرات المطر بالنزول مالبث ان اسرعت بالهطول واشتدت غزارة ..
توارى الكل واختفى من المشهد .. المطر يشتد ضراوة فغرقت الاعمدة المبطوحة وخمدت النيران وفاضت الازقة بالسيول الهادرة .
اختفت الجوقة وراح الحصان يصهل مرعوبا وهو يدفع قوائمه باتجاه الاصلع المنسحب مع جوقته ..
فيما اندفعت الكلاب نحو المحال المكسورة الاقفال وسمع نواح حمامة من قريب ..
في الصباح / الاعمدة تقف في اماكنها منتظمة على جانبي الشارع الطويل الهادئ ، المحال مقفلة ، لا كلاب سائبة ، لاسيول ، المدينة تنام في ساعة باكرة كهذه ، ظهر رجل يركض في وسط الشارع صارخا :
ـ نار .. نار .. ستحترق المدينة ! ستسقط كل اعمدة الشارع ، جهزوا المطافئ واياكم من التهاون ..
اطلت العيون الناعسة من النوافذ تعاين الرجل الهائج وحده كأنه يدور في دوامة ..



#ابراهيم_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعترافات تاجر اللحوم : رواية المنافي والانكسارات المتلاحقة
- ليل راكض / قصة قصيرة
- برج النعام / قصة قصيرة
- كمال سبتي يؤرخ لاربعينيته
- كل الطرق / قصة قصيرة
- عشر قصص قصيرة جدا
- ارض منزوعة الظلال / قصة قصيرة
- ليلة بكاء الكلب / قصة قصيرة
- امنية موتي / قصة قصيرة
- الاحتفاء بعذابات القصة
- عوني كرومي : مسافر ليل يرحل مبكرا ايضا
- رجل متضفدع / قصة قصيرة
- آخر الغروب / قصة قصيرة
- ملحمة جلجامش .. النص من فكرة الخلود الى محنة الموت
- موت المؤلف وخلود الاثر
- محنة القصة القصيرة جدا
- قصص قصيرة جدا
- قصتان قصيرتان جدا
- عين الذاكرة
- الشاعر شهيدا : وهل كان الشاعر سوى موت على وشك الانبعاث ؟


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - جنون النار/ قصة قصيرة