أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - كل الطرق / قصة قصيرة















المزيد.....

كل الطرق / قصة قصيرة


ابراهيم سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 1585 - 2006 / 6 / 18 - 11:05
المحور: الادب والفن
    


النهر البعيد يلفظ أحشاءه في سيارة حمل كبيرة تقل ثلاثة رجال مسرورين ..النهر البعيد خلفهم بينما يتطاير الغبار مشكلا سحابة راكضة خلف عجلات مجنونة .. كانت

الحمولة أسماكا صفت فوقها قوالب الثلج ..الشمس اللاهبة تحرق الرمل فيتصاعد سراب مرتعش في الأفق ..الرجال الثلاثة يتقاذفون سيول الكلام داخل قمرة القيادة وسط طريق ترابي طويل ..النهر تلاشى خلفهم تماما في هذه الساعة الضحوية .. أربع ساعات أمامهم لتتقيأ سيارتهم حملها في المدينة القريبة.. قال السائق متبرما في غير اهتمام :
ـ اربع ساعات ستكون طويلة .. طويلة في هذا الحر اللاهب ، فالشمس في الظهيرة القادمة ستكون حامية محرقة.. اعرف طريقا اخر اسرع !
رد الرجل الوسيط ساخرا
ـ وما الفرق .. فكل الطرق تؤدي إلى … وضحك ضحكة مدوية خرجت من النافذة وتبعثرت في الفضاء الساخن.
قال السائق مغتاظا :
ـ صدقني .. اعرف طريقا اقصر .. وسترى .
الرجل الثالث صامت ينظر إلى التراب الهش المتطاير من كل الجهات ..
انحدرت السيارة في زاوية حادة تاركة الطريق الترابي الأمامي الذي يمتد حتى الأفق البعيد .. دلفوا الى طريق آخر .. بدا على وجه الرجل الوسيط التهكم والامتعاض .. فالطريق يبدو غريبا عليه .. صاح محتدا :
ـ طريق رملي ! لم اسمع به من قبل .. لم اسمع أحدا تكلم عنه .. للمرة الثانية آتي إلي النهر .. لم امر من هنا!
أشاح بوجهه العابس عن الرمل ملتفتا الى السائق غير المكترث صارخا به :
ـ هل أنت واثق من انه سيوصلنا ؟
رد السائق ساخرا
ـ سوف لاتكتفي بالسماع به ، ستراه أيضا وسيكون لك سبق التعرف عليه .. سأجعلك تفتخر بانك سلكت طريقا جديدا يوصلك الى المدينة بأسرع وقت ، وضحك بازدراء جعلت الرجل يهتاج في مكانه ..
السيارة تخترق كثبان الرمل متلوية متثاقلة ..السائق يجهد نفسه في السيطرة على سيارته التي بدأت تترنح ..لاهم له الا ان يثبت للرجلين بان الطريق اقصر ولو كان من رمل ..
قل ضاحكا وسط قلق الرجلين :
ـ اراهن انه اقصر ..
الرجل الثالث قال مندهشا للسائق :
ـ اشعر بأننا سنتأخر في هذا الرمل .. السيارة صارت ثقيلة .. خطتك غير موفقة ..إنها تبدو لي كذلك !

رد السائق متخابثا :
ـ سنصل مبكرين ..سترى .. وسأكسب الرهان حتما !
العجلات تتمايل على جانبي الطريق .. الرجل الوسيط غارق في تامل الطريق الجديد ..الرجل الثالث صامت ينظر الى الرمل الذي بدا كأنه يمسك بالعجلات بقوة ..صامت وسط ترترة المحرك المزمجر ..راح السائق يسرد حكايته عن البر الشاسع وكأنه يعرف كل حبة رمل فيه ..قل لهما متفاخرا :
ـ عشرون عاما وانا آتي الى النهر .. عرفت كل الدروب وكل الزوايا التي لا يعرفها احد سواي .. حتى انني لا ابصر طريقي احيانا فالطريق صار صديقي بل قل رفيق دربي ، واطلق ضحكة مدوية أغضبت الرجلين .. لكن تلك الضحكات بدأت تخف وتتلاشى وسط دوامة الرمل التي لم تنته منذ ساعات.. هدير المحرك يخترق الصمت ، والشمس القائظة تقذف بحممها اللاهبة الى جوف القمرة التي تحولت الى فرن .. قال الرجل الثالث بصوت متهدج:
ـ طريقك هذا ليس اقصر .. لنعد ! اعتقد أننا تهنا في هذه الظهيرة اللاعبة !
رد السائق متجهما :
ـ اسكت يا أحمق ! انا اعرف كل خفايا هذه الصحراء ..ما عرَفك أنت بهذه المسالك ؟ هذه طرق لا يعرفها غير الذين يخوضون غمارها .. وفر مخاوفك واصمت..
كرع الرجل الوسيط طاسة من الماء ثم ملأها من خزان صغير يقبع عند أقدامهم وناولها الى السائق صبها فوق رأسه .. قال منتشيا :
ـ ماء مثلج يريح الأعصاب !
العجلات المتثاقلة تجوب الرمل متمايلة وقرقعة المحرك تصم الاذان بعد ان غرقت القمرة في صمت مطبق .. كثبان الرمل تموج كبحر تلاطم موجه ..فجأة توقفت المركبة وخف هدير محركها الصاخب ولم تفلح محاولات السائق بتحريكها خطوة واحدة ..ترجل ودار حول سيارته الكبيرة .. صرخ بأعلى صوته :
ـ انزلوا .. انغرست العجلتان الخلفيتان بالرمل !
ترجل الرجلان مذعورين ودنوا من السائق الذي بدا عليه الإنهاك .. قال أحدهما بعد ان ألقى نظرة حزينة على الحمولة الجاثمة تحت سعير الشمس :
ـ الثلج ! لم يبق أي اثر له !
صاح الآخر ذاهلا :
ـ اربع ساعات تحت لهيب حارق ! أي ثلج يقاوم في فرن هائل ؟
رد السائق فزعا:
ـ لنلق بالحمولة خارجا ! ولنخفف من الضغط على العجلات !
صاح الرجل الأول ساخطا :
ـ نلقي بالسمك على الأرض الساخنة ليتفسخ تحت الشمس ونخسر كل شئ !
ـ فليذهب سمكك الى الجحيم .. لنخرج السيارة اولا ..
صعد الرجلان الى حوض السيارة وراحا يرميان بالحمولة الى الارض ، فيما كان السائق يزيل بمجرفة صغيرة الرمال من تحت العجلتين المنغرزتين في الرمل ..بعد ساععة ارتفع تل السمك مجاورا السيارة !
صاح السائق :
ـ الماء .. لقد نفذ الماء ! لا ماء لدينا الان .. !
قال احد الرجلين بصوت متهدج :
ـ هذا مااردته من مغامرتك اللعينة هذه!
صاح صاحبه محتدا :
ـ اكاد اموت عطشا !
اقتحمت رائحة السمك المتفسخ محيط المكان وملأت خياشيم الرجال الذين افترشوا ظلا اسفل السيارة بعد ان اخفقت محاولة تحريكها فارغة .. السائق تمدد على الرمل منهكا ، يبلع ريقه بصعوبة بالغة ، وقد شعر برجفة شديدة سرت في جسمه المتاوه ..
قال احد الرجلين لصاحبه
ـ لا اريد التفسخ هنا مع اسماكي !
الرمال الساخنة تنتشر حولهم ، وبدت سيارتهم وقد التصقت بالارض لاتريد مغادرتها ..لم تصدر اية حركة من السائق المتجهم .. فيما ملأ الهلع وجهي الرجلين الممدين ..فجأة انتفض احدهما وكأن لحظة بارقة قد انعشت جسمه المرتعش ، وقال قلقا :
ـ لنغادر المكان سيرا ! ولنترك هذه السيارة البائسة ! فالشمس في طريقها الى الغروب ، والليل سيؤخر نهايتنا ، نسير تحت النجوم الى امام دون تردد.
رد الاخر بصوت اقرب الى الهمس :
ـ هذه صحراء ! الليل او النهار كلاهما مميت ! ولكن يمكننا التحرك ، لأن البقاء في المكان نفسه قد لايجدي نفعا ..
السائق المتجهم رفض المغادرة وظل ممددا اسفل السيارة ..الشمس غربت تماما ولاح الظلام في افق السماء .. الحلوق يابسة الى حد الجفاف ..سار الرجلان بخطا متثاقلة .. السائق افترش الرمل متهالكا .. بعد ساعتين ، وسط الظلمة الساكنة التفت الرجلان نحو السيارة التي تلاشت تماما ولم يعد لها اثر.. لم يستطع احد الرجلين مواصلة مسيره المضني ، فسقط كمغشي عليه
فيما استمر الاخر متكابرا يسير لاهثا خائفا تحت سماء مظلمة موحشة ..استمر مترنحا يجر ساقيه المرتعشتين بعناء يكاد يهوي الى الارض كل لحظة .. جفل في مكانه متسمرا عندما تناهى الى سمعه عواء متقطعا بعيدا ..قال في سره :
عواء وعطش في هذا التيه المرعب ! ياالهي ساموت .. ساموت ..
صباحا ..كانت ثلاثة طيور كبيرة تحلق عاليا تطلق صقيرها المرعب ثم هبطت تحوم منخفضة قرب السيارة وسط رائحة المكان الكريهة ..فيما حامت مجموعتان فوق جثتين ممزقتين تفصل بينهما الكثبان الرملية الشاسعة..



#ابراهيم_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عشر قصص قصيرة جدا
- ارض منزوعة الظلال / قصة قصيرة
- ليلة بكاء الكلب / قصة قصيرة
- امنية موتي / قصة قصيرة
- الاحتفاء بعذابات القصة
- عوني كرومي : مسافر ليل يرحل مبكرا ايضا
- رجل متضفدع / قصة قصيرة
- آخر الغروب / قصة قصيرة
- ملحمة جلجامش .. النص من فكرة الخلود الى محنة الموت
- موت المؤلف وخلود الاثر
- محنة القصة القصيرة جدا
- قصص قصيرة جدا
- قصتان قصيرتان جدا
- عين الذاكرة
- الشاعر شهيدا : وهل كان الشاعر سوى موت على وشك الانبعاث ؟
- قريبا .. كمال سبتي .. المراثي
- كمال شاعر المدن


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - كل الطرق / قصة قصيرة