أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نزار حمود - نترات، نتريت، نتراتات !















المزيد.....

نترات، نتريت، نتراتات !


نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)


الحوار المتمدن-العدد: 6638 - 2020 / 8 / 6 - 10:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بداية ... لا بد من الوقوف أكثر من دقيقة صمت على أرواح الضحايا الذين سقطوا في انفجار ميناء بيروت المروع. لا بل يحبذ أن يكون الوقوف ساعات وأيام طويلة للغاية علَّ الأرجل تتعب والأقدام تدمى والعقول تستفيق من شدة الألم. ما حدث في بيروت كان كارثة بكل ما للكلمة من معنى. مدينةٌ مثل بيروت لا تستحق أن تنفجر أو أن تتفجر. مدينة كهذه لا تستحق إلا أكاليل الغار وضوع الياسمين العسلي وبياض فساتين الفرح والأعراس والحياة! لكن، بعيداً عن مشاعر الألم والحزن العميق الذي أصاب كل من يحب هذه البلاد المعذبة لا بد من وقفة مصارحة مع النفس أولاً. ترى هل هي النترات فعلاً سبب الانفجار؟ هل هو انفجار العنبر 12 حقاً كما يقولون أم أن الأمر أعمق من ذلك بكثير؟
في واقع الأمر إن من انفجر اليوم هو لبنان نفسه بقضه وقضيضه. لبنان بتركيبته الطائفية السياسية المجتمعية القرووسطية التي ماكانت يوماً قابلة للحياة والاستمرار منذ لحظة ولادتها الأولى وصولاً إلى هذا المساء الأغبر الذي شهد انفجار العنبر 12. هذا اللبنان الذي يحمل بذور انفجاره الحتمي والمتوالي المتتالي المتشظي المستمر على مر السنين.
لمن لا يعرف من شباب اليوم أو لمن لا يريد أن يعرف من الأجيال التي عاشت وعانت وعرفت ونسيت بل ربما تناست، أود أن أذكر بقليل من تاريخ هذا اللبنان المعاصر الذي نحب جميعاً. فلبناننا اليوم هو وليد ارهاصات تاريخية مؤلمة بدأت ربما، في العصر الحديث، مع أحداث جبل لبنان التي وقعت في العام 1860 والتي سميت فيما بعد بمجازر الستين الطائفية التي قضى فيها آلاف الضحايا من المسيحيين والمسلمين والدروز بدءً من دير القمر في جبل لبنان وصولاً إلى صيدا وحاصبيا وراشيا لا بل ودمشق حيث قامت حركة قتل وحرق ونهب استهدفت حارة المسيحيين أو حارة النصارى التي ما كان لينجو أحد من سكانها لولا تدخل عقلاء المسلمين وعلى رأسهم الأمير عبد القادر الجزائري في تلك الأيام. لقد فتحت هذه الأحداث الدامية البابَ على مصراعيه لتدخل القوى العظمى كلٌ حسب مصالحه ومطامعه على خلفية ضعف وتهالك الإمبراطورية العثمانية. وقامت فرنسا تحت شعار حماية المسيحيين بالحشد لإرسال قوة تدخل دولية (!) لحماية المسيحيين. ثم وباتفاق دولي تمت التوصية في العام 1861 بتشكيل متصرفية جبل لبنان وفصلها عن سوريا الأم تحت سيطرة حكم مسيحي يعاونه مجلس إداري مكون من اثني عشر عضواً من مختلف الطوائف الدينية في لبنان. من هنا بدأت بذرة الموت الطائفية التي نعيش ثمارها اليوم! تتمة لهذه الأحداث وبعد أن وضعت الحرب الكونية الأولى وزرها حدث في العام 1920 أن تشكل لبنان الكبير، برعاية فرنسية، ضمن حدوده المعروفة اليوم على حساب سوريا الكبرى وذلك من خلال اقتطاع وادي البقاع وبيروت وجنوب جبل لبنان وشماله وضم كل ذلك إلى متصرفية جبل لبنان حديثة الولادة.
طبعاً ليس الغرض من هذا العرض فائق السرعة إعطاء درس في التاريخ ولا في الجغرافيا، تاريخ وجغرافيا سوريا ولبنان والأصول العميقة المشتركة لهذين البلدين التوأمين في كل شيء من الحمص والتبولة حتى التركيبة الاجتماعية والليرة والاقتصاد والعلاقات الخارجية. بل كان الهدف هو إلقاء بعض الضوء على المنشأ الدامي الطائفي الذي أدى للتشكيلة السياجتماعية القاتلة للبنان الحالي ابن الـ 1943 عام الاستقلال عن الانتداب الفرنسي حيث اتفق اللبنانيون بمختلف طوائفهم على ما يطلق عليه اسم "الميثاق الوطني" الناظم لأسس الحكم في لبنان الحديث الذي قال بشارة الخوري عنه "وما الميثاق الوطني سوى اتفاق العنصرين اللذين يتألف منهما الوطن اللبناني على انصهار نزعاتهما في عقيدة واحدة: استقلال لبنان التام الناجز من دون الالتجاء إلى حماية من الغرب، ولا إلى وحدة أو اتحاد مع الشرق". وبموجب ذلك، توافق اللبنانيون بشكل عرفي على توزيع السلطة بحيث ينال المسيحيون الموارنة رئاسة الجمهورية، ويحصل المسلمون الشيعة على رئاسة البرلمان، والمسلمون السنة على رئاسة الوزراء، وينتخب النواب رئيس الجمهورية. ثم كان لاحقاً وكما هو معروف وعوضاً أن تؤدي الحرب الأهلية الدامية التي مزقت أشلاء لبنان الحديث هذا في السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم، إلى إزالة فتيل القتل والدمار بإرساء الأسس لإقامة دولة معاصرة حديثة قائمة على مبدأ المواطنة والحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية والانتماء للبنان الواحد الموحد، قامت اتفاقية الطائف في العام 1989 ودستور 1990 بتكريس نفس المزيج المتفجر الطائفي القاتل المتجدد المتفجر لكن مع بعض التعديل.
ترى هل أبالغ بالقول إن منبع مآسي لبنان الحالي هو هذا الاتفاق القرووسطي المتخلف الذي قام عليه لبنان ومازال؟ ماقاله بشارة الخوري كان كذباً وهو كان يعرف ذلك والجميع كان يعرف ذلك! من المستحيل للبنان ابن الـ 1943 أن يكون مستقلاً "دون الالتجاء إلى حماية من الغرب، ولا إلى وحدة أو اتحاد مع الشرق". لبنان بتركيبته الحالية هو نسيج اجتماعي شديد الاشتعال والانفجار. هل أبالغ إن قلت أن سبب تشكل الميليشيات المسلحة اللبنانية وتمردها على الدولة المركزية هو هذه التركيبة السياسية عالية الاشتعال والانفجار؟ هل من المبالغة القول إن السبب الحقيقي في تشكل حزب الله وتسلحه وتغوله وانفلاته واستقلاله باتخاذ قرار الحرب والسلم بدلا عن اللبنانيين جميعا ً هو هذه التركيبة القاتلة ؟ هل من التجديف القول إنه من الطبيعي للغاية أن يلجأ تيار المستقبل السني لطلب الحماية من السعودية وأن يلجأ حزب الله الشيعي لطلب الحماية من إيران وأن يلجأ المسيحي الماروني لطلب الحماية من فرنسا ؟ كيف نريد لهم أن لا يفعلوا ذلك وتركيبة البلد تحضهم وتدفعهم دفعاً لذلك بعيداً عن أي تكريس لمفاهيم الدولة المعاصرة الحديثة؟ لا بل كيف لا نريد للفساد أن يتحكم ويستشري إذا كان الجميع يسعى لمصلحة طائفته أولاً وآخراً بعيداً عن الانتماء لمصلحة الوطن اللبناني الجامع الموحد؟ كلهم يتغنى بحب لبنان والعلا والعلم وكلهم يطعن لبنان في صميم أوليات إمكانية حياته واستمراره. في الحقيقة ليس مستغرباً أن ينقسم لبنان ويتشظى ويتلاشى بل المستغرب تماماً أنه مازال حياً حتى الآن!
لا تتسرعوا بإلقاء اللوم على نترات الأمونيوم واتهامها بالتسبب بانفجار العنبر 12 الذي أدى لهذا المشهد البيروتي الدامي المريع. أرجوكم أن لا تتسرعوا بإلقاء اللوم على النترات أو النتريت ولا على أسرة النتراتات كلها وأولاد عمومتها وخؤولتها... فما هي إلا جزء صغير من المادة المجتمعية المتفجرة التي يقبع عليها لبنان اليوم والتي ما فتئت ولن تفتئ تتحرك وتتململ مولدة الانفجار تلو الآخر. وإن هو إلا موت متسلسل متتالي مستمر ما لم يعي اللبناني خطورة الأمر الفادحة وينتفض على أسياد الطوائف ليقلعهم جميعاً مفسحاً المجال لوجه لبنان الجميل أن يرى النور ... من جديد !



#نزار_حمود (هاشتاغ)       Nezar_Hammoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأوهام القاتلة ! الوهم الأول : أمة عربية واحدة
- كابوس
- عتَه الإسلام السياسي
- الإسلاموفوبيا في العيون الكيبيكية ...
- نقاط على خارطة الخلاص
- المعركة ... بالألف واللام
- في فقه المعصية
- أن نعترف ...
- إيلان لن يستيقظ ...
- أن تكون طائفيا ً !
- أنا أتهم
- هكذا تكلم فيكتور هيجو ... (في الشأن السوري)
- إنهم يقتلون الشارلي !
- رسالة مفتوحة إلى العالم الإسلامي
- لماذا يخافون منا ؟ البتروإسلاموفوبيا !
- محاكمة السلاح !
- في رثاء أنسي الحاج ...
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 5
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 4
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 3 - الجزء الثاني


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نزار حمود - نترات، نتريت، نتراتات !