أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نزار حمود - هكذا تكلم فيكتور هيجو ... (في الشأن السوري)















المزيد.....



هكذا تكلم فيكتور هيجو ... (في الشأن السوري)


نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)


الحوار المتمدن-العدد: 4781 - 2015 / 4 / 18 - 10:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هكذا تكلم فيكتور هيجو ...
(في الشأن السوري)

بيَّنت الأحداث الدامية التي ما فتئت تتوالى فصولا ً على الأرض السورية أن أسباب المأساة أعمق بكثير مما كان السوريين جميعا ً يتوقعون ويحتسبون. ما كان قد انطلق ثورة ً ضد الظلم والطغيان تحول بسرعة كبيرة نسبيا ً إلى حرب ٍ أهليةٍ طائفيةٍ دينيةٍ عبثيةٍ مدمرةٍ على كل الأصعدة... وباتت سوريا مسرحا ً لتصفية الحسابات يقتتل فيه الجميع مع الجميع.
صحيح ٌ أن العديد... بل ربما كل القوى الإقليمية والعالمية كانت تنتظر هذه الفرصة كي تنقض على سوريا... وفقا ً لما يحب أن يسمعه أصحاب نظرية المؤامرة العالمية (!)... إلا أن قوى العالم بأجمعه ما كان لها أن تنجح في ما وصل إليه الحال لو لم يكن هناك إشكال كبير كامن في المياه المجتمعية السورية العميقة الباردة صعبة التغيير والتحريك.
لقد انتفض الشعب السوري للخلاص من ظلم دولته وقهرها، وإذا به يتفاجأ فور ظهور أول علائم ضعف النظام ووهنه بظهور عملاق ظالم آخر... يريد أن يعود به إلى عصر النبوة المحمدية بحرفيته وممارساته وإشكالياته... ما أدى في النهاية إلى وأد الثورة وضياع أحلام شبابها وناشطيها ما بين نظام متطرف قاتل لا يرحم وقوى إسلاموية متطرفة قاتلة / متقاتلة لا ترحم. وبات الإنسان السوري الراكض وراء حلم الوطن العادل للجميع... محصورا ً بين مطرقة الظلم وسندان الظلام... أو ربما كان الأصح أن أقول... بين وباء الكوليرا وجائحة الطاعون. لقد كان طرح مسألة الخلافة من قبل الديناصورات الإٍسلاموية اللاحمة التي ركبت موجة الثورة وكفـَّرَت كل القوى الوطنية العاملة على الأرض السورية (سلمية كانت أم غير سلمية)... العامل َ الأساس في تخريب ونخر جسم الثورة ومن ثم تصدُّعِ هذا الجسم وانهياره وتحول حراكه إلى الحرب الأهلية العبثية المذكورة أعلاه.
لقد تكلم العديد من الكتاب الوطنيين الغيورين، السوريين وغير السوريين، حول ضرورة وحتمية فصل الدين عن السياسة نظرا ً لكون الأول أمراً لاهوتياً غيبياً ميتافزيقياً يعتمد على مقولة الإيمان بالمقدس غير القابل للتعديل والمناقشة... الذي يستحيل إخضاعه لمبدأ التجريب والخطأ والصواب... بينما الآخر أمرٌ دنيوي بحت... خاضع للتصحيح والتصويب والتجريب والتطوير وفقا ً لمقتضيات العصر وأخلاقياته وممارساته المحكومة بالجغرافيا السياسية ومصالح الدول المتغيرة والمتبدلة بشكل دائم.
ولا يشكل العرب حالة ً استثنائية ً على صعيد هذه الثنائية الدامية الدينية / الدنيوية... فلقد خاضت المجتمعات الغربية تجارب مشابهة نوعا ً ما لما نعيشه اليوم في عالمنا العربي. الفارق يكمن في أن الدول الغربية حسمت، ومنذ زمن طويل للغاية، هذا الصراع الفكري الوجودي... لصالح الديني والدنيوي معاً... من خلال الفصل بينهما بترك الشأن الديني اللاهوتي للمؤسسة الكنسية وترك الشأن السياسي للمؤسسات المدنية الحكومية الرسمية.
بين الأسماء الغربية اللامعة الهامة التي تكلمت في هذا الشأن... يبرز اسم فيكتور هيجو (1802 - 1885) الذي ناضل من أجل تحقيق هدف علمنة الدولة الفرنسية وضرورة إبعاد الكنيسة عن نظام التعليم في المدارس الفرنسية. وقد وقعتُ مؤخراً على نصِّ مداخلة هامة للغاية ألقاها فيكتور هيجو أمام الجمعية الوطنية الفرنسية أثناء مناقشة قانون "فالو" وزير التعليم العام الفرنسي في الجمهورية الفرنسية الثانية.
أعتقد أن ترجمة كامل هذا النص إلى اللـغة العربية مسألة عالية الأهمية تتيح للقارئ العربي الاطلاع على واحدة من أثمن التجارب العالمية في هذا الشأن، علَّه يهتدي بها ويتفادى الوقوع في وهم ما يطالب به المتطرفون الدينيون، مُـلاك الحقيقة المطلقة.
أما أوجُهُ الشبه بين الحالة الفرنسية والحالة السورية (العربية عموما ً) اليوم فعلى من يود أن يراها أن يستبدل كلمة "الكنيسة" التي تتردد في المقال بكلمة "الجامع"... كما يكفي أن نستبدل حزب الكهنوت، أو الحزب الديني ... باسم الأخوان المسلمين أو أي جهة إسلاموية سياسية مشابهة.
لكنْ، وقبل البدء بقراءة ترجمة النص الكامل لمداخلة فيكتور هيجو هذه، أشدِّد على ضرورة البدء بالمقدمة التي كتبها محرر الدار التي نشرت أعمال فيكتور هيجو الكاملة في العام 1882 ...
تقول هذه المقدمة ما يلي :
"لقد استطاع الحزب الكاثوليكي الفرنسي أن يحصل من السيد لويس بونابرت (أول رئيس للجمهورية الفرنسية الثانية) على تكليف السيد دو فاللو بوزارة التعليم العام. وما إن التأم المجلس التشريعي الذي فاز فيه هذا الحزب "السلفي" بالأغلبية... حتى طرح السيد فاللو مشروع قانون التعليم العام الذي يمنح، تحت حجة تنظيم حرية التعليم، صلاحية مطلقة للكهنوت الكنسي للتحكم بعملية التعليم. لقد تم إعداد هذا المشروع من قِبل لجنة فوق برلمانية ذات أغلبية كاثوليكية عيَّنتها الحكومة. وقامت لجنة برلمانية أخرى لاحقاً بصياغة بنود مشروع القانون الجديد على نحوٍ يزيل التعليم العلماني تدريجياً من المدارس لصالح التعليم الكاثوليكي الديني.
لقد فتح النقاش حول المبدأ العام للقانون في الرابع عشر من كانون الثاني / جانفييه 1850.
- شغل خطاب السيد المفـَّوهْ بارثليمي سانت إيلير الجلسة الأولى بكاملها ونصف الجلسة الثانية التي جرت في اليوم التالي.
- بعد السيد سانت إيلير جاء دور السيد باريسي، أسقف لانغر الذي أبدى تأييده لمشروع القانون المقترح مع شيء من التحفظ والتعديل.
وأجاب السيد فيكتور هيجو على طروحات ممثل الحزب الكاثوليكي.
جدير بالملاحظة أن مصطلح "حق الطفل" كان قد ظهر لأول مرة في هذا الخطاب".



خطاب فيكتور هيجو
أثناء جلسة مناقشة مشروع قانون التعليم
15 كانون الثاني - جانفييه 1850

السيد الرئيس: الكلمة الآن للسيد فيكتور هيجو... وهي ضد المشروع.
السيد فيكتور هيجو: أيها السادة. لقد تأخر الوقت، سأحاول أن أقول ما أريد قوله بأكثر ما يمكن من الاختصار. علماً بأني أعتقد أن المجلس سيرغب في أن يعطيني كل الوقت الكافي لشرح أفكاري المتعلقة بهذا السؤال البالغ الأهمية. غير أني سأختصر... (نعم ! نعم ! تكلم !)
أيها السادة... عندما يـُطرح للنقاش أمرٌ هام ٌ للغاية يمس صلب مستقبل البلد... لا بد لنا من أن نذهب مباشرة وبدون أي تردد إلى جوهر الموضوع. سأبدأ بأن أقول ما أريد... وسأقول لاحقاً ما لا أريد.
أعتقد أن الهدف بعيد، بدون شك، وصعب التحقيق... لكن ما لا بد من التعرض له في موضوع التعليم: التعليم المجاني والإلزامي.
(همهمة تعجُّب شديدة من جهة اليمين)
(ممتاز... جيد جداً... من جهة اليسار)
السيد فيكتور هيجو: التعليم المجاني والإلزامي. إجباري في المرحلة الأولى - الابتدائية و مجاني في كل المراحل.
(استحسان... وقبول من جهة اليسار)
التعليم الابتدائي الإلزامي... هو وبدون شك حق للطفل يكتسي أهمية ً وقدسية ً أكبر من حق الأب... و يكاد يكون بمنزلة حق من حقوق الدولة.
إذا ً هذا هو الهدف الذي أعتقد أنه لا بد من مواجهته عاجلا ً أم آجلا ً. إن التعليم المجاني ضمن الحدود التي أتيتُ لتوّي على ذكرها: مشروع ضخم للتعليم المجاني تنفِق عليه الدولة وتـُديره. يبدأ من مدرسة القرية بصعود تدريجي حتى التجهيز الفرنسي (كوليج دو فرانس)... وأكثر... أي وصولاً إلى المعهد الفرنسي. لا بد من أن تكون أبواب العلم مشرعة أمام كل العقول الشابة الذكية.
(موافقة حارة من جهة اليسار).
فلنوجد الكتب... حيث توجد العقول... أينما كانت! يجب ألا يبقى أي تجمع سكاني صغير بدون مدرسة! يجب ألا تبقى أية مدينة بدون تجهيز! يجب ألا يبقى أي مركز ناحية بدون كلية علمية. إنها منظومة كبيرة... أو ربما كان من الأفضل أن أقول: شبكة كبيرة من ورشات العمل الفكرية المؤلفة من مدارس وكليات وتجهيز ومنابر دراسية ومكتبات... (ضحك وسخرية من اليمين والوسط ، وتأييد من اليسار) نعم... مدارس وكليات وتجهيز ومنابر دراسية ومكتبات...
(نعم!... نعم! ـ من جهة اليسار، وضحك من جهة اليمين).
(أصوات ترتفع من جهة اليسار تطالب الرئيس بأن يمنع مقاطعة الخطيب).
السيد الرئيس: هل تريدون أن أمنعكم من التصفيق؟ أنتم، يا من يقاطع الخطيب بالتصفيق.
السيد فيكتور هيجو: أود أن ألفت انتباه هذه الجهة من المجلس (جهة اليمين) إلى أن هناك مقاطعة منهجية خطيرة تجري الآن وهي محاولة واضحة لمنع الخطيب من الكلام قبل أن يتم شرح وجهة نظره.
(من اليمين: لكنهم أصدقاؤك من يقاطعونك بتصفيقهم...)
السيد فيكتور هيجو: لقد أشرت إلى الهدف الذي يجب أن نصل إليه. وأضيف أن على فرنسا كلها أن تكون منظومة كبيرة... أو شبكة كبيرة من ورشات العمل الفكرية قوامها مدارس وكليات وتجهيز ومنابر دراسية ومكتبات... تبعث وتشجِّع المواهب وتوقظ العقول. بكلمة واحدة... أريد أن تضع الدولة سلالم العلوم في التجمعات السكانية الأكثر ظلمة وظلاماً وأن تصل هذه السلالمُ إلى النور. أريد أن يتوقف الجهل وأن يتواصل قلب الشعب مع العقل الفرنسي (موافقة من اليسار وتعجب ساخر من جهة اليمين). هذا هو فهمي للتعليم.
أكرر... هذا هو الهدف البعيد. إنّما، لا تخافوا... ولا تضطربوا... فأنتم بعيدون من أن تصلوا إليه. إن حل هذه المعضلة يتطلب ميزانية ضخمة، كما هو حال كل المشكلات الاجتماعية في عصرنا الراهن. ولكن لا بد لي من تحديد هذا الهدف كي نعرف وجهتنا الرئيسة. للأسف، لولا تأخر الوقت... لكنت تكلمت عن وجهات النظر العديدة المتعلقة به، ولوجد من يقاطعني الآن نفسه مضطراً لأن يتوقف ويتأمل ضخامة هذا المشروع / الهدف الوطني الكبير.
(تكلم! تكلم! من كل الجهات...)
السيد فيكتور هيجو: أريد أن أختصر وقت المجلس... (تكلم! تكلم!). سأختصر الموضوع وأتناوله أولاً ومباشرة ً من خلال حقيقته الإيجابية الحالية. سأتناوله من حيث هو اليوم. من حيث وصل مدفوعاً بمجريات الأحداث... وإرادة العقل المجتمعي.
من هذه الزاوية الضيقة، ولكن العملية، أريد... وهذا ما أعلنه على الملأ... حرية َ التعليم. لكني أريد في نفس الوقت... رقابة حكومية. ونظراً لأني أريد أن تكون هذه الرقابة فعالة... فأنا أريد أن تكون الدولة علمانية. أريدها أن تكون دولة ً علمانية ً صرفة... دولة ً علماينة نقية... لقد قالها السيد المحترم غويزو قبلي في الاجتماعات السابقة: الدولة، فيما يخص التعليم، ليست ولا تستطيع إلا أن تكون علمانية. أريد إذاً أن تكون حرية التعليم تحت رقابة الدولة. وكي أشخصن الدولة بشكل واضح جلي لا لَبْس فيه فيما يخص هذه الرقابة الحساسة والصعبة للغاية التي تتطلب توحيد كل القوى الفاعلة في البلاد، أقول إني لا أقبل لهذه المهمة إلا الرجال المهنيين الكفوئين الذين لا مصلحة لهم ... دينية كانت أم سياسية... سوى مصلحة الوطن والوحدة الوطنية.
(من اليسار... تماماً... جيد جدا ً!)
السيد فيكتور هيجو: أعني بكلامي... أني لن أسمح بدخول الأساقفة ولا مندوبي الأساقفة... في مجلس الرقابة الأعلى أو في المجالس الفرعية ...
(موافقة من جهة اليسار)
أريد أن أحافظ على الفصل القديم والمعافى بين الكنيسة والدولة. هذا الفصل الذي يشكل خلاصة فكر وحكمة أجدادنا، وذلك لضمان مصلحة الكنيسة والدولة على حد سواء.
أيها السادة... لقد ذكرت لكم لتوِّي ما أريد. وإليكم الآن ما لا أريد.
لا أريد اعتماد مشروع القانون المطروح أمامكم. لماذا؟ لأن هذا القانون سلاح.
في الواقع... لا معنى للسلاح بحد ذاته. يصبح للسلاح معنى تبعاً لليد التي تحمله. إذاً... مَن هي اليد التي ستحمل هذا السلاح؟ هنا يكمن جوهر الموضوع. إنها يد الحزب الكهنوتي.
(تململٌ، من جهة اليمين)، (هذه هي الحقيقة، من جهة اليسار)
السيد فيكتور هيجو: إني أخاف هذه اليد. إني أريد أن أحطم هذا السلاح. أنا أرفض هذا القانون.
أدخلُ الآن في صلب النقاش. وسأشير، فوراً وبدون تردد، إلى الاعتراض الذي وجـِه لنا... نحن المعارضين الذين لهم نفس موقفي.
يقولون لنا، وهذا هو الاعتراض الوحيد الذي تبدو عليه ملامح الخطورة والجدية، يقولون لنا: تريدون استبعاد الكهنوت من مجلس رقابة الدولة: أنتم إذاً تسعون لمنع التعليم الديني؟
اسمحوا لي أن أشرح نفسي، أيها السادة. إنني لا أريد أبداً أن أمنع التعليم الديني. اسمعوني جيداً. فأنا أعتقد أننا بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، لهذا التعليم (علامات موافقة من جهة اليمين). كلما تطور الإنسان ازدادت حاجته للإيمان. هناك إشكال حقيقي في حياتنا اليوم. هناك توجه عام لتلخيص معنى الوجود وتعريفه من خلال الحياة الدنيا وحسب. من هو المذنب في ذلك؟ الكل يتقاذف الذنب. وأنا لن أوجه الاتهام لأحد.
عندما نختصرأسباب الوجود كلها في هذه الحياة المادية الدنيا... نقوم بمضاعفة عذابات الناس، وذلك بسبب نفي وجود الحياة الأخرى ما بعد الموت. إننا نضيف للمعذبين على الأرض عذابات جديدة تتمثل في فكرة العدم، ونقوم بتحويل العذاب البشري الموصوف في كلام الله... إلى يأس مطلق.
(أحسنت!)
(أصوات متفرقة. كلام جميل... كلام صحيح...)
السيد فيكتور هيجو: من هنا جاءت التشنجات الاجتماعية التي نعرفها. أيها السادة... إني وبالتأكيد أنتمي لهؤلاء الذين يريدون، ولا أحد في هذه القاعة يشك في ذلك، أنا من هؤلاء الذين يريدون... بكل صدق... لا بل إن كلمة صدق هنا ضعيفة لا تعبر عن الحال... أنا أريد وبحماسة فوق الوصف، وبكل الوسائل المتاحة، أن أحسِّن الواقع الملموس المحسوس لكل من يعاني في هذه الحياة. لكني لا أنسى أن التحسين الأهم يأتي من خلال منحِهم الأمل (علامات رضا عامة في القاعة). كم تصغر المآسي المحدودة والمنتهية عندما تختلط بالأمل اللا محدود واللانهائي!
إنه لمن واجبنا جميعاً، مشرعين وأساقفة، كهنة وكتّاباً، صحفيين وفلاسفة، من واجبنا جميعاً أن ننشر وأن نعطي وأن نـَهـِبَ بكل الأشكال المتاحة... من خلال كل الطاقات الاجتماعية... كي نصارع ونقضي على البؤس والشقاء، وفي نفس الوقت أن نجعل الرؤوس كلها ترتفع نحو السـماء (صيحات استحسان حارة وعديدة). من واجبنا أن نوجِّه كل الناس... أن نوجِّه أنظارنا نحو الحياة الآخرة التي ستتحقق فيها العدالة... وتعطى للجميع... (صيحات استحسان جديدة) ...
فلنقلْ ذلك وبصوتٍ عالٍ: لا يمكن أن يتعذب الإنسان بشكل ظالم وعبثي. إن الموت عملية تصويب وتصحيح وترميم لِما أفسدته الحياة. إذا كان قانون الحياة الدنيا هو التوازن... فقانون الحياة الآخرة هو العدالة (جيد جداً... جيد جداً...). إن الله موجود في نهاية كل شيء. يجب ألا ننسى ذلك... وأن نعلِّمه للجميع. ليست الحياة جديرة بأن تــُعاش... لا بل هي لا تستحق أن تعاش إذا كان الموت يعني الفناء.
إن ما يخفف العذاب، ما يبرّر العمل، ما يجعل الإنسان طيباً، قوياً، حكيماً، صبوراً، جريئاً، عادلاً، متواضعاً وعظيماً في آن معاً، جديراً بالعقل والفكر والحرية... هو أن يمتلك الرؤية السرمدية لعالم أفضل يشع عبر ظلمات هذه الحياة الدنيا.
أما بالنسبة لي، أيها السادة... فأنا أؤمن إيماناً عميقاً بهذا العالم الأفضل في كل شيء. إني أعلن هنا على الملأ... إنها قناعتي الواعية المطلقة... التي تشكل في الوقت نفسه السعادة المطلقة لروحي (علامات استحسان متعددة)...
أريد إذاً وبصدق... لا بل أكثر من ذلك... أريد وبشدة... أن ينتشر التعليم الديني. ولكني أريد التعليم الديني الكنَسيّ وليس التعليم الديني الحزبي. أريده أن يكون صادقاً غير منافق. (استحسان من جهة اليسار). أريده أن يضع نصب عينيه السماء وليس الأرض. (علامات استحسان عامة).
لا أريد أن يجتاحَ هذا المنبرُ ذاك. لا أريد الخلط بين الأستاذ والأسقف. وإذا قبلت بذلك ووافقت عليه... فأنا... المـُشرع... لا بد لي من أن أراقب. سأجعل عين الدولة العلمانية (وأنا أصِرّ على علمانية الدولة...) تراقب كل المدارس الدينية وتجمعات التدريس. الدولة العلمانية الحريصة على وحدتها وعظمتها. وذلك حتى اليوم الذي أنتظره بكل جوارحي... اليوم الذي سنستطيع فيه المطالبة بحرية التعليم الكاملة... واسمحوا لي هنا أن أخرج قليلاً عن الموضوع. إذ أعتقد أن من المناسب هنا أن أوجه الانتباه لأمر قد يوضح الفكرة التي أتكلم عنها. فلو حصلت على ما أسميه التطور الطبيعي... التطور الزمني الطبيعي... تطور العقول الطبيعي... لو حصلت على ما كلمتكم عنه في بداية كلمتي... أي على التعليم المجاني على كل مستويات التعليم ... الإلزامي في المرحلة الابتدائية. لوضعت إلى جانب هذا التعليم الحكومي، إلى جانب هذا التعليم العظيم المجاني الذي أسهبت في وصفه لكم. الطبيعي... الفرنسي... المسيحي... الليبرالي... الذي يمنح للجميع، ودون أي مقابل، أفضلَ المدرسين وأفضل مناهج التدريس القادرة على الوصول إلى كل العقول بأشكالها وتلويناتها كافة. التعليم الذي سيستطيع حكماً... أن يربّي العملاق الوطني بالشكل الأفضل والأجمل. لو حصلت على كل هذا... لوضعت إلى جانبه حرية التعليم الكاملة، المطلقة. الحرية لكل المؤسسات التعليمية الخاصة. الحرية لكل مؤسسات التعليم الدينية اللاهوتية. إن الشرط الوحيد الذي سأفرضه... هو الخضوع لقوانين عامة تؤطّر كل الحريات المجتمعية الأخرى. عندها لن أكون قلقاً ومضطراً لفرض رقابة الدولة... لأني سأمنح مؤسسات التعليم الدعم الحكومي الكامل لمجانية التعليم.
إذاً... وبانتظار هذا اليوم العظيم... الذي نستطيع فيه تحقيق حرية التعليم المطلقة إلى جانب التعليم الحكومي المجاني... بانتظار ذلك اليوم... أريد أن أحافظ على التعليم الكنسي... إنّما داخل الكنيسة وليس خارج جدرانها.
سأعمل على إقرار أن يراقب رجالُ الدين... التعليمَ الكنَسي... باسم الدولة. أريد... وأكرِّر... وأختصر كل ذلك بكلمة واحدة... أريد ما كان آباؤنا يريدونه: أريد أن تبقى الكنيسة في مكانها، والدولة في مكانها.
(أصوات متفرقة من اليمين. من؟ آباؤنا ؟ أين حصل ذلك؟)
السيد فيكتور هيجو: وهكذا... يتوضح للمجلس سببُ رفضي لمشروع القانون هذا. سأنهي شرحي...
أيها السادة... إن مشروع القانون الذي بين أيديكم، القانون الذي طرحته اللجنة كما أسلفت للتوّ. إن هذا القانون هو أكثر من... أو أشد خطورة من... أي قانون سياسي آخر. إنه قانون استراتيجي. (همهمة في القاعة). لا أريد أن أوجه كلامي للسيد المحترم أسقف "لانغر"، ولا لأي شخص آخر ضمن هذا المجلس. إني أفضِّل أن أتوجه بكلامي إلى الجهة التي كتبت مشروع القانون هذا... أو على الأقل... أوحت به إلى هذا الحزب المنطفئ... والحارِّ المضطرم في آن معاً... أي إلى الحزب الكهنوتي (1). إني، في الحقيقة، لا أعرف إن كان هذا الحزب مشاركاً في الحكومة أو في المجلس، ولكني أشعر به في كل مكان (ضحك عام). وأنا متأكد من أنه سيسمعني، نظراً لتمتعه بسمع مرهف حساس (ضحكات من جديد).
أتوجه إذاً لحزب الكهنوت وأقول له: هذا القانون هو قانونكم. وأنا أتوجَّس منكم شرّاً. التعليم يعني البناء... وأنا أخشى مما تشيدون وتبنون. أنا لا أريد أن أعهد لكم بتعليم الشباب، بروح الأطفال، بتطور العقول الشابة الغضة في مرحلة التفتح على الحياة، بعقول الأجيال الجديدة التي ستشكل مستقبل فرنسا. لا أريد أن أعهد بمستقبل فرنسا إليكم. فأن أعهَد به إليكم يعني أن أسلِّمه لكم. (حركة في القاعة). إني لا أكتفي بمجرد أن تخْلُفَنا الأجيال القادمة... بل أنا من هؤلاء الذين يريدون أن تكون هذه الأجيال استمراراً لنا (حركة في القاعة).
لهذا السبب، يا رجال حزب الكهنوت... أنا لا أريد هيمنتكم ولا أنـفاَسَكم على هذه الأجيال. لا أريد أن أرى ما صنعه آباؤنا يتكسَّر على أياديكم. لا أريد أن يتحول ذلك المجد التليد إلى عارٍ كبير!
(استحسان كبير من جهة اليسار – وهمهمة استنكار من جهة اليمين).
إن قانونكم... قانون ٌ مـُـقَـنـَّع ٌ. يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر. (حركة في القاعة). إنه أفكار عبودية في لبوس الحرية. إنه يصادر تحت اسم العطاء (ضحك متواطئ من جهة اليسار). فأنا لا أريده. من جهة أخرى... إنها عادتكم التي خبِرناها فيكم جيداً. كم من مرة منحتُم السلاسل تحت اسم الحرية (ضحك من جهة اليسار). كلما قمتم بحظر شيء قلتم... إنما هذا عفو ورحمة (استحسان شديد من جهة اليسار).
بالمناسبة! وبالنسبة لهذه النقطة بالذات... أنا أتفق تماماً مع ما قاله السيد الفاضل أسقف لانغر. فأنا لا أخلط بينكم أبداً، بين الحزب الكهنوتي وبين الكنيسة... إني أعرف تماماً الفرقَ بين البلوط وبين نبات الدبق الطفيلي. أنتم طفيليات الكنيسة. أنتم مرض الكنيسة. (حركة وفوضى في القاعة).
نعم... أنتم مرض الكنيسة. إينياس عدو المسيح. أنتم لستم مؤمنين... بل أنتم متطيِّفون متحزِّبون متعصِّبون لدينٍ لا تفهمونه (استحسان من اليسار وصرخات استنكار من اليمين).
كفّوا عـن الخلط ما بين الكنيسة وبين مصالحكم واستراتيجياتكم وترتيباتكم ومذاهبكم وطموحاتكم الفردية. لا تطلقوا عليها اسم الأمّ - أمّكم... ثم تعاملوها كخادمة (تصفيق من جهة اليسار). وعلى وجه الخصوص... لا تظنوا أنكم تمثلونها (حركة في القاعة). ألا ترون كم ذبُلت منذ أن وصلتم إليها. إن تصرفاتكم تجعل الناس تنفضُّ عنكم وستجعلهم يكرهون الكنيسة في آخر المطاف. ارعوا يدكم عنها... هذه الأمّ الوقورة المبجَّلة في وحدتها، في تضحيتها، في تواضعها. هذه الصفات مجتمعةً تشكل عظَمَتَها. إنَّ وحدتها وعزلتها ستجلبان الناس إليها. فقوّتها في وقارها. وعظَمتها في تواضعها.
تتكلمون عن التعليم الديني؟ التعليم الديني الحقيقي... التعليم الديني الأعلى والأسمى الذي يجب أن نخرَّ أمامه ساجدين خاشعين؟ إنه راهبة البِرِّ والإحسان التي تعتني بمريض ميؤوس من علاجه. إنه أخ الرحمة الذي يشتري العبد. إنه فانسان دو بول (2) الذي آوى الطفل اللقيط. إنه أسقف مارسيليا وسط مرضى الطاعون. إنه مطران باريس عندما واجه، والابتسامة على وجهه، ضاحية سان أنتوان الثائرة المنتفضة رافعاً صليبه بيده في وجه الحرب الأهلية، غيرَ آبهٍ بالموت الذي كان محدقاً به. هذا هو التعليم الديني الحقيقي. (أحسنت ... أحسنت).
(أصوات من جهة اليمين: ولكن هذه بالذات هي ثمار التعليم الديني).
السيد فيكتور هيجو: هذا هو التعليم الديني الحقيقي، العميق، الفعّال، العالمي، الشعبي الذي... لحسن حظ البشرية والدين معاً... ما زال يجلب للدين المسيحي أعداداً من المؤمنين أكثر ممَّا تــُكرِّهون أنتم وتنفِّرون.
آه... إننا نعرفكم جيداً. نحن نعرف الحزب الكهنوتي. إنه حزب قديم ذو سجلِّ خدمات طويل. (ضحك من جهة الشمال). إنه ذاك الحزب الذي حمى بشدة ومنذ قرون... علانية ً وبحرص كبير أبوابَ الكنيسة. هو مَن أوجد للحقيقة دعامتَيها الرئيستين: الجهل والخطأ (همهمة من جهة اليمين). هو مَن يمنع العلم والعبقرية البشرية من الذهاب أبعد من كتاب القدّاس، هو مَن يريد زجَّ الفكر الحر في سجن العقيدة واللاهوت (همهمة من جديد). كل التقدم الذي حققته أوروبا... كان بمنأى... ورغماً عنه. إن تاريخه مدوَّنٌ في سجلّ تقدُّم البشرية... ولكن بالاتجاه المعاكس.
إنه ضد الجميع (همهمة). فهو مَن عاقب برينيللي لأنه قال بأن النجوم لن تسقط. وهو من حاكم كامبانيللا (3) سبعَ مرات لأنه تعرّض لموضوع الخلق وأكّد أن عدد العوالم غير محدود. هو مَن اضطهد هارفي (4) لأنه أثبت دوران الدم. وبأمر من يوشع قام بسجن غاليليه (5)، وبأمر من القديس بولص قام بسجن كريستوف كولومبوس (6). اكتشاف قانون السماء كفر بالنسبة له. واكتشاف العالم الجديد هرطقة بالنسبة له... هو الذي لعن باسكال (7) وطرده من رحمة الله باسم الدين مثلما لعن مونتين (8) باسم الأخلاق، وموليير (9) باسم الأخلاق والدين. نعم... نحن نعرفكم جيدا،ً أنتم يا مَن تطلقون على أنفسكم اسم الحزب الكاثوليكي، وأنتم الحزب اللاهوتي. منذ زمن طويل والضمير البشري يسألكم: ماذا تريدون مني؟ منذ زمن طويل وأنتم تحاولون تكميم العقل البشري ومنعه من الكلام.
(جيد جداً... جيد جداً... من جهة اليسار)
السيد فيكتور هيجو: ثمّ تريدون أن تكونوا أسياد التعليم! أنتم لا تقبلون الكاتب... والشاعر... والفيلسوف... والمفكر. أنتم ترفضون كل ما كُــتب أو استــُنتج أو اكتُشِف، تمنعون الحلم به أو تخيّله أو استلهامه أو اختراعه من قبل العباقرة، ثروة البشرية وتاريخها القديم للأجيال... إرث العقول المشترك. لو أن عقل البشرية متجسداً أمام عيونكم كان تحت تصرفكم، مفتوحا ً كصفحة بيضاء لكنتم قضيتم عليه، ولا شك. فلنكن واضحين! (ضحكات استحسان من جهة اليسار).
هاكم هذا المثال... هل ستنكرون... في هذه الجهة من المجلس ما سأقول (جهة اليمين)؟ وهل ستتلقونه بضحكات السخرية أيضاً؟ هناك كتابٌ يعدُّه الجميع قبَساً من نور... من صفحته الأولى إلى صفحته الأخيرة. كتاب ٌ يدعوه الناس في عباداتهم "الكتاب" أو الإنجيل. لقد طالت رقابتكم هذا الكتاب... أمرٌ لا يُصدَّق، أليس كذلك؟ هناك من بابوات الكنيسة من منع الكتاب المقدس!
(أصوات من جهة اليمين... هل ينتمي الباباوات لحزب الكهنوت أيضاً؟ لم يعودوا يمثلون الكنيسة؟)
السيد فيكتور هيجو: يا لَدهشة الأرواح الحكيمة... ويا لَهلع القلوب البسيطة... من أن تُدرِجَ روما الكتاب المقدس في قائمة كتبها المحرمة (علامات نفي واستنكار). ثم تعلنون لنا أنكم لا تخشون من التشويش على الإيمان! أنكم تريدون حرية التعليم... حرية أن تعلموا! فلنكن صُرَحاء: هل تريدون أن أقول لكم ما تريدونه فعلا ً؟ إنكم تريدون حرية عدم التعليم. (ضحك واستحسان من اليسار).
آه... حزب الكهنوت يريد... أنتم تريدون أن نسلِّمكم الشعوب لتربوها؟ حسناً... أنظروا أوّلاً إلى تلاميذكم... أنظروا إلى إنتاجكم.
(استنكار شديد من جهة اليمين)
السيد ديماريه: لكنك أنت من قال إنهم راهبات الرحمة وراهبات القديس فانسان دو بول.
السيد فيكتور هيجو: فلنرَ تلامذتكم... ماذا فعلتم بإيطاليا؟ ماذا فعلتم بإسبانيا؟ منذ قرون وأنتم تسيطرون... تربّون في مدارسكم... وتهيمنون على هاتين الأمتين... اللامعتين الكبيرتين. ماذا فعلتم بهما؟ سأقول لكم. بفضلكم... لم يعد بإمكان أي إنسان مفكِّر أن يذكر اسم إيطاليا من دون أن يشعر بألم موروث شديد. إيطاليا... أمّ القوميات والعبقريات. مانحة البشرية جمعاء روائع الشعر والفن. إيطاليا التي علمت البشر القراءة. إيطاليا هذه... لم تعد تعرف القراءة اليوم ! (استحسان من جهة اليسار).
نعم... من بين أمم أوروربا كلها... إيطاليا هي الأمة التي يوجد فيها أقل عدد من المواليد القادرين على القراءة.
إسبانيا... الموهوبة التي نالت أول حضارة من الرومان، وثاني حضارة من العرب. نالت العناية الإلهية. وبالرغم منكم... نالت العالم الجديد: أميركا. إسبانيا هذه خسرت بفضلكم... بفضل نير عبوديتكم، هذا النير الرجعي المتخلف... (استحسان من جهة اليسار). خسرت إسبانيا، بفضلكم، سرَ القدرة والبأس الذي اكتسبته من الرومان، ونبوغَ الفنون الذي نالتْه من العرب. خسرت هذا العالمَ الذي أعطاها اللهُ إيّاه. وعوِضاً عن كل ذلك... حصلت على محاكم التفتيش. (علامات استحسان شديدة من جهة اليسار)
التفتيش... نعم التفتيش... سأحدثكم عن التفتيش الذي يحاول البعض منكم إعادة إحيائه اليوم...
(استحسان من جهة اليسار ونفي واستنكار من جهة اليمين)
أصوات مختلفة من القاعة... هذا افتراء... نبّهوا المحاضر إلى ذلك... أيها السيد رئيس الجلسة.
السيد الرئيس: أخطأت بقولك "البعض منكم". بإمكانك مهاجمة الموالين في الخارج... وليس هنا. ليس بإمكانك رميُ أي من أعضاء المجلس باتهام من هذا النوع.
(ضحك سخرية من جهة اليسار)
السيد فيكتور هيجو: قلت إني أتوجه بكلامي إلى الحزب الكهنوتي عموماً. فهو المقصود بالكلام وليس بعض أعضاء هذا المجلس. إني أتوجَّه للحزب الكهنوتي لأنه يشكل خطراً عاماً على الجميع. لأنه يجتاحنا (من اليسار: هذا صحيح). أقول... وبإمكاننا أن نذكر لكم عناوين كتب حاول بعضكم من خلالها، يا رجال الحزب الكهنوتي، أن يعيدوا إحياء التفتيش. وأضيف أنهم حاولوا ذلك بحياء وحشمة أحيّيهم عليها (قهقهة من جهة اليسار).
- صوت من جهة اليمين: إنه افتراء آخر ملتقط ٌ من ماضي حلفائكم الجدد.
السيد فيكتور هيجو: نعم... لقد حاولوا إعادة إحياء محاكم التفتيش. التفتيتش الذي أودى بحياة خمسة ملايين إنسان بين ألسنة اللهب! (تعجُّب من جهة اليسار). إنه التاريخ من يقول ذلك وليس أنا...
- بضعة أصوات: إنه إنشاد ٌ فارغ ليس إلا... كلام بدون معنى أو مغزى.
السيد فيكتور هيجو: إنه التاريخ، أيها السادة! إذهبوا إلى المكتبة... إفتحوا أول كتاب تاريخ تصادفونه.
- السيد دو لارسي: نحن ندين محاكم التفتيش ونستنكرها بنفس الشدة التي ندين ونستنكر بها جرائم الثورة.
أصوات من جهة اليمين: نعم... نعم... نحن نستنكرها مثلكم تماماً.
السيد فيكتور هيجو: يا إلهي... أيها السادة... تريدون... أنا أريد مثلكم... حرية التعليم (هتاف من جهة اليمين) لكن أرجوكم أن تحرصوا أيضاً على حرية هذا المنبر (استحسان من جهة اليسار).
أكرر وأشدِّد على حقي بالقول... إن الحزب الكهنوتي هو المتهم. أكرر... إنه هو من أخضع إسبانيا لمحاكم التفتيش.
من اليمين: خروج عـن الموضوع !
السيد فيكتور هيجو : كما أني أكرر أن من حقي أن أشرح ما هي محاكم التفتيش
من اليمين... خروج عن الموضوع !
من اليسار... نعم... هذا هو الموضوع... تكلم !
السيد فيكتور هيجو: بإمكانكم أن تجدوا هذا التفصيل في مكتبتكم. لقد كانت محاكم التفتيش تحكم على الأطفال بالهرطقة حتى الجيل الثاني... بالدناءة وعدم المقدرة على القيام بأي عمل نبيل... إلا إذا أنكروا أهلهم ووَشوا بهم.
السيد دو لارسي: خروج عن الموضوع ! (تعجب من جهة اليسار)
من اليسار: إننا نريد أن نعيدكم إلى موضوع النقاش...
السيد فيكتور هيجو: هذا هو موضوع السؤال... ولا يحق لكم أن تُمْلوا عليَّ طريقتي في النقاش.
من جهة اليمين: ولكنْ لاعلاقة لهذا بموضوع القانون الذي نحن بصدد مناقشته؟
السيد دو لارسي: خروج عن الموضوع!
السيد فيكتور هيجو: سيد لارسي... أنت يا من تقاطعني... ما أقوله يقع في صلب الموضوع. محاكم التفتيش ما زالت قائمة حتى هذه اللحظة الراهنة التي أتكلم فيها. ففي مكتبة الفاتيكان... ما زالت مؤلفات غاليليه ممنوعة وموضوعة ضمن قائمة الكتب المحرَّمة (ضحك صاخب من جهة اليسار).
السيد دو لارسي: هذا لا يعني أن الأرض لا تدور... (قهقهة من جديد)
السيد فيكتور هيجو: هذا هو فهم الحزب الكهنوتي للتعليم.
كنت أقول... وها أنا أكرر... هذا هو ما نالته إسبانيا من الحزب الكهنوتي. بالطبع... ولكي تعوِّضوها عمّا أخذتم منها... أطلقتم عليها لقب "الكاثوليكية" (مقاطعات عديدة من جهة اليمين)
صوت: نحن لم نأخذ منها أي شيء.
السيد ديماريه: نحن لسنا هؤلاء الناس. إلى من تتكلم ؟
أحدهم يقول للمحاضر: تكلمْ بشكل عام... لا تحدد الكلام لأشخاص بعينهم في هذا المجلس.
من اليسار: قليلاً من النظام، يا من يقاطع الخطيب.
السيد الرئيس: ما مِن داعٍ لأن أذكر بالتزام القواعد... بل بالتزام موضوع النقاش.
من اليسار: الخطيب يتحدث في صلب الموضوع ولم يخرج عنه,
السيد فيكتور هيجو: لو لم تقطع المداخلات سلسلة أفكار الخطيب لرأيتم وبوضوح أن ما أقوله يقع في صلب موضوع النقاش. ماذا أريد أن أقول وأثبت؟ أن حزب الكهنوت أمسك بيديه... اثنتين من أهم الأمم على هذه الأرض... ثم... ماذا صنع بهما؟ لقد أطفأ الشعلة الإيطالية. وهذا العملاق الذي نسميه إسبانيا... لقد فخَّخه وفجَّره. الأولى تحولت إلى رماد، والثانية إلى حطام. هذا هو ما صنعه هذا الحزب بهاتين الأمتين الكبيرتين. حسناً... وماذا يريد أن يفعل بفرنسا؟ انتبهوا... إنه قادم من إيطاليا، وأنا معجب بما قام به هناك... لقد نجح في كمِّ وكبْحِ الشعب في روما. (استنكار من اليمين وصيحات نعم... نعم... من اليسار)
من اليمين: لا... لا
من اليسار : نعم... نعم
السيد فيكتور هيجو: نعم، أيها السادة في حزب الكهنوت. لقد كبحتمُ شعب روما. والآن تريدون كبْحَ الشعب الفرنسي. إنه أمرٌ مغرٍ، أليس كذلك؟ أتفق معكم في ذلك... لكن انتبهوا... لن يكون الأمر سهلاً...
صوت: تعرف جيداًً أن هذا مستحيل...
السيد فيكتور هيجو: علامَ تحقدون إذاً؟ سأقول لكم ذلك. أنت، أعضاء حزب الكهنوت، تحقدون على العقل البشري. لماذا؟ لأنه يجلب النور...
هل تريدون أن أخبركم عمّا يزعجكم؟ إنها هذه الكمية الهائلة من النور الحر التي تشعّ من فرنسا منذ ثلاثة قرون. نورٌ قائم على العقل. نورٌ ساطع اليوم أكثر من أي وقت مضى. نورٌ يجعل من الأمة الفرنسية أمة ً منيرة يستطيع كائن من كان رؤيةَ نورها على كل شعوب الأرض. نور فرنسا ونضارتها وحيويتها... هذا النور الحر المباشر. هذا النور الذي لا يأتي من روما... بل من الرب مباشرةً... هو ما تريدون اطفاءه. وهو بالذات ما نريد نحن الحفاظ عليه (استحسان من جهة اليسار وضحكات سخرية من جهة اليمين).
إنني أرفض قانونكم. أرفضه لأنه يصادر التعليم الابتدائي. لأنه يسيء للتعليم الثانوي ويَحطُّ من مستواه. لأنه يهبِط بمستوى العلوم. لأنه يـقزّم بلدي. أرفضه لأنني أنتمي لهؤلاء الناس الذين يشعرون بانقباض في صدورهم واحمرارٍ على جباههم في كل مرة تعاني فيها فرنسا من الصَّغـار والمهانة سواءٌ أكان ذلك على صعيد المساحة الجغرافية، كما حصل في معاهدة 1815 أو على صعيد العمق المعرفي والعلمي، كما هو الحال بالنسبة لقانونكم (تصفيق جديد من جهة اليسار).
السيد فيكتور هيجو: أيها السادة، في الختام... اسمحوا لي أن أوجه النصح للحزب الكهنوتي. للحزب الذي، أكرر، يجتاحنا... اسمحوا لي أن أتوجه إليه بنصيحة جادة.
بالتأكيد... ليست المهارة هي ما ينقص هذا الحزب. فهو عندما تساعده الظروف... يكون قوياً... قوياً جداً... لا بل... قوياً زيادة عن اللزوم. إنه يعرف كيف يجعل أية أمة في حالة مختلِطة مشوَشة يُرثى لها... ليست بالموت... ولكنها ليست بالحياة أيضاً... وهو يسمي ذلك: الإدارة أو الحكم ! إنه الحكم من خلال السُبات والتخدير...
من اليسار: صحيح... تماماً...
السيد فيكتور هيجو: لكن... فلينتبهوا... إنهم لن يستطيعوا فعل ذلك في فرنسا. إنه اللعب بالنار... أن يجعلوا فرنسا تشعر... مجرد شعور... أنها تَحيد عن قيمها و مبادئها: انتهاك السيادة... هتك الحريات... حظر العلم وحصره... إتلاف الكتب... استبدال الصحافة بموعظة يوم الأحد... ظلام العقول تحت عباءة رجال الدين... والعباقرة المقموعين من قبل الشمامسة ! (تصفيق حار من جهة اليسار، واستنكار من جهة اليمين).
عضو تحت المنصة مباشرة يصيح: العباءة ؟؟ هل الحزب الكهنوتي مجرد عباءات؟ إذاً، أنتم تهينون البابا نفسه... تهاجمون كل الكهنوت الكاثوليكي... (احتجاجات شديدة)...
السيد ليو دولابورد: أنتم تهينون الكهنوت الكاثوليكي بالكامل... هذا شيء ٌ مقزّز...
إلى اليسار: نظام، لو سمحتم... إلى الخطيب: هدوء لو سمحت...
السيد ليو دولابورد: أكرر... هذا أمرٌ مقزِّز. يجب أن نعتمد لغة الاحترام عندما نتحدث عن عباءات رجال الدين. (هدوء! هدوء!)
السيد فيكتور هيجو: من المؤكد أن الحزب الكهنوتي ماهر وقادر... لكنَّ هذا لا يمنعه من أن يكون ساذجاً. ماذا! إنه يخشى الاشتراكية ويرى مدَّها يتصاعد، حسبما يقول، وهو يواجه هذا المدَ المتصاعد بحواجز وموانع ممزَّقةٍ هشَّة! يرى المدَّ يتصاعد، ويعتقد أن خلاص فرنسا يكمن في العمل لإنقاذها من خلال الجمع ما بين الرياء المجتمعي والمقاومة المادية. ومن خلال ظنه أن بإمكانه تنصيب يسوعيٍّ (10) في كل مكان يغيب عنه رجال الدرك! (تصفيق متكرر من جهة اليسار، واستنكار على مقاعد الأغلبية)
صوت من جهة اليمين: إن هذا الكلام قمينٌ بأن يقال في مسرح الغامض - الهزلي(11).
السيد فيكتور هيجو: أكرِّر... فلينتبه... وليسمعِ النصيحة. إن القرن التاسع عشر يجري بعكس ما يشتهي. فليتخلَّ عن الرغبة في الهيمنة على هذه الحقبة المليئة بالفطرة الحداثية العميقة. فليعدِلْ عن ذلك... وإلأ فإنه لن يحصل إلا على الغضب. سيؤدي ذلك إلى ظهور ونموِّ جانبٍ هو الأكثر خطورة وخطراً في زمننا هذا، وستظهر نتائجه الرهيبة في كل مكان.
نعم، بهذه المنظومة التي ستُخرِج التعليم من غرفة المقدس... والحكومةَ من كرسيّ الاعتراف...
(استنكار شديد من جهة اليسار... هذا غير محتمل وغير مقبول! هدوء - هدوء!)
صوت من جهة اليمين: إذاً، أنت تهاجم الكنيسة الآن !
السيد دونجوا: إنها أفكار سقيمة قديمة... أفكار تعود لعشرين سنة خلت!
السيد الرئيس - متوجه ً إلى المحاضر: لكنكم باستعمال هذه التعابير تعرضون ليس فقط بالحزب الكهنوتي، بل بالدين بحد ذاته.
السيد بيدو: متوجهاً للمحاضر... فلتذهبْ إلى مسرح باب القديس مارتان.
(العديد من الأعضاء اليمينيين يقاطعون المحاضر بشدة تحت تصفيق حاد من اليساريين وصيحات هدوء - هدوء)
السيد دو دامبيير (من مكانه): أطلب أن نذكر المحاضر بالنظام(12) ... (هياج عام)
السيد ليو دو لابورد: لقد أهان طبقة كاملة من المواطنين.
من اليسار: لا تقاطعوا... هدوء...
السيد فيكتور هيجو: كنت أعتقد...
السيد دونجوا: لقد أهنت الديانة الكاثوليكية.
السيد الرئيس: إذا استمرَّيتما بالمقاطعة، أيها السيد ليو دولابورد والسيد دونجوا... فسوف أدعوكما لالتزام النظام ...
لقد وجهت للمحاضر التنبيه الملائم، على ما أعتقد، عندما قلت له إنه يستخدم تعابير خاصة بالشعائر وأنه يشن هجوماً غير مباشر على الشعائر والدين. إني طلبت منه أن يمتنع عن استخدام مثل هذه التعابير...
السيد ديماريه: فـليتراجعْ عمّا قاله !
السيد الرئيس: إن المجلس، على ما أرى، منقسم الآن بين معسكرين. نصفكم يصفق بينما الآخرون يستنكرون. هناك حل وسط ، كما أعتقد... أن نترك المحاضر يتكلم...
عضو: حافظوا على حرية هذا المنبر.
السيد الرئيس: حرية المنبر لها حدود. بالمقابل... ليس للتجاوزات حدود. يؤسفني أن أنبِّه كلا الجانبين إلى ذلك.
عضو من اليمين: ليس هناك تجاوزات من هذه الجهة !
السيد الرئيس: هناك تجاوز... لأن هناك ضجيجاً وضوضاء!
السيد فيكتور هيجو: ظننتُ أني قمت بالتمييز قي بداية كلمتي... وأن هذا التمييز كان مفهوماً من قبل المجلس.
من جهة اليمين: كفاك هذراً !
عضو: إنه تمييز مخادع منافق !
السيد فيكتور هيجو: كنت أظن أنني ميزت... وأنكم فهمتم تمييزي هذا. وأضيف أنكم صفقتم لكلامي... وسيؤكد ذلك كاتب الجلسة يوم غـد... (مقاطعة من جهة اليمين)
السيد الرئيس - متوجها ً لجهة اليمين: ترون جيداً أن الضجيج والفوضى تبدآن من هذه الجهة.
السيد فيكتور هيجو: سوف يلاحظ السيد الكاتب أنكم أنتم أيضاً قد صفقتم للتمييز الذي قمت به بين الدين والحزب الكهنوتي في بداية خطابي.
من اليمين: لا... لا...
السيد الرئيس - متوجها ً للخطيب: اقترب أكثر، لو سمحت، من موضوع القانون.
السيد فيكتور هيجو: هذا التمييز أو التفريق، أؤكد ولي الحق في ذلك، كان من خلال إغداقي عبارات التبجيل للكنيسة... أمّنا جميعاً... (همهمة من جهة اليمين).
السيد درويه - ديفو: كان من الأفضل أن تظهر شجاعتك وتهاجمها !
عضو: إنك تهينها بإطرائك لها !
السيد الرئيس – متوجهاً نحو اليمين: أنتم تستخدمون لغة َ خصومكم. أنتم تهينون الخطيب بمصطلحاتكم.
(بلبلة – يغادر المجلسَ بضعةُ أعضاء من جهة أقصى اليمين)
السيد ليو دو لابورد: حتى اللحظة التي سيغادر بها هذه القاعة. لا نستطيع أن نترك أنفسنا نـُهان بهذا الشكل... (اعتراضات حادة من جهة اليسار)
السيد الرئيس: أرجوكم أن تلتزموا بالنظام. يا سيد دولابورد. ما هو الدور الذي تلعبونه هنا؟ أنت واقف منذ ربع سـاعة تقاطع... وتعظ الناس من حولك!
من جهة اليسار: ادعوه للنظام – وجِّهْ له تنبيهاً !
السيد الرئيس: لقد قام بذلك الخطيبُ بنفسه من خلال خروجه...
السيد فيكتور هيجو: أكرر... إن حزب الكهنوت خطرٌ على الصالح العام. إن هذا من حقي كمشرِّع. وفي اللحظة التي أجد فيها نفسي أمام مشروع قانون... يكون من حقي أن أفحص هذا القانون وهذا الحزب.
من اليسار: جيد جداً... جيد جداً...
السيد فيكتور هيجو: إذاً، أيها السادة... أؤكِّد على ما قلت. من خلال العقائد والنظام والتاريخ الذي ذكرت... فإن هذا الحزب، وحيثما وُجِد، لن يؤدي إلا إلى الثورات، وعليه أن يعرف ذلك جيداً. كالعادة... من أجل ان نتفادى توركيمادا(13) سيتوجب علينا أن نسقط في أحضان روبسبيير(14)! وفي هذا يكمن الخطر ... كل الخطر على الصعيد العام. (همهمة من جهة اليمين).
يا إلهي ... أيها السادة (يلتفت إلى جهة اليمين) هل أبدو لكم شخصاً مشكوكاً بنزاهته؟
عدة أصوات من جهة اليمين: نعم... نعم... مشبوه وبشدة ! (استنكار وضحك من جهة اليسار)
عضو: أنت مشبوه أكثر بكثير من جماعة الـمونتانيار(15)!
آه... أنا مشبوه بالنسبة لكم (نعم - نعم ... وبشدة) ... إذا ً استمعوا لهذا ... وسوف أختم حديثي عند هذه النقطة. لابد من الشرح ... أعتبر ذلك أمرا ً شخصيا ً بعض الشيء. آمل أنكم ستستمعوا لشرح ٍ أنتم طلبتموه وحرضتم عليه.
أنا مشبوه بالنسبة لكم ! (نعم... نعم...) وبماذا تشتبهون بي... ما هي الشبُهة أو الاتهام الذي توجهونه لي؟ في العام الماضي... ومن على هذا المنبر بالذات دافعت عن النظام المتهاوي... كما أدافع اليوم عن الحرية المهددة. (مقاطعة من جهة اليمين).
السيد الرئيس: ما هو البعد الشخصي فيما يقوله الخطيب؟ كفى بنا إلى هنا...
السيد فيكتور هيجو: كيف؟ لقد حرَضتموني على أن أشرح... والآن ترفضون الاستماع إليّ؟ (تكلم... تكلم...)
لقد دافعتُ عن النظام عندما كان في خطر في السنة الفائتة... مثلما أدافع اليوم عن الحرية المهددة... وكما سأدافع عن النظام غداً... إذا جاء الخطر من هذه الجهة.
ترونني مشبوهاً... وكلامي غير مفهوم ! هل يتوجب علي أن اذكركم بالحقائق؟ هل كانت تصرفاتي مشبوهة في 23 حزيران - جوان عندما كنت على الحواجز كي أمنع إراقة الدماء؟ (استنكار ومقاطعة من جهة اليمين)
السيد بوبان: نحن لا نتكلم عن هذا الأمر. نحن نتكلم عن العقائد الأخلاقية والدينية وليس عن أي شيء آخر.
السيد فيكتور هيجو: كيف يستطيع أيٌّ منكم في هذا المجلس أن يشكك بنزاهتي السياسية؟ أنا أحدّثكم حديث شرف... وليس لمجرد التحريك وإثارة البلبة. (همهمة من جهة اليمين)
ترونني مشبوهاً؟ (نعم... نعم...)
السيد الرئيس: ليس هناك صلة شخصية مباشرة. احتفظ ، يا سيدي، بمشاعرك الشخصية لك أنت وحدك. لقد أخطأت ولا شك... يا سيد هيجو... من خلال بعض التعابير التحريضية. لكنهم انتقموا منك فوراً وبقسوة. لم يكن هناك من داعٍ لتدخلي لأنهم اقتصّوا منك مباشرة بأنفسهم.
عضو من جهة اليمين: هذا لا يكفي من طرفكم، يا سيدي الرئيس !
السيد الرئيس: كنت أحب أن أراك مكانه... في الحوار... (ضحك عام)
السيد فيكتور هيجو: أيها السادة... لن أُلِحّ. فأنا من الناس الذين يسعدهم أنهم قدَّموا بعض الخدمات المغْفَلة لصالح النظام في الأوقات الصعبة التي مرت أخيراً. (همهمة من جديد من جهة اليمين)
عضو: أين ؟
السيد فيكتور هيجو: هل استطعتم نسيانها... هل نسيتموها؟ لن أذكِّركم بها... لكن من حقي أن أنطلق من هذا الماضي في هذه اللحظة التي أتكلم فيها.
عضو: لأنها غير موجودة.
السيد فيكتور هيجو: حسناً... استناداً على هذا الماضي الحديث سأقول لكم ما تحتاج فرنسا إليه، وَفقاً لما أؤمن وأعتقد. إن فرنسا بحاجة للنظام... لكن للنظام الحي... المتمثل بالتطور. ما يلزم فرنسا حقاً هو النظام... النظام الحقيقي الذي ينبع من التعليم... من النمو الطبيعي... المسالم... للشعب. إنه النظام الجاد... العميق... الذي يتجسد على صعيد الأفكار والتنفيذ من خلال الإشعاع - الانعتاق التام للعبقرية الوطنية. كل هذا هو على النقيض تماماً من قانونكم (استحسان من جهة اليسار).
لست الوحيد في هذا المجلس مَن يريد الحرية والانعتاق لهذا البلد النبيل ولا يريد الضغط والتوتر... يريد الحركة وليس الركود... القوةَ وليس التبعية الخانعة... العظمة وليس العدم... (استحسان جديد من جهة اليسار)
عدة أعضاء من جهة اليمين: ونحن أيضا ً نريد ذلك.
السيد فيكتور هيجو: ماذا ؟ هذه هي القوانين التي تجلبونها لنا! ماذا! أنتم أيها المشرعون... أيها الحكام، تريدون أن تتوقفوا... تريدون وقف تطور فرنسا. تريدون تحنيط الفكر البشري المبدع. إطفاء الشعلة الإلهية المتقدة... تريدون تحويل العقل إلى مجرد مادة... (استنكار من جهة اليمين). إذاً... أنتم لا تعرفونني... أنتم لا ترون عناصر ومكونات هذا الزمن الذي تعيشون فيه! إذاً، أنتم في عصركم هذا مجرَّدُ زوّارٍ غرباء... لا أكثر ولا أقل. كيف... أ في هذا العصر الكبير... المليء بالمستجدات والأحداث والإنجازات والاكتشافات... تريدون الجمود وإيقاف الزمن! في عصر الأمل تريدون زرع اليأس والإحباط؟ (استنكار جديد من جهة اليمين واستحسان من جهة اليسار)...
أتَرمون على الأرض... كرجال منهكين متعبين... المجدَ والعبقرية والفكر والذكاء والتقدم والمستقبل ثم تقولون: يكفي! لن نذهب أبعد من ذلك... فلنتوقف! (نفس التحركات في القاعة)
لكنكم، إذاً... لا ترون أن كل شيء يذهب... ويعود... يتحول... ينمو... يتغير ويتجدد حولكم وفوقكم وتحتكم! تريدون التوقف؟ تريدون إيقاف الأمة!!!!
(في المركز ومن جهة اليمين) لا... لا...
من جهة اليســار: بلى... بلى...
السيد سوبي: لكن اللجنة وجدت أن التعليم في المدارس الابتدائية العادية مرتفع المستوى جداً!
السيد فيكتور هيجو: حسناً... ها أنَذا أكرر لكم... بألم عميق... (همهمة من جهة اليمين)... أنا الذي يكره الانهيارات والكوارث... أنا الذي أثبتَ ذلك... أنبِّهكم بكل الأسى... (من اليمين... آه... آه...)
السيد فيكتور هيجو: إذا كنتم لا تريدون التقدم... ستحصلون وبدون أدنى شك... على الثورات !
يردُّ الربُّ على الناس عديمي الرؤية والأفق... الذين يتجرّؤون على القول بأن البشرية لن تتقدم... يردُّ عليهم بالزلازل والهزّات الأرضية.
إني أرفض مشروع القانون (استحسان وتصفيق من جهة اليسار)
السيد الرئيس: ترفع الجلسة إلى الغد...
======
(1)- الحزب الكهنوتي أو حزب رجال الدين (كليريكال). ـ المترجم
(2)- القديس فانسان دو بول (1581 - 1660): من أهم الوجوه الروحانية التي ظهرت في القرن السابع عشر. قس فرنسي. مؤسس تجمعات عملت على تخفيف آلام الناس وعذاباتهم المادية والروحية. ـ المترجم
(3)- توماسو كامبانيللا (1568 - 1639): راهب دومينياكني. فيلسوف وشاعر إيطالي له مؤلفات يتناول فيها علم الطبيعة. من أوائل رموز الاشتراكية الطوباوية التي تتمثل في كتابه الشهير "مدينة الشمس". اعتقلته الكنيسة مدة 27 سنة بتهمة الهرطقة، ثم أُطلقت سراحه. ـ المترجم
(4)- وليم هارفي (1578 - 1657): طبيب إنكليزي. مؤسس علم الأعضاء. مكتشف الدورة الدموية ووظيفة القلب كمضخة للدم. ـ المترجم.
(5)- غاليليه (1564 - 1642): عالم فلكي وفيلسوف وباحث إيطالي. قال بكروية الأرض ودورانها حول الشمس... حاربته الكنيسة لاعتقادها بأن كروية الأرض تخالف ما ورد في الكتاب المقدس، وأجبرته على إنكار صحّة ما توصل إليه في دراساته الرياضية. ـ المترجم
(6)- كريستوف كولومبوس (1451 - 1506): الرحالة الإيطالي المشهور، مكتشف العالم الجديد (أميركا).
(7)- بليز باسكال (1632 - 1662): فيزيائي ورياضي وفيلسوف فرنسي. هو من اخترع الآلة الحاسبة.
(8)- ميشيل دو مونتين (1533 - 1592): كاتب فرنسي من عصر النهضة. رائد فنِّ المقالة الحديثة في أوروبا.
(9)- جان باتيست بوكلان المشهور بلقب موليير (1622 - 1673): كاتب كوميدي مسرحي وشاعر فرنسي مشهور.
(10)- يسوعي: أحد أعضاء الجمعية اليسوعية "الجيزويت".
(11)- صالة مسرح باريسية قديمة تأسست في عام 1769
(12)- وردت هنا بمعنى تذكيره بأصول الخطاب... أو التوقف عن الكلام ...
(13)- توركيمادا (1420 - 1498): راهب إسباني دومينيكاني. كان أول محقق عام في محاكم التفتيش.
(14)- روبسبيير (1758 - 1794): محام فرنسي وزعيم سياسي دمَوي. مثال للإرهابيين العنفيين في الثورة الفرنسية. في غضون ستة أسابيع فقط قتل ستة آلاف شخص.
* المونتانيارد: جماعة سياسية يسارية تنتمي للثورة الفرنسية. كانت مناصرة للجمهورية ومناهضة لجماعة الجيروندين – بوردو.
======
Références :
• Site de l’assemblée nationale : http://www.assemblee-nationale.fr/histoire/victor_hugo/discours_fichiers/seance_ 15janvier1850.asp
• Œuvres complètes de Victor HUGO : Actes et paroles, avant l’exil, 1841 – 1851, J. HETZEL & Cie et A. QUANTIN, 1882. (disponible ici : http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k374560/f1.image.r=victor+hugo+libert%C3% A9+de+l%27enseignement.langFR



#نزار_حمود (هاشتاغ)       Nezar_Hammoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنهم يقتلون الشارلي !
- رسالة مفتوحة إلى العالم الإسلامي
- لماذا يخافون منا ؟ البتروإسلاموفوبيا !
- محاكمة السلاح !
- في رثاء أنسي الحاج ...
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 5
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 4
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 3 - الجزء الثاني
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 3 - الجزء الأول
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 2
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ...
- أن جنيف أو أن لا جنيف. هل هذا هو السؤال ؟
- الأقلية والأكثريات
- أما زال النصر ممكنا ً ؟
- سوريا بين مطرقة الظلم وسندان الظلام
- القبيلة ...
- الطائفية بين العَرَض ِ والمرض !
- صديقي الذكي !
- الضرب والتقسيم على الوتر السوري
- لعيون علي ...


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نزار حمود - هكذا تكلم فيكتور هيجو ... (في الشأن السوري)