أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - نزار حمود - رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 3 - الجزء الأول















المزيد.....



رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 3 - الجزء الأول


نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)


الحوار المتمدن-العدد: 4332 - 2014 / 1 / 11 - 05:25
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


الفصل الثالث


الظهيرة


البلوغ - عمر الشباب


الجزء الأول





ها أنت ذا على أبواب البكالوريا !

يصر أبوك، مستندا ً في ذلك على نصائح أمك، على أن تحصل على شهادة البكالوريا (ربما كانت هذه رغبة الاثنين معا ً!). إنه يصر على ذلك ولا ينفك يكرر طلبه في كل المناسبات.
ولا يشكل ذلك أمرا ً خاصا ً بسوريا ...
فالعديد من الدول الأخرى وبالأخص الناطقة بالفرنسية (سوريا كانت ناطقة بالفرنسية) تعمل بهذا النظام الذي اعتمده نابوليون بونابرت الذي لم يكن مجرد عسكري بارع بل وإداري من الطراز الرفيع أيضا ً.
على عتبة البكالوريا ... تجد نفسك كذلك وجها ً لوجه مع خفقات القلب الأولى التي ستؤثر على طبيعة ونوعية مشاعرك وتجعلك تدرك استحالة معرفة أسرار الأنثى تحت طائلة الإصابة بالعقابيل الخطيرة لذلك ... التي ستبقى معك ماحييت ... بخاصة جراء ماهــو ممنوع ومحرم ومسموح به مجتمعيا ً.
إذا ً ... ليس لك إلا أن تقبل بالحرمان وأن تتفرغ للدراسة ...

البكالوريا في سوريا ؟

إنها امتحان ٌ صعب ُ على كل الأصعدة وذو نتائج مصيرية.
تأخذ المجالات والاختصاصات التي ستفتح لك أبوابها تبعا ً لنتائج نجاحك في هذا الامتحان شكل "علب هدايا " مختلفة الجاذبية والآفاق.

يبدو هذا الأمر عادلا ً وجذابا ً ...

إلا أن العائق الأهم الذي يقف أمامك كالجدار الآن ... هو شعورك باستحالة تحقيق النتيجة المطلوبة ..
العلامة النهائية التامة "بعد استثناء علامة التربية الدينية" هي 240 / 240 !

ومع ذلك ... تجد العديد من التلاميذ، مثلك أنت تماما ً، يحصلون على هذه النتيجة الخارقة !

أتراه فيض ٌ من العباقرة ؟

هل هذا يعني أن كل هؤلاء الطلاب العباقرة الشبان ... مبدعين في كل المجالات !!!

ربما كان مقبولا ً أن تحصل على العلامة التامة في الرياضيات أو الكيمياء ...
لكن ... كيف الحصول على العلامة التامة في مواد مثل الأدب أوالتاريخ أو الفلسفة ؟
ذلك يعني أن سوريا تعج بالمبدعين الموهوبين الذي يعرفون كل شيء عن كل شيء ...
هذه النتائج تجعلني أضطرب وأشعر بالخوف ... مثلك تماما ً.

هنا نجد أنفسنا أمام سؤال لابد من طرحه : ترى ما مستقبل هؤلاء التلاميذ الخارقـين بعد البكالوريا ؟

هل سيحتلون مناصب مفتاحية في إدارة البلاد ؟
هل سيجدوا لأنفسهم مكانا ً في مراكز الإبداع والاختراع العالمية ؟
هل أثبتوا مكانتهم رفيعة المستوي في مجال الإبداع الفني أو الأدبي ... مايجعل نظرائهم في بقية دول العالم يتحسرون على أنفسهم ويغارون منهم ؟
الجواب هو لا صريحة للأسف ...

طبعا ً هذا لا يعني أبدا ً أن سوريا خالية من الذكاء والأذكياء فهي تعج بهم ككل دول العالم الأخرى ...

هذا يعني أمر واحد فقط ... وهو أن البكالوريا، التي كانت في يوم من الأيام تشكل جواز سفر وعـبور يسمح للطالب الذي يحمله بطرق أبواب المستقبل دون خوف من المجهول ... هذه البكالوريا فقدت دلالتها وقيمتها ... ولم تعد تعني أو تساوي شيئا ً.
الدليل ؟
معدل البطالة في البلاد (المعترف به رسميا ً) وصل إلى 19.1% بين الشباب مابين الـ 18 و الـ 24 سنة. إنهم يملأون المقاهي والمطاعم في كل مكان ...
في الحقيقة نحن نتكلم هنا عن معدل بطالة يصل حتى 30% وهو الرقم الفعلي للبطالة في سوريا

واحد من خمسة شبان لا بل ربما واحد من ثلاثة شبان ... عاطل ٌ عن العمل في سوريا
ترى ... هل تهتم الجامعات بما سيفعله طلابها بعد تخرجهم ؟
الجواب ... هو : لا !
علما ً بأن المقياس الوحيد الممكن القيام به لتقييم نوعية وجودة التعليم الجامعي هو مقدار نجاح الخريجين في الحياة العملية !
بكلام آخر ... هل يعمل الخريجون في مجال دراستهم الجامعية ؟
الجواب يأتي غامضا ً بعض الشيء : لا نعرف على وجه الدقة ...
كنت قد غامرت وسألت ُ، في يوم من الأيام، أحد َ العمداء في واحدة من أهم الجامعات السورية :
" هل تعرفون مامصير ُ طلابكم بعد انهاء الدراسة ؟ "

كان الجواب سريعا ً وواضحا ً : لا
كان جليا ً أن هذا السؤال لم يكن قد خطر على بال رجل العلم المهم هذا ...

عندما يصل الطالب إلى أحد الوظائف "المتخيلة أو المشتهاة" بعد إنهاء دراسته الجامعية سيفهم ولا بد ... أنه وكي يحصل على قوت يومه لابد له من أن يخسر حياته تائها ً ما بين ضغوط ومتطلباتها اليومية المتزايدة وبين واقعه الأليم واستيعابه أنه لا يصلح لعمل أي شيء مهما كانت شهادته التي يحملها !

إذا ً ... هناك غش وخداع في مكان ما !!!
تصل لسوق العمل ... شهادتك في جيبك ... ويرفضك المجتمع ؟
بهذه السرعة ؟
لماذا ؟
لإن هذا المجتمع ... وبشكل مشابه لكل المجتمعات الأخرى : قوي ٌ مع الضعفاء وضعيف ٌ مع الأقوياء. كما هو الحال مع منظومة العدل والقضاء في بلدك ... قوية ٌعلى الضعفاء وضعيفة ٌعلى الأقوياء ...

فلنتجنب التشاؤم ...
ولنأخذ أفضل ما يمكن أن يحدث لك : نجحت َ في البكالوريا. تقوم (أو لا تقوم) بدراسة جامعية عليا ثم تتوجه للعمل الذي يستهويك أكثر من غيره. تجده ... تحاول أن تثبت نفسك فيه ...
و ...
تنغمس في معمعة الحياة العملية السورية
لنفكر لوهلة بالتعريف الحقيقي لكلمة حرية العمل في سوريا

دون الدخول في الاعتبارات الفلسفية التي لن تساعد إلا في تعقيد الموضوع

تكتشف أن كل ما تتمنى تحقيقه " بحرية " خاضع لإملاءات علاقاتك وعلاقات أسرتك وللواسطة ...
(الأسرة والعشيرة والقبيلة ... كما كان يحلو لابن خلدون أن يقول!)

لابد من معرفة أن " الواسطة " موجودة في كل بلدان العالم ...وأنه لايوجد بلد خال منها ...
الواسطة موجودة في كل مكان ... كما الفساد
لكن الفارق يكمن في مدى " انتشارها " أي في نسبتها المئوية

لسوء حظ المسؤولين السوريين وكل الدول المشابهة :

هناك إحصائيات حول هذا الموضوع !

ولكن ... وبما أن هذا الأمر سيشوه سمعة البلد ...
(في واقع الأمر ... سمعة البلد لا تهمهم في شيء! مايهمهم هو سمعتهم ... سمعة الحزب. كيف لهم أن يقبلوا أن الحزب المستلم لمقاليد الحكم والسلطة منذ خمسين عاماً لم يستطع أن ينهي الفساد والرشوة والاغتيالات والممارسات المافيوزية ... مستحيل!)

يستحيل نشر مثل هذه الإحصائيات في سوريا!
وإذا نشرت مثل هذه المعلومات الخطيرة بمحض الصدفة ... فإن جواب أجهزة الدولة جاهز:

" كيف السبيل لمعرفة معدل الفساد الذي لايمكن إلا أن يكون سريا ً ... بطبيعته ؟؟

جوابهم المنطقي على ذلك ؟

" إن القوى الإمبريالية هي المسؤولة عن هذا النشر. القوى الإمبريالية هي المسؤولة عن هذه المؤامرة الدنيئة التي تهدف لزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد "

سيقولون لك إن الفساد غير موجود !
كما الواسطة ...أيضا ً... غير موجودة !
لكنك أنت من سيحكم ويصدق ... ماتراه عيناك كل يوم ... أم ماتقوله أجهزة الدولة الرسمية

ثم ... وبغض النظر عن كل ذلك ... سأعطيك هنا بعض الأرقام المعترف بها من قـِبَل :

منظمة الشفافية الدولية (منظمة غير حكومية)

إن معدل استشعار الفساد موجود فعلا ً لكن لابد من أخذ الحيطة عند قراءة نتائج قياساته. هناك هامش خطأ في هذه النتائج لكنها موثوقة وقابلة للتكرار. طريقة الحساب موجودة بالفعل وبالإمكان الرجوع إليها بسهولة.
يعمل هذا المقياس على إعطاء فكرة عن حالة الفساد في كل بلدان العالم.
والبلد الذي يهمنا أمره هنا هو سوريا !
سبع دول من أصل عشرة لديهم معامل فساد أقل من 5
الرقم عشرة يعني غياب طلب الرشوة
أما الرقم صفر فهو الفساد المنهجي التلقائي
سوريا ...
حصلت على 2 / 10
أما كوريا الجنوبية فقد حصلت على علامة ممتازة. كما لا بد وأنك خمنت ... أليس كذلك ؟

علامة طلب الرشوة قد تختلف عن علامة الفساد ...

هنا أيضا ً سوريا " والحمد لله " تحصل على نفس العلامة

لكن ...
لكنك تريد، وهذا من حقك، أن تنطلق في عالم العمل والإنتاج !

من واجب الوطن أن يؤمن لك حياة ً كريمة ً وناجحة في وسط ٍ يكون فيه مقياس النجاح الوحيد هو الكفاءة ... الشرط الأهم للنجاح في كل النشاطات البشرية.

للأسف

ليس هذا واقع الحال. بل على العكس من ذلك ... ستلاحظ أن

كل الشباب يطرقون أبواب الهجرة... لماذا ؟

لم كل هذا الإنكار والاستخفاف بالبلد الذي رباك وصنع منك ماأنت عليه اليوم؟ لماذا يسعى الجميع للحصول، وبأي ثمن، على جنسية غربية؟ في ظل الاحتقار الرسمي لهذه الدول الغربية؟
هل لأنهم يمثلون المستعمر القديم؟
هل لأن هذه الدول تمثل أولئك الذين سلبوا ونهبوا في الماضي !

الذين ساهموا بعد الرحيل عن بلادنا في خلق دولة إسرائيل (كما يقول مسؤولوا ووسائل إعلام النظام الحاكم).
كي يستمروا بنهبنا كما فعل الصليبيون في زمنهم ...
سرقوا ثرواتنا ...
واحتلوا أراضينا المقدسة ...
الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإنكلترا وكل الدول الأخرى ...

نحتقرهم لدرجة أن شبابنا لا يفكرون إلا بشيء واحد فقط ...
هو الرحيل والحصول على جنسيتهم: يالها من مفارقة ٌ عجيبة !

علاقة تجاذب ... ونفور

علاقة إعجاب وسحر وفتنة : لقد هلك آلاف الرجال والنساء والأطفال وهم يحاولون الوصول إلى الإلدورادو الغربي.
تاركين خلفهم لوحات وصور بمختلف الأحجام والوضعيات الفحولية الذكورية للرئيس المدافع عن الوطن. الرئيس المقاوم الصلب الشرس ...

ومعه كل حشو الدماغ المستديم والمعروف ... الثورة والصراع والعدو والأمة ... إلخ ... إلخ ...

لقد وصل بعضهم لتحقيق هدفهم بعد الكثير من التضحيات
بعض سعداء الحظ هؤلاء انخرطوا بحضارتهم الجديدة التي اختاروها. أسسوا أسرا ً جديدة لهم ونسوا الماضي

ولكن ... وهناك دائما ً ... لكن !
معظم هؤلاء المهاجرين لم يصل لتحقيق الهدف بحياة أفضل !
لم يستطيعوا أن يندمجوا وأن يتقبلوا حياتهم الجديدة ماجعلهم مشاريع خارجين عن القانون وماجعل أولادهم من الجيل الثاني أو حتى الثالث ينغمسون في عالم المخدرات والإتجار بالمخدرات والدعارة مع ما يتبع ذلك من ارتياد للسجون و ممارسة للعنف والموت أيضا ً ...

وهنا يظهر الإسلام من جديد على هيئة الشيوخ الملتحين المعممين الذين يقومون بحشد هؤلاء الشبان المنحرفين وتحريضهم ضد الغرب ... ضد المسيحي المعادي المنحط
المفتي (الشيخ)
يحولهم لمحاربين مستعدين للقتال حيثما يوجد جهاد ...

في واقع الأمر

يتحولون أعداء َ للبلد الذي استقبلهم وفتح لهم أبوابه: يريدون تدميره لأنه لم يتحول للدين الوحيد الحقيقي على الأرض : الإسلام !

يفقد بعض هؤلاء الصبر ويذهب لقتل " العدو " في عقر داره: مثلما حصل عندما ذبـُِح بريطاني في الشارع في بريطانيا " بلطف " أمام الكاميرات ومع الشرح المناسب لذلك !!!
ربما كان من المفيد هنا أن نتخيل، يا أخي الثائر السوري، ردة فعل الشعب السوري والسلطات السورية إذا حصلت مثل هذه الحادثة ولكن بشكل معاكس ... في سوريا.
فلنتخيل مثلا ً :
مهاجران مسيحيان يذبحان عسكريا ً سوريا ً مسلما ً أمام الكاميرات ... ومع الشرح المناسب لذلك !!!

بعض هؤلاء قادرين أيضا ً على إطلاق النار على الفرنسيين العاديين الذين ربما كانوا أيضا ً من أصل ... عربي !!!
ما يؤدي لأن ندخل من جديد في دوامة العنف المخجل لكل إنسان يحترم نفسه
مثال ٌ على ذلك ؟
أبو قتادة الذي يقود النضال على المسيحي واليهودي وهو يعيش ... في إنكلترا !!!
هو الذي لايريد، ولا بشكل من الأشكال، أن يمارس النضال في بلده الأم. فبعد سنتين من المحاكمة والاستماع للشهود ... تقرر إعادته إلى الأردن، بلد المنشأ " المسلم " إلا أن هذا الملتحي المعمم تجنب العودة إلى الأردن بأي ثمن من الأثمان. أمر ٌ غريب بالفعل ...
هنا نصل لقمة التناقض : إنكلترا ترضع من ثديها الأفعى التي تريد قتلها !!!
تستطيع أن ترى من خلال هذا المثال ... أن بإمكان مفهوم ومنطق العدالة في هذه الدول الغربية " المجرمة " أن ينتصر لقيمة الإنسان في وجه منطق الدولة ...

العدالة ... مجال ٌ آخر بحاجة شديدة للتحسين والتطوير في سوريا

(لا أعتقد أن سوريا تستطيع أن تقاوم إغراء إعدام أي عـدو لها واقع " في قبضتها " وعلى أقرب مشنقة)

ترى ... لماذا ترسخت علاقة الجذب والنفور / الحب والكراهية هذه في العقول ؟

ربما كان الجواب بسيطا ً:
لأن مشعل الحضارة البشرية بيد هؤلاء " الغربيين الشياطين "
لإنهم الأفضل في كل شيء ... وفي كل المجالات ...

مشعل بروميثيوس تحمله الأيادي الأمريكية ...

يشكل الغرب جزر َ أنوار، دول َ أنوار ٍ في بحر من الجهل والظلام المهيمن على العالم العربي وإفريقيا وبعض الأماكن الأخرى ...

الفضاء ... الطب ... الفلك ...
المشعل اليوم بيد الأمريكان ... إلا أن هذا لا يمكن إلا أن يكون مؤقتا ً كما لا يفتأ التاريخ يذكرنا.
لابد أنهم سيعطوه مستقبلا ً للآخرين ...
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي :

كيف نفسر عدم محافظة العرب على مشعل الحضارة ... هم الذين حملوه لنحو قرنين من الزمان على الرغم من الوعد الذي قطعه لهم الرسول العربي ...

وعـد ٌ خطير ٌ ومتكرر ٌ حتى الغثيان من قبل دعاة كل الأديان :

" أنتم خير أمة على الأرض !!؟ "

هنا تجد نفسك أنت السوري العادي ... أمام سؤال هام يحرق شفتيك ...

ماهو المجال الذي تميز وأبدع به العرب أو السوريون وأصبحوا الأفضل ؟

يا إلهي ...

مثال ٌ واحد ٌ يكون به العرب الأفضل ؟
منذ ألف عام : مثال ٌ واحد ٌ فقط ؟
نبحث ... دون جدوى !!!
أليس من المؤسف والمثير للغضب أن نلاحظ أنه :

على الرغم من اللغة العربية : أفضل لغة على الأرض، لغة القرآن.
على الرغم من القرآن نفسه : أفضل كتاب مقدس، كلام الله المقدس.
وعلى الرغم من تكاثر ونشاط الدعاة السنة والشيعة وسواهم

على الرغم من المظهر القاسي الخطير لـ " الرئيس - الملك " في بذته العسكرية
على الرغم من كل ذلك ... فإن المجال الوحيد الذي يتميز به السوريون والعرب بكونهم من الأوائل هو

الفساد والرشوة ...!

عدني يا صديقي العزيز أنك ستعود ولو للحظة واحدة لتصنيف الشفافية العالمية

هل تساءل أحد عن سبب الحصول على هذه المرتبة الأولى ... غير المشرفة ؟

يبدو شرعيا ً تماما ً أن نطرح السؤال التالي على السوريين الذين يمتلكون وطنا ً غنيا ً والذين يرددون دون هوادة أنهم شرفاء وأنهم موجودون على قمة هرم الأخلاق بفضل العروبة والإسلام :

ترى هل يسبب الفقر ُ الفساد َ أم أن العلاقة عكسية بحيث يحمل ُ تدني الأخلاق الفقر َ في طياته ؟

ربما يكمن الجواب (احتمال الجواب على هذا السؤال المهم) فيما يلي ...

سأجازف وأقترح عليك الجواب :

إن الفارق شاسع للغاية بين ماتعـلمتــَه في المدرسة والتجهيز العالي وبين الحياة العملية على أرض الواقع مايؤدي بالسوريين الشباب لأن ينكروا وبسرعة القيم التي تعلموها والتي لم يمارسوها البتة.

أعتقد أن ...

النزاهة المواطنية (أن تكون مواطنا ً نزيها ً، شريفا ً) مرتبطة ٌ مباشرة ً بالنمو الاقتصادي !

توجد سوريا اليوم في موقع لاتحسد عليه ... في حين تحتل كوريا الجنوبية واحدة من أعلى المراتب في العالم بالنسبة للنزاهة: رفض للرشوة وانخفاض هائل لمستوى الفساد.
تلتحق كوريا الجنوبية اليوم بمجموعة الدول المتقدمة الأولى فهي تنعم بالتقدم الاقتصادي والثروة مثلها في ذلك مثل كل الدول الغربية التي تقبع الدول الاسكندينافية على رأسها.

بلدك سوريا ... ليس فقير ولا متخلف !
إذا ً ... من أين يأتي كل هذا الفساد وتلك الرشوة ؟

يكمن أحد عناصر الجواب في مناهج التعليم و الأخلاق الفردية :

مرت على المنطقة موجات متعددة من المجاعات والاضطرابات الاجتماعية أصبحت فيها أعمال النهب والسلب " مقبولة ً " لا بل " ضرورية " للعيش والبقاء

أصبحت السرقة وسيلة ً مقبولة ً للتعيش والاسترزاق تماما ً كالتجارة والزراعة.

وهكذا تولد تراث ٌ اجتماعي ٌ متقبل ٌ للسرقة والفساد

الأمثلة على ذلك كثيرة جدا ً ومعروفة للسوريين جميعا ً

يتقدم الشاب بطلب يد الآنسة للزواج

فتطرح أسرتها السؤال المباشر :
دائما ً نفس السؤال :

" ما دخله ؟ "

الجواب يكون دائما ً بالشكل التالي :

" راتبه الشهري كذا ... لكنه يحصل على " إضافي " مقداره كذا ... "

يشكل هذا " الإضافي " مقياس النجاح مثل وظيفة الشاب المتقدم للزواج ... وهو أهم بمائة مرة على الأقل من نوع الدراسة أو الشهادة الجامعية التي يحملها.
وهكذا ... يتم قبول الرشوة كوسيلة أو كمردود مادي ! لا بل ربما كانت وسائل التكسب هذه ... هي الأهم لأنها تشكل دليلا ً على " شطارة " العريس الشاب وأب المستقبل. إنها الدليل على أنه قادر على " تدبر أموره " حتى لو لم يكن يمتلك المؤهلات المطلوبة للحصول على راتبه.

من جهة أخرى ... هناك غياب العدالة ... غياب العقاب لمن تطاول على القانون !

إن ممارسة العدالة في بلدك يا صديقي تضع موضع التطبيق الحكمة المشهورة التالية :

" تبعا ً لكونك ذو نفوذ أو معدم ... تـُبيض أحكام المحكمة صفحتك أو تجعلها سوداء قاتمة "

نعرف جميعا ً أن : " منطق الأقوى هو السائد !"

وأنه لاداعي للقلق إذا كنا " مدعومين " جيدا ً !!!

وهنا تأتي النقطة الثانية :
الذين غرقوا في الفساد الأخلاقي والذين لا يدينهم المجتمع السوري
هم الذين يتبوأون أهم المناصب في كل الفعاليات والتظاهرات بما فيها تلك التي تدين الفساد والرشوة!!!!
مما يؤدي لانقلاب منظومة القيم بالنسبة لما تعلمته في المدرسة

النقطة الثالثة تتمثل في تقديم المنظومة القيمية الأسرية والعشائرية وحتى القبلية الطائفية على سواها من القيم في المجتمع السوري المعاصر

من غير المفيد أبدا ً أن نثرثر في الشأن السوري دون ذكر ما يعيشه الشعب السوري في حياته اليومية

لا تستطيع إنجاز أي مشروع
لاتستطيع العمل
لاتستطيع القيام ... بأي شيء

دون أن تمتلك المفتاح السحري فائق الأهمية

الرشوة / الواسطة ... هي القوة التي تدفعك للأمام نحو تحقيق أهدافك بغض النظر عن امتلاكك للمؤهلات المطلوبة

وهنا نعود لما قلته لك في بداية هذه الرسالة المتواضعة ...

لا تضع الدولة السورية إلا القليل من الإمكانات المادية في خدمة مواطنيها منذ لحظة الولادة.
التنافس حاد ... لكن الكلمة الأخيرة لا تتعلق بمؤهلاتك و نزاهتك !
بل لعلاقاتك العامة وقدرة وموقع " الواسطة أو الرشوة " والأيادي البيضاء التي تظهرها لأسياد البلاد الحقيقيين : أجهزة الأمن المتعددة ذات التصرفات المافيوزية التي تهدف أولا ً وقبل كل شيء لإرهاب المواطن وإهانته وجعله قابلا ً للتطويع والتشكيل كعجينة الخباز المطواعة في يد الطاغـية وتراتبية سلالته العائلية.

إذا ً ... أحد وجوه المشكلة يكمن هنا : كل ماتعلمته في المدرسة حول الشرف والعدالة وحرية العمل والمساواة بين المواطنين والدقة في المواعـيد والعديد من الأمور المشابهة الأخرى ... يذهب هباء ً منثورا !
ثم تتعلم بسرعة كيف تكذب وتناور وتخادع ... وأن لا تحترم وعودك ... باختصار أن تصبح كالآخرين.

إذا لم تفعل ذلك ... ستخرج فورا ً من حلبة السباق وربما انتهي بك الأمر مسحوقا ً من قبل " الأذكياء - الشطار " ومدفوعا ً للعزلة محاطا ً بسخرية واحتقار أسرتك الخاصة التي ستلاحظ وبسرعة أنك لا تصلح لشيء ... لأنك غير قادر على النجاح في أي شيء ما قد يؤدي بك للتدمير الذاتي. وجميعنا يعرف أو شاهد بعض الأمثلة على ذلك !

إذا ً ... كل هذا يبدأ بالفساد ... بإحساس اللامسؤولية عندما نكون فاسدين (الكل فاسد ... والذي لا يسرق يعتبر أبلها ً). الرشوة تصبح تراثا ً وسرقة الأموال العامة تصبح قانونا ً ونهب المؤسسات الاجتماعية يصبح ثقافة ً ... باختصار يصبح كل ذلك قيمة محورية من قيم المجتمع.
من الأسفل إلى أعلى السلم الاجتماعي
بدءً من العامل والخادم وأستاذ المدرسة مرورا ً بصغار الكسبة وصولا ً إلى الذين بيدهم الحل والربط على صعيد البلد ككل.

الفساد والرشوة
الإرث الأول والأهم في سوريا

كي لا أضيع في متاهة كل ما يمكن انتقاده في سوريا ... سأحاول أن أكون منهجيا ً وأن أتعرض للمواضيع، الهامة برأيي، الواحد تلو الآخر. متأملا ً أن أستطيع تغطية أهم ما في الأمر، بأقل قدر من المساحة، وسترى بأم عينك أنك ستصطدم دوما ً بجدار ٍ من الأقاويل الفارغة المتعجرفة. جدار أولئك الذين يدعون التحضر فيما هم يصادرون أقدار ومقدرات بلد أكبر من كوريا الجنوبية بمرتين وتعداد سكانه أقل من كوريا الحنوبية بمرتين.
يقدر معدل الإنتاج الخام الداخلي الحالي لكوريا الجنوبية بـ 26500 دولار للفرد الواحد في السنة بينما يصل هذا المعدل لنحو 5000 دولار للفرد الواحد في السنة في سوريا. علما ً بأنه في ستينات القرن الماضي كان البـلدان يـُعتبران من الدول الأكثر فقرا ً وأن كوريا الجنوبية لا تمتلك النفط الذي تمتلكه سوريا !!!

إذا ً ... ومن بعد إذنك ... فلنبدأ بأجمل المواضيع وأكثرها أهمية ربما منذ بدء الخليقة وحتى الآن ألا وهو : الحرية




الحرية




لنتكلم عن حرية التعبير أولاً:
هل تستطيع أن تفكر بحرية في سوريا ؟
هل تستطيع أن تعبر عن أفكارك دون خوف من العواقب ؟
قولا ً واحدا ً ... الجواب : لا

هل تستطيع أن تسأل مثلا ً :

لكن ... أين تذهب أموال النفط في سوريا ؟

أو

ما السبب في ارتفاع وفيات الأطفال في سوريا مقارنة ً بكوريا الجنوبية ؟

أو

ماهي محصلة خمسين عاما ً (نصف قرن !!!) من حكم البعث في سوريا (منها 43 عاما ً تحت حكم الأسد الأب والإبن)؟ وبشكل أكثر دقة ترى ماذا حققنا من الشعارات التي تقول:

وحدة ... حرية ... إشتراكية

أو

أمة عربية واحدة ... ذات رسالة خالدة

ما معنى هذه الجمل ؟

في الحياة العملية ؟!

هل تستطيع أن تطلب تقييما ً أو "جرد حساب" لكل الأفعال التي تم القيام بها حتى الآن والتي تهدف إلى الوصول لتحقيق هذه الشعارات؟
ماذا حققنا بعد خمسين سنة من الحكم والسلطة المطلقة ؟
ليس من الصعب أن نجيب ونقول:
لم يكن هناك أي تطبيق عملي وواقعي لهذه الشعارات !

لماذا أصبح الرئيس الحالي للبلاد رئيسا ً بعمر 33 سنة بينما يفرض الدستور السوري عمر 40 سنة على الأقل للوصول لهذا المنصب العالي؟

إذا فعلت ذلك ... ستتعرض للمشاكل مع " العديد " من الأجهزة الأمنية السورية التي في السلطة منذ فترة طويلة تنتقل فيها الوظائف من الأب للإبن

حرية التفكير تتطلب حرية التعبير
هل الصحافة التي تقرأها يوميا ً تتمتع بحرية التفكير؟
هل يعمل التلفزيون، الذي تشاهده كل يوم، بجو ٍ من الحرية؟

إذا كنت تريد هذه الحرية لنفسك
ليس بإمكانك أن تحجبها عن الآخرين
حرية التفكير والتعبير: مبدآن توأمان ... وهما الضامنان الوحيـَدان "للنمو الطبيعي" للمجتمع السوري

لا حرية في التفكير إن لم يكن هناك حرية في التعبير

والعكس صحيح
لا يستطيع الإنسان أن يحقق ذاته في مجتمع لا يضمن تحقيق هذين المبدأين الأساسيين

الأمر بهذه البساطة ...
أي نظام سياسي يستطيع أن يسمح لنفسه بإعطاء حرية التفكير لمواطنيه دون الخوف من الانهيار؟ وحدها الديمقراطية تستطيع أن تفعل ذلك: يكفي أن ننظر إلى الحقائق العارية كي نقتنع بذلك...

ما سأقدمه لك ليس نظرياً، وليس كلاماً فارغاً لا أساس له، بل هو قائم ٌعلى حقائق مدعمة بالأرقام والوقائع...

كي نختصر القول ... نستطيع أن نؤكد أن :

حرية التعبير هي حرية الصحافة

يجب أن نقبل واقع أن الصحافيين هم "البقرة المقدسة" الذين لا يمكن المساس بهم في الديمقراطية ... ضمن حدود ممارستهم الإحترافية للمهنة

هذا هو الثمن الذي لا بد من دفعه لضمان حرية المواطن

إذا كان الرأي الموجود في إحدى الصحف لا يتطابق مع رأيك ... فهذا لا يعني أنه بات لزاما ً عليك أن تنعت الكاتب بالكفر والخروج عن الملة والخيانة والعمالة والتجسس ... إلخ

مثال ؟
لنأخذ هذه الحالة التي تعتبر من "الكلاسيكيات المدرسية" التي تعبر جيدا ً عن حسن عمل الآليتين الأهم في المجتمع الديمقراطي

الحـرية والعـدالة

إنه مثال ٌ هام جدا ً يأتينا من الخارج

يـُـتهم الكابتين دريفوس، وهو ضابط فرنسي، بتهمة التجسس لحساب أعداء الوطن.
وفوق هذا ... هو من أتباع الديانة اليهودية !

في وقت كان فيه البلد (فرنسا) بأكمله معاديا ً للسامية (كان العالم بشكل عام معاديا ً للسامية حتى ما قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم وعندما انتهت هذه الحرب بقي العالم معاديا ً للسامية لكنه توقف عن الحديث عنها ... لقد دخلت هذه العنصرية في عداد المواضيع الممنوعة أو التابو)
لقد بدأ الفاتكيان الثاني في العام 1962 بمحاولات التصالح بين الأديان التوحيدية الثلاثة
ترى ...
هل سيصافح الإسلام اليد الممدودة له؟
هل ستصافح اليهودية اليد الممتدة لها؟
هذا ما لا نعرفه بعد...

لكني أخرج عن الموضوع ! عذرا ً ...

تقوم جريدة "أورور - الفجر" بطلب الأدلة على خيانة وتجسس الضابط دريفوس متهمة القيادة العسكرية العليا باختلاق هذه التهمة لتحمي المذنبين الحقيقيين، أي الخونة الحقيقيين الموجودين في صفوفها.

لا بد هنا من الإشارة إلى أهمية هذه القضية كونها كانت تمس أمن وشرف الأمة في بلد كبير مثل فرنسا!

إنه مثال ٌ نمطي للغاية عن "جريدة" و عن "مثقف" بحث وعرف ونشر الحقيقة كاملة ً:

لم يكن الضابط دريفوس مذنبا ً بل بريئا ً من التهم التي نسبت إليه.

المذنب الحقيقي كان الكولونيل إستيرازي: الخائن الحقيقي الذي لم يعاقب فيما بعد. وهو ما يضيف إثباتا ً جديدا ً على فكرة أن فرنسا كانت معادية للسامية قبل أن تكون معادية للألمان التوتونيين.

مثال آخر ؟

في السبعينيات من القرن الماضي: يؤدي تحقيقٌ صحفي مستقل إلى استقالة رئيس أقوى دولة في العالم جراء إثبات حدوث تنصت هاتفي غير قانوني بمعرفة وتحت طلب الرئيس.

في أيامنا هذه
ينتهي الأمر بوزير الميزانية الفرنسي (2013) لأن يعترف بوجود حساب مصرفي له في سويسرا ... خاص بالأموال التي ربحها من الفساد والرشوة ... ثم يستقيل

اعترافه هذا أتى بعد عمل صحفي صعب وتحقيق فعال وسريع

ولكن لا بد لنا من أن نقبل الوجه الآخر للميدالية

يجب أن نقبل الصحافة كما هي: صحافة عالية المستوى وأخرى هابطة المستوى ... إنها وببساطة انعكاس للطبيعة البشرية ...
الصحفيون بشر مثلنا: قابلون للوقوع بالخطأ أو الوصول لقمة المجد والمصداقية

حريتك يا صديقي تبدأ هناك عندما تبدأ حرية الآخرين!
لا تستطيع أن تطالب بحريتك ... وأنت تمنعها عن الآخرين

الصحافة في سوريا خاضعة لرقابة السلطات التي لا تكتفي بمصادرة مقدرات البلاد بل تمتد سرقتها لتطال أفكار وأحلام مواطنيها من خلال حرمانهم من أي نقاش أو حوار حول الشأن العام والأولويات الوطنية وتوزيع ثروات البلاد

مثال على ذلك ؟
هل نستطيع التحدث بحرية بشأن القضية الفلسطينية دون أن نـُتهم بالخيانة للحزب والوطن والردة والعمالة... هذا اللهم إذا كان رأينا مخالفاً للتوجه الرسمي العام؟

سأحدثك عن فلسطين بحرية ... لكن لاحقا ً لو سمحت ...

المرأة - كرامة المرأة – حقوق الطفل

وضع المرأة مرعب ٌ فعلا ً في سوريا
لنترك جانبا ً "بعض" النساء "المتحررات" في المدن الكبرى
هؤلاء حالفهن الحظ بالحصول على الشهادات الأكاديمية العليا
لكن ...
الغالبية العظمى من النساء في بلدك ياصديقي مجبرات على تحاشي نظرات الناس لهن من خلال ارتدائهن قطعة القماش تلك المسماة بالحجاب أو النقاب ...

علما ً بأنهن
هن أيضاً... ناضلن من أجل رفعة ومجد الإسلام

ولنبدأ بخديجة، تلك السيدة المسيحية الثرية (المرأة أولا ً وقبل كل شيئ ... ) زوجة للرسول. لقد كانت في الخامسة والأربعين وهو في عمر الخامسة والعشرين حين تزوجا:

نستطيع القول ... بمنتهى الثقة أنه لولا وجود خديجة المطمئن ولولا دعمها اللا محدود للنبي محمد لما نجح الإسلام بالشكل الذي نعرفه اليوم.

لقد دعمت خديجة النبي وساعدته قبل أن يدعمه ويساعده الرجال

بالرغم من ذلك ... يتحفظ ويتردد المفسرون المسلمون وكل المعممين الملتحين على ذكر أنها كانت مسيحية. وعند السؤال بإلحاح يتنازلون ويقولون لك إنها وظفته لمدة خمس عشرة سنة كقيم ٍ على أعمالها التجارية مع بلاد الشام ...

خمس عشرة سنة...!

لا يقولون لنا عنها أي شيء!
أو ربما ...
شيئ قليل لا يكاد يذكر !
من نوع أنه كان يسافر ... وأنه كان على مستوى الثقة التي منحته إياها السيدة التي وظفته...

كانت تثق به ...
لدرجة أنها طلبته للزواج... ونحن نعرف بقية القصة...
لا أحد يقول إنه هو، ربما، من طلب يدها للزواج ؟ّ!
معروف ٌ للجميع أن شبه الجزيرة العربية، التي أخذت في القرن العشرين إسما ً لا يليق بها وبمكانتها، لم تكن لترعى في أحضانها النبي الذي نعرفه اليوم ... لولا السيدة خديجة ...

لكن ماذا عننا اليوم ... ماذا نفعل نحن في يومنا هذا ؟
نحجـّب النساء. ونقول إنهن السبب الكامن وراء انحراف الرجل. وعوضا ً عن أن نعمل على جعل الرجل أكثر وعياً ... نقوم بتجاهل الانحراف بحد ذاته ونجرم المرأة ونحكم عليها بالعيش خلف الشاشة السوداء التي يجبرها على ارتدائها الملتحون أصحاب "الفتاوى" الكثيرة في هذا الشأن.

موانع الحمل ؟

صديقي العزيز
أعتقد أننا متفقان على أن الإسلام (المسلمون) يحرم منع الحمل كباقي الأديان السماوية
لكن... يجب أن لا ننسى أن الأم الحرة والمتحررة هي وحدها التي تستطيع أن تعطي سوريا الرجال والنساء الذين تحتاجهم.

وأن

الجهل هو المدخل الواسع لكل عمليات الخداع وسوء الحظ الذي يعاني منها بلدك

لا يجوز أن تكون المرأة، في سن الإنجاب، المسؤولة َ الوحيدة عن منع الحمل بل يجب أن يقاسمها الرجل أيضا ً تلك المسؤولية ...

فلنتجنب المأساة البشرية وجرائم الشرف المنتشرة والمغفورة سلفا ً في سوريا. لنتجنب المآسي التي أساسها الجهل.
يشكل الجهل الباب َ المشرع واسعا ً لكل عيب وخداع وتطاول على الحياة

الإجهاض ؟

هل من المقبول ونحن في القرن الحادي والعشرين أن تموت النساء في الحمام أو في المطبخ جراء النزيف بعد عملية إجهاض تتم في الخفاء ؟
هل من الطبيعي أن تـُقدم النساء سرا ً على عمليات ترقيع غشاء البكارة قبل ليلة الزفاف ؟

المرأة ؟

أليست المرأة من مخلوقات الله ؟
كيف إذا ً يخجل الله بمخلوقته ويأمرنا بأن نخجل بها ؟
أن نخجل من أن نرى وجهها ؟
لماذا يجب على المرأة أن تخجل من نفسها ؟
وأن تمضي حياتها كلها تحت وصاية زوجها أو أخيها ثم ... ولكي تكتمل المهزلة ... تحت رعاية إبنها ؟
لِمَ تحتاج المرأة لوصي عليها ... منذ الولادة وحتى الممات ؟

ما هي حقوق المرأة ؟

لم َ يحق للرجل أن يتزوج من أربع نساء ؟
لم َ تعتبر شهادة الرجل مساوية لشهادة أربع نساء أمام المحاكم ؟

والمرأة المطلقة ؟
ماذا عنها ... وعن الازدراء والمضايقات التي تعيشها ؟

بأي حق تـُضرب المرأة ؟
بأي حق تهان في حياتها اليومية وفي مصدر عيشها ورزقها ؟

مع أنها تحضن مستقبل البشرية بذراعيها
وترضع من ثديها مستقبل الرجل

لم َ تجبر المرأة على أن تلجأ للدهاء كي تعيش وعلى أن تكون شهرزادً لرجلها كلي القدرة والاستطاعة؟

يا صديقي الثوري
الشريف والجريء
هل رأيت نجيبة ... تلك المرأة الأفغانية الزانية ؟
التي أغواها الشيخ علي وانيس ثم هرب وتركها وحيدة بين يدي الجلاد ...
هل رأيت مشهد قتلها المهين والمذل ... مشهد العار هذا ؟
في ضواحي كابل ... جالسة ً... ظهرها للكاميرا التي تصورها وللجلاد الذي سوف ينهي حياتها التعسة. ثم بعد قليل، صريعة ً بعدة رشقات نارية في الظهر تحت صيحات "الله أكبر" وتصفيق الذكور والملتحين الفرحين للغاية بانتصارهم ؟


أرأيت ماذا جرى عندما كانت تـُغتصب إحدى السيدات في ساحة التحرير من قبل الثوار "المفترضين "؟
- كان الذنب يقع عليها هي !!
لقد كانت اللعنة تحل عليها لأن الذنب لا يطال الوحوش الذين تحرشوا بها بل يقع بالكامل على ثيابها هي التي " تدعو " المارة َ لاغتصابها: إنها هي المسؤولة عن تشويه سمعتها وسمعة مصر بالكامل!


أرأيت ماذا يحدث عندما يغتصب الوحوش فتاة ً في اليمن ؟
كانت تقتل من قبل أبيها أو أخيها لغسل عار العائلة... وللأبد

وعندما اغتصب شرطيان تونسيان امرأة ؟
كانت هي المذنبة... كالعادة !!!

يقول الإسلام وبكل وضوح:
النساء قليلات عقل ودين مقارنة ً بالرجل

ما يعود بنا إلى نقطة البداية :

الطفل ؟

ماذا نقول عندما يغتصب أحد الحراس التونسيين طفلة صغيرة في ربيعها الثالث ؟

مغتصبة بعمر ثلاث سنوات !!

منذ فترة ليست بالبعيدة وفي لبنان، ماتت طفلة عمرها ست سنوات جراء النزيف الحاد الذي أصابها بعد أن اغتصبت وبشكل متكرر. لم يعرف أحد على وجه الدقة من الفاعل ... هل هو من الأقرباء أم من المدرسة ؟ لكن وبما أن الطفلة تنتمي لأسرة "محترمة" وتدرس في مدرسة "محترمة" فقد تـُرك هذا الملاك الصغير لمصيره الأسود دون توجيه اللوم لأحد!
إذا ً فلنخفِ هذه الجريمة ولنترك الفرصة للوحش القاتل أن يجد ضحية ً أخرى يفترسها دون عقاب !
لنكنس الأوساخ ولنخبئها تحت السجادة ولنستمر بالحياة بشكل عادي كما لو أن شيئا ً لم يكن.
ما قلته أعلاه ... ليس حالة فردية معزولة ... بل هو واقع يومي معاش في المجتمع الذي يدين الضعيف ويبرئ القوي.

لقد قال أحد الشيوخ المفسرين مؤخرا ً، إن وجه المرأة عورة كفرجها تماما ً وأنه لا بد من تغطيتهما كي لا يخضع الرجل للغواية ما يؤدي به للخطيئة وارتكاب الممنوع الحرام.
الممنوع الحرام الذي يصبح مسموحا ً إذا كشفت المرأة عن وجهها وتخلت عن الحجاب المفروض من قبل الرجل في مملكته التي منحه إياها الله ! وبهذا ...

تصبح المرأة مسؤولة عن الاغتصاب والقتل
الذي يقع عليها هي !!!

ياللرجل المسكين !!!
يجب أن ندافع عنه !
إنه ضعيف ولابد من منعه من القيام بفعل الاغتصاب من خلال حرمان المرأة من حقها في الحياة: لا بد من إزالتها كليا ً من حقل رؤيته !!!

كيف نريد للمجتمع السوري أن يتقدم إذا سمحنا لهذه العقلية البالية بالاستمرار ؟

لماذا تريد أن يبقى مجتمعك مصابا ً بالشلل النصفي بسبب تخليه عن نصفه المؤنث وإرضاء كل نزوات ومتطلبات الرجل ؟

لا بد من تكرار القول لهؤلاء الملتحين المعممين المسيطرين على أقدار المجتمع السوري ...
خلق الله المرأة ...
نحن ننسى هذه الحقيقة غالبا ً...
خلق الله المرأة ... فلم الخجل بسبب من خلقه الله ؟

ترى هل يكره الله الإناث ؟

تجمع الأديان السماوية الثلاثة على ضرورة حجب المرأة وجعلها حكرا ً على مخدع الزوجية.
يتفق ملتحو الأديان الثلاثة على ضرورة أن تبقى المرأة تحت سيطرة ورحمة الرجل وعلى أن يفعل بها ما يشاء.

عندما يكون المولود بنتا ً ... تطبق خيبة الأمل على المنزل

لا بد من تغيير ذلك يا صديقي الثوري

وكي نبدأ بالتغيير: لا بد لك من إلغاء تعدد الزوجات عند انتصار ثورتك

ربما كان لهذا الوضع الشاذ اجتماعيا ً ما يجعله مقبولا ً في العصور السالفة، لكنه اليوم غير مبرر إطلاقاً: يجب أن تتحرر المرأة ...
ويجب أن تعطيها أنت الحرية ... أنت السوري ما بعد الثورة !

المرأة الحرة

لا يمكن أن تكون المرأة حرة ً إلا إذا استقلت ماديا ً عن الرجل
ولا تصبح المرأة مستقلة ماديا ً عن الرجل إلا إذا اشتغلت
أيضا ً ...
لا بد للثورة من أن تؤمِّن للمرأة دخلا ً يضمن لها الحياة الكريمة حتى ولو لم تشتغل !!!
سوريا يجب أن تؤمن الدخل اللائق للمرأة خلال فترة الحمل وبعده !
هكذا تكون المرأة مستقلة ... يجب أن تكون المرأة مستقلة حتى ولو لم تعمل
تستطيع سوريا أن تؤمن دخلا ً لائقا ً لكل أولئك النسوة اللائي يعشن دون زواج ولا يستطعن إيجاد فرصة عمل

لا بد من التوزيع العادل لثروات البلد بين السوريين، مع التركيز على الطفولة وحقوق الأطفال الذين بدورهم بحاجة ماسة للأم الحرة الكريمة المستقلة.

سوريا جزء من العالم العربي الذي أضاع البوصلة والموجود حاليا ً في آخر صف الأمم المتقدمة

هناك الأمم الزعـيمة
وهناك الأمم التابعة

سوريا واحدة من الدول التابعة ومنذ ما يزيد على الألف عام.

تحرير المرأة السورية سيشكل الأساس السليم لبناء سوريا الغد

أرغب هنا، لو سمحت، أن أخرج قليلا ً من الحال سوري كي أتحدث عن تطور حال المرأة في الغرب

هناك إشكالية حقيقية واجهها الغرب فيما يخص المساواة "التامة" بين الجنسين

باختصار ...

إن الصفة أو العلاقة الحميمية التي بدأت منذ فجر الخليقة ... والتي لا يمكن للرجل أن ينكرها أو أن يمتلكها، هي :

صفة الأمومة أو إمكانية الحمل والولادة. أي العلاقة بين الأم وطفلها، "فلذة الكبد" التي تمتلكها الأم ... كل أم ... بغض النظر عن بيئتها وعن عمرها.

إنها قوة رهيبة لا تضاهى، لا يستطيع أحد أو شيء فصمها ...
لقد أعطى المجتمع، حتى منتصف القرن الماضي، الأفضلية َ للرجل الذي كان معروفا ً ومعترفا ً به كزعيم وحام ٍ للأسرة. كان هناك توازن ٌ ما بين علاقة الأمومة وعلاقة الحماية الاقتصادية - العاطفية الأبوية أو البطركية ...

لكن مع بدء موجة تحرر وانعتاق المرأة والتأكيد على أنها مساوية تماما ً للرجل ... اختل هذا التوازن بشكل غير قابل للعكس والإصلاح. لقد تحول الرجل في بضع عشرات من السنين إلى مجرد قيمة قابلة للإهمال. المرأة اليوم هي التي تمتلك كل السلطات بما فيها حق تربية الأطفال في حال الخلاف والشقاق مع الأب ...
لقد مالت كفة الميزان لصالح المرأة بعد أن كانت راجحة ً لصالح الرجل منذ آلاف السنين وفي معظم المجتمعات البشرية.
هكذا، ودون إطلاق الأحكام على المجتمعات الجديدة التي أصبحت فردية ...

أصبحت السلطة " بيد المرأة "

ولم لا ؟

يجب أن تجد سوريتك الجديدة حلولا ً لكل هذه الأسئلة الجديدة ...
لا بد للمرأة السورية أن تستعيد كرامتها وأن تفتخر بكونها سورية. ستحصل على الحد الأدنى من الدخل الذي يضمن لها حياة كريمة. وسوف يزداد هذا الدخل عند الإنجاب وتحملها مسؤولية تربية الأطفال. المعونة المادية المعطاة للأم ستعينها على تولي الاهتمام اللازم لأطفالها ... ثروة ومستقبل البلد.

ستعمل ثورتك على نقل هذه القيم المجتمعية الجديدة من خلال العمل والاعتراف بحقوق الأمومة وإعطاء الأولوية المطلقة للطفولة وحقوق الطفل السوري.




يشكل السوريون ذوو الموهبة، المثقفون، ذوو الطموح الذين أتاحت لهم ظروفهم وإمكانياتهم المادية أن يتوجهوا باتجاه المهن "النخبوية - الممتازة" في مجال العلم والتجارة والتقنيات والفنون والآداب وسواها ... يشكل هؤلاء السوريون ما يعرف بالطبقة المتوسطة التي تبحث باستمرار عن الحياة على الطريقة "الغربية" من حيث المأكل وطريقة اللبس وشواطئ البحر وأماكن الرقص والترفيه والجامعات إلخ ...
إنهم أولئك الذين يحبون الموسيقا الكلاسيكية أو موسيقا البوب
الذين يرسلون بناتهم لتعلم الباليه، وأولادهم لتعلم البيل كانتو وموزارت وفيردي وباخ، والعزف على الغيتار والبيانو.
الذين إذا قرأوا كتابا ً ... فسيكون حتما ً لواحد ٍ من القمم الفكرية الغربية أو العالمية أمثال كامو وشيكسبير وبودلير وتولستوي وسواهم الكثير ...

لقد التحق هؤلاء السوريون مباشرة بركب "الربيع العربي" وصرخوا ملئ حناجرهم مطالبين بالديمقراطية: إنهم الليبيراليون! علما ً بأنهم لم يصلوا ربما من الليبرالية إلا إلى الإسم والمظهر الخارجي فقط

في مواجهة هؤلاء " الليبيراليين " نجد المبشرين بالإسلام والعودة لطهارة السلف الصالح. الملتحون الذين لا يرون خلاصا ً لمجتمعهم خارج إطار الإسلام ... الإسلام الذي في خيالهم فقط. الذين يريدون الإسلام دينا ً ودولة ...

إنها ثنائية الـ : " نحن " والـ " هم " ...

النفي ... عدم الفهم التام للآخر ... إتهام الخصم بالخيانة والكفر والردة تبعا ً للمعسكر الذي ننتمي له ... ما يمهد للقضاء التام على الخصم واغتياله واعتبار ذلك أمرا ً طبيعيا ً !

إنه غياب ٌ تام ٌ للحد الأدنى من طريقة التعامل على أساس المواطنة!

المواطنة التي تعني أننا جميعا ً سوريين ...
" أنتم سوريون ... وهذا هو الدستور الذي يجب أن يقود خطواتكم ويوجه أقوالكم وأفعالكم"

أمام كل ذلك ... وعند التعرض للتهديد: يغادر الليبيراليون البلد !

ماذا بإمكانهم أن يفعلوا غير ذلك ؟
البقاء وانتظار "التصفية" ؟

ما فائدة محاولة تحديث البلد والتعرض لنتائج فتاوى الملتحين الذين يمتلكون الوكالة الحصرية لتفسير كلام الله في حين أن هناك، حيث سيهاجرون، كل شيء على ما يـُشتهى ويُراد ؟

هذا ما حدث وما يحدث في البلدان العربية منذ مئات السنين ربما ... إنها هجرة النخبة.

ما زالت هجرة أبي خليل القباني والأحداث المؤسفة التي أدت إليها ماثلة في الأذهان ... لم تتغير الذهنية التي أدت لهجرته منذ ذلك الزمن ...

كل هذه العقول المفكرة. كل هذا الطموح والذكاء والرغبة في التغيير يذهب ليـُغني الغرب ويـُفقر سوريا!

لن يبقى في البلد إلا واحد من ثلاثة:
. من لا يستطيع مغادرة سوريا
. من يتصالح مع السلطة الفاسدة
. من يحب أرضه ويرفض تركها مهما كانت العواقب.
سيخضعون جميعا ً للنظام القائم،مبتهلين لله أن يخلصهم منه وفقا ً للقول الشائع القائل:
" اليد التي لا تستطيع عضَّها... قبـِّلها ...وادعُ عليها بالكسر"

بعد جيلين أو ثلاثة لن يبقى في سوريا إلا مجتمع غني بطبقة ٍ من خائبي الأمل المحرومين من القوى الخلاقة. أناس ٌ سعداء بالعيش في مستنقعهم الفكري الآسن. يمضون أوقاتهم في لعب النرد والورق وسماع الراديو ومشاهدة الشاشات العملاقة ... وترداد مقولة إنهم خير أمة على ظهر البسيطة.

لقد قال الرسول ذلك ... فلا بد من أن يكون ذلك صحيحا ً !

ستعيش سوريا في عصر الرسول !
و ...
سيصبح بإمكان الفتيات أن يتزوجن في عمر التاسعة ...
كما سيصبح بالإمكان رجم الزانية وإعدامها ...

سيصبح بلدك مصدرا ً لأجيال من الأطفال العالة على البشرية التي ستستمر بحمل مشعل بروموثيوس غير مبالية بنا ولا بمصير أطفالنا

وبين الحين والآخر، لا بأس من أن تقوم الأمم "المتحضرة" بتوجيه الصفعات التأديبية أو التأنيبية إلى مؤخرة الدولة السورية مطالبة ً إياها بتحسين أحوالها الداخلية وبالأخص تحسين كيفية تأمين مصالحها هي. وربما يطلبون من إسرائيل أن تفعل ذلك عوضا ً عنهم كي يتم تبادل الأدوار كما يجب !

سيمضي الإسلاميون وقتهم بوضع المناهج التعليمية التي تمجد الماضي والخلفاء والرسول ... والاستمرار بالتأكيد على أن الشيعة ليسوا من المسلمين ... أو بالعكس: أن السنة ليسوا من المسلمين !!!
لمَ نلوم السوريين على الهجرة وترك البلد وننسى أن العديد من مشاهير الإنسانية قد فعلوا الشيء نفسه أمام التهديد بالموت والاضطهاد ...

فرويد وموسى وعيسى وسبينوزا و فولتير...

محمد نفسه لم يتردد باتخاذ قرار الهجرة والهرب من الخطر المباشر تاركا ً في فراشه ابن عمه الفتى كي يربح بعضا ً من الوقت أمام مضطهديه.


من باب النكتة فقط ... نستطيع تخيل دمشق والقاهرة بدون سيارات وبشوارع مليئة ببعر الجمال
لمَ استعمال الإسفلت في تعبيد الطرقات طالما كان الناس في عهد الرسول يمشون على الرمال في الصحراء ؟
لنكن واقعيين وحقيقيين مع أنفسنا ...

يا صديقي الثوري
لا أحد يستطيع أن يوقف التقدم
ولا حتى خطب المعممين الملتحين ذوي الجباه المزينة بالـ "الزبيبة" علامة الزهد والصلاة والورع.
ولا حتى استسهال الجهل الذي يتيح إقصاء وإنهاء الآخر المخالف فكريا ً عوضا ً عن مواجهته بالحجة والبرهان والمنطق.

فلننظر لواقع الأمر في مصر

لم يكن السيد حسني مبارك عبقريا ً في يوم من الأيام. إنه ينتمي لجيل العسكر العاطفيين الذين أبدعوا إنتصارات 1967 و 1973.
العسكر الذين استطاعوا بعنادهم وسذاجتهم تدمير كل شيء ... أو تقريبا ً كل شيء جيد في مصر. عائلات بأكملها تعيش في المقابر. المصلحة البلدية العامة في مصر عاجزة عن إنجاز "رصيف" للمشاة جيد ومطابق للمواصفات العالمية في حي الزمالك الراقي في القاهرة حيث يعيش "علِّيَّة " القوم والميسورون.

لم يمتلك مبارك شجاعة السادات الذي دفع حياته ثمنا ً لمصافحة مناحيم بيغين
لا ...

لقد اعتاش على السلطة لمدة تزيد على الثلاثين عاما ً من خلال نظام ٍ بائس ٍ قائم ٍ على "طبقة" سميكة من الفساد الذي حاول جاهدا ً التمويه عليه ... دون أن ينجح بذلك.
كل ما نجح فيه كان قصة شعره الأسود الممتازة ووجهه الرافض لتجاعيد الشيخوخة
قائمة عـيوب نظام مبارك طويلة ... ما يبرر تماما ً إرادة التغيير باتجاه عالم أفضل ومصر معاصرة ...

لقد شاهدت َ مدهوشا ً ... ثم منبهرا ً ... هذا الحشد الهائل المتجدد من الناس المتحدين لسلطة الطاغية في ساحة التحرير ...
حتى أتى اليوم الذي أجبر فيه على التنازل عن السلطة / العرش ...
لقد بكى الوطنيون فرحا ً في تلك اللحظة ...
استيقظ العملاق المصري أخيرا ً
وها هي آمال التغيير تتوج بالنجاح ... أخيرا ً
فرح ٌ غامر ٌ عامر ٌ يجتاح القلوب والعقول

ثم ...

اقـتـُلعت شجرة التغيير من جذورها تقريبا ً
شجرة التغيير التي كانت ستورق وتثمر ... حرية ً للشباب الذين زرعوها في قلب القاهرة ... قلب مصر ... قلب العالم العربي ...

من قـِبـَل الملتحين ...
لقد قطف "رجال الله" الذين يقضون أوقاتهم (دون أن يطلب أحد منهم ذلك) في مراقبة وتقويم تصرفات الناس ... ثمار َ الثورة أو الانتفاضة أو التمرد ... سمِّه ما شئت !
كانت نتائج التصويت لصالحهم

وها هم الأخوان المسلمون يحتلون كل الشاشات وكل الساحات وكل نشرات الأخبار
دون أي مشروع للحكم
لم يكن لديهم أي مشروع للحكم جدير بحمل هكذا اسم ...

لم يكونوا يعرفون أن هناك شروطاً خاصة لا بد منها للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي

ظنوا أن العالم سينحني أمامهم إعجابا ً بعبقريتهم وسحر اللحى التي يحملونها باعتزاز ...

وصل بهم الحال أن شاهدوا جبريل َ يتحدث مع رئيسهم المنتخب ديمقراطيا ً !!!
أداروا الحكم بشكل "عشوائي" تماما ً واثقين من أن الله سيسدد خطاهم ...
واكتملت المهزلة ...
كان من العجيب فعلا ً أن يستمروا بهذا الشكل !!!

لقد أعمتهم أوامر السماء لدرجة أنهم لم يعرفوا ما العمل أمام تحدي حكم مصـر ... البلد العربي الأكبر والأكثر سكانا ً
كان جوابهم واحدا ً أمام كل الأسئلة التي واجهوها: الاقتصادية والزراعية والسياسية والرياضية:

الشريعة !

يريدون تطبيق الشريعة عبر التحريض والترهيب والاستهزاء بالأقباط وحقوقهم بالمواطنة الكاملة ...
المرأة ؟ لقد تراجعت أوضاع المرأة 1000 سنة وأكثر ...
لقد انكشفت كل تناقضاتهم التي كانوا يخفونها بعناية عن عيون الناس !

تبين أنهم لن يستطيعوا العيش في الزمان الحاضر الذي يعيشون فيه اليوم ما لم يتخلوا عن بعض العقائد السلفية :

الإسلام دين ودولة !!!
الخلافة هي النظام الأمثل لحكم الدول العربية !!!
العرب خير أمة على الأرض !!!

متى سينتهي هذا الهذيان ؟؟

على المقلب الآخر
كان من الأفضل طبعا ً انتظار حكم صناديق الانتخاب ... قبل الانقلاب على حكم الملتحين ...
لقد أدى انقلاب العسكر لإهداء الملتحين لبوس الضحية وتشويه الديمقراطية الناشئة في البلاد.
لقد أدى ذلك لسفك الدم في أماكن العبادة ...

إنها المواجهة بين الـ "نحن" والـ "هـم" التي تسمح بكل أنواع الشطط والمبالغة

إنه انحراف ٌ كارثي عن مبدأ ومعنى "حكم الشعب" الذي تطالب به وبإلحاح شعوب المنطقة
ينسى العسكر دوما ً أنه لا بد من الانتخاب لإزاحة من وصل إلى السلطة عن طريق الانتخاب !!!
كائنا ً من كان هذا المـُنتخـَب.
وإلا ... فالرجوع إلى خانة الصفر ... التي وصلت إليها مصر اليوم ... للأسف

تتأرجح مصر بين ديكتاتورية العسكر المظلمة
وبين ظلامية رجال الدين

بين "حكم العسكر" و "حكم الملتحين"

يبدو أنه لا بد من مرور الزمن كي يفهم الإسلاميون أن عصر النبوة ... عندما كان الناس يتنقلون على ظهور الجمال ...
قد انتهى بالفعل !











إن موضوع الدين موضوع ٌ هام ٌ آخر يمس حياتك اليومية يا صديقي الثائر ...
أستمحيك عذرا ً إذا كنت قد فضلت الكتابة عن المرأة والطفل قبل الكتابة عن الدين ولكن ...
لا بد من الكتابة عنه
لا بد من معالجته
وسأقوم بذلك الآن ...
متأملا ً منك أن تنتبه لأمر ٍ هام ٍ جدا ً ... وهو أني وإن كنت سأشير للنواحي السلبية في الأديان فأنا أقوم بذلك فقط لأُثبت أنها مرتبطة ارتباطا ً لصيقا ً بمن يمارسها ... وأن تفسير النص المقدس أمر ٌ نسبي يختلف بشدة تبعا ً للمرحلة والواقع الذي نعيش فيه !
أرجو أن تنتبه إلى أني لا أبتغي أبدا ً نفي الدور الإيجابي الذي لعبته الأديان على مر العصور ...





#نزار_حمود (هاشتاغ)       Nezar_Hammoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 2
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ...
- أن جنيف أو أن لا جنيف. هل هذا هو السؤال ؟
- الأقلية والأكثريات
- أما زال النصر ممكنا ً ؟
- سوريا بين مطرقة الظلم وسندان الظلام
- القبيلة ...
- الطائفية بين العَرَض ِ والمرض !
- صديقي الذكي !
- الضرب والتقسيم على الوتر السوري
- لعيون علي ...
- ... المؤامرة مرة ً أخرى
- رسالة إلى السيد حسن نصر الله المحترم ...
- عندما أ ُكِل َ الثور الأبيض
- أناديكم ... هل تسمعون !!
- سوريا مابعد الطوفان
- هجرة الأسماء إلى المعاني
- الشعب يريد إسقاط النظام... فليسقط النظام !!
- المؤامرة الكبرى - سوريا
- آرام


المزيد.....




- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - نزار حمود - رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 3 - الجزء الأول