أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نزار حمود - لماذا يخافون منا ؟ البتروإسلاموفوبيا !















المزيد.....


لماذا يخافون منا ؟ البتروإسلاموفوبيا !


نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)


الحوار المتمدن-العدد: 4681 - 2015 / 1 / 3 - 12:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يعد سرا ً أن العديد من الشعوب الأوروبية والغربية، بشكل عام، باتت تنحو منحى التشدد اتجاه المهاجرين الأجانب والمهاجرين المسلمين بشكل خاص. من دلائل ذلك مثلا ً المظاهرات المتعددة المضادة للإسلام التي جرت مؤخرا ً في دريسدن الألمانية المستنكرة لـ "أسلمة" ألمانيا والمطالبة بالحفاظ على الهوية والقيم الوطنية الألمانية. فوفقا لاستطلاع حديث للرأي قام به معهد فورسا، منشورٍ في جريدة شتيرن، عبر13 % من الألمان المستطلعة آراؤهم عن استعدادهم للنزول إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لما قالوا إنه عملية أسلمة ممنهجة لألمانيا، بينما قال 29% أن مثل هذه التظاهرات مبررة وأنهم يفهمون أسبابها ودوافعها.
من دلائل ذلك أيضا ً صعود حزب الجبهة الوطنية الفرنسي غير المفاجئ والتدريجي بقيادة مارين لوبين. ومن المعروف أن طروحات هذا الحزب المتشددة تعبر عن تذمر الفرنسيين من المهاجرين بعامة ومن المسلمين بخاصة ... أولئك الذين قِدموا إلى فرنسا وحملوا جنسيتها بناء على طلبهم ثم أخذوا بـالتعدي على الثقافة الفرنسية والموروث الثقافي والتاريخ الفرنسي من خلال التشبث بالشريعة الإسلامية كقانون أعلى لا بد من فرضه على الجميع ورفض القانون المدني العلماني الفرنسي. جدير بالذكر أن فرنسا تستقبل كل عام 220000 ألف مهاجر.
في النرويج، العام 2011، أسفرت مجزرة مروعة على جزيرة أوتويا عن 69 قتيلاً و151 جريحاً. القاتل هو أنديرز بيهرنغ بريفيك النرويجي الأصل ذو الـ 32 عاما ً. فور اعتقال هذا الأخير يبدأ بالاعتراف دون أية مقاومة. يقول أنديرو إنه فعل ذلك بهدف اغتيال السيدة غرو هارلم برونتلاند التي كانت فاعلة في الحياة السياسية النرويجية في الثمانينات من القرن الماضي. يتابع أنديرو ليصرح بأنه وجد نفسه مجبرا ً على القيام بذلك كي ينقذ النرويج وأوروبا عموما ً من المد الإسلامي (تعد النرويج خمسة ملايين نسمة منهم 500000 مسلم). مطالب المسلمين في النرويج متعددة : اللحم الحلال في السجون ... المطالبة بأيام عطل رسمية وفقا ً للمناسبات الدينية الإسلامية ... قاعات رياضة للنساء منفصلة عن قاعات الرجال. لقد ادى كل ذلك إلى أن صرحت السيدة سيف جينسين رئيسة حزب التقدم أثناء الانتخابات التشريعية للعام 2009 أنها لن تسمح بشيء من ذلك لأن هذا الأمر يعني السماح للأقليات بفرض رؤيتها الدينية على المجتمع النرويجي وبالتالي التأثير على شكل تطوره ومستقبله.
في السويد، صرفت الحكومة مبالغ هائلة، أكثر من أي بلد أوروبي آخر، كي تسهل اندماج المهاجرين الجدد في المجتمع. إلا أن النتيجة جاءت مخيبة للآمال وفاشلة تماما ً.
في سويسرا: يصوِت 75.5% من السويسريين في العام 2009 لصالح مشروع يقضي بمنع إنشاء أية مآذن جديدة على الجوامع. جدير بالذكر أن هناك ما يقرب من 300000 مسلم في سويسرا التي يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين.
في أستراليا باتت مظاهر الإسلاموفوبيا واضحة للعيان مثل إنشاء حزب مضاد للإسلام في آذار - مارس 2014 ووقوع عدة حوادث اعتداء على نساء مسلمات محجبات أو منقبات كما حصل في تشرين الأول - أكتوبر 2014 حيث تم الاعتداء بالضرب الوحشي على سيدة مسلمة ورميها من القطار ما أدى لإصابتها بجروح خطرة وبليغة.
لن أستفيض في استقصاء ما في أوروبا والغرب عامة من تيارات يمينية متصاعدة، مناوئة ومعادية للإسلام عموما ً بل سأكتفي بما ذكرته أعلاه تاركا ً المجال لمن يرغب بالمزيد أن يبحث بنفسه عن مظاهر الإسلاموفوبيا العالمية الجديدة.
ترى ... كيف وصل الحال بالفرنسيين والأوروبيين والغربيين بشكل عام لأن يخافوا منا، نحن المسلمين ؟
أي عماء "حداثي" معاصر دفع بنا إلى دوامة الكراهية البلهاء التي تحول بيننا وبين شعوب العالم المتقدم التي أخذنا عنها مقومات الحياة الحديثة: من كهرباء وهاتف وطائرة وأنسولين وبنيسيلين ومضادات حيوية أنقذت ملايين الناس، وما زلنا نأخذ منها كل الاختراعات والإنجازات العلمية والحضارية في مجالات الفلك والفضاء والجيولوجيا والمناخ... وصولاً إلى الهواتف الذكية والحواسيب الشخصية وغير الشخصية؟
سأبدأ أولا ً بسرد بعض الوقائع والأحداث التي جرت ولم ننتبه إليها ... لأننا ربما ... لا نريد أن ننتبه إليها أو لأننا نخاف من أن نواجه معانيها المرعبة ومآلاتها المأساوية الدموية. إنني هنا أدق ناقوس الخطر عـلـَّنا في آخر الأمر ننتبه ... وننفعل... ونفعل ... ونمنع وقوع الكارثة ... الكارثة التي ستنجم عن تبعات شعور الكراهية المتنامي هذا اتجاه المسلمين في دول العالم "المتقدم" والتي سيدفع ثمنها مئات آلاف العائلات المسلمة تحديدا ً التي هاجرت لهذه الدول تحديدا ً كي تنعم بالسلم والأمان ودولة القانون والعدل الاجتماعي! ولا بد لي هنا أن أوضح أنني لا أبغي في هذا المقال المس بالمقدسات الدينية لأحد، كوني أعتبر أن الدين شأن روحاني مقدس فردي داخلي لا يحق لي أو لغيري المساس به. بل إني أرى أن من واجبي الدفاع عن حقوق كل الناس بممارسة شعائرهم الدينية مهما كانت وكيفما كانت على أن لا يمس ذلك بالشأن المجتمعي العام ... الذي هو مساحة حرية دستورية جمعية مقدسة للجميع.
نيسان - أبريل 1994 : يقوم أحد الشيوخ المسلمين الملتحين المجلببين بالصعود إلى حافلة نقل داخلي في ضاحية برون التابعة لمدينة ليون الفرنسية. يبدأ هذا الشيخ المتجلبب بقراءة القرآن بصوت مرتفع ولمدة خمس عشرة دقيقة كاملة بالعربية والفرنسية داعيا ً ركاب الحافلة "الكفار" إلى اعتناق دينه الحنيف وترك دينهم "غير الحنيف، الضال والمحرف". الهدف المعلن لهذا الشيخ هو إنقاذ الركاب من الضلالة والأخذ بيدهم للوصول إلى طريق الحق الذي لا طريق آخر سواه.
تشرين الأول - أكتوبر 2005 : يقوم بعض سكان مدينة كليشي سوبوا بإبلاغ الشرطة عن محاولة بعض الشبان سرقة مواد بناء من إحدى ورشات العمل. تتوجه سيارة شرطة إلى المكان وتحاول اعتقالهم فيتبين أنهم مراهقون لا يتجاوزون العشرين من العمر. يهرب بعضهم ويلوذ بعضهم الآخر بخزان كهرباء مجاور فيصعق اثنان منهم مباشرة ويصاب ثالث بحروق بليغة. القتيلان هما بونا (15 عاما ً) وزياد (17 عاماً) والثالث هو محيي الدين (17 عاما ً). ما إن ينتشر الخبر حتى تندلع موجة عنف في الحي سرعان ما تعم أنحاء فرنسا. النتيجة: احتراق العديد من مخافر الشرطة ونهب العديد من مراكز الإطفاء وتخريب العديد من الأبنية العامة. لقد تابع العالم بأسره هذه الأحداث عبر شاشات التلفاز والإنترنت.
2007 فرنسا - فيلييه لو بـِل : مصرع محسن (15عاما ً) والعربي (16 عاما ً) بعد تعرضهما لحادث تصادم مع سيارة شرطة. في التفاصيل ... كان المراهقان يقودان دراجة نارية غير مرخصة وبدون خوذ واقية. ينجم التصادم عند مفترق طرق بسبب عدم احترام أولوية المرور. حادث قد يبدو للوهلة الأولى حادث سير عادي لولا نتيجته غير العادية: يومان كاملان من الأحداث الدامية المتضمنة إطلاق نار من أسلحة صيد على عناصر الأمن، وإصابة ما ينوف عن 150 شرطياً بجروح.
2007 - مونتيريجي. كيبيك - كندا: تذهب مجموعة من الكيبيكوازيين المسلمين ذوي الأصول المغاربية العربية إلى أحد "أكواخ السُـكـَّـر" الفلكلورية ... التي تقدم عادة ً مأكولات تحتوي لحم ودهن الخنزير. في منتصف النهار يخلون ساحة الرقص في المطعم لأداء صلاتهم ... صلاة الظهر! النتيجة: ضجة إعلامية هائلة وتشكيل لجنة بوشار - تايلور الخاصة بالتحقيق في مثل هذه الحوادث. بعد سبع سنوات من هذا الحادث تقوم السيدة بولين ماروا رئيسة الحزب الكيبيكي العلماني بتقديم مشروع قانون لحماية القيم الفكرية والاجتماعية في مقاطعة كيبيك من مثل هذه التجاوزات!
أيلول - سبتمبر 2011 : يقوم المئات من المسلمين (والآلاف لاحقا ً) بالصلاة في شارع ميثا التابع للدائرة الباريسية الثامنة عشرة وذلك على الرغم من قرار وزارة الداخلية بمنع ذلك. سبب مثل هذه الممارسات يعود في بعض الحالات إلى رفض السنة الصلاة في جوامع الشيعة والعكس صحيح !
2012 - آذار - مارس، تولوز فرنسا: يقوم محمد ميرا وهو جهادي شاب بتنفيذ أوامر "الجهاد المقدس" بقتل سبعة أشخاص بينهم ثلاثة أطفال قبل أن يُقتَل على يد قوات الأمن الخاصة. بعد ذلك تدلي أخته لوسائل الإعلام العامة بتصريحات صادمة. تقول : إنها فخورة للغاية بما قام به أخوها وأنها تحث وتشجع كل الشبان المسلمين على الاقتداء به !!!
2013 - أيار- مايو، لندن : يقوم شخصان بذبح جنديً بريطاني كان عائداً إلى منزله. ثم يصرحان، وبهدوء غريب، أمام كاميرات التصوير بأنهما نفّذا واجب الجهاد الذي هو "فرض عين على كل مسلم"، وناشدا باقي الشبان المسلمين اتباع طريقهما للانتقام من الانكليز !!!
2013 - تموز - جوييليه، ترابيه - فرنسا : يرفض مسلمٌ طلب الشرطة من زوجته أن ترفع النقاب عن وجهها بغرض التحقق من هويتها. النتيجة : صدام وهجوم 200 إلى 400 شخص على مقر شرطة المدينة وحرق عشرات سيارات الشرطة والإطفاء والباصات وتخريب الأملاك العامة.
2014 - أيلول - سبتمبر، إيفري - فرنسا : يعتدي بضعة مراهقين على سيدة فرنسية ويغتصبونها "لأنها فرنسية ولأن كل الفرنسيات عاهرات "، كما اعترفوا خلال التحقيق. ولم يُبدِ هؤلاء المراهقون أي ندم، بل على العكس ... صرحوا لوسائل الإعلام بأنهم ما كانوا ليفعلوا ذلك لو كانت السيدة مسلمة !!! وما كل الفرنسيين إلا أولاد حرام، لا غير!
2014 - تشرين الأول، مونتريال - كندا : ينفّذ شابّ كندي اعتنق الإسلام حديثا ً ما يراه "واجبا ً جهاديا ً مقدساً" فيقتل أحد العسكريين دهساً بسيارته. وبعد فترة وجيزة يقوم شاب كندي من أصل ليبي بهجوم فاشل على مجلس الشعب في العاصمة أوتاوا، ثم يتبين أنه كان ينوي التوجه إلى سوريا للمشاركة في أعمال "الجهاد" هناك.
2014 - كانون الأول، ديسمبر - سيدني – أستراليا: شيخ مسلم معروف في المدينة، تراقبه أجهزة الأمن المختصة بسبب صفحته العامرة بانتهاكات القانون وبالجرائم الجنسية...، يقوم باحتجاز رهائن في أحد مقاهي المدينة مما يؤدي في آخر الأمر إلى مقتل مدير المقهى وأم لثلاثة أطفال. دافع العملية هو الجهاد المقدس. وقبل أن تنقض عليه قوات الأمن وتقتله طلب هذا الشيخ المعمم علما ً لداعش كي يوضح للجميع الجهة التي ينتمي إليها أو التي يرغب أن ينتمي إليها ! بعدها خرجت بضعة مظاهرات تندد بالإسلام والمسلمين. جدير بالذكر أن أستراليا قد عانت من تجربة قاسية مع الإرهاب تحت إسم الإسلام في تشرين الأول - اكتوبر من العام 2002 عندما أدى تفجير منتجع بالي الذي يتردّد عليه الأستراليون في أندونيسيا إلى مقتل 88 أسترالياً.
لا أدري إن كان علي أن أقول هنا إن كل ما ذكرت أعلاه يشكل جزءا ً مما يحدث كل يوم وأن هذه الأحداث معروفة للجميع بفضل التغطية الإعلامية الكبيرة أو المضخمة. كما أعتقد أنه من الواجب علينا جميعا ً أن نتخيل الحالة المعاكسة لكل هذه الواقعات ... فلنحاول تخيل رد فعل المجتمعات المسلمة العربية (أو غير العربية) على مثل هذه الحالات إذا جرت في بلدانها. كأن يقوم بعض المسيحيين المتشديين المتعصبين من محتكري الحقيقة المطلقة، وهم موجودون ولا شك، بالمطالبة بإنشاء الكنائس في كل مكان وتطبيق مبادىء دينهم الحنيف (بالنسبة لهم) على السكان المحليين أصحاب الدين غير الحنيف (بالنسبة لهم) والمضلل والمشوه. لنتخيل أن ذلك مثلا ً حدث في إيران أو قطر أو السعودية. لن أدخل في تفاصيل سيناريوهات أشكال الرد المحتملة لأنها ولا شك ستكون دموية للغاية وسينشط علماء الأمة في تأويل وتفسير ذلك انطلاقاً، ولا شك، من مبدأ المؤامرة العالمية على الدين الحنيف والأمة العربية والإسلامية ككل! كل هذا يجري على خلفية الأحداث الدامية التي أنتجها "الربيع العربي" في دول العالم العربي والإفريقي المسلم. مع كل الصور والتقارير الصحفية المشبعة بتفاصيل القتل وتقطيع الرؤوس والتكفير المتبادل بين الطوائف المسلمة الرئيسة في بلدانها الأم.
إذاً... كيف وصلنا إلي هنا ؟ من أوصلنا إلى هذا الحال المزري؟ من جعل العالم يخاف منا ... نحن من لا يكف عن القول إن ديننا هو دين الرحمة والعدل والانفتاح والتسامح. من الذي جعل المسلم ينظر للعالم الخارجي نظرةَ عداء وخوف وتقوقع علما ً بأن الصدمة الثقافية - المعرفية الأولى آخر القرن الثامن عشر للعالم الإسلامي العربي مع العالم الغربي كانت قد أدّت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إلى ظهور علماء دين مثل الإمام محمد عبده الذي قال: "في الغرب رأيت إسلاما ًولم أر مسلمين. وفي بلاد المسلمين رأيت مسلمين ولم أر إسلاما ً".
أتفق تماماً مع جورج طرابيشي عندما قال إن حرب النكسة في العام 1967 كانت سببا ً وبداية لنكوص العقل العربي "المكوِّن" وارتداده إلى العقل العربي "المكوَّن" وذلك عندما انهزم المشروع الحداثي الوطني أمام تحدي الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. لكن ذلك لا يكفي برأيي لفهم ما يجري وتفسير حالة الإسلاموفوبيا التي تجتاح العالم الغربي. إذ يتطلّب منّا فهمُ هذه الحالة فهَم وتفحص النسخة المتداولة اليوم من الإسلام أو الأفكار والقيم التي يجري الترويج لها تحت اسم الإسلام من قبل من يدعون أحقية تمثيل الإسلام وحصرها فيهم.
أحد أعمدة البتروإسلام المعاصر، الشيخ يوسف القرضاوي، يقول حرفيا ما يلي: "العلمانية ـ بالمفهوم الذي شرحناه ـ لا تقف من الإسلام موقفا محايداً.. ولا يمكن أن تكون "محايدة" كما زعم بعض العلمانيين العرب. فهذا بالنسبة للإسلام مستحيل.. إن الإسلام يواجهها بشموله لكل جوانب الحياة الإنسانية: مادية ومعنوية، فردية واجتماعية، وهي لا تسلم له بهذا الشمول، فلا مفر من الصدام بينهما". في موقع آخر يقول القرضاوي: "إن النصرانية قد تقبل قسمة الحياة والإنسان شطرين: شطر للدين، وشطر للدولة، أو بتعبير الإنجيل: شطر لله وشطر لقيصر، فتعطي ما لقيصر لقيصر، وما لله لله! أما الإسلام فيرى الحياة وحدة لا تتجزأ، ويرى الإنسان كيانا ً واحدا ً لا ينفصم، ويرى أن الله هو رب الحياة كلها، ورب الإنسان كله، فلا يقبل قيصر شريكا لله، فلله ما في السموات وما في الأرض، ومن في السموات ومن في الأرض، وقيصر وما لقيصر، كله لله! فلا يجوز أن يستولي على جزء من الحياة، ويوجهها بعيدا عن هدى الله". أما في كتابه الإسلام والعلمانية وجها ً لوجه فنراه يكتب ما يلي : "إن الإسلام يأبى إلا أن يوجه الحياة كلها بأحكامه ووصاياه، وأن يصبغها بصبغته، وهي صبغة الله (ومن أحسن من الله صبغة) (سورة البقرة:138)، ويضفي عليها من روحه الصافية، وهي روح ربانية الغاية، أخلاقية المنزع، إنسانية المضمون.. ولا يقبل الإسلام إلا أن يصحب الإنسان ـ بتوجيهه وتشريعه ـ في رحلة الحياة منذ أن يولد، وإلى أن يموت، بل قبل أن يولد، وبعد أن يموت.. ولا يرضى الإسلام أن يكون في الحياة فضلة لا عمدة، وأن يكون له منها الهامش لا الصلب، وأن يكون لغيره القيادة، وعليه الطاعة والاتباع! إن طبيعة الإسلام أن يكون قائدا لا مقودا، وسيدا لا مسودا، لأنه كلمة الله، "وكلمة الله هي العليا" ولهذا فهو "يعلو ولا يعلى". ثم وفي ختام كلامه عن الصدام بين العلمانية والإسلام يقول حرفيا ً : "من هنا يصطدم الإسلام بالعلمانية، ولا بد في أكثر من مجال، يصطدم بها في كل شعبة من شعب تعاليمه الأربع الرئيسية: العقائد، والعبادات، والأخلاق، والتشريع".
غني عن القول إن القرضاوي يمثل ما يعرف اليوم باسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وهي هيئة من صفاتها الأساسية أنها دعوية أي أنها (وفقا ً لتعريفها هي لنفسها) "مؤسسة تـُـعنى بالدعوة إلى الإسلام باللسان والقلم، وكل الوسائل المعاصرة المشروعة، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، ملتزمة بمنهج القرآن بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن". كما أنه غني عن القول أن كل الدول الغربية الأوروبية أو الغربية عموما ً هي دول علمانية قامت بفصل الدين (دينها هي ... أي المسيحية) عن الدولة ومنذ عقود طويلة.
إذا ً ... فالصدام بين المسلمين المتمسكين بعقيدتهم (وفقا ً لتفسير الاتحاد العالمي لعلماء الإسلام) و بين الدول العلمانية الغربية التي هاجروا إليها طوعا ً والتي يرفضون مغادرتها إلى بلادهم الأصلية هو صدام ٌ حتمي وفقا ً لما يقوله علماء المسلمين أنفسهم. الموضوع بالنسبة للقرضاوي الذي لا يمثل نفسه فقط بل يمثل ملايين المسلمين الذين يحترمون كلامه ويتبعون فتاواه، هو أمر ٌ شبيه للغاية بفاشية هتلر وموسوليني. المسلم فوق الجميع والإٍسلام فوق الجميع. المسلم يمثل الفئة الناجية وباقي الشعوب والأديان على ضلال وجهل وكفر بواح. وهو بذلك يضع الشباب المسلم المتواجد في دول الغرب، التي احتضنتهم ودرست أولادهم ومنحتهم الأمان الفيزيائي والنفسي وساوتهم بمواطنيها أنفسهم تحت قانون واحد ينطبق على الجميع، يضعهم في مواجهة حتمية مع المجتمعات التي يعيشون فيها. لقد رصدتُ عشرات علماء الدين الآخرين الذين ينحون بخطاباتهم الدينية نفس المنحى الفاشي كالشيخ وجدي غنيم ذي الشعبية الهائلة في أوساط المسلمين والشيخ أسامة الرفاعي وسواهما الكثير.
إذا كان هذا مثل هذا الطرح الفاشي المتعصب المغلق والمتشدد ممكن التطبيق (!) في بلاد المسلمين كالسعودية وإيران وقطر وسواها مع ما يستتبع من إرهاصات اجتماعية وانفجارات وسبات قاتل للعقل النقدي العربي المسلم، فإنه غير قابل للتطبيق نهائيا ً في الدول الغربية التي يهاجر إليها الشباب المسلم بحثا ً عن أمنه وأمانه ومستقبل أولاده،أي عمّا لا يجده في بلاد المسلمين التي تركها خلفه بكامل إرادته ووعيه.
لا شك أن لأسباب الصدام بين الشباب العربي المسلم والمجتمعات الغربية التي يعيشون فيها عدة أوجه ولا يقتصر الأمر على الناحية الدينية. من ذلك مثلا ً العامل الاقتصادي والمصاعب الاقتصادية الهائلة التي تجتاح أوروبا ومنطقة اليورو حاليا ً. وقوانين الهجرة التي أتت بعد الوحدة الأوروبية (منطقة الشينيغن). ومنها تركات وتبعات تاريخ أوروبا الاستعماري. إلا أن كل ذلك لا يجوز أن يقلل من خطورة مثل هذه الدعوات الفاشية التي تفخخ الأرض تحت أقدام الشباب المسلم المهاجر وتزيد معاناته من التهميش والتمييز والتقوقع. المثال الأكثر ألما ً اليوم هو فرنسا وما يعانيه المجتمع العربي المسلم هناك. يكفي أن أقول أن 90 – 95 % من المنحرفين اليافعين هم مسلمون من شمال إفريقيا أو من العرق الأسود. إنه رقم مرعب بالفعل بالنسبة لمن يريد أن يفهم!
إنني هنا أدق ناقوس الخطر. شبابنا العربي المسلم يواجه اليوم مصاعب هائلة في بلاد المهجر الغربية العلمانية التي اختار الرحيل إليها بحثاً عن حياة كريمة بعيدا ً عن حمامات الدم التي أدى إليها التحجر والتخلف السياسي والديني في بلاده الأم. وأعتقد جازما ً بأن أحد أسباب هذه الحالة الخطرة للغاية والقابلة للتفاقم والانفجار في أي لحظة هو الخطاب الفاشي لعلماء البتروإسلام أمثال يوسف القرضاوي الذين ما فتئوا يصدرون فتاوى الكراهية والحقد والانغلاق ... الواحدة تلو الأخرى. متناسين أن الحرية والعدالة الاجتماعية والمحبة والتعاون بين البشر ... كل البشر ... هي أساس دين الإسلام وكل الأديان السماوية وغير السماوية تحت شمسنا الذهبية ... وعلى كوكبنا الصغير الأزرق التائه في ملكوت الله الكبير ...



#نزار_حمود (هاشتاغ)       Nezar_Hammoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاكمة السلاح !
- في رثاء أنسي الحاج ...
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 5
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 4
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 3 - الجزء الثاني
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 3 - الجزء الأول
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ... 2
- رسالة إلى أخي الثائر السوري ...
- أن جنيف أو أن لا جنيف. هل هذا هو السؤال ؟
- الأقلية والأكثريات
- أما زال النصر ممكنا ً ؟
- سوريا بين مطرقة الظلم وسندان الظلام
- القبيلة ...
- الطائفية بين العَرَض ِ والمرض !
- صديقي الذكي !
- الضرب والتقسيم على الوتر السوري
- لعيون علي ...
- ... المؤامرة مرة ً أخرى
- رسالة إلى السيد حسن نصر الله المحترم ...
- عندما أ ُكِل َ الثور الأبيض


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نزار حمود - لماذا يخافون منا ؟ البتروإسلاموفوبيا !