|
متصر القفاش : غياب بطعم الحضور
بهاء الدين محمد الصالحى
الحوار المتمدن-العدد: 6633 - 2020 / 8 / 1 - 14:33
المحور:
الادب والفن
الغياب المؤثر قراءة لرواية تصريح بالغياب للقاص منتصر القفاش قليل هي الأعمال التى تتناول اللحظات الدورية فى حياة الشاب المصري وهى لحظة التعامل الرسمي الأول مع المؤسسة حيث تتجلى له عدة لحظات قهرية : 1- درجة الجدل بين الانضباط كقانون ثابت بلاروح ، وكذلك درجة الألق المتعلقة بحرية الروح فى بحثها عن شكل وعلاقة تستكين فى أرجاءها . 2- الإنسانية الكامنة خلف الأحداث العشوائية التى تنبع من تداعيات التمرد البشرى على مايظنونه الأمثل لهم ، ولكنه دوما الصراع بين العقل والعاطفة والفوضى والنظام ، وكم هى ثغرات تملأ شقوق الروح التى تتشكل مع قسوة تطبيق النظام . 3- جدل المكان والقانون والبشر أيهم سيصبغ المشهد بروحه وقدرته على التشكيل ، فالبشر يصنعون قانون التفاعل من خلال تباين الرؤى مابين خارج المؤسسة وداخلها ، وكذلك حدود الحركة المكانية التى يحكمها البناء الفيزيائي للمؤسسة بحدود السور وغيره حيث يصبح المكان بحواجزه دالة اعتبارية ، والقانون الذى يحكم المكان حيث أنه تاريخ يكتسب دلالة من خلال تعيين لكثافة التفاعلات الاجتماعية الماضية ومدى قدرتها على استلاب الخصوصية بفعل الميول الخاصة والإبداع البشرى فى نسيج العلاقات الانسانية من رحم الخواء . فلسفة المكان ( الجغرافيا ) والتعود وكلاهما قانون بشرى عام يشبه الريح فى حركتها ولكن اتجاه الريح وما تحمل من محتويات وماتحقق من خسائر ومكاسب خلال حركتها ، هنا الفارق، ولعل قانون التعود جاء مع العائدين من الأجازات وروائح غرفة المبيت مع المخالي والأفراد الذى خاصموا الاستحمام ، ولعل تعود الجالسون والخبرة المغايرة مع القادمون من الإجازات المدنية ، ولا تلبث تلك الملاحظات أن تموت بفعل التعود . ولعل قانون المكان قد فرض نفسه من حيث العلاقات المبتسرة بين الجنسين فالشباب من المجندين والشابات من المتدربات فى تلك المؤسسة النظامية يجمعها عدة ملامح نفسية ( التوق إلى التمرد – النزق للتواصل مع الأخر – تداخل الخيال مع الواقع وهو أمر يعكس نوع من العجز البشرى أمام قوانين المؤسسة ) ولعل ذلك المناخ النفسى بالنسبة للفرد أمام المؤسسة يتركز فى ومضة إبداعية فى الفصل 17 صفحة 37 حيث يذكرنا برائعة يوسف إدريس مسحوق الهمس ، فالإحساس السائد هو القهر داخل الجغرافيا ،فالباب مغلق وحتى ستر نفسك قد اختفى : كل شيء حولك يشف عنك حتى حنفية المياه لاتأمن لها . وهو تعميق للإحساس بالاضطراب والصدمة لأنك فى النهاية تكتشف أن العنكبوت فى سقف الغرفة التى يسترخى بها البطل وهو سر تهاويم غياب الحدود والفوارق بين الأشياء ، فهى لحظة اشتهاء للأخر ولكن ممزوجة بالعجز فالوهم هو الحل النفسى الأمثل لتجاوز مساحة القهر المزدوج من الجغرافيا والقوانين على سيولة الروح وقدرتها على تجاوز الجغرافيا .
اللغة ومضمون الحدث اللغة كوعاء هندسي لفظي وشكلا تشكل رؤية الفرد للعالم ومن هنا جاءت المجتمعات كصانع للرموز حتى تكتسب تلك الرموز سلطتها عبر الزمن كسلاح فرضته الحاجة للتواصل الانسانى وذلك بحكم الاحتياج الفطري للأخر ، يفرض ذلك نفسه فى الفصل 12 حيث أحتل ذلك الفصل صفحتان جاءت كلمة (كأنني ) 7 مرات كبداية للمقاطع الرئيسة لذلك الفصل مع كأنني فى الختام وعلاقتها بكأنني فى البداية ، ففي البداية يقرر أنه فى نوبتجية الشنجى وهى الفترة الزمنية المتعلقة بالهزيع الأخير من الليل وهى فترة لها دلالتها النفسية حيث تكثر اللحظات الخاصة والذكريات والرقيب ، مع عمق الركون الى النفس وينتفي الأخر المادي بحكم النوم ، ولكن الخوف من قدوم القائد ليفتش عليه يتصارع مع توق روحه للقائها من خلال دلالة اللون الأسود كرمز للظلام الذى يكتسب دلالته النفسية ليصبح صدى لظلام روحه وغياب الرؤية داخله وقتامة البصيرة: تلك المنطقة الحالكة . أرقبها الآن . تتعدد داخلي وتتكاثر . شكل الصياغة اللغوية وكثافتها مع نهايات الجمل القصيرة جدا وكأنها نوعا من تعدد العوالم فى سطر واحد وهنا نوعا من الكثافة اللغوية وهى نوع من المهارة النابعة من صدق العالم النفسى التعبيري لدى القاص . عالمان يتضاربان داخل مملكة التمني تلك وكأنها درجة من المعالجة المتعالية على الواقع كيفا وكما ، فمن هي على سبيل التجهيل لمن هي من كل تلك الكثافة البشرية التى تمثل ذلك المشترك فى تلك المؤسسة النظامية وهنا يشكك فى وجودها أصلا. فقد جاءت على ثلاث مراحل ليبرر عالمه الافتراضي الذى ويقارب واقعه الحي ، ففي الحالة الأولى يسعي لاختراق العالم السري الغامض عليه ، ولا يعلم عنه سوى هلاوس المراهقة من خلال حياد ألفاظه وإبهامها وربطها بعالم النساء . وفي الثانية يكشف عن طقس مارسه جمع زملائه بخلق وهم جماعي لهم من خلال اصطفاء أسم فتاة قد تبسمت لأحد منهم بحكم نزق الطبيعة العمرية ومجموعة الاستدعاءات من الذاكرة والمرتبطة بأوهام وكمية الحرمان بحكم رتابة الحياة اليومية مما يولد قهر العاطفة وسلطانها على العقل ، وبحكم الاشتراك فى نفس معاناة وقسوة الحياة فإن الرغبة فى التصديق تصبح قانونا وعلاجا حيث تصبح الحاجة للوهم دافعا لتجاوز قسوة الاعتياد الذى يقتل الروح . فى الرابعة يعلن تمكن الحلم / الوهم منه وحسم صراع الواقع / الوهم لصالح الأخير = كأنني نحوها نسيت كلمة السر وإن ظل رنينها فى أذني ، إذن هو خفوت وليس موت ، وكأنني فى الختام نحوها . هي لحظة يسبقها لب الحياة وهو الخوف مع أمل النجاة فى نحوها . العلاقات البنائية فى النص يتراسل النص عبر دفات الرواية حيث تتداخل العوالم مابين المؤسسة وخارجها وكذلك نوع من السلوك القائم على ردود الفعل تجاه القطب الأكبر وهى المؤسسة بمعناها المطلق فالمؤسسة نوع من العلاقات الملزمة ذات السلطان الخفي غير قابل للنقض إلا بشكل خفي ، ذلك الشكل الذى يحمل تمردا على طبيعة تلك العلاقات ثم لاتلبث إلا أن ترسى علاقات جديدة تعطى نوعا من التطور النوعي ولكن من داخل المؤسسة لا من خارجها . إذن هي علاقات متشعبة يحكمها الجو العام وهو الغطاء الذى يندرج تحت مظلته عدة فئات : * المجندون المكلفون بحراسة المعهد التعليمي والمقيمون داخل جغرافيته ولكن طبيعة سكان هذا المعهد الداخلي من الإناث وهنا تبدو القضية الملحة فى الفضاء البصري وهم النساء وطبيعتهن وسلوكهن وما يثرنه من أحاسيس قاتلة . * الفتيات اللائي يتم إعدادهن ليكن ملائكة رحمة وهن فى نفس الشريحة العمرية للمجندين . التمثيل النسبي لبيئة السرد حيث تجمع كل البيئات الثقافية على مستوى الطبيعة المتنوعة للأفراد ، من خلال صيغة قهرية ومن هنا تأتى طبيعة التعايش المشترك لتكون صيغة خاصة من المجتمع الكلى ولكن مع اختلاف نوعي ،ويتبدى ذلك فى عبارات مكثفة : طالما التوت فى أغصانه فلابد أن تتلاقى الأكف . تلك العبارة الافتتاحية فى الفصل الخامس، والقاص يمارس القدرة على تعدد مستويات الوعى فهو يصف إقبال المجندات على التوت ، والتوت هنا فارق كدالة فى علاقة ذلك المجموع القابع تحت سلطة المؤسسة فالبنات يعطين التوت للصولات ويهادين بها بعض المجندين فى غفلة من الصولات . يلتقط القاص الذى يتميز بقدرة على التقاط ملامح الصورة التى تبلور انماط التفكير الجماعى وكأن تلك المحطات هي إشارات ، ففي الفصل السادس يتحول المشهد الواحد لدالة حيث المشهد الأبرز دون تحديد أسماء لفتاة تذهب الى للحمام عدة مرات إمام السرية بأكملها ، مع تشعب غير محدود للخواطر المتداعية لكل فرد على حده . الجديد فى الرواية تلك البيئة السردية بكل تفاصيلها من خلال خلق نمط تجريبى للمجتمع كى يمارس من خلاله التأملات النابعة من مفردات عالمه .
#بهاء_الدين_محمد_الصالحى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صلاح والى : ابداع يتجدد : فتنة الأسر 1-2
-
صلاح والى : ابداع يتجدد : فتنة الأسر 2-2
-
jتركيا : تقييم لإدارة الأزمة
-
ثورة 30/6 تقييم أولى
-
ثورة 30يونيو : مدخل تقييمى
-
هونج كونج : لغتان متوازيتان
-
الصين وامريكا عالمان متوازيان
-
ذ`ذكرى شاعر لا أعرفه
-
صناعة الدولة فى الخليج
-
أزمة سد النهضة
-
الدولة العربية : تجديد المقاصد
-
العنف الهامشى
-
شاب مبدع
-
زمار الحى
-
قيم بالوراثة
-
أدب المرأة
-
حسنى هاهد
-
عبدالرؤؤف اسماعيل غنائية الفقراء
-
حامل الريف تعب
-
الحوار المنقوص بين الخشت والامام
المزيد.....
-
الباحث الإسرائيلي آدم راز يؤرخ النهب.. كيف سُرقت الممتلكات ا
...
-
هكذا علق الفنانون السوريون على سقوط نظام الأسد
-
تابع بحودة عالية مسلسل قيامة عثمان 173 Kurulus Osman مترجمة
...
-
اكتشاف بقايا بحرية عمرها 56 مليون عام في السعودية
-
أ-يام قليلة تفصلنا عن عرض فيلم “Hain”
-
أيمن زيدان اعتذر.. إليكم ردود أفعال فنانين سوريين على -تحرير
...
-
6 أفلام جسدت سقوط طغاة وانهيار أنظمة استبدادية
-
احتفالات وسخرية واعتذار.. هكذا تفاعل فنانو سوريا مع سقوط بشا
...
-
دمشق الفيحاء في عيون الشعراء
-
اضبط تردد قناة روتانا سينما عبر الأقمار الصناعية لمتابعة أجد
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|