أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهاء الدين محمد الصالحى - زمار الحى















المزيد.....



زمار الحى


بهاء الدين محمد الصالحى

الحوار المتمدن-العدد: 6519 - 2020 / 3 / 21 - 10:12
المحور: الادب والفن
    


للشاعر خالد الشرقاوى
دائما مايكون العنوان هو المدخل الرئيسى لفهم محتوى النص وكذلك الإهداء والعبارة التصديرية ، ولكن شاعرنا يضيف قيمة إقرائية وهى الاحالة وهى تيمة رئيسية فى علم المعلومات والفهرسة فالأحالة تعنى انظر ايضا ، وكذلك لفت نظر القارئ لشئ قد يغيب عنه وهو نوع من الاشارة المرورية لداخل النص إذا جاز هذا التعبير .
العنوان الرئيسى زمار الحى وهى إختصار لمعنى تداولى من خلال المثل العربى ( زامر الحى لايطرب ) وقصته ( كان احد الرعاة يجيد العزف على المزمار وكان يغنى كل يوم قبل مغيب الشمس ليؤنس وحدته وهو يرعى الغنم ، ولكن قومه الفوا العمل وهو يغنى ،ولانهم تعودوا عليه فلم يلاقى اهتماما وتبجيلا منهم حتى مر على بلدته يوما رحالة فعرض عليه ان يصحبه فى جولات خارج بلده ، ونجح حتى ذاع صيته وعاوده الحنين لبلدته ليغنى بها ولكن الرحالة نصحه بعدم العودة ، ولكنه اصر وعاد وغنى فلم يصفق له الا اثنان الرحالة وشيخ كبير ، فلما سئل عن سبب ذلك قال له الرحالة – زامر الحى لايطرب – ثم قال له الشيخ – أخطأت إذ أتيت ، وأخطأت إذ تدنيت ، وأخطأت إذ تمنيت – فسأله الشاب عن معنى ذلك فقال له : أخطأت إذ أتيت من ارض رحبت بك لأرض طردتك ، فليس بعد الزيادة إلا نقصان . والثانية : فأخطأت إذ تدينت فالرحالة يعطيك الف درهم وهو يكسب الف دينار . اما الثالة فأخطأت إذ تمنيت أن تجد الخير فى أهلك بعد أن وجدته فى غيرهم ) ، ذلك العنوان يفجر عدة تداعيات :
1- مأساة المبدعين فى إحتراقهم الداخلى وضعف المردود الاجتماعى والنفسى الذى يلاقونه .
2- عمق المأساة من خلال عجز النخب عن خلق لغة جاذبة تعيد للحى اهتمامهم برؤية المبدع الذى يفترض صدقه بحكم سعيه الحثيث لتجاوز الواقع بدافع خفى وهو الابداع .
3- كمية الغيم على الرؤية المشتركة لشريحة المتلقى ومن هنا تفقد العلاقة مابين المبدع الذى يفترض كونه قائدا دون أن يقصد لشروط تحقق الرؤية من خلال الاستجابات المعرفية لما يطرحه المبدع .
4- مقاومة الموت من خلال إنتشار مناخ عدم التحقق لأن ذات الشاعر فيما يقوله ، فإذا تسرب إليه احساس بعدم جدوى مايشعر به وصل لحالة الموت المعنوى .
الاحالة كميكانزم معرفى فقد جاء بصورة لاهوتية توحى بقدسية المعرفة (( طوبى لمن يبحثون عن المعنى دائما )) والمعنى هنا تحديدا هو ماوراء الاشكال والتركيبات اللغوية ، يبقى السؤال ماهو مدى توافق النصوص الواردة خلال الديوان الى بابين الباب الاول وهو فصول من دفتر الخوف ، ذلك التقسيم الذى يؤكد تاريخية الخوف وبحث عن مبررات وجوده داخل ذات الشاعر / المجتمع .
الشاعر هنا يقرر تحديا كبيرا للقارئ مع طول القصائد مع إمتلاكه الادوات التى تحافظ على انتباه القارئ ، من خلال طرح المفهوم والمراحل العامة لرحلة معرفية كاملة ببعدها الوجودى والصوفى مع تداخل المفاهيم وتدرج الوعى .
التقسيم الخاص بالباب الاول للديوان : النشأة – الخلود – العهد – الجسد – المواجهة – فوبيا – موت مبرر ) والعنوان الاشمل فصول من دفتر الخوف .
وهو كلها عناوين مركبة الدلالة فى احتمال تطوير المعنى وفق الانساق المعرفية ، يطارد الشاعر احساس دائم بالخوف من كل شئ وهو أمر راجع لترسبات العجز عن التعبير الكامل عن طموحات الشاعر ، ولايلبث الخوف إلا ان يتحول الى كيان متكامل داخل هيكل الشاعر / الانسان / الشريحة ، حتى تغدو ذكراه نوعا من ملابسات حياة خائف من كل شئ ، ولكن الامر المحزن فى هذه الحالة انه سيغدو فى صورة ومخيلة احفاده حتى الذكرى كحلم رئيسى شارك مفهوم الخلود ، حيث يستعرض تلك الذات التى ابتغاها من خلال عوائق لم تنجح فى النيل من جموح روحه فى إتجاه الصعود :
الموت صحيح / صياد جسور / لكنه أضعف / من حدود الروح .
حيث يلغى المعنى المتداول للموت ومفهوم الخلود محدود من خلال التحقق للذات ، وهى إرهاصات لعجز الشاعر عن ان يلعب دورا حقيقيا فى واقعه :
وأنا هعتبر / كل الخسائر وقتها / تصريح دخول / باب الخلود .
ادائية الشاعر كمناوشات الذات الواعية مع ظلمات الداخل ، وذلك من خلال النفس المنظم :
مع صوت تروسى / وضى ليلى / والكون تلاشى / من حولى فعلا .
هنا بستخدم الشاعر الفناء فى ذات القصائد والشعر كسياق عام لحياته ، من خلال تقنية الشيخ والمريد :
لذلك / قبل مادوس / على ضهر وبطن الارض / اشهد ل الشعرا / هما ملايكة هذه الارض / هما طيور الجنة ونورها .
ثم يعلن عهد دخوله إلى ملكوت الشعر داخل مرحلة العهد : سلمت نفسى للقصيد والنور / حرفى سر نبراسى المقدس / خالص يقينى / من الشكوك والخوف .
اللغة اللاهوتية هنا فى التعبير عن التقسيم الرئيوى لفكر الشاعر من خلال ابراز قيمة الشعر كجزء من الروح :
اذنت بسم اقانيم الثالوث الشاعرى / بسم روح الفكر / والمعنى / والخيال البكر .
وكأنه يقسم على نفسه عهدا بأن يتحرى ماسبق فى أداءه الشعرى عبر الديوان ، ذكاء الشاعر فى خلق صورة جديدة من خلال ذلك السياق الروحى الصوفى الذى اختاره لحركة الالفاظ داخل الديوان :
دخلت حضرة / شعرا عمدان القصيدة / ناهش قليبى الشوق .
علما بأن الحضرة مقياس ادائى فى حركة المتصوفة حيث يجتمعون لتلاوة اوراد أو للتراقص على النمط المولوى فى التصوف ، وهنا تحققت الحركة من خلال تفاعل ثلاثى :
1- شعراء العامود . 2- ذات الشاعر التواقة للتحقق بأداء شعرى وخطاب مفارق للواقع . 3- المجموع القادر على احتواء فصيل الشعراء علاوة على الذات الفارقة والمتخطية لحدود الواقع بطموحاتها ، لتجاوز معوقات حدود الجسد بكل تناقضاته .
شاعرنا يتأرجح خلال ديوانه وهنا يطرح سؤال الوجد والخوف هل هو هروب أم عجز ذلك الواقع عن تحقيق الاحساس بالامان او الاجابة عن الاسئلة الوجودية التى يطرحها اصطدام ذات الشاعر بالواقع .ولعل ولوج الشاعر لمرحلة الخوف كبداية لتجاوز ذلك الواقع :
خلعت توبى / ثم غطيت الانا بالجهد / ادركت الحقيقة الكامنة / ف قاع الشقا .
ثنائية الروح والجسد
يكثف الشاعر ايقونة خاصة للجسد وكأنه يريد أن يطرح علينا ترسيخ رؤيته الصوفية التى تركز على الروح كأداة قوية من ادوات مقاومة الواقع ، ومن هنا يقتضى السؤال كيف عبر الشاعر عن الجسد قبل هذه الايقونة وبعدها ، ملامح ذلك الجسد :
1- موطن لكل قيم التمادى فى الخطيئة ولكن ذلك الوصف بعدما جاء بالعتبة الاولى فى الايقونة وهى حالة يقظة الروح ، ولكن تلاها بعمق حالة التضاد والانهيار الاخلاقى ليجعل التالى شرحا للنتيجة الاولى :وكانت الروح ترف ، / بعد التمادى ف الفجور / كان الشيطان الادمى / على حدود المملكة / المتخمة بالزيف / يزرع / فسايل الدنس الجديدة .
2- استدعاء القصص التاريخى بتخريج جديد إذ جاء بهابيل رمز الطهر فى قصة ولدى ادم ، مع تباين الصورة التى تصاحب كلاهما :
كان هابيل / راكب على ضهر الخيال / يرسم حبيبته / نور فى اكليل النعيم .
مقابلة الصورتين على طولهما لاستيعاب أكبر قدر من التفاصيل ، عمق المقابلة الذهنية مابين الصورتين :كان هابيل / كان قابيل المنتشى .
جاء ذكر الاول فى المطلق لعدم تحققه الفعلى ، بينما جاء ذكر الثانى مقرونا بوصف ناتج عن فعل وهو وصف الانتشاء ولكنه انتشاء ممزوج بالدم انعكس على شكل الكون وتغير طبائعه فلم يعد القمر صافيا بعد فعلته :
كان قابيل المنشى / قمر على صدر السما / خارج من المخدع / مكلل بالشفق .
ألية الموال فى الحالتين المتقابلتين توفر حالة من التباين مابين الرجاء فى الحلم والدعاء والارتباط بالسماء / بينما دينونة الحالة المقابلة وقتامتها : ناح الغراب وانا نوحت وراه / والنار وجت لما قال أه .
حال التوحد مع حال الجريمة الاولى فى الكون يفيد بتواصل الانسان عبر تاريخه ودلالة تكرارها حتى استنطقت ذكرى الحادثة الاولى فى حكائية البشر المتوارثة ليستدعى النواح كخبرة تاريخية ونوع من الحنين لذكرى المقتول والمقتولة اهمالا بعد وفاته ، اعادة توصيف الجريمة وتداعياتها عبر التاريخ فما هى القيم التى ارساها قابيل :
1- الانانية المبررة بالنشوة المدفوعة بالشهوات .
2- تزييف المعانى من خلال استبعاد الصورة الحقيقية ، يتحقق معنى ذلك الاستبعاد بقول الشاعر : ويمد زيفه على المدى / يطمس المعنى / بدم الساذج المقتول .
وكأن دم المقتول أصبح سيفا ومحاكاة لنموذج الارتقاء مع قربنة الاخرين .
بعدما استراح العالم من الجريمة الاولى عاد العالم يمارس جدله من خلال حديث الروح مع الجسد يتبلور فى عدة مؤشرات حركية :
1- الجسد هو سجن الروح : وانطلقت الروح العتيقة / من كتمة القمقم / الى الصدر الفسيح .
2- استبدال الزمن الحقيقى بالزمن الشعرى وكأن الروح فى رحلتها هى تجسيد للأدراك الشعرى للعالم الذى يقدمه الشاعر فى شطراته الشعرية :
على بعد شطرين م الجسد / راحت ف غفوة ومددت / خرجت قصيدة من الصدوع / تمثال سماوى من الاوليمب .
3- التأكيد على الطبيعة اللاهوتية من خلال استدعاء استدراكى لقصة خلق حواء من ادم ، وكذلك عبارة جبال الاوليمب عندما تحدث عن ولادة القصيدة من روحه ، وذلك لتوافق المصدر وهو الانسان ، وجاء ذلك التضمين لتقريب المعنى للمتلقى ، وكذلك وحدة المعنى للنصين بغض النظر عن المصدر .
4- تبلور الذات غير المحسوس والمتحرر من الحسوس – الجسد – لتظهر فى بعد مادى اخر وكأن القصيدة هى نتاج تفاعل حى بين الروح والجسد لصالح الروح ، ناتج ذلك التفاعل هى القصيدة ، وشاعرنا هنا بحكم إطلاعه الادبى أدخل اسم جالاتيا على القصيدة وهو معنى تداولى ، لاسم التمثال الحى الذى اصطنعه الملك فى قصة بيجماليون حيث اعجب بدقة صنعه وظل يناجيه حتى رقت لحاله الالهة فتحولت لإمرأة فتزوجها وأولدها باقوس منشئ مدينة باقوس القبرصية .
هنا الايحاء من خلال المعانى التى يسهل تأويلها وذلك لتوافر نمط قياسى ثبتت اركانه وصار من ثوابت المعرفة ، المعنى هنا خلق تصور جديد لحدود القصيدة وإحتواءها للعالم لتخلق عالما بديلا للواقع المعاش : شكلتها صورة ومجاز / وايقاع على الوزن / المناسب للكمال / نهد وشفايف سرمدى / ضد الغواية والشطط .
5- التقوقع داخل الذات المفترضة لتصبح نقطة الانطلاق الجديدة تجاه العالم .
6- يمارس شاعرنا تضمين بيت الاعشى من معلقته الغزلية التى يبدأها ب ودع هريرة :
ودع هريرة ان الركب مرتحل * وهل تطيق وداعا ايها الرجل
غراء فرعاء مصقول عوارضها * تمشى الهوينى كما يمشى الدجى الوصل
وهريرة هذه كانت قينة لرجل من أل عمر بن مرثد ، اهداها الى قيس بن حسان بن ثعلبة بن عمرو بن مرثد فولدت له خليدا ، والمعنى الذى استدعاه شاعرنا هو وصف هريرة بأنها جميلة بالمواصفات القياسية لتعبر عن الانثى الحلم وكأنها وطن بكل معانى الجريد لمعنى الانثى .
7- عندما تحولت القصيدة الى جسد بديل : هتكونى – القصيدة – ورد الواصلين ( الورد هنا مرتبط بمعنى ورود المياه ) / هى انتصارى المعنوى .
عبارة اخيرة تظهر مدى أختباء الشاعر داخل أزمته الخاصة فى علاقته مع العالم فقرر أن يبحث عن النجاة داخل سراديب ذاته بأضائتها بالحقيقة ونورها .
8- ينهى الشاعر ايقونة الجسد باسم اشارة ( هى ) ومع تعظيم المشار اليه :
هى الكناية عن الجمال – تكررت مرتين كمطالع لمقطعين متتالين ، مع توحد الخبر فى الحالتين :
والسر فى المعنى / ومش ف الطين . أهو سؤال ملح يحتاج الى اجابة ولكنه يسوق تأكدين ليعلن انه فى غنى عن طرح السؤال لغلبة اليقين ، السر فى المعنى ومش فى الطين يؤكد الوحدة الموضوعية وانتظام البناء الفكرى للقصيدة والديوان بأكمله ، ليبلور ذلك معنى التصدير الذى يركز على مفهوم المعنى .
لغة الشاعر
جدة الصورة والكثافة فى العبارات الدالة ذات الايقاع الصادم ، أول شئ يقابلك عندما تقرأ الايقونة الاولى ، وكلمة الايقونة تعنى النمط القياسى الذى تكرر تبلوره مع تعدد الابعاد :
مكنون / متكور / جوا خبايا جراب السر ، متحاصر / جوا فراغى المنفى / برا مدار الكون / لكن / واصل حبلى السرى / لعصب الارض .
وكأن الشاعر يطرح لنا الاحساس القدرى بالاغتراب حتى مع الرحم الاول والدائم وهى الارض ، مستويات الاداء فى الحركة من أعلى لأسفل من الحبل السرى فى رحم الام الى اصل الارض فكما ان الاغتراب والفراغ والمنفى قد قدرا عليه فأن الارتباط بالارض قد ولد معه واى ارض مثل الوطن .
وكأن الشاعر يفلسف ذلك الوضع الجنينى من حيث الوحدة ويؤسس مرحلة الجنينية ويرمزها فلايستطيع الصوت خروج حدود فراغ المنفى هذا ، وكأنه يريد ان يرسل لنا فى ايقونته الاولى مفتاح شخصيته وهو التمرد والبحث عن دور مؤثر فى واقعه ولكن واقعه الجنينى أقوى منه ، ويمارس معنا رياضة ذهنية من خلال النكتة اللغوية : مكنون / متكور ، ثم يعاود فى نهاية المقطع الثانى للقصيدة : يرد رجولى لصدرى / اتكور تانى جنين .
على مستوى الشكل للقصائد يقرر الشاعر أن حياته ثمانية من الايقونات ولكن عناوين تلك الايقونات والتى تفلسف رحلة وعيه كأنسان عضوى فى المجتمع ، تحمل دلالات وتأويلات ، هى أزمات وجودية يعانيها الشاعر وكأن تلك الاشارات تحاصره منذ البداية ( الحرية – السؤال – الكيان ) هم قدره : كل مااصوب شهقة . فالتصويب من ذات قاذفة لروح قلقة تستهدف الخروج خارج الاطار المرسوم حتى لو كان رحم مكنون .
قانون الحركة هنا لازال فى سياق السلبية بمعنى عدم القدرة على التحقق ، تلك الشهقة / الحرية ترتد دون الجدار فتعود لجوف مطلقها فتتحول لسلاح ضده فتقل تلك المساحة التى يحتلها ، لأن الدور قدر ، وفى دعابة ونكتة لغوية ينقل لنا احساسه بمن حوله وهنا اللقطة التى يلتقطها الشاعر عند كشف الطبيب على امه وهى حامل فيه لنبحث فى عمره الجنينى وقتها وهو ذكاء إجرائى لإيقاظ وعى القارئ .


إطراب زامر الحى
دراسة فى ديوان زمار الحى
للشاعر خالد الشرقاوى

مدخلنا لقراءة الشاعر من خلال شفافية الفاظه وخصوصيتها وذلك من خلال الطابه اللاهوتى ونفترض هل يتم تصنيف هذا الديوان على انه ديوان فى الشعر الصوفى له مذاق خاص ورؤية خاصة للعالم من خلال ثنائية الجسد والروح :
فخف جسمى وطرت / حفرت اسمى/ ع الصخور بالناب / وخلف رقصى / إتصفت الاكوان فى صف / أنا كنت لحظتها الامام / وروحى على بحر الخيال بترف .
وذلك كله فى ايقونة العهد حيث تغلب المفردات الصوفية : مزمورى صمتى / كما ورد يومى / حاسس بروحى / مخلوعة منى / عايمة ف ذاتى .
وكأنه يمارس وصفا رائعا لحالات التدرج بالذوبان فى الكون والفناء ولكنه فى رحلته الروحية يأخذ العهد على يد شيخه ولكن أى عهد أخذه الشاعر على نفسه ، وعلى أية طريقة اصطفت حياته ، إنه قد وهب نفسه للشعر : سلمت نفسى للقصيد والنور / حرفى سر نبراسى المقدس / خالص يقينى من الشكوك والخوف .
وكأنه يعلن براءة روحه من مساحة الزيف التى تحتله ، وهنا السؤال هل يمارس الشاعر الانعزال عن العالم ؟ والاجابة هنا لا لانه خلع عن نفسه الشكوك والخوف وذلك اساس المواجهة ، وانه قد بحث ومارس تطويرا للغة خطابه مع العالم من خلال رقى المجاز .
ويحضرنا هنا كمنارة استرشادية لمعنى الخوف كما ذكره ابو حامد الغزالى فى كتابه – الاقتصاد فى الاعتقاد - : إعلم أن حقيقة الخوف هو تألم القلب واحتراقه بسبب نوع مكروه فى المستقبل ، وقد يكون ذلك من جريان ذنوب ، وقد يكون الخوف من الله تعالى بمعرفة صفاته التى توجب الخوف لامحالة ، وهذا أكمل وأتم ، لأن من عرف الله خافه بالضرورة ، ولذلك قوله تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء .
وشاعرنا هنا يكرس حال الخوف شعريا من خلال مفرداته عبر الديوان ولكنه يعيد انتاج تلك الحالة بحيث يطرح عدة علامات فى مسيرتنا الروحية لمواجهة الواقع الذى دفعه لحالة الخوف تلك ، ويخلق لنا اشارة تداولية بطبيعة الايجاز فى الاهداء :
الى المجذوبة التى قابلتها صدفة فأوصتنى بأن أتحلى بالجرأة والشجاعة .
وينكر تلك التى قابلته لتعظيم شأن فعلتها وكذلك لخلق النطاق المتصور للمناخ الذى تدور فيه وحوله القصائد .
ايها السادة نحن بصدد صوت شعرى جديد فى طرحه وفى لغته وبناءه المعرفى ، هكذا هى مصر قادرة بابناءها على ان تقدم كل يوم جديد .
ميثاق الخلق
دراسة فى زمار الحى لخالد الشرقاوى
الأيقونات هى الصيغ المثلى التى يستدل بها والتى تحولت لحالات قياسية وهنا نحن بصدد شاعر قد ترتب عالمه الداخلى ليفرز لنا منظومة كاملة أو بالأحرى رؤية كاملة لحياة الانسان على الارض من خلال عدة محطات وجودية ودرجات الارتقاء النفسى والعقلى على مدى حياته .
ويتبدى ذلك من خلال عناوين الايقونات ( الميلاد – العهد – نشيد الخلود – الجسد – المواجهة – فوبيا – المحاكمة – موت مبرر ) وهى ثمانية مراحل تستوعب ميلاد أدم الايقونة الاولى للبشر ثم العهد الذى قطعه على نفسه بالطاعة ثم سعيه للمعصية ونقض العهد تحت شعار الخلود حيث كان الخلود هو المدخل السحرى الذى جعل ابليس يقود أدم لقوانين الارض وهى مرادف الجسد الذى تتكون ذراته من مكوناتها ، ثم مواجهة الشر على الارض مع ظهور الخطيئة الاولى التى لم يعى الانسان مفرداتها ومن ظهرت الحاجة للتعلم ، والتوبة كما فى قصة ولدى أدم ، ذلك الاختيار القائم على المواجهة ولد نوع من الخوف المرضى تجاه الاشياء لضعف علم الانسان بها ، ثم السؤال القدرى وهو الحساب سواء كان السائل هو ذلك الضمير الحى أم حركة المجتمع أم سؤال الموت والحساب ، ثم يقرر أن حتمية كل هذا الموت المبرر سواء كان لحاجة تخفيف المسؤلية أم للهروب أم لإنتهاء الرسالة والقصد كل هذا يجعل الموت شئ واقعى لأن البقاء يفقد مبرراته .
الايقونات الخمسة تلك فصول من دفتر الخوف ، وهنا المدخل السيميائى لفهم الديوان فنحن بصدد رؤية صوفية ذات بعد وجودى لجدوى حياة الانسان الأخلاقية من خلال طبيعة المراحل الثمان .
إعادة قصة قابيل وهابيل من حيث مفهوم المسؤلية وكمية الضعف المبرر لها :
مزع الحجاب الأدمى / رد بوقاحة على الإله ( هى اللى أعطتنى وأنا الضعيف ) / تكوينى طين وعدوى نار .
الاشارة هنا لثقافة الشاعر من خلال إطلالة الرواية التوراتية ، وكذلك الإيحاء من خلال تضمين المعانى وهو نوع من رقى اللغة ليفيد الشمول فلو خصص بإبليس ولكنه عمم بنوعه وهى دقة تليق بمرحلة الرؤية التى تفترض الرمزية مع الخصوصية لكل متلقى على حده .
إعادة الانتاج هنا تستدعى التراث الشعبى الخارج عن نطاق التاريخ الدينى وهو تحميل المرأة مسؤلية إفساد حياة الرجل الاخلاقية من خلال التسبب فى طرده من الجنة ، وهو نوع من الحيل النفسية التى يستدعيها تجمع ذكورى قبلى أراد أن يحمل المرأة اثام البشر .
الصورة الفنية عند خالد الشرقاوى متعددة الاوجه والفاعلين فيها فى أيقونة المواجهة من يواجه من ، يتبدى ذلك من خلال مجموعة من الصور الجزئية التى تكون فى النهاية صورة متكاملة :
وكل مافى الحى / بخضوع إمتثل / لصوت الشاعر الفارس فى قومه . الجزء الاول من الصورة الفرد المسيطر من خلال إمتلاكه للبيان ( الميديا ) وكذلك ادوات القهر .
الجزء الثانى من الصورة : سيفه أترفع / نوره برق / من وسط كم المرهونين بالذل .
الصورة هنا توضح السبب فى صليل وجوده لأنه أعلى السيف وتراجع صوت الشاعر وزاد هذا الخوف من لمعان السيف لأنه قابل العدد الاكبر من متلقيه من محابيس الذل والشاعر هنا استعار فعل الرهن والوصف النابع منه ويعنى ذلك ثقل الامر الذى أدى للرضا بهذا الذل ولم يكن سوى السيف ،
الجزء الثالث من الصورة : قدم نفسه على البساط / - بغباوة واستهلال - / فار عليه ضحك القبيلة / غرقه فى شبرين / من الخزى والعار . الدلالة العظمى هنا فى حدة المقابلة بين الصورة الذهنية حيث ان البطل هنا فى هذه الصورة هى الفكرة ومن هنا تكتسب تلك الصورة الفنية جدتها وقدرتها على استلاب عقل القارئ وإنما يعكس ذلك وضوح العالم الداخلى والبناء المعرفى للشاعر .
فارس جاء بسيفه قدم نفسه مادحا فى نفسه بلغة هى من صميم غروره والادق هنا فى كلمة فار حيث تمثل الفعل الرئيسى وهى كلمة من صميم اللغة الشعبية والرسمية بكلمة فار التنور ،وعندما نقوم بغلى السوائل عبر عنها شعب القبيلة بفار عليه ضحك القبيلة هل هو تضمين لدور النكته فى المقاومة وانها تعبر عن رفض ضمنى لمن اطلقت تجاهه وهو مبحث طويل فى علم النفس ، الفعل هنا ثلاثى : - قادم بعقل ما وظن ما . – متلقى أعاد القادم من خلال رد فعله الى نتيجة . – النتيجة الفعلية وهى تحجيم ذلك المتلقى والغاء اعتباره لذاته الذى أكسبه هذا التمدد والانتشار .
وهى صياغة مقلوبة لمعادلة القهر التى استعملها الفكر المتوارث والدينى وفرعون استخف قومه فأطاعوه فقال انا ربكم الاعلى وهى كلها معانى مستمدة من امكانيات الحركة المتنامية داخل الصورة الفنية التى اوردها الشاعر .
الشاعر هنا يرصد لنا صورة المقابلة بين القوة والفكر من خلال ماتوصل اليه الفرس من ذلك التناقض الذى وقع فيه :
كان نفسى أكون شاعر / ف وسط القوم / انزف جروح كل البشر بالليل / يحن لى الحجر / من نشوة المواويل .
وهل نهاية الادراك إلا الرحيل ، ولكن ذلك الندم وتلك النتيجة تؤكد على الوحدة العضوية للديوان تلك النبوءة التى أوردها الشاعر فى ايقونة الميلاد : ولذلك / قبل ماأدوس / على ضهر وبطن الارض / اشهد إن الشعرا / الشعرا / هما ملايكة هذى الارض / هما طيور الجنة / ونورها .
ماهى طبيعة الشاعر فى بدء التكوين كما يرصدها الشاعر :
إن الطرف الاول شاعر / لايخضع لقانون الكون / لم يخلق من طين أو نار – وإن الارض مجرد قاعدة / تحمل جسدى الأشيه بالبنى أدمين .
حركة الافعال عبر الديوان تفيد الفعل فى المستقبل وهو أمر يعكس كمية النبوءة وكذلك الثقة فى مستقبل الفعل الانسانى : نبدأ رحلة قنص اللفظة / الفكرة / الصورة البكر / واعتى مجاز من ابعد زاوية / ف ضلع الكون .
الفعل فى المستقبل تفيد الشمول فى الصورة من خلال انسنة الكون ، ولن تشعر بإصطناع المحسن لأن تدفق المشاعر ومنطقية الصور وترابطها لم يشعراك بذلك .
سيرة بنى حنيف
رصد نفسى للطغاة
بنى حنيف هم قوم مسيلمة الذى اصطلح التاريخ الاسلامى بوصفه بالكذاب والذى ادعى النبوة كما جاء فى السيرة ، ولكن كيف عالج شاعرنا تلك السيرة الفرعية :
1- المقابلة بين تميم موطن عدد من الصحابة الاجلاء وبنى حنيف اهل مسيلمة ليصنع لنا مقدمة تقرر التأهيل النفسى لما سيرد من ذكر مسيلمة ،وصف تميم بأنهم كفروع جريد / إصفروا من بطش الشموس . وهو لون للذهب المرغوب أقرب . ويصف بنى جنيف : يشبه نعاج ضلوا القطيع / إلى كهف ديب .
إضمار سوء النية عند قومه ولذلك وجدت دعوته صدى لديهم :أعلنوا الاسلام بقولهم / والقلب ينضح باللى فيه . أما بطل السيرة يرصده شاعرنا بقوله : كان مضطرب والى الجنون على شفا / قلبه شهد لحظة صفا / فعقد لسانه بين نياب / حقده الدفين ثم غفا .
وهنا يرصد الشاعر بذكاء لماذا تمرد مسيلمة ولماذا يتمرد غيره ومن هنا ازمة الدور التى يسعى اليه الانسان دوما : كان نفسى اكون لو حتى فارس فى ( حنيف ) / وأكون هذا الزعيم / واحمل رسالة للبسيطة تردهم لله / ولكنها شاقة الرسالة / على الرسول .
هنا ضرورة الانتباه لحالة التهميش حيث كان بنى حنيف مزارعون ومع هشاشة الوضع الاجتماعى أراد أن يلعب دورا .
الدور المعرفى الذى تعكسه تلك السيرة بكمية الثقافة التى يمتلكها الشاعر وهم يعنون لسيرة بنى حنيف – برحمن بنى حنيف – حيث يذكر د/ جواد طريف على فى كتابه المفصل فى تاريخ العرب قبل الاسلام - ؛ وذكر المفسرون فى تفسير قوله تعالى (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن ، قالوا وما الرحمن ، أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا ) إن مسيلمة كان يدعى الرحمن فخلط المسلمون بين مسيلمة والامر ويقال ان كلمة الرحمن تدل على على عقيدة توحيدية منتشرة قبل الاسلام والدليل على ذلك انتشار اسم عبدالرحمن قبل الاسلام .
هنا الدور الاجتماعى لمسيلمة قبل الاسلام علاوه على فقده لدوره مع دخول قومه للاسلام . الصورة هنا متسقة مع الحالة الشعورية لمسيلمة عبر السيرة : مقبل أو مدبر / (( كخدروف الوليد )) وخدروف الوليد لغة هو العود الذى يوضع فى خرق الشق الاعلى للرحى لتدور به ، ومع كثرة الاخبار فى التاريخ فى التاريخ الاسلامى وهو شخص مثير للجدل .
كيف طرح الشاعر صورة مسلمة : نحر الهجين / وقدمه قربانا / حتى إختفت بدنة الهجين / من فعل دود الارض . وهنا تضمين لقصة الفعل القتل الاولى فى الكون فحسم بأنه ليس من المتقين .
ويقوم بالتضمين تارة اخرى من خلال المعنى التداولى لقصيدة امرؤ القيس – مكر مفر ------ )
: من شدة الاعياء / خار البدن كجلمود صخر حطه السيل .
ثم اعاد تضمين قصة موسى مع ربه فى الوادى المقدس حيث : فخلع حذائه وارتجف / ظن بسذاجة / ان القداسة / قد تكون وادى الجيف .
الموسيقى بين مطلع ذلك البيت الشعرى ونهايته تعكس الرؤية النفسية والعقدية للشاعر .
ايها السادة نحن بصدد شاعر يقدم تصور جديد وطرح معرفى متميز للقصيدة الدينية فشكرا له .
بهاء الصالحى .



#بهاء_الدين_محمد_الصالحى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قيم بالوراثة
- أدب المرأة
- حسنى هاهد
- عبدالرؤؤف اسماعيل غنائية الفقراء
- حامل الريف تعب
- الحوار المنقوص بين الخشت والامام
- hالعلاقات المصرية التركية 1-3
- العقل الجمعى 2-3- السادات والعقل الجمعى المصرى
- العقل الجمعى 3-3 - الحالة الدينية
- العقل الجمعى المصرى 1-3
- , وعد بالفور -1
- العامية : جدل مجتمعى ام مهارة لفظية
- الحراك الثقافى -1
- رحلة ألم مبدع دراسة فى مجموعة سيدة الجبن للقاصة منال الأخرس
- لماذا الصوفية الان
- الدولة اللبنانية الثالثة
- اثيوبيا : مابين السد والافرقة
- تجمع دول البحر الاحمر وعدن
- الاسلمة والمعرفة
- نسويق الافكار


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهاء الدين محمد الصالحى - زمار الحى