أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - عربة غجر















المزيد.....

عربة غجر


جوزفين كوركيس البوتاني

الحوار المتمدن-العدد: 6622 - 2020 / 7 / 18 - 23:46
المحور: الادب والفن
    


-2-2-2005-كركوك-
جوزفين كوركيس جلبي-

انها مجرد عربة مهشمة قديمة ،تسير بلا هوادة ،عربة للغجر ،يقودها القدر ،عبر ممرات سرية وطرق ملتوية ،هذه العربة هي من تقود باقي العربات ،تبدو كقطيع يسير نحو حتفه ،يقوده القدر الى نحو الهلاك ،وهؤلاء القوم لا هم لهم ،لاهم من تبعة الشيطان ،ولا هم ممن يسترحمون الرب ليسوا سيئن ولا هم ملاك ،ولا احد يعرف من هم ،فهم قطيع قدم من زمن غابر وان العربة الاولى هي لرئيس العشيرة مع ذلك انها عربة مثل رئيسهم قديمة.
حدثت هذه الحكاية التي اسطرها اليكم منذ زمنا بعيد ،لنرى ما هي الحكاية ،طغى على المكان صوت صرخة لوليدة جديدة ،انها الحفيدة ،اي حفيدة العشيرة ،ولفتها الام بشالها الملون وتنهدت ببؤس وقالت ،لابيها الطاعن في السن ،انها بنت ،بنت بلا اب ،اباها ماتا في معركة اطاحت به وهو يقاتل الذئاب ،تلك الذئاب التي لا تكف ابدا عن مهاجمتنا تراها دائما واقفة لنا بالمرصاد وفي كل مرة تأخذ خير رجال عشيرتنا ،آه يا ابي الى متى سنبقى على هذا الحال هه؟
تنهد شيخ الغجر وصمت كعاته و وضع يده فوق جبين (الوليدة )وبدء يتمتم بكلمات غير مفهومة كان يمنحها بركته وخرج من العربة تاركا الام تكمل طقوسها مع البنت (الوليدة),نزعت الام الطوق الذي كان يلف رقبتها منذ ولادتها وقلدته في رقبة ابنتها قائلة ،هذا الطوق هو (التعويذة )الذي منحته امي لي وها انا امنحه لك يا صغيرتي و هذا الطوق هو رمز هويتك وفيه مرسومة خريطة الوطن الذي لم تراه امي كما انا ايضا لم اراه ،ولا اعرف ان كنت انتي ستريه ام ستمنحيه انتي الى ابنتك ،طالما سمعت عنه الكثير لذا لي امل اننا في يوم ما سنراه ،يا ابنتي من لم يرتدي هذا الطوق يعتبر قد خرق القوانين وينبذ من العشيرة ،تنهدت الام وضمت ابنتها بقوة وهي تقول اتمنى ان تجيدين الاصغاء يا بنيتي ،تذكرت الام حتى جدها حين كانت تسأله عن الوطن و هو ايضا بدوره لايعرف فكل ما يعرفه هو انه يسير وفقا ما علمه اباه ،اكد لها انه لا يعرف اين هو ذلك الوطن ،وبرغم ذلك انه لا يكف عن شد الرحال وهكذا هي ايضا كباقي قومها تتبعهم تسير ومغمضة خلف هذا القوم الغريب في تقاليده ،وشعائره (الطوق النحاسي )دائري الشكل ومحفورعليه كلمات بلغة غريبة ترمز الى اصلهم يقال انها الغة الام وفقط الشيوخ يجدون قراءتها وفك رموزها الا ان الوقت لم يحين بعد ،لانهم لا يزالون في حالة الترحال ،لملمت الام افكارها وعادت تنظر الى ابنتها وقالت لها آه يا مدللتي امنحك هذا النير هدية وسأسميك (بوريكتا)وهذا يعني بلغة اجدادك (نعمة )لعل عندما تكبرين وبحكم هذه التعويذة قد تحكمين ،وتصبحين سيدة قومك و اعرف ،هو ثقيل عليك للغاية ،وكبرت نعمة وكبرت معها احلامها وقادها حب الفضول الى الاستطلاع معرفة ماذا يجري ومن اين قدمت والى اين هي ذاهبة ؟وسألت امها ماذا يعني هذا الطوق انه يعيق تنفسي يا امي اريد التخلص منه ،
اجابت الام متمتة هذا الطوق يحفظك من شر الغرباء ،لكنني كبرت يا امي وهذا الطوق يشد الخناق علي ،فقدت الام اعصابها وصرخت بأبنتها وهي فزعة كيف تجرؤين انه خريطة وطنك ،قاطعتها نعمة واين هو ذلك الوطن ؟لماذا لا نذهب اليه ،لماذا دائما نحن مرتحلون وان كان لنا وطنا كما تعتقدين او كما تتدعين لا فرق عندي ،لا فرق واسألك لماذا نصر على الحفاظ على الخريطة ما دمنا نأبى الذهاب اليه ،وتاهت الفتاة في بحر من الاسئلة ،المحرمة عليهاها هي تراقب جدها الذي يقود العربة بصمت وجهه تعب ولم تراه يوما يتذمر ،والام ايضا صامتة كباقي قومها وكل ما كان يصدر من العربة هو صوت خشخشة الاساور التي في معصمها ،ونعمة متذمرة ساخطة وانتزعت عنها الطوق بعد نزاع مع امها وانها ترفض بشدة في ارتدائه ثانية ،وتقول وهي لاعنة قومها الذي لا يفسر لها سبب هذا الترحال الغير مجدي ،كما انها ترفض وطنا وهميا وطنا غير موجود على الخريطة ،وتسأل رجلا
كان يسير بجانب عربة جدها وهو احد افراد قومها ،
الى اين نحن راحلون ،استفزته ولكن لم يجيبها قطب حاجبه اغمض عيناه الغائرتان لدرجة ظنت انه ضرير ،عادت وسألته من جديد نفس السؤال ولكن بطريقة اخرى ،وقالت له اسمع يا عم واجبني من فضلك ،لماذا نحمل الوطن كنير في رقبتنا لماذا هو لا يحوينا ويحملنا ؟السنا ابناءه ام ماذا الا ترى ان هذا الطوق يعيق سير مسيرتنا و تنفسنا علما فهو مصنوع من النحاس وثقيل للغاية وما هي الغاية من ذلك هيا وضح لي ارجوك يا سيدي الضرير ،لم يجب بقيا ساكنا بينما استمرت هي بالحديث قالئة انا اعرف وانت تعرف ان الغجر اوناسا يولدون رحل وبلا وطن ودائما الترحال و بلا توقف وحتى يموتون وهم في مسيرة لا تكف عن السير ،اجاب الرجل بعد تفكير طويل وهو متعجب ويتفحص وجه نعمة قائلا الوطن يا نعمة هو نير ثقيل ويتعبك كثيرا ولكن عليك ان لا تنتزعيه من رقبتك ابدا ،حافظي عليه كما هو وقد تضقين به ذرعا او هو يضيق بيك ذرعا وقد يخنقك بنيره هذا ويشد عليك ويقتلك كما قتلوا كثرون قبلك ،الا هذه العادة متبعة لدينا منذ القدم ،قولي لي لماذا تريدين ان تخترقين القوانين وتلغين التقاليد ،لماذا تريدين ان تموتي بلا وطن ها،تشدقت الفتاة فاها وهي غير مصدقة من الدهشة كيف هذا الرجل يخاطبها بهذه اللهجة ولماذا يوبخها لانها خلعت عنها وطنا مصنوعا من النحاس و عن اي وطنا يتحدث هذا الابله وكيف تسمى هذه التعويذة وطنا ،
اجابها الرجل وهو مدركا ما يدور في خلدها وماذا يكمن في صمتها ،لان لدى الغجر قوة الترابط بحيث كل يقرأ افكار الاخر بلا صوت ،هذا الطوق هو ما تبقيا من انتماءك هذه القلادة هي التي ستوصلك الى ما تصبين اليه وستوصلك يوما ما الى اصلك وبها ستكتشفين سلالتك وقد تعود امتك الى الظهور وقد نطفو من جديد الى سطح الارض ونزدهر من جديد ونتولى الحكم ونصبح سادة انفسنا فهذا ليس بعيدا فهناك دائما حضارة تموت وحضارة تنهض ،نعمة حائرة تراقب وجه امها التعب بألم وتقول بقرارة نفسها هل ستصبح مثل امها تسير خلف (القطيع )صامتة ،ستسير خلف هذا القوم المفجوع ،الموجوع ،المنزوع من كل حقوقه ،هل ستتبع هؤلاء الذين لا يكفون عن الاحلام ،خلف قوم يعتقدون بأنهم سيصلون الى ما يريدونه وسيتعرفون يوما عليه ولكن نعمة ترفض ان تسير خلف سراب لا تريد ان يفوت الاوان وتموت وهي تحمل طوقا ،لذلك وضعت الطوق بين يد امها وقالت لها بحزن لا اريد ان اكمل معكم ،انا اريد مكانا يؤيني ويرضى عني وارضى عنه واجعله ،وطنا لي يا امي قولي لهم هذا لعل هم ايضا يستمعون الي قولي لهم ان يتخلوا عن ذلك النير لانه لا ينفع بقدر ما يضر ،الام سارح فكرها بعيد لا تستمع اليها والجد الوقور يردد بصوت شبه مسموع يا نعمة لا احد يغير قدره ومصيره وصمت كعادته ثانية وصوت العربة المهشمة يقرقع بشدة ويطغي على بكاء الام وتنهيدة نعمة ،واستمرت القافلة كما بدأة ولا احد يعرف من اين جاءت والى اين راحلون هؤلاء الغجر قادة القدر ....



#جوزفين_كوركيس_البوتاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يوميات ممرضة
- لحظات مكسورة الجزء 15
- لانزر لا هذر 9
- هيا عودي إلى النوم
- يوميات امرأة في زمن القحط
- فن التخلي
- مقارنة
- سرير زوجة الامبراطور نابليون
- شذرات
- خرز ملونة
- هو وهي
- من يوميات شاهدة أعماها الخوف
- لانزر ولا هذر جزء 8
- قدم من هولندا
- عشعشت الفئران في بيتي
- جمعية التابوت الأسود
- كل ما في القلب هو في العين
- آه لو تعلمين
- طباشير
- عندك عضلات عندك حضارات


المزيد.....




- وفاة الممثل البريطاني برنارد هيل، المعروف بدور القبطان في في ...
- -زرقاء اليمامة-.. أول أوبرا سعودية والأكبر في الشرق الأوسط
- نصائح لممثلة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن بالبقاء في غرفتها با ...
- -رمز مقدس للعائلة والطفولة-.. أول مهرجان أوراسي -للمهود- في ...
- بطوط الكيوت! أجمل مغامرات الكارتون الكوميدي الشهير لما تنزل ...
- قصيدة بن راشد في رثاء الشاعر الراحل بدر بن عبد المحسن
- الحَلقة 159 من مسلسل قيامة عثمان 159 الجَديدة من المؤسس عثما ...
- أحلى مغامرات مش بتنتهي .. تردد قناة توم وجيري 2024 نايل سات ...
- انطلاق مؤتمر دولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم في ليبيا
- ماركو رويس ـ فنان رافقته الإصابات وعاندته الألقاب


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - عربة غجر