أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - حكاية مع جدتي














المزيد.....

حكاية مع جدتي


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6608 - 2020 / 7 / 2 - 01:18
المحور: الادب والفن
    


الأحلام الجميلة وحدها التي تسعد الناس لكنها في الغالب كاذبة , ليس لأن من طبعها الكذب ولكن لأن الواقع لا يساعدها على أن ترى النور كما بقية الأشياء ... شخصيا قد أضعت الكثير منها ومنها ما سرقته الأحزان وقليل من قليل ذلك الذي بقى يحتفظ له بحيز في الذاكرة .
أكثر الناس فقدانا للأحلام هم الفقراء وأقلهم حظا منها ,في دروبهم المتربة الموغلة بأحزانها والمنكفية بأنين لا يبرح الصمت تجد الكثير منها متساقط تلوثه ذرات الغبار وتدوسه كل الأقدام حتى القطط والكلاب ,رأيت فقيرا يحسد قطة أنها تمتلك حلمها اليومي أن تنام تحت سقف وخلف جدران ,تصور الخيبة العريضة واليأس من كونية الحلم حين يحسد الإنسان كائنا يعيش في ظله .
الفقر لم يجعله الفقراء عيب بل أكرموه وحاولوا أن يعيشوا معا بدون مشاكل , تمرد عليهم وضاق بهم ذرعا فأصطحب معه كل أشكال القهر التي تقتل برائحتها أي حلم ,لذا عند الأغنياء لا نشاهد دوما حفلات التوديع التي تنسجها ذاكرتهم عن فقدان حلم أو ضياع أمل , إنهم يؤرشفون كل شيء ويحفظونه ,لا يسقط حلمهم إلا في أواني نظيفة أو على سجاد أحمر.
تقول جدتي وهي واحدة ممن قارع الفقر وقارعها لكنها لم تتجرأ مرة واحده أن تسبه علنا أمامنا , ولن يحاول مرة واحدة أن ينتقص منها ,تقول لولا الفقر لم يعبد الله على الحقيقة , نظرية قد نجد فيها الكثير من الغرابة والأصالة أيضا فكل الفلاسفة والمفكرين الذين أعرفهم كانوا يحاربون الفقر لأنه لا يدع الناس تعبد الله جيدا , ولم يمنحهم الوقت الكافي للتلذذ بالعبادة , قال صديقي الفيلسوف المتفقه بكل بحور الفن والأدب والسياسة , في مرة أن جدتك السومرية هذه يجب أن تجلد أمام الناس وعلنا لأنها قالت الحقيقة كاملة قبل كل الأنبياء والصلحاء والفاسدين أيضا ,وقالت ما تعيه هذه المتبحرة بالذات الإنسانيه يأت مطابقا للخيال المادي وفقا لنظرية ماركس . قال جدتك ماركسية منقلبة تتمذهب بدين علي بن أبي طالب وهذا يعد تحريفا لقواعد اللعبة وشتما للذات .
لا أعرف بالضبط هل أن الفقر واجب بالوجود أو أن الوجود المنحرف يستوجب الفقر .... كلاهما لا ينتميان للطبيعة الوجود السوي في جزء من نظام الطبيعة طبيعي عندما يفقد حس المشاركة والتمييز وبالتالي أأستغنى الوجود أم أفتقر فهو من ذات نسخية الأداء الطبيعي ولا أعتراض بل هو للتميز ,الماء الذي يتخم قطبي الأرض على شكل جليد غنى بالنسبة للفقر المائي في صحراء الربع الخالي , توزيع يعتمد قاعدة المنطق الطبيعي ولا يسمى فقرا , أما عند الإنسان فرعون وهامان لم يكونوا بمستوى الطبيعي عند أبي ذر مثلا وجدتي ذات الثوب الواحد صيف شتاء يمثلا معادلة من نوع أخر ولكن من نفس الحساب .
أيضا الأحلام لها حكاية مريرة مع الإنسان تقول الجدة في واحدة من أبدع خطوط فلسفتها أن الإنسان هو الذي أرهق الأحلام وحملها ما لا تحتلم فجعلها تتمرد عليه ,, قالت لي لا تحلم أكثر مما متوفر في مساحة يدك أو قدمك أو كثيرا .... ما يقتل الأحلام ليس الفقر بل قلة المساحة اللازمة كي تعيش وتنمو ... عندما لا تجد مساحة كافية للنمو في جيبك إنسى أنك تعرف الحلم , تقول عليها أنها أي الأحلام مثل شتلات الرز العنبر تحتاج لفلاح وليس أي فلاح ,,, فلاح ماهر دقيق وكدود وصابر ومنحني الظهر .... أما غير هذا لا يمكنه أن ينجح وعليه أن يذهب لزراعة البصل على حافات الأرض السبخة .... أحيانا أتهم جدتي بالغباء وهي تتهمني بالبلاهة ولكن من المؤكد أنها أذكى مني .
قلت لها جدتي أريد أن أكون شاعرا يمتطي الحروف ليكون فارس .. زجرتني بقوة ولم تعد تسمح لي أن أتعلم منها ... الفارس لا يمتطي بل يسرج والحروف ليست بمطايا بل نجوم تحوم حول البشر ليلا ونهارا لتزين له وجوده ولولا الشعر والحروف لأصبحنا مجرد قافلة من اللا شعوريات , فصيلة من الحيوانات والنباتات والجماد تتصف بأنها لا تفقه أن تفرق بين الحب والحرب وبين الرب والبرد ...
كثيرة هي حكايات جدتي والأجمل منها أن أكثر أصدقائي لا يعلمون أن جدتي من سلالة من الناس ,كلما ما رحل جزء منها تبرعم من بين الطين والحجر الذي يبنون فيه قبورنا فرع جديد يحمل نفس المواصفات التكوينية الأولى ... أخبرتني مرة أنها تتذكر كيف حملها نوح مع ممن حمل وتصف لي رحلة الفلك المشحون بتفاصيلها الدقيقة , لذا حينما طلب منا معلم الصف ونحن في الرابع الابتدائي أن نقص قصة , تذكرت رحلة جدتي مع نوح وكيف روتها بالدقة التي تتصور في الذهن كأنها نسخة من رحلة تايتانيك الخرافية ... ضربني المعلم على ما أتذكر بالعصا التي يحملها على يدي واتهمني بالكذب على جدتي فهو يعرفها من سيدات الفقراء .
تقول جدتي أنها زرعت نخلة في باب دارنا عندما كانت صبيه ونذرت أن تكون هذه النخله لوجه الله فلما كبرت وصارت عيط كما يقال , قررت بلدية المدينة أن تفتح أول درب في حي الفقراء ,,, توسطت جدتي كي يمر الطريق من بابها وهذا ما حدث ... جاءت الجرافات لحدود النخلة لتزيحها عن الطريق ...حدث كارثة ... صدقوني تقول جدتي كانت النخلة تبكي وأخيرا صاحت كثكلى حين يقتل وليدها وماتت كل رغبة لها من ذلك اليوم أن تزرع حتى النعناع الذي تحبه في باحة الدار .
هذا ما أتذكره عن جدتي وصباحاتها وأحلامها المتواضعة وكثيرا منها سقط في وسط زحمة الخيبات ... الفقر والغنى والدنيا والآخرة والذي يصلح والذي ما يصلح ... سيد نجم والعلوية منجة وملا هادي والدرويش وسوالف لا يمكن أن تستوعبها مجلدات .... كل هذا التراث ويقول البعض عني .... إني أحلم بالخيال حين يفقد هويته .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين أمسكت شيئا على قارعة الطريق.... قصة تشبه حدوته
- دين الفقراء
- في معنى العلم وماهيته كنطاق معرفي؟ ح1
- في معنى العلم وماهيته كنطاق معرفي؟ ح2
- الخلود وسقوط فكرة الزمن
- محاولات فهم الخلود بين الفلسفة والدين
- حتمية الموت وعلاقته بالاستحقاق الحتمي
- نظرية الأنا والأخر _ بحث في معنى التفريق والتميز
- المدنية وضمان الممارسة الديمقراطية
- المدنية والإسلام السياسي
- يوم كنا واحد.....
- العقل في الإنساني بين التعرية أو السؤال
- مفهوم التداولية الفكرية
- موقفنا من الفلسفة بعين الزمن
- كنت أخدع القدر
- في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح7
- في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح5
- في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح6
- في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح4
- في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح3


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - حكاية مع جدتي