أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - حتمية الموت وعلاقته بالاستحقاق الحتمي















المزيد.....


حتمية الموت وعلاقته بالاستحقاق الحتمي


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6603 - 2020 / 6 / 26 - 20:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بالكينونة القدرية التي مفاتيحها ورموزها عند الله بين أشاءته وإمضاءها على نحو التكييف والتكوين يكمن سر فهم قدرية الموت وزمنية الاستحقاق وأسلوبية التحصيل، دون أن يكون ذلك منفكا أصلا عن أوليات النشأة وقوانينها وأجلها المسمى وكل ذلك يرتبط برابط واحد هو قضية قد تبدو للقارئ خارج موضوع البحث ولا صلة بينهما، ألا وهي قضية الإثبات والنفي الأساسية ومدارها خارج الوجود الشيئي وخارج قوانينها وإن كانت الأخيرة تجد مبرراتها منها تلك هي بقاء الخالق بعد الفناء والتحول كما كان هو قبل الوجود والكينونة .
وهذا أيضا لا يتعارض مع العقلية العلمية بل ويتسق معها في خط سير العلم أصلا منظورا له من خلال القواعد الكلية وليس بالقوانين الجزئية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ..... فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ}الحج5، هذا التحول في العوالم الخلقية يصاحبه أيضا تحول في العوالم الوجودية الخمسة لتشكل معا ما يسمى بالنظام الكوني الشمولي الذي أبتدعه الخالق جملة وتفصيلا.
لقد رسم الفهم الديني المستمد من روح النص الأصيل فلك الوجود المستدير المنغلق دون أن يتعارض كما فهمنا انفا مع العلم، أما بالتحول من عالم إلى عالم أو من شكل للمادة إلى شكل أخر وبذلك نجده أي الفهم الديني خاليا ومبتعدا من الوقوع في اشكالية العدم ونظيره كما يقول البعض، فهو من جهة ينفي العدمية بل ينفي أن يكون للوجود العام بشقيه الشيئي واللا شيئي نظر مضاد بالطرف الأخر من المستقيم لاعتبار مهم هو أن الوجود العام هو كل الخط من بدايته للنهاية مستغرق له بالتمامية ،وإنما نظيره في الحقيقة هو الواجد والموجود كما هي العلاقة بين الصانع والمصنوع.
العلم مثلا يقر بوجود معلوم ومجهول كنظائر متضادة مستند إلى قيمة خارج الذات المراد ايجاد قرينها فهي معلومة ومجهولة نسبية لمن يصف مثلا ما هو مجهول لديك قد يكون معلوما لأخر وبالعكس يصح القول ،ولكن لا تتصل بذات المعلوم ولا بذات المجهول وهو بالتالي لو نظرنا من ناحية الشخص الذي يريد أن يرتب النظائر فهو يستند إلى قيمة خارجية وهي توفر أساسيات العلم بالشيء من عدمه لديه .
لو أخذنا س من الناس وكان الموضوع بالنسبة له معلوم لأنه تحصل على تلك الأسباب بطريقة أو وسيله ما فهو معلوم له بهذه الأساسيات، بينما ص من الناس الذي لم تتوفر له تلك الأساسيات يكون لديه ذات المقيم والمشار له بأنه مجهول، فهي قيمة مقاسه بالنسبة إلى قيمة اعتبارية خارجية عن ذات المعلوم والمجهول، أما حينما نقول وجود مقابل عدم لا يمكننا أن نجد بينهما موضوع مشترك، لأن العقل لا يتمكن من أستحضار صورة العدم مقابل صورة الوجود، وبالتالي لا يمكنه جعل مجهول المحول المركب مقابل معلوم بسيط.
هنا يلعب الفاعل دور مهم في بيان القيم وتحديد أوصافها بغض النظر عن كون تلك القيم هي حقيقية أو اعتبارية أو افتراضية ،ولكن لو نظرنا للقيمة المراد تحديدها ذاتيا هل يمكن أن تكشف لنا نفس المستويات الوصفية تلك ؟ أم نجد استحالة في الموضوع أصلا ؟ ولتقريب الصورة نقول أن المعلوم ينقسم بطبيعته منظورا لذاته إلى نوعين معلوم بالضرورة ومعلوم بالوسيلة، أي هناك معلوم بديهي ضروريا كما في الوجود بمجرد أن يكون حاضرا يكون معلوما، أي أن الإنسان يحس بوجوده ضروريا بمجرد أنه كائن ،فهل ينفي الإنسان علمه بوجوده حقيقة طالما أنه موجود فعلي؟ من ينكر وجوده بهذه الصورة لا شك أنه غير عاقل وبالتالي لا يمكن اسناد صفة العلم بدرجة نسبية له .
لو قلنا أن الإنسان مع وجوده الحضوري يجهل أنه يعلم أنه موجود نكون قد جانبنا العلم والفهم الديني معا، لأنه يدعي غير ما هو واجب العلم به بالضرورة ،هنا نصل إلى صفة المعلوم هنا متحققة بلا برهان لأن البرهان ضروري بذات المعلوم ،ولكن هل يمكننا مثلا أن نؤمن بوجود مجهول بنفس هذا السياق أي مجهول بالضرورة، أي أن هذا المجهول غير واجب الاعتقاد به أصلا وذاتيا لأنه ببساطة يشير إلى العدم بمعناه العلمي كما في قول الله تعالى{أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}النمل 64،لأن الاستحالة تكون من ذات المراد وصفه لا من خارجه{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}الأنبياء 22.
الفهم العلمي ينكر أيضا مجهول المجهول المركب بالضرورة ولا يقبل به انطلاقا من حقيقة أن العلم يوجب حصول تواصل بين ما يؤمن به وبين أن يكون هذا المحدد قابل بالإمكان ولو نظريا أن يكون متحققا على سبيل الفرض ،والمجهول بالضرورة لا تنطبق عليه هذه القاعدة لأنه يعني أن يبقى المجهول مجهول لا يمكن التوصل إليه لا على مستوى الإمكان ولا التصور وبالتالي هو والعدم سواء ولا يمكن تطبيق قانون المادة والطاقة عليه فهو منفي أيضا بالضرورة.
أما القسم الثاني من المعلوم فهو المعلوم بغيره لا بالضرورة وهو ما يصطلح عليه عادة بالمعلوم المكتشف أما بالتجريبي أو بالحسي أو بالدليل الكاشف وهو جل ما يتوجب الوصول إليه بالعلم والمعرفة بكافة أشكالها وتدرج قوتها التحصيلية والتكسبية ،وهو مجهول تحول من خلال النتاج المعرفي بصور وأشكال من حالية جهالة العلم به إلى عالم المعلوم ،فهو مكتشف أو مدرك بالوسائل التي يتبناها العلم ويستند لها في سعيه لإدراك ما غيب عن مداركه، وليس بالضرورة أن يكون هذا الإدراك أو الحس أو الفهم والمعرفة به تامة كاملة، قد نرى جانبا منه ولكن من المؤكد حتى في هذا الوصول الجزئي يكون الإنسان بالعقل والتجربة والنقل قد هتك ستر المجهول ليلحقه بالمعلوم كلا أو جزءا.
هنا هذا الضيف الجديد الذي حل في خزانة المعلوم ينقسم بحسب قوانين العقل إلى عالمين معرفي وعلمي وكلا منهما له خاصية تحدد الماهية ،فالمعلوم العلمي ما تتوفر له يقينية مستندة إلى قواعد العلم وقوانين التجربة وهو عادة يكون وفق مجرى العادة التي لا تختلف في نتائجها عن الفرض في كل مرة، وحتى لو كانت هذه القاعدة ذات مصداقية يقينية لم يجزم ذات العلم بوجود مناقض هادم لقواعدها وهو إذن فرض قانوني نسبي حتى تشهد الوقائع العلمية بخلافه.
أما في العالم المعرفي فهو اليقين المتحصل من المعرفة بحقيقة هذا المعلوم دون أن يكون بالضرورة خاضعا لقواعد العلم الصارمة، ولكن يكفي التوقع منه بأن النتائج المتكررة مع تكرر التجربة سوف تنتهي على الغالب بنفس النقطة الواحدة، وهذا يحصل أما بغلبة العقل أو بالتغلب على العقل لبلوغ هذه النتيجة ،فهو يقين عقلي يرتضيه العقل وفقا لمقاسات متغيرة ونسبية دوما لا تتفق في ركائزها ولا في المؤديات ومنها المعرفة الدينية التي لا تستند إلى حقيقة الدين الكاملة والحقيقي ولكن تستند على الإيمان بها غالبا دون التجاوز على قدسية ما نؤمن به.
في كلا العالمين المعرفي والعلمي أكتشاف المجهول هو أيضا إعلان على أن الحقائق تبقى في اطار النسبية ولا يمكن أن نلحقها بالمطلقات والثوابت، على قاعدة أن كل منتج العقل والتجربة والحس يقوم على تقدير ذوقي يتفاعل مع مقدمات إنسانية أساسا لم تتوفر لها الكمالية في الإدراك ولا تمامية في المنهج ،وهذا يقودنا إلى الشك دوما بأن كل النشاط والمنتج العقلي لا يخضع أيضا للقدسية اليقينية ما لم يكن كذلك منذ التكيف والتكوين في الكينونة ولا حتى في خط السيرورة التي تتحكم بوجود المعلوم والمجهول.
نعود إلى مقدمة البحث لنكتشف أن الموت قد أضحى لنا من المعلوم العلمي والمعرفي في آن واحد فهو معلوم كون نتائجه ثابتة في كل مرة، وحتى قواعده واحدة لا تتخلف ولا تنتفي لموضوع خارجي، بل حتى ذات مفهوم الموت واحده لا تتبدل، أما كونه معلوم معرفي فأن النهاية الأخرى من خط الموت غير معلومة لنا إلا من خلال الإيمان بها ولم يدرك العلم ما بعد حالية الموت إلا تصورات افتراضية لا يمكن للعلم من التحقق من كونيتها ولا من اسلوب الحدوثي في لحظة ما بعد الموت .
ولكنه قد يحاول التدخل لفهم الية الموت وقد نجح جزئيا في ادراك بعض التفاصيل والجزئيات، ولكنه لم ينجح أبدا في اكتشاف قانون الموت كاملا بمفرداته الفاعلة والمعطلة وأسباب التأجيل وأسباب التسريع وغيرها، أو حتى محاولة التدخل والتوقع في مجريات حركته.
العلم والمعرفة يثبتان الموت وينفيان العدم وينفيان التحكم في صيرورته ويثبتان أيضا خروجه عن قواعد يمكن أن تتحكم بحركته الحتمية أو التغلب على تلك القدرية المطلقة كمجهول مؤكد ومعلوم مؤكد في ذات الوقت، الفهم الديني الراهن يسلم بالنتائج القدرية ولم يحاول أن يهتك ستر الغيبيات التي تتوالى في حركية الموت ويقف منها موقف المقدس للإيمان بها ،أما الفهم العلمي فلا يتحرج في محاولة اختراق هذا الموضوع دون أن يشعر بالذنب أو تمنعه القدسية المزعومة .
أشرنا إلى الفهم الديني الراهن ونقصد به العقل الديني الذي يفهم وظيفته بالشكل السلبي الذي يجعل منه حامل تصورات ونتائج نهائية غير قابلة لنقض، بل وحتى غير قابلة للنقاش أو الافتراض التصوري بوجود خلافها كل ذلك تحت ستار القداسة واحترام ظواهر النصوص والروايات، بل لا يسمح أصلا الخوض العقلي في إمكانية التشكيك بهذه التصورات والنتائج دون أصل الموضوع محل النقاش، وهو الموت وسره الذي ينطوي تحته عالم مجهول قابل ولو بالتصور أن نتحرك خارج الفهم التقليدي له وبه وعليه.
أما الفهم الديني الذي حرض عليه النص القدسي المطلق في بعض القراءات الاستشراقية المعمقة له نجد أنه يقف موقف مناقض تماما للفهم الديني التقليدي في كثير من الكليات والجزئيات، بل أن هو من طرح التساؤلات والإشكاليات ،نعم نجد منهجية النص قد مارست هذا الاسلوب في نقاشها وجدالها الذاتي في قبال المخالف والمنكر له وصولا إلى تأسيس منهجية تشكيك تفاعلية مع الموضوع لتتجاوز النتائج الظاهرة بغية الوصول إلى مديات فهم وعقلنه وعلم خارج اطار المألوف الإنساني {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}الغاشية17، هذه دعوة حقيقية للتدبر ليس بالموت بأعتباره أحد نتائج الخلق بل تعدى ذلك إلى ما هو أعظم كيفية الخلق والكيفية، هنا تدخلك بالتفاصيل الدقيقة التي تنطوي تحتها الأف الجزئيات والتفصيلات التي قد يتصور البعض أنها من خصائص علم الله.
الفهم التقليدي لا يرى ميزة خاصة للإبل كمخلوق إلا شكلا وتكيفا فقط ،ولو نظرنا إلى كل مخلوق فأنه يتميز بنفس الخاصية وهي التكيف الذاتي والشكلي له ،ولو أخذنا الأفعى مثلا فقد خلقت بنظام خاص ومتطور يؤمن لها حياة وذاتية مختلفة عن باقي المخلوقات قد لا تتوافر في كائن حي أخر، هنا نجد هذا الفهم عاجز عن مجاراة سؤال وقصد النص الديني ومتخلفا عنه.
إذن التساؤل هنا يتعدى التكيف والتشكيل إلى ما هو أبعد لندرك مجهول غائب في هذا الخلق بتحريض من النص نفسه لم يمنحه قدسية ولا يعترف إلا بالنظر إلية كونه واجب، ولا بد من إنجازه بصور ما للوصول إلى معلومة مؤطرة بفهم يقيني بدرجة تجعل الباب مفتوح لأن ينظر مرة بعد مرة، ويكتشف مجهول بعد مجهول وهذه وظيفية إنسانية بالكينونة الأولى لا يمكن التوقف عنها أو الإنفكاك منها.
في نص أخر يتعدى هذا الموضوع الجزئي لينتقل إلى اطار اكبر في النظر دون أن يستثني من الخلق شيء{أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ .... فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}الأعراف 185، النظر هنا ليس تلمس هذا المنظور له من خلال البصر ليملأ العقول والإفهام بصور حسية تثير فيه العجب والحيرة ومن ثم التسليم بها كونها حقائق مقدسة ،لا يمكن الولوج في تصور غير تقليدي لها ومحاولة ادراك ما مجهول منها على قاعدة التفكر والتدبر التي حرض عليها الفهم الديني الأصيل.
إن تعطيل النظر العلمي والتدبر الخلاق الذي يوصل الإنسان إلى اكتشاف حقائق وجودية غلفت بستار من القداسة والتحريم منهج مذموم، أنكره القرآن الكريم بل جعله منه وصف للجهل المركب الذي يمنع الهدى والاهتداء الواجب بالضرورة الإيمانية الحقة {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ}الأعراف 198، لقد تكون الإنسان ملزما على قاعدة تكيفية جعلت منه وظيفيا أن يكون مدركا لكل الحقائق بالقدر الذي أمنت له الكينونة مسخرات تخدم وجوده وتخبره الكثير من الحقائق فقط لو تدبر وتفكر وشغل نظامه العقلي .
إن الإقرار بكمالية التكوين المطلق للنظام الوجودي بعامته وأن هذا الوجود ليس عبثيا أو جاء ليجعل منه ومن وجوده تحصيل حاصل لإرادة خارجة عنه هذه الإرادة، لا يمكن أن تكون غير عالمة وغير قاصدة وغير واعية، بل رتبت عليه قوة ذاتية قادرة على اكتشاف قدرية الوجود أيضا دون أن تعطل أي من مؤديات هذا الاكتشاف، أو تجعل له حد محدود لا يمكن اختراقه أو التعدي على قدسيته أبدا.
إذا ليس مطلوب من الإنسان الأنتظار القهري لما هو محيط به بل عليه إدراك القانون الوجودي الشمولي بكل أبعاده الشيئية واللا شيئية وما رتب الله تعالى على ذلك من عنوان أخر، قد أوجزه الإمام علي عليه السلام بقوله (من عرف نفسه فقد عرف ربه) ليشير بذلك إلى أن المعرفة الكاملة تبدأ من نقطة محورية ذاتية من وجود الإنسان وهي نفسه، لينطلق منها إلى مدى أوسع وأكثر شمولية ليصل إلى معرفة خالق النفس وهو أيضا منهج القرآن كما نرى في هذا النص {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}النحل 33.
نعود مرة أخرى لأصل البحث هل يمكن لنا أن نتوقى الموت ولو لأجل ،الفهم الديني التقليدي ينفي ذلك والفهم العلمي يمكنه البحث به ولكن النص القرآني يثبت وينفي في نفس الوقت هذه القدرة وبذلك ينحاز للعلم المجرد في إثباته، ويؤكد وجهة نظر النفي على قاعدة أن حتمية الموت لا بد منها وليس على قاعدة نفي حدوث الإمكان النظري ،كما جاء النص هنا بقراءة تختلف في نتائجها عن مدركات الفهم الديني الراهن {الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}آل عمران 168.
النص ينفي حالة النجاة من الموت ومن يدع بغير ذلك فهو بحكم النص وبحكم الواقع العلمي كاذب ،ولكن من زاوية أخرى يثبت قدرة الإنسان أن يدرأ الموت عنه لأجل ينتهي به إلى حالية الموت الحتمية ،ولأن النص جعل الموت مقدرا والمقدر في فهم النصوص معرض إلى اشاءة ربانية تتحكم فيها قاعدة المحو والإثبات بالأسباب التي تتغير بها ارادة الله نظرا لتداخل الذاتي مع العام والمنفعة مع العمل، نجد بالخلاصة إذن أنه كقدر له قدرة طبيعية أن يتأخر أو يتقدم وليس تقديرا مسبقا لا يخلو من تبدل وتحول فيه أصلا {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ}الواقعة 60، والنص لو تلاحظ فيه التأكيد على عدم السبق في تحديده لأن في التحديد المسبوق ظلم والله تعالى متعال عنه ولا يعرفه ولا يعترف بقانون قهري له.
الموت بالنتيجة مثل الحياة له علة محكوم بها غير منفك عنها وعن نتائجها وأثارها، وهذه النتائج والآثار هي متعلق بطرف أخر مع الاشاءة الربانية بالعمل والكسب الإنساني في الوجود {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}الملك 2،النص من خلال القراءة يتناول النقاط التالية :.
• الموت والحياة مخلوقان لله ويحتكمان كسائر المخلوقات بأمره الذي هو قانونه المكتوب في الكتاب ،ولا يعني هذا أنهما محددان بوقت أو كيفية واحدة بل بعلة واحدة.
• كلاهما أي الموت والحياة عبارة عن أختبار حالي للإنسان مع تقديم خيار الأحسنية مع الحرية وبها يمكن أن يستثمر الإنسان معنى الحياة كما يستثمر معنى الموت .
• ورود كلمة العزيز الغفور في أخر النص تثبت لإنسان حقيقة الرحمة الربانية ،تعزيز مكانة الله في نفس الإنسان وأحترام هذه العزة الخلاقة تلحقها دائما المغفرة، وبالتالي الطريق لنيل الرحمة طريق فيه طرفين يتعاملان بصورة طردية ولكن ليس على مستوى واحد ولكن يلتقيان بالنتيجة الواحدة.
فكما الحياة متعلقة بحسن العمل وترتب عليها أثار غير مسبقة ولا قهرية كذلك الموت متعلق بالكسب التحصيلي، وأنه غير مسبق ولا مسبوق ولا قهري بحصوله تماما كما جاء بالنص {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} النحل 33 .
من مفهوم النص أعلاه نجد القرآن الكريم يعيب على السلوك الإنساني في مجمل شكله ومعطياته ونتائجه يعيب عليه حالية الانتظار السلبي بدون وعي حقيقي لمسألة مجيء الموت محمولا ومتعلقا بحضور الملائكة أو الامر الرباني بعلة فقط، ولكن يشير كما في نصوص أخرى اكثر وضوحا وأفضل فهم أن الإرادة الإنسانية لها دور في تحديد القدر ورسم خطوطه وتحصيل مراده، وإلا ما معنى أن يقول الله تعالى مثلا {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ}الأنعام 6، وهنا يكون لمسألة تعجيل أو تأجيل الهلاك دورا أخر لا يتصل فقط بالإرادة الربانية أو المشيئة القهرية لله تعالى ولكن الفعل السلوكي مساهمة واضحة في ذلك.
نستنتج من ذلك ومن كل البراهين العقلية وما جاء به النقل ومن قواعد العلم المجرد أن مسألة حضور الموت وطريقة كتابته الأجل إنما تسير وفق محددات تشترك فيها عوامل إنسانية وعوامل ربانية، وبالتالي يكون الأجل كما جاء بالنصوص ذي حالية ممتدة متحولة ومتغيرة وغير ثابتة نسبية بحسب فعل تلك العوامل ولا علاقة للقهرية إلا في كون تحصيلها الحتمي في نهاية المطاف.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية الأنا والأخر _ بحث في معنى التفريق والتميز
- المدنية وضمان الممارسة الديمقراطية
- المدنية والإسلام السياسي
- يوم كنا واحد.....
- العقل في الإنساني بين التعرية أو السؤال
- مفهوم التداولية الفكرية
- موقفنا من الفلسفة بعين الزمن
- كنت أخدع القدر
- في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح7
- في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح5
- في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح6
- في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح4
- في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح3
- في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح2
- في فهم الخطاب الغربي وخلفياته العقيدية ح1
- الوجود في أساطير الخلق الأولى الحلقة السادسة
- الوجود في أساطير الخلق الأولى الحلقة الخامسة
- الوجود في أساطير الخلق الأولى الحلقة الرابعة
- الوجود في أساطير الخلق الأولى الحلقة الثالثة
- الوجود في أساطير الخلق الأولى الحلقة الاولى


المزيد.....




- ماذا قالت المصادر لـCNN عن كواليس الضربة الإسرائيلية داخل إي ...
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل
- CNN نقلا عن مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تهاجم مفاعلات إيران
- إعلان إيراني بشأن المنشآت النووية بعد الهجوم الإسرائيلي
- -تسنيم- تنفي وقوع أي انفجار في أصفهان
- هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني - لحظة بلحظة
- دوي انفجارات بأصفهان .. إيران تفعل دفاعاتها الجوية وتؤكد -سل ...
- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - حتمية الموت وعلاقته بالاستحقاق الحتمي