أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - رستم محمد حسن - حزب هيوا (الأمل)















المزيد.....


حزب هيوا (الأمل)


رستم محمد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 6596 - 2020 / 6 / 18 - 20:26
المحور: القضية الكردية
    


تاريخ حزب هیوا "الامل"
(1939 _ 1946) :

كانت النواة الأولى لنشأة حزب هيوا هي جمعية ( دارگه ر . الحطاب ) التي أسسها في عام ۱۹۳۷ مجموعة من الطلبة الكرد في الثانوية المركزية في كركوك ، وكانت جمعية سياسية اجتماعية سرية ، اطلقت على نفسها دارکه ( الحطاب ) تيمنا باسم جمعية مماثلة برزت في إيطاليا تحت اسم الكاربوناري ( الفحامين ) التي كانت تسعى إلى توحيد إيطاليا.
وجاء تأسيس جمعية دارکه ر في أجواء سياسية متوترة في العراق عقب اغتيال الفريق بكر صدقي ، وخلال عام واحد أصبح للجمعية علاقات واسعة مع مجموعة من الطلبة الكرد الوافدين إلى كركوك ، فقام هؤلاء وبعد عودتهم إلى مدنهم بعد الدراسة بتشكيل حلقات جديدة لهذه الجمعية ، وكانت أهدافها توحيد أجزاء كردستان التي جزأتها معاهدة (سايكس بيكو ۱۹۱٦ ) ، بين دول متعددة من جهة ، ومن جهة أخرى ما يحيط بالشعب الكردي من ظلم وقمع على أيدي تلك الدول، كما كان لكره الشعب الكردي للاستعمار البريطاني المحرك الأساسي لالتحاق الطلبة الكرد بها ، وكان شعارهم ( تحرير الكرد وكردستان )، وكان أول اجتماع لها في محلة بطلر في كركوك ، وبحضور كل من يونس رؤوف صاحب الفكرة وبرهان حامد جاف ، وكاکه حمه خانقا ومكرم طالباني.
أذن لم يكن للجمعية أية ايديولوجية او نظام داخلي مدون يتجمع حوله ، لكنهم اجتمعوا حول فكرة واحدة ، هي توحيد کردستان ، كذلك لم تصدر الجمعية أية نشرة دورية وجرى تأكيد عدم الاحتفاظ بمسائل مدونة لئلا تقع بأيدي الأجهزة الامنية .كما كان مصدر مالية الجمعية هو بدل الاشتراك للأعضاء وتبرعات المؤيدين .

الشكل التنظيمي لجمعية داركه ر:
كانت جمعية داركه ر سرية تتبع نظام الخلايا الصغيرة التي لا يتعدى عدد أعضائها خمسة ولكل عضو أسم مستعار، وكان مسؤول الخلية عضو في خلية أعلى ، وهكذا إلى أن يتكون الشكل الهرمي وعلى قمته الهيئة القيادية ( الهيئة المؤسسة ) . واتبعت الجمعية أسلوباً خاصاً في ضم الأعضاء القدامى وأعضاء جدد وكأنها جمعية مستقلة وبأسم آخر ، يجري اختيار العضو الجديد داخل تلك الخلية بعد التأكد من حرصه على الحفاظ على سرية العمل وعدم افشاء أسرار الجمعية لأقرب مقربيه، وللتأكد من ذلك ، كثيراً ما كانت تجري محاولة من قبل أصدقائه من أعضاء الجمعية الأصلية ( داركه ر ) لاستدراجه لأفشاء أسرار خليته، وان نجح في الاختبار ، يكشف له أسم الجمعية ( داركه ر )، ثم يؤدي القسم القومي والديني وهو : " أقسم بالله والقرآن الكريم وبالخنجر الكردي أن أكون مخلصاً لشعبي الكردي ومتفانياً في سبيله ومخلصاً لوطني كردستان الكبرى " ، ثم يأخذ مكانه في الخلايا الجديدة .
ولسرية أعمال الجمعية ، لم تأخذ بنظام الانتخابات في اختيار المسؤولين في الخلايا والهيئات القيادية . فمؤسس الخلية يكون مسؤولاً عنها ، وقد يكون مسؤولاً عن عدة خلايا قام بتأسيسها، وعلى الرغم من عدم وجود نظام داخلي مدون للجمعية ، فأن العرف المتبع في الجمعيات كان بمثابة نظام داخلي لها .

تحويل الجمعية الى حزب سياسي:
خلال عامي ۱۹۳۷. ۱۹۳۸ ، توسعت تنظيمات الجمعية ، بحيث أصبحت تغطي معظم مدن کردستان ، نتيجة للإقبال المتزايد للانتماء إليها ، ولاسيما من الطلبة ، ونتيجة لهذا الاتساع ،اصبح من المتعذر قياداتها وتوجيهها سياسيا وحصر اعضائها بالطلبة فقط ، فأصبح من الضروري توسيعها لتشمل سائر فئات الشعب الكردي، وجرى اقتراح تحويلها إلى حزب سياسي يكلف أحد الشخصيات القومية الكردية لتوليها ، وفعلا تم تحويلها إلى حزب في المؤتمر الذي عقد في ۱۹۳۸ في كركوك ، وتم طرح عدد من الأسماء القومية الكردية لرئاسة الحزب ، مثل : رفيق حلمي ، وعدد من مؤسسي الجمعية، واستطاع رفيق حلمي من كسب ثقة الحاضرين ، وأسند إليه رئاسة حزب سياسي سري ، عرف باسم هیوا ( الأمل ) ، الذي اعتبر من أوائل الأحزاب الكردية السرية في سنوات الحرب العالمية الثانية في کردستان وتوسع هذا الحزب ، وأصبح حزبا كبيرا فيما بعد ، وكان من أهم أهدافه هو تحقيق الحقوق القومية للكرد ، ومنها الحكم الذاتي لكردستان ، لذلك انضمت إليه أعداد كثيرة من الطلبة والكسبة والضباط الكرد في الجيش العراقي والأطباء والمحامين ، وكذلك المثقفين من التجار والملاك ، ومن أبرز أعضائه : فؤاد عارف ، وامين راوندوزي ، وفائق كاكه أمين ، ومصطفى خوشناو وبكر عبد الكريم وعزت عزیز ، وكان هؤلاء ضباطا في الجيش العراقي،. كما انضم إليه أعضاء جمعية برايه تي برئاسة الشيخ لطيف بن الشيخ محمود الحفيد ، كما قام بعلاقات وتعاون عند تأسيسه مع زعماء الحركة التحررية الكردية ، في ايران وتبادل الآراء فيما بينهم من أجل العمل والتنظيم وفي الواقع أن ( هيوا ) كان حزيا قوميا أدى دورا مهما في نشر الشعور القومي للكورد ، وتوسيع حركتهم الوطنية ، وجمع تحت لوائه في وقت قصيرعددا كبيرا من الشخصيات التقدمية من أبناء الشعب الكردي ، وقد وصل عدد أعضائه في بداية تأسيسه إلى أكثر من ألف وخمسمائة عضو.

لماذا سمي الحزب بـ ( حزب هيوا ) ؟:
كانت الدولة العثمانية قد صادرت الحريات السياسية وأغلقت الجمعيات الكردية في اسطنبول ، وهي جمعية التعالي والترقي الكردية وجمعية نشر المعارف الكردية ، فقام الطلبة الأكراد في مدرسة الزراعة عام 1910 بتأسيس جمعية سرية بأسم ( جمعية هيفي = جمعية الأمل، وكان الأستاذ رفيق حلمي أحد أعضاء تلك الجمعية ولأحياء أسم تلك الجمعية والظرف المشابه لتأسيس جمعية " داركه ر " من قبل الطلاب ، اقترح رفيق حلمي تسمية الحزب بـ ( حزب هيوا ) .

الخلاف على تاريخ تأسيس حزب هيوا :
وردت تواريخ متباينة حول تأسيس حزب هيوا، فمنهم من أعتبر عام 1938 تأريخاً لتأسيس هذا الحزب وآخرون أعتبروا تأريخ تأسيسه عام 1939 إلآ انه من الواضح ان مؤتمر جمعية داركه ر الذي عقد في حزيران 1938 في كركوك هو الذي وضع اللبنة الأولى لتأسيس هذا الحزب .
وبعد مفاتحة الأستاذ رفيق حلمي بقرار المؤتمر وقبوله لذلك القرار ، عقد أول اجتماع تأسيسي للحزب في صيف عام 1938 لأكمال ألأجراءات الشكلية اللازمة لتأسيسه .
إذن ، تعتبر الأشهر الأخيرة من عام 1938 هي التأريخ الصحيح لولادة حزب هيوا .
ونظراً لتعيين رئيس الحزب مفتشاً أخصائياً بوزارة المعرف في بغداد في العام الدراسي الجديد 1938ـ 1939، ووصول عدد من مؤسسي الجمعية والحزب الى مرحلة الدراسة الجامعية في بغداد ، تم تشكيل أول لجنة مركزية للحزب من عدد من الأعضاء المؤسسين وعناصر أخرى من منتسبي الجمعية في تلك الكليات واضافة عدد آخر من المعلمين والمدرسين ومن ثم الضباط الذين انتسبوا الى الحزب السري الجديد .

الهيكل التنظيمي لحزب هيوا:
انخرطت أعداد كبيرة من مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية الكردية في صفوف حزب هيوا من مختلف مناطق كردستان العراق وفي العاصمة بغداد ، وهم من الطلاب والمعلمين والمدرسين والمحامين والمهندسين والموظفين والضباط وضباط الصف ورؤوساء العشائر وكبار ملاكي الأراضي والتجار والكسبة ورجال الدين ... الخ فأصبح لزاماً اتباع هيكل تنظيمي يستوعب كل تلك الفئات .
وقد أستمر الطلاب على تنظيماتهم الخاصة بهم في المدارس والمعاهد والكليات ، كما أصبح للضباط تنظيماتهم الخاصة ، يترأسها أعلاهم رتبة، كما كان لضباط الصف وأئمة الأفواج من رجال الدين خلاياهم الخاصة بهم، وللمعلمين والموظفين تنظيماتهم، وعندما أنضم رؤساء العشائر الى صفوف الحزب ، أصبحت لهم منظمتهم الخاصة ، يترأسها أكثرهم نفوذاً أو أكبرهم سناً، وكان وجودهم يحول دون الوصول الى الفلاحين، وكان الحزب أيضاً يعتبر كسب رئيس العشيرة بمثابة كسب العشيرة جميعها، إلا ان ذلك لم يمنع من دخول أعداد من رؤساء الفرق أو الفلاحين الميسورين والمتنورين في القرى والمناطق التي لا نفوذ لكبار الاقطاعيين فيها الى صفوف الحزب .
في السنة الاولى احتفظ الحزب بالتركيب الهرمي والقيادي ، اللذين كانا سائدين في جمعية داركه ر، فقد تألفت اللجنة المركزية من عدد من مؤسسي الحزب الذين وصلوا الى مرحلة الدراسة الجامعية في كليات بغداد ، واضافة عناصر أخرى غير طلابية ، وخاصة من الضباط والموظفين اليهم، إلا ان رئيس الحزب كان يجمع في يده معظم الصلاحيات . وعندما نقل رئيس الحزب الى مفتشية المعارف للمنطقة الشمالية ومقرها في السليمانية ، لم تبق للجنة المركزية تلك الأهمية أوالصلاحيات السابقة ، فكان الرئيس يدير أمور الحزب من هناك دون الرجوع الى اللحنة المركزية ، فدب الخلاف بينه وبين اللجنة المركزية ، آل الى فصل عدد من أعضاء اللجنة ، بينهم الأعضاء المؤسسون من الحزب وهم يونس رؤوف ( دلدار ) وكاكه حه مه خانقاه وبرهان حامد جاف وآخرون الذين عارضوا القيادة الفردية لرئيس الحزب رفيق حلمي .
وأصبح الرئيس يعتمد بالدرجة الأساسية على المنظمات العسكرية ورؤساء العشائر، واهمل الى حد كبير دور الطلبة والمثقفين الآخرين .
إذن .. في كل منطقة ( اللواء ) توجد منظمة للطلبة وأخرى للموظفين والمعلمين ، ومنظمة للعسكريين يترأسها أعلاهم رتبة ، ومنظمة للعشائر يترأسها أكثرهم نفوذا، وتتألف اللجنة المحلية للواء ، من ممثلي تلك المنظمات ، يترأسها المسؤول العسكري ، ان لم يكن هناك عضو من اللجنة المركزية، لأن الحزب كان يستند الى قوتين مسلحتين ، العسكرية والعشائرية لتكون نواة للثورة المسلحة الكردية، أما دور الطلاب والفئات الآخرى من المثقفين والتجار فلا يتعدى القيام بالدعاية والتحريض والاعانة المالية .
ولم يكن في الحزب انتخابات لأختيار الهيئات القيادية فيه ، فانحصرت الصلاحيات في اتخاذ القرارات برئيس الحزب.

قصة ألبوم الصور للحزب وبداية الخلافات الحادة:
حدث خلاف حاد بين رئيس الحزب الأستاذ رفيق حلمي واللجنة المحلية للواء كركوك عام 1942، عندما اوعز إلى جميع الأعضاء إرسال صور فوتوغرافية لهم يدونون عليها عبارة " مهداة إلى الرئيس المقدس الأعظم " ، وذلك لتنظيم " البوم " لمنتسبي الحزب .
وعلى الرغم من الشكوك الواردة حول الهدف الحقيقي من تنظيم هذا الألبوم لحزب سري كحزب هيوا ، إلا ان المنظمات المدنية نفذت هذا الأمر، إلا ان منظمة الضباط عارضت هذا الاجراء الغريب ، حيث تمنع القوانين العراقية انتماء العسكريين إلى أي حزب أو جمعية ، قانونية كانت أوغير قانونية ، ناهيك عن حزب سري معاد للحكومة، فان انتماء العسكريين إلى حزب هيوا يعتبر تآمراً على الدولة وعقوبتها الاعدام، وقد اتهم الضباط رئيس الحزب بوجود غاية انانية خاصة ، فامتنعوا عن تنفيذ الأمر . وفي اجتماع اللجنة المحلية للواء كركوك ، وهي مؤلفة من ممثلين من الطلبة ، وهم : ( مكرم الطالباني ومعروف البرزنجي ) وممثل عن الموظفين ( رمزي أفندي ) وثلاثة ضباط ، جرى الاعتراض على تنظيم هذا الالبوم كما طالبوا بوضع مالية الحزب تحت اشراف ثلاثة من الاعضاء القياديين ، فقررت اللجنة المحلية قطع صلة الفرع بمركز الحزب في السليمانية وعدم تنفيذ أوامر الرئيس ما لم يتراجع عن قراره بتنظيم ذلك الالبوم وما لم يقدم ايضاحات كافية عن كيفية التصرف بمالية الحزب ، ومن ثم وضعها تحت رقابة حزبية.
حضر الأستاذ رفيق حلمي اجتماع اللجنة المحلية بكركوك، إلا انه أصر على قراره بتنظيم البوم الحزب ورفض اقتراح اللجنة بوضع مالية الحزب تحت رقابة ثلاثية حزبية ، فادت النقاشات الحادة إلى ان يصدر الرئيس قراراً بفصل معظم أعضاء اللجنة المحلية ( باستثناء مكرم ورمزي ) مع حوالي عشرين ضابطاً رفضوا اهداء صورهم إلى الرئيس.

موقف الحزب من انتفاضة البارزاني:
في عام 1939 أصدر مجلة ( گه لاویز ) ، التي قامت بحملة واسعة ضد الفاشية من أجل الاستقلال القومي للشعب الكردي وتأسيس حكومة كردية ومن المواقف المشهورة لحزب هیوا مساندته انتفاضة الملا مصطفى البارزاني ( 1943 _1945 ) ، على الرغم من أن الملا لم يكن عضوا في الحزب ألا أنه لم يكن بعيدا عنه أيضا ، فقد ساعده الحزب على الهروب من السليمانية عندما كان تحت الإقامة الجبرية فيها إلى مسقط رأسه في قرية بارزان ، وأعلن انتفاضته فيها ، ووعده بتقديم العون والدعم له عندما بدأت العمليات العسكرية ضده ،و قام الحزب بدعمه وتأييده إعلاميا عن طريق توزيع المنشورات المؤيدة لانتفاضة الملا مصطفى البارزاني في بغداد ومناطق کردستان ، كما سافر رئیس الحزب الاستاذ رفيق حلمي الى راوندوز ، وطلب من اعضاء الحزب هناك بجمع المال والسلاح للمنتفضين في بارزان كما قام اعضاء الحزب في كركوك بجمع المال وشراء السلاح وارساله الثوار في بارزان.
فأدركت الحكومة العراقية ومعها بريطانيا بأن ما يجري في بارزان ليس تمردا عشائريا ، وإنما حركة قومية مسلحة يدعمها حزب منظم.
وقد ضغط المثقفون على قيادة الحزب للاسهام الفعال في الثورة الكردية التي اندلعت بقيادة الضباط التقدميين في لجنة الحرية ، وحاولوا توسيع رقعتها وتعميق محتواها، ولكن رؤساء العشائر الذين كانوا قد قطعوا العهد للحزب على مساندة الثورة ، سرعان ما أداروا ظهرهم لها بإحياء وضغوط من الحكومة والضباط البريطانيين، بل وتحولوا ضدها وحملوا السلاح بوجهها عندما علموا انها تتوجه ضد الاستعمار البريطاني والحكم الرجعي العميل، وبقي كبار الضباط في مناصبهم بتجديد الولاء للحكومة والتنديد بالثورة ، ولم تمس الحكومة المركز الوظيفي لرئيس الحزب ، في حين انها زجت بعشرات من الضباط الصغار والمثقفين في السجون والمعتقلات ، ونصبت فيما بعد المشانق لهم .
فعقد المؤتمر الذي عقده الحزب في قرية ( كلار ) بهدف توسيع رقعة الثورة وفتح جبهة ثانية في لوائي كركوك وديالى ، وعلق رؤساء العشائر في هذا المؤتمر الابقاء بعهدهم تجاه الشعب والحزب على موافقة الانكليز للاسهام في الثورة، ان هذا الموقف من الثورة القومية الكردية قد عرى تماماً القيادة اليمينية للحزب ، وكشف عجزه التام عن قيادة أي ثورة قومية كردية ، وفضحت مساوماتها الرخيصة لاصطياد المناصب الحكومية ودفع ثمنها من دماء الشعب الكردي، فاذا كان المثقفون من طلاب الكليات يمارسون حقهم في النقد باسلوب ديمقراطي ، فان المثقفين من الضباط اضطروا الى اللجوء الى القوة لوضع حد لمهزلة ترك الثورة لتلقي مصيرها والوقوف متفرجاً على حرق وتدمير القرى الكردية وقتل المئات من النساء والاطفال، مطالبين رئيس الحزب الاستاذ رفيق حلمي على ترك الحزب وتقديم استقالته.

الانشقاق داخل الحزب ثم اضمحلاله :
أسهمت مجموعة من العوامل في تفكيك حزب هیوا وغيابه عن الساحة السياسية في کردستان، ولا بد أن نشير في مقدمة تلك العوامل إلى أن الحزب عانى من التناقضات والخلافات بين صفوفه ، بسبب كثرة الأفكار والعناصر والاتجاهات المختلفة وكذلك اعتماده على الجماهير المثقفة من الطلبة والضباط والاغوات ، وكان من اهم الاسباب التي أدت إلى تعرض الحزب إلى الانشقاق هو اهمال الفلاحين الشريحة الواسعة للشعب الكردي، وكان لانتشار الأفكار الماركسية بصورة سريعة داخل الحزب التي كونت جناحا يساريا داخله سببا لابتعاد معظم عناصرها المثقفة عن الحزب .
ومن جهة أخرى عمل البريطانيون على تعميق الخلافات والانشقاقات داخل الحزب من خلال إدخال العناصر الموالية لهم وتشجيعهم على تشكيل تكتلات خاصة بهم ، ولاسيما بعد ما رأوا بأن سمعة الحزب في تزايد واتساع رقعة نشاطه بصورة سريعة ، وأصبح من الممكن أن يهدد مصالحهم الاستعمارية في العراق ، وقد شكل هذا التيار اليميني الرجعي الذي عجزعن الخروج عن دائرة التعاون مع بريطانيا ، وعن الالتزام بموقفها من منطلق كونها القادرة على إيجاد حل عملي للمشكلة الكردية .
وبذلك تعمق الخلاف بين أعضاء الحزب الذي انشق إلى جناحين ، جناح يميني ، والآخر يساري ، وتركز الخلاف بينهما حول نقطتين ، هما : الأولى : تعيين الاتجاه الذي يسير عليه الشعب الكردي في نضاله ، وتعيين المعسكر الذي يمكن الاعتماد عليه لتحقيق أهدافه ، وهل هو المعسكر السوفيتي والمعسكر الشرقي ؟ ، أم هو بريطانيا والمعسكر الغربي ؟ .
والنقطة الثانية : الموقف العام من حركات الملا مصطفى البارزاني التي بدأت عام 1943 ، وهل يجب الإسهام فيها أو اتخاذ الموقف السلبي تجاهها وفي شباط عام 1944 اجتمع أعضاء حزب هيوا في المؤتمر العام الذي عقد في كركوك وازداد الخلاف بين الجناحين ، وقد رأى الجناح اليميني برئاسة رفيق حلمي بأنه على الكرد استرضاء بريطانيا إذا كانوا يأملون في الحصول على حقوقهم القومية ، كما كانوا يناهضون الشيوعية التي وصفوها بكونها فكرة مستوردة، أما الكتلة اليسارية فقد شجعها اندفاع الجيش السوفيتي نحو کردستان إيران ومساعدته للحركة القومية الكردية هناك ، وكان أعضاؤها يؤمنون بأن الكورد لا يمكنهم تحقيق وإحراز حقوقهم القومية إلا عن طريق الثورة الاشتراكية، كما رأت الكتلة اليسارية أن أساس التحرر للكورد هو الانفصال عن النظام البريطاني الاستعماري ، والقضاء على الحكم الرجعي العميل في العراق ، وإقامة نظام ديمقراطي حر.
فدبّ الانقسام في صفوفه بسبب تلك الخلافات الآيديولوجية والسياسية.

محاولات لاعادة الوحدة الى صفوف حزب هيوا:
احتفظت الكتلة اليمينية ، وهي شبه مجمّدة ، بأسم الحزب لبعض الوقت دون ان تقوم بأي نشاط سياسي يذكر ، ولكن سرعان ما اضمحل دورها وهجرت الميدان السياسي كتنظيم قومي ، انضم بعضهم الى الاحزاب الكردية التي ظهرت فيما بعد وترك الآخرون العمل الحزبي، وانضم اليساريون الذين سبق ان فصلوا منه والذين كانوا لازالوا فيه الى الاحزاب والمنظمات الماركسية التي كانت لها عدة كتل ، ثم استقرت في انضمامها الى الحزب الشيوعي العراقي، وبقيت اعداد كبيرة من الاعضاء محتفظين بعلاقاتهم الحزبية تحت أسم " هيواي آزاد ـ هيوا الحر " ولكنهم لا يألون على شيئ .
وجرت أول محاولة لاعادة الوحدة الى ما تبقى من التنظيمات ، وذلك بمبادرة من اليساريين لعقد اجتماع حضره عدد كبير من مختلف الاتجاهات في دار السيدين رشيد عبدالقادر وجليل هوشيار في محلة الصليخ ببغداد ، إلا ان الخلافات الفكرية والسياسية كانت من العمق بدرجة يستحيل فيها التوفيق بين تلك الكتل ، فانتهى الاجتماع دون الوصول الى نتيجة .
أما المحاولة الثانية ، فقد قام بها عدد من الماركسيين الذين كانوا يعملون في بعض المنظمات الماركسية ( شورش ويكيتي تيكوشين ـ الثورة ووحدة النضال ) . وكان أنشطهم السيد صالح الحيدري فتم تأسيس حزب ( رزكاري ـ الخلاص ) .
كانت فكرة العناصر الماركسية هي ، ان الحركة الكردية بحاجة الى حزب قومي ديمقراطي واسع يضم في صفوفه الفئات الديمقراطية التقدمية من الكورد ، يدخل فيه الشيوعيون كمنظمة تحتفظ بتنظيماتها ( فراكسيون ) ويوجهون الحزب فكرياً وسياسياً من خلال هذا الائتلاف التنظيمي، وكانت هذه الفكرة شبيهة بفكرة تأسيس حزب التحرر الوطني الذي تأسس بجهود العناصر القيادية في الحزب الشيوعي العراقي ( حسين محمد الشبيبي وسالم عبيد النعمان وغيرهما ) ليكون حزباً جماهيرياً يستوعب فئات واسعة من الديمقراطيين والتقدميين من المثقفين والعمال والفلاحين والكسبة .. الخ .
ان انحلال حزب ( رزكاري ) خلال فترة قصيرة لم يكن بسبب التناقضات الفكرية والسياسية في هذه المجموعة غير المتجانسة من شتات حزب هيوا فحسب ، بل وان العناصر القيادية لهذا الحزب من أعضاء منظمتي ( شورش ويكيتي تيكوشين ) انفسهم لم يكونوا مستقرين فكرياً وسياسياً، ففي الوقت الذي تم تأسيس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934 وأسس له فرعاً في كردستان ، كان ( شورش ) يعتبر نفسه الفرع الكردي لحزب شيوعي عراقي لم يتأسس بعد ، لأنه يرفض الاعتراف بالحزب الشيوعي القائم وبفروعه في كردستان ، بينما كان ( يكيتي تيكوشين ) فرعاً للمنظمة الشيوعية المنشقة ( وحدة النضال ) التي لا تعترف بدورها بالحزب الشيوعي، ان هاتين المنظمتين الشيوعيتين بقيتا معلقيتين في الهواء ، لا أرضية فكرية أو سياسية لبقائهما، وسرعان ما دخلتا في حوار مع الحزب الشيوعي العراقي وانضمت العناصر التي تحمل الآيديولوجية الماركسية ـ اللينينية الى الحزب الشيوعي ( فرع كردستان ) وبينهم السيد صالح الحيدري نفسه

المصادر :
_ بحث ل مكرم الطالباني عن حزب هيوا في كتاب صغير الحجم (184 صفحة)، صادر عن ( مركز خاك للنشر والاعلام ) في السليمانية عام 2002



#رستم_محمد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرموز الموجودة على جدران لالش
- (إله العاصفة Teşşub) كبير الالهة الحوريين
- اللولوبيين
- جريمة الانفال
- ادريس البدليسي
- مصطلح ميزوبوتاميا
- الفنان الكوردي محمد شيخو
- مصطلح اقليم كوردستان في تاريخ الشرق
- الساميون (دراسة عامة)
- كيف رسمت الحدود التركية _ السورية واثر ذلك على الكورد
- قدري جان
- الخلق والتكوين لدى اليارسانيين
- مملكة كوما جين
- أحمد كايا
- الشاعر الكوردي رضا الطالباني
- الاختام الحورية
- اللغة الهورية
- يلماز غويني
- الكيميائي الكوردي الحاصل على نوبل الكيمياء (عزيز سنجار)
- الحوريون وثقافة كورا _ اراكس


المزيد.....




- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-
- السعودية ترحب بالتقرير الأممي حول الاتهامات الإسرائيلية بحق ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - رستم محمد حسن - حزب هيوا (الأمل)