جريمة الانفال

رستم محمد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 6538 - 2020 / 4 / 15 - 12:04
المحور: القضية الكردية
    

(23 شباط الى 6 ايلول 1988)

تعتـبر حـملات الأنفـال (استمدت اسمها من السورة القرآنية والتي تتحدث عن تقسيم الغنائم بين المسلمين بعد معركة بدر)
والتي نفذها نظام صـدام حسين بحق المدنيين الكرد خلال الفـترة (من ٢٣شـبــاط ١٩٨٨ وحـتى الـسـادس من أيلول مـن نفس العـام) واحــدة من أكــثـر صـفــحـات القــمع الحكومي وحشية وعنفا في تأريخ النظام البعثي في العراق، فأثناء هذه الحملات ونتيجة لها قتل عشرات الآلاف من السكان المدنيين بعد أن نهـبت ممتلكاتهم ودمـرت آلاف القـرى الكردية، وشـاركت في تنفـيـذ هذه المسـالخ البـشرية فـيـالق الجيش النظامي العـراقي (الفيلقان الأول والخـامس) والقوات الخاصـة والحرس الجمهـوري والقوة الجـوية العـراقـية وصـنوف الحرب الـكيمـاوية والبـيـولوجـيـة وكـذلك الميليـشـيات الحـزبيـة (الجـيش الشـــعــبي) وقـــوات المرتزقـــة الكرد (أفـــواج الدفــاع الـوطني والمفـــارز الخــاصـــة) ودوائر الأمن والمخابرات والأسـتخـبـارات العـسكرية، كـمـا سخـر نظام صـدام حـسين جـميـع مؤسـسـات الدولة المدنية للمساعدة في تنفيذ تلك الحملات بدءا بدوائر الأحصاء (التي حددت الجماعة المستهدفة من خـــلال إحــصــاء عـــام ١٩٨٧ (وإنتــهـــاء بدوائر الأحـــوال المدنيــة والـطابو والمرور والـزراعــة والمواصلات وغيرها.)
ونفذت هذه العمليات تحت شـعـار (حل القـضـيـة الكردية والقـضـاء على المخربين).

_ مظاهر عمليات الانفال :
كانت المـظاهر الرئيسـية لهذه السـياسـة خلال العـامين الذين قضـاهما المجيد كحـاكم مطلق في كردستان من ٢٩ آذار ١٩٨٧ وحتى ١٥ نيسان ١٩٨٩ تتلخص في:
١ -الأعدام الجماعي واخفاء أثر عشرات الالآف من المدنيين الكرد بمن فيهم عدد كبير جدا من النساء والأطفال وفي أحيان كثيرة سكان قرى كاملة.
٢ -استخدام الأسلـحة الكيمياوية بصورة واسـعة كغاز الأعصاب والسارين والخـردل في حلبجة و٤٠ موقعا آخر خلال الفترة من نيسان ١٩٨٧ وحتى آب / أيلول ١٩٨٨ .
٣ تدمير اكـثر من الفي قرية تشير اليـها الوثائق الحكومية بصيغ أحـرقت او دمرت، سويت مع الأرض وجرى تطهـيرها فـضلا عن عـشرات القصـبات والمراكـز الأدارية بما فيـها مدينـة قلعة دزة التي بلغ عدد سكانها اكثر من ٧٠ الف نسمة عند تدميرها.
٤ -تدمـير المراكـز المدنية كـالمدارس، الجـوامع، الكنائس، آبار المياه واليـنابيع ومحطات الطاقـة الكهربائية والمباني الحكومية الأخرى.
٥_ نهب ممتلكات السكان المدنيين وحيواناتهم من قبل الجيش وقوات الجحوش.
٦ -القاء القـبض على القرويين بحجـة التواجد في المناطق المحظورة رغم انهم كـانوا في بيوتهم ومزارعهم وعلى ارضهم.
٧_ الحجز الكيفي لعشرات الالاف من النساء والأطفال والشيوخ لأشهر عديدة وفي ظروف جد قاسيـة بدون أوامر صادرة من المحاكم وبدون أية اسـباب منطقية سـوى الشك في كونهم من انصــار الحـركــة الكردية، ونتــيـجــة لذلك مــات الالاف منهم بســبب ســوء التـغــذية والمرض والأوضاع الحياتية القاسية.
٨_ التهـجير القسـري لمئات الالاف من القرويين بعـد تدمير قراهـم الى المجمعات القـسرية التي كانت الدعاية الحكومية تطلق عليها ظلما وبهتانا اسم المجمعات العصرية.
٩ -تدمير البنية التحتية والأقتصادية للريف الكردستاني.
و تشيـر الوثائق الحكومـية الرسمـية الى هذه السـياسـات تحت مسـميـات (الأجراءات الأدارية الخاصة، الأجراءات الجـماعية، العودة الى الصف الوطني واعـادة الأسكان في الجنوب) وغيرها من التـسـمـيـات الـتي تحـاول دون جـدوى تمويه واخـفـاء سـيـاسـة الأبادة الجـمـاعـيــة بحق الشـعب الكردي.

_ مراحل عمليات الانفال :
بلغت حــمـلات الأنفـال ثمـان وشـمـلت ست مناطق جـغـرافــيـة وكـان القـصف المدفعي والجـوي المكثف مـصـحـوبا باسـتـخـدام الأسلحـة الكيـمـيـاوية مع زج كـل الأمكانيـات البـشـرية والتـقنيـة المتاحة يسبق كل حملة مـن حملات الأنفال هذه وهذا موجز لتلك العمليات الثمان :
_ الأنفال الأولى : وبدأت بهجوم كبيـر صبيحة يوم ٢٣ شـبـاط ١٩٨٨على مـقـرات الأتحـاد الوطني الكردسـتـاني فـي سـركلو وبركلو، واسـتـغـرقت ثلاثة اسـابيع وذلك بسـبـب المقـاومة الـشـديدة التي ابدتهـا قـوات البـيـشـمـركـة في هذه المنطقـة، ويدخل قصف حلبـجة يوم ١٦ اذار من نفس العـام بالأسلحة الكيمـياوية في اطار حـملة الأنفال الأولى رغم انه لم يشكل رسميا صفحة منها.
_ الأنفال الثانيـة : شملت منطقة قره داغ وبدأت في ٢٢ آذار اي بعـد يوم واحد من عيد نوروز واستمرت حـتى نهاية الشهر، ولم يأت اختيـار هذا الموعد صدفة فقد عـرف البعث بهوسه باختيار المناسبات التاريخية لتنفيذ سياساته العنصرية.
_ الأنفـال الثـالثـة :وشملت منـطقـة كـرمـيـان بمحـافظة كـركـوك وبدأت في ٧ نيسان (في ذكرى تأسيس حـزب البعث العـربي الأشتـراكي) واستمـرت حتى ٢٠ من نفس الشـهر، وكـانت الأنفال الثالثـة أقسى صفحـات الأنفال وأكثرها تدمـيرا من حيث مسـاحة المناطق التي شملتـها أو عدد الكرد المؤنفلين خـلالها، وكان الهـدف هو تدميـر كل الريف الكردي في هذه المحافظة والـتخلص من اكبـرعدد ممكن من سكانها الكرد لأسـتكمال عمليات التـعريب والتطهيـر العرقي التي بدأ البعث بـتنفــيــذها مـنذ عــام ١٩٦٣ عندمــا وصـل الى السلطـة لأول مــرة ليــعــود إلى تبـنيــهــا كـأســتـراتـيـجــيـة منذ الـسـبــعـينيــات ولتـصـل الى مـرحلـة التطهـيــر العــرقي في الثــمـانينـيـات والتـسعـينيـات، ويعتـقد بأن أكـثـر من نصف المؤنفلين البـالغ عددهم ١٨٢ ألـفا أخـذوا من ساحـة
عمليات الأنفال الثالثة فقط.
_ حــملة الأنفـال الرابعــة :وكانت على حـوض الزاب الصـغــيـر في ٧ و ٨ مايس.
اما حملات الأنفال والخامـسة والسادسة فقط شملت المناطق الجـبلية في محافظة أربيل. وبدأت في ١٥ مايس واستمرت حتى ٧ تموز واضطر النظام أمام المقاومـة الشديدة التي أبدتها قـوات الأنصار لوقف العــمليـة بـأمـر صـادر من مـكتب رئيس النظام (ويـؤكـد هذا الأمـر الـدور المبـاشـر لـصـدام حسين شـخصيا في مـسالخ الأنفال).
و تجـددت الهجمات في الأنفـال السادسة والسـابعة في تموز وآب لتعلن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية (عن تطهير المنطقة من من سموا بالمخربين)
_ الأنفـال الثامنة : أو مـا سميت بخـاتمة الأنفال فقـد بدأت بعد قبـول ايران لوقف اطلاق النار /١٩٨٨/ اذ تفرغت القـوات المسلحة العـراقية كليـا لقمع الشـعب الكردي ولأنجاز هذه الحلقة الأخيـرة من مسالخ الأنفال، بدأت هذه الحملة الواسـعة التي شملت منطقة بهـدينان بشمال كــردسـتــان العــراق يوم ٢٥ آب واسـتــمــرت حـتى ٦ من أيـلول من نفس العــام، لتــعلن بعــدها الحكومـة النصر علـى (أعداء الوطن) وتصـدر (العـفو العـام!) لصـيد البـقيـة البـاقيـة من سكان المناطق المشمولة بالأنفالات من الذين لم يقعوا في قبضة القوات الحكومية.
كانت الخطة المتبعة في عمليات الأنـفال هي نفسها تقـريبا، اذ يجري البدء بالقـصف المدفعي والجوي المكثف لعـدة أيام مع استـخدام الأسلحة الكيـمياوية ليـبدأ بعـد ذلك الهجوم البـري بعد ان يكون قـد جـرى استـكمال تطـويق المنطقـة المستـهـدفـة من كل الجـهات مـن قبل قـوات الجـيش الشـعـبي ومـا كـانت تـسـمى بافـواج الدفـاع الوطني وسـد جـمـيع الطـرق والممـرات لمنع هروب اي شخص الى خـارج منطقة العمليات.

_ نتائج هذه العمليات :
ادت هذه العـمليات الى مقتل عـشرات الالاف من السكان المدنيين والقـاء القـبض على كل من بقي على قـيـد الحيـاة ونهب ممتلكـاتهم وحيـواناتهم واضـرام النار في بيـوتـهم ومـزارعـهم، لتـأتي بعـد ذلك فــرق الهندسـة العـسكرية وتقــوم بتـدمـيـر القـرى وتســويتـهــا بالأرض، في حين كــانت الشـاحـنات العـسـكرية تقف على أهـبـة الأســتـعــداد لنقل القرويين الى مـراكز التجـميع ومعـسكرات الأعتقـال، حيث يجري فـصل النساء والأطفال وكـبار السن عن الرجال الذين نقلوا بعد ذلك الى حيث يلقون مصـيرهم المجهول، وكانت قوات المرتزقة تقـوم بعد ذلك بتـمـشيط المنطـقة وسـفوح الجـبـال لألقاء القـبض على كل من تمكن من الأفـلات.
بينمـا تقـوم قوات الشـرطة والأمن والجـيش الشـعبـي بتمـشـيط القـصبـات والمجمعات السكنيـة لألقاء القـبض على الذين تمكنوا من الإفـلات من قبـضة الجيش. وانخـدع الكثيـرون بقرار العـفو وسلمـوا انفسـهم مرغمين ليلقـوا نفس المصيـر. وكـانت مهـمة القـوات النظامـية تنتـهي عند هذا الحد لتـستـلم قوات اخـرى يعـتـقـد بأنهـا قوات الأمن والمخابرات والمهـمـات الخـاصة مـهـمـة نقل واخفاء أثر القرويين الكرد وعوائلهم الذين بلغ عددهم اكثر من ١٨٢ ألفا.
وهناك تقـارير كثـيـرة تشيـر الى دفن عـشرات الالاف منهـم في الصحـراء الغـربية على الحـدود السـعودية والأردنيـة، وحدد بـعض الناجين من مسـالخ الأنفـال مواقع عـدد من المقـابر الجمـاعيـة بالقـرب من الرمادي وقـرب مدينـة حضـر التاريخـية جنوب المـوصل وفي صحـراء السمـاوة، كمـا يعـتقـد بوجود مـقبـرتين جمـاعيتين في جبل حـمرين احـداهما بين كـركوك وتكريت والأخـرى الى الغـرب من طوز خـورماتو، وهـناك شواهد عـديدة على اخـضـاع آلاف اخـرى من هؤلاء التـعسـاء للتـجارب لتـقديـر مفـعول الأسلحـة الكيـميـاوية والبـيولوجـية العـراقـية، وجـرى نقل اكثـر من ٨ آلاف شـخص من كبـار السن الى سجـن نقرة السلمـان حيث مـات الكثـيرون بسـبب الحر والجـوع والعطش والأمـراض واكلت الكلاب السائبـة جثـثهم.
ويـروي الناجون العـائدون من جهنم البـعث قصصا تقـشعر لها الأبدان عن حجم المعاناة الإنسانية لنـزلاء قلعة نقرة السلمان على يد الملازم حجاج ورفاقه في العقيدة، كما روى هؤلاء بأن الرجال كانوا يجمعون على شكل صفوف طويلة ثم يطلق النار عليهم ليـسحبوا بعـد ذلك الى الحفر الكبيـرة التي هيأت لهم مسـبقا، وفيـما بعد وبسبب الأعداد الكبيرة من المحكومين بالموت كانوا يوقفون على حافات الحفر ليقعوا فيها بعد ان يطلق النار عليهم او يقذفـون الى الحفر الكبيرة ويجري اطلاق النار عليهم من جـميع الجهات ليوارى التراب عليهم بعد التأكد من قتل الجميع.
ويعـتـقـد بأن مـجــمـوع الكرد الذين قـتلوا خـلال عـامـي ١٩٨٧ و١٩٨٨ في حـمـلات الأنفـال والحـملات التي سـبـقتـها كـسـبي الرجال من عـشـيرة بارزان وشـبـاب الكرد الفيلـيين والعمليـات العـسكرية التي سـبقـتـها وقـصف حلبـجة واربعين مـوقـعا آخـر بالأسلحـة الكيمـيـاوية يزيد على الربع مليـون شخص، وكـانت الحكومة الـعراقـية تلاحق ضـحاياها وراء الحـدود ايضا فـقد بعـثت من تضع السم في خـبز اللاجئين الكرد في تركـيا من الذين هربوا بسـبب الهجمـات الكيمـياوية خلال عمليات الأنـفال الثامنة في منطقة بهدينان والذين بلغ عددهم اكـثر من ٨٠ الف شخص.
كما بعثت بطائراتها الحربية لتلقي بقنابلها على رؤوس اللاجئين الكرد في ايران.
ملاحظة : تم اختيار يوم 14 نيسان كذكرى سنوية لجريمة ( الانفال ) بسبب وحشية النظام المقبور والتي بلغت ذروتها في مثل هذا اليوم، حيث تم تدمير اكثر من 1200 قرية مغدورة في منطقة (كَرميان وهي جزء من منطقة كركوك تمتد بين نهر الزاب الصغير ونهر سيروان أو نهر ديالى)، اضافة الى اعتقال اكبر عدد من اهالي المنطقة والذين دفنوا لاحقأ وهم احياء في المقابر الجماعية.

المصدر :
كتاب قضايا كردية معاصرة مختصر الفصل الخاص بالانفال (من الصفحة 119 الى 151) ل د. جبار قادر

#رستم_محمد_حسن (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات