مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6595 - 2020 / 6 / 17 - 14:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ ثمة الكثير ما يُحبب ويُكسِب الناس أغلب الظن ، فإن الأسئلة الأخرى والقادمة من الباطن العميق لتاريخ الانسان العربي ( المشرد ) ، دائماً تبدأ تتوالى تباعاً عندما يحصل اللقاء الأول بين المهاجر ومافيات التهجير ، حينها فقط بالفعل تتعالى أصوات الخوف لحظة إستماع ومشاهدة النوارس الجائعة تحلق في السماء فوق قوارب الموت التى تعوم على سطح بحر مجهول الهوية ، وبالتالي هؤلاء المهاجرون ، مازالوا منذ خطت أقدامهم عتابات دوائر الهجرة ، ينتظرون التحية من أشخاص لا يردون التحية مهما أمتلك المُحّي من اللغات المتعددة ، إذن السؤال الذي مازال لا يجد إجابة عليه ، ( ما الذي رماك على المر غير الأمر منه )، وفي لفتة أولية ، يبلغ عدد المغتربون العرب في العالم 50 مليون إنسان ، لقد بدأت الهجرة العربية بشكل واسع وملحوظ بعد إعلان أول متصرفية مستقلة عن بلاد الشام وجاءت حسب شروط ورغبة الدول الأوروبية آنذاك ، بالطبع حدث الانفصال بعد حروب أهلية بين المسلمين والمسيحين عموماً والدروز والموارنة على الأخص ، لكن الانفصال كان البذرة التى بذرة غربنة العرب ، والتى أتاحت لأبناء المتصرفية في تبني الحداثة الغربية دون مراعاة مستقبل الشخصية العربي ( المستقلة ) ، ابتداءً بنشر التعليم في المدارس وعلى الطريقة الأوروبية وإنشاء أول جامعتين هما ( الأمريكية والقديس يوسف) ومن ثم بدأت هجرة اللبنانين إلى مصر وأوروبا والقارة الأمريكية بجنوبها وشمالها وبالتالي كان لبنان النموذج الأولي لنشر الروح القومية على غرار ما شهدته أوروبا ، لكن كانت أوروبا الإمبريالية بمفكرينها أمثال ماكفيللي وفولتير ولوجوفيكو ، يقفون خلف تلك الرؤية التى ترغب بتفكيك الإمبراطورية العثمانية لكي يتاح لأوروبا بالتفرد في منطقة قد عشعش التخلف في جميع مفاصلها وتفاصيلها ، على الرغم من محاولة مصر المبكرة بتبني الحداثة الغربية إلا أن القوة الكونية حالت بينها وبين التحديث .
لم تكن ابدأ عمليات التى سهلت وتسهل الهجرة من الدول العربية إلى الغرب بالصدفة أو أنها جاءت ضمن إجراءات فوضوية ، بل العكس ، كانت ومازالت الحركة التهجيرية لديها أبعاد عميقة ومغازي كبرى ، تندرج جميعها تحت التفكيك المبرمج لما تبقى من الأمة العربية وبذات الوقت منع نهوضها مرة آخر ، وبالتالي هذه الأعداد الكبيرة التى هاجرت ، صحيح أنها غطت جزء مهم من العمالة المفقودة في الغرب لكنها ايضاً تعتبر ركيزة أساسية لدولهم الأصلية ، لقد سجلت الاحصائيات الرسمية بأن التحويلات النقدية من المهاجرين إلى بلدانهم كبيرة ، هنا لا نتكلم عن الأموال التى تهرب من دفع ضربية الدخل ، فالمُهرب بطريقة غير رسمية يعتبر خيالي ، على سبيل المثال لبنان ، تصل مساهمات تحويلات النقدية الرسمية عبر البنوك ومحالات الصرافة من الخارج ب14,5 في المائة من الناتج الإجمالي ، ايضاً نأخذ مثال آخر ، مصر وصلت تحويلات المصريين المهاجرين والمغتربين إلى 25,7 مليار دولار .
دائماً هناك قلة قليلة تكاد لا تعد على أصابع اليدين التى قد تكون هاجرت بسبب جريمة أرتكبت أو لأسباب سياسية ، لأن الأغلبية الساحقة بإختصار لم يرتكبوا أي جريمة ولم يعبروا عن آرائهم السياسية ، لا في السر ولا في العلن ، وبالتالي في جرد بسيط للمهاجرين ، سيجد الجارد بأن السبب الرئيسي للمهاجر هو اقتصادي وهذا يعتبر لجوء فردي من أجل إعادة بناء حياة جديدة تعثر بنائها في أوطانهم ، بل ايضاً يندرج ضمن خط ناظم وليس عبثي من الدول التى تستقبل المهاجرين ، لأنها ترغب بالهجرة الفردية التى لا تشكل لها خطورة أو تغيرات بنيوية بالفكر والأيديولوجية وأنماط العيش ، وبالتالي المهاجر من أجل المال خسر وطناً وثقافةً ولغةً وعائلةً وأقارب وأصحاب ، بل الهجرة جعلت من الإنسان ، إنسان ضائع ، غير قادر على الاندماج الكامل لأسباب محلية ولأسباب تركيبية تخص النشأة ، وبالتالي اجتمعت مصالح دول المهاجرين مع الدول الاستعمارية ، بقتل المهاجر مرتين ، الأولى عندما حرمته من أبسط حقوقه في إيجاد فرصة عيش في بلده ، والأخرى ، عندما طالبه المهجر أن ينسى أو يتناس ثقافته السابقة ، وهذه الشخصية المركبة تركيباً ، تتحول مع الزمن إلى شخصية منافقة بإمتياز ، لأنها لا ترغب باجتثاث أصولها التى تعتز بها سراً ، وفي الوقت ذاته ، تريد أن تحصل على مواطنة بدرجة إمتياز ، وهنا تبدأ رحلة المواطنة الزائفة التى تخلق فئة كبيرة من المجتمع الواحد، بفئة اللاوطنية وبالانتماء الناقص ، والمواطن المقبول من المواطنين الأصليين والمرفوض عندما تنتهي الحاجة له والعكس صحيح ، وهذا يتطلب من المهاجر رفع منسوب النسيان ، فكلما إرتفع يتعزز شعور الكرامة ، أي العيش الكريم والذي يكفل بتحويل وطن المهاجر الأصلي إلى شجرة يتجلى في تقطيعها كلما تناسى أكثر ، وبالتالي يحّرص احياناً المهاجر بالمبالغة بإنتمائه من أجل تحسين وضعه وكلما تحسنت ظروفه الاقتصادية ، بات نسيان الماضي أسهل لأنه أخيراً وجد نفسه بعد ما أضاعتها الطغمة الفاسدة .
انطلاقاً من مفهوم التربية الحديثة ، فاليوم باتت البشرية تعتبر بأن الحياة هي الخير المطلق ، أما الموت هو الشر المطلق ، وبهذه العقيدة تحولت التضحية إلى شيء منكر ، هنا لا نتحدث عن الموت بل عن التضحية بأبسط معانيها ، وبالتالي كما أن هناك أشخاص لا يتحملون الحروب ايضاً كثير من الأشخاص لا يستطيع العيش في ظروف حياتية صعبة ، فالأول ، يختنق من أصوات القذائف ومشاهدة الموتى والجرحى والدمار التى تدفعه جميعها احياناً للانتحار ، أما الآخر ، نتيجة الفقر وسوء حال العيش وتردي الخدمات وإنعدام الفرص ، يندفع للانتحار بطريقة أخرى ، يهاجر ويعلن الفراق بين وطنه وجهته الجديدة ، لهذا المراقب يجد ببلد مثل لبنان ، تجاوز أعداد المهاجرين منه إلى أنحاء العالم ب12 مليون شخص ، إذن إرتفاع الهجرة هنا تشير عن مسألة مركزية ، كلما كان الوطن مقسوم بين الحروب والانحطاط الاقتصادي والخدماتي والفسادي ، ارتفعت أتوماتيكياً نسبة الهجرة ، كما هو حاصل مع لبنان ، لكن في مصر أعداد المهاجرين والمغتربين معاً تقدر بحدود ال 10 مليون شخص ، بالطبع هنا يعود إنخفاض ذلك إلى مسألتين تختص بهما مصر ، الأولى لأنها أقل الدول التى شهدت حروب أهلية ، وثانياً ، الإنسان المصري لديه خصوصية يختص بها ، ارتباطه في بلده شيء أساسي ، حتى عندما يمضي عمراً طويلاً في أي بلد هاجر لها ، تبقى اللهجة المصرية طاغية على لغة البلد التى هاجر إليها وبالتالي كلما الدولة قدمت خدمات نوعية وحافظت على السلم أهلي ، كلما انخفضت الهجرة .
إذن الوطن البديل بالنسبة للمهاجر ، يشعره بالإهانة ، وعدم تقبل الموطن الأصلي للمهاجر يشعره بالانحطاط الإنساني ، وبالتالي الهجرة والانتحار يعززان المقولة إياها ، المهاجرون والمنتحرين ليسوا ابداً متمردين بقدر أنهم مجانيين وجبناء ، جبناء لأنهم لا يسعون للتغير بروح الجماعة وبالتالي سعوا للخلاص بشكل فردي ، أما المنتحرون عجزوا في كل مرة على التحمل ، فهناك دائماً فرصة كبير للنجاة ، بل ينطلقون من عقيدة راسخة ، تقول ما الفائدة من وجود الرأس فوق الماء طالما الجسم غارقاً ، وتبقى الخلاصة الكبرى التى تختبئ وراءها كل هذه الأعداد الكبيرة للمهاجرين العرب إلى الدول الكبرى ، هي ، دعوة غير مباشرة للمستعمر القديم ، بضرورة استعمار بلادهم مجدداً وبأقرب فرصة وبشكل جماعي وليس كما هاجروا فرادى ، وبالتالي استعمارهم للجغرافيا العربية يُوفر عليهم مشقة الرحلة وضجيج النوارس الجائعة وعذاب مافيات التهجير والانتظار الذي لا ينتهي ابداً ، إلا بكفن يتسع للحالم وأحلامه . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟