أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان صباح - أبراج المعرفة وأبراج المعلومة ...















المزيد.....

أبراج المعرفة وأبراج المعلومة ...


مروان صباح

الحوار المتمدن-العدد: 6593 - 2020 / 6 / 14 - 15:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


/ العودة إلى الوراء ، تتيح للعائد التعرف على كيفية إنشاء العقل السليم في الجسم السليم ، وبالتالي لكي يتحقق ذلك لا بد من الاهتمام بجهاز المناعة جيداً ، وللمرء ذاته أن يتبصر ، ما هي الأسباب التى تساعد في نمو الجسم وتبقي العقل على طفوليته ، وحسب الإحصائيات الرسمية والموثقة في وزارة السياحة الفرنسية ، فإن عدد زائرين برج ايفل الواقع بجانب حديقة شامب دي مارس بالعاصمة الفرنسية باريس يتجاوز سبعة ملايين إنسان سنوياً ، وقد وصل ايضاً العدد الكلي منذ إنشائه عام 1889م إلى300 مليون زائر ، ومازال حتى الآن ، الهدف المصرح رسمياً من وراء بنائه هو الذكرى المئوية للثورة الفرنسية وبالتالي الزوار على الأغلب ليسوا لهم أي علاقة بالثورات أو الديمقراطيات أو الحريات ، بل لا يعلمون لماذا يُطلق عليه أسم ( ايفل ) ، وهي مناسبة لكي نكشف عن إرتباط أسم البرج بمهندسه الذي أشرف على تصميمه وبنائه ( غوستاف ايفل ) ، وبالرغم من رمزية الثورة لكن هناك قاعدة ثابتة من المغزى الحقيقي لبنائه ، بالطبع إذ جاز لنا قول هذا ، فمن جميع أطراف باريس يمكن رؤية البرج لكن عندما يدخل الزائر داخله تنقطع رؤيته ، إذن سحر الفكرة ، كانت وتبقى كأحد أسباب حب الناس الوصول له وزيارته ، وبالتالي تحول مع الوقت إلى مكان أشبه بالحجيج ، يحج له الناس دون معرفتهم لماذا ، لكن ما يعنينا من أصل الفكرة ، فقد كان قبل ذلك بمائة عام تقريباً ، المهندس والعالم الإجتماعي جيمرين بنثام واضع فكرة بانوبيتكيون ( Panopticon ) فكرة السجن والتى تُختصر هكذا ، تأثير قوة العقل على العقل ، وبالتالي يتم بناء برج المراقبة في منتصف السجن ليتحول إلى بقعة مركزية قادرة على رؤية المساجين ، في حين الآخرين لا يستطيعون رؤيه من في داخله ، على الرغم ، أن أعلى البرج يبقى في ظلمة تامة لكي تتعزز قوة العقل على عقل الآخر ، فيصبح السجين يعيش في حالة شعور دائمة بأنه مراقب ، إذن بذلك تعززت لديه يوم بعد الآخر فكرة سلطة السلطة ، وهذا بالفعل تم نقله تدريجياً إلى التعليم ، فالمعلم يقوم بشكل أو بآخر من خلال ممارساته اليومية وعلى الأخص أثناء الامتحانات بنفس الدور المناط للسلطة ، ليصبح ايضاً للمعلم سلطة داخل جدران التعليم ، المراقب الدائم ، إذن تمرير مفهوم الرقابة السلطوية إلى التعليم ، أدى دون أن يعلم المُمرر ، التغيرات الجوهرية على الأهداف الأساسية للتعليم ، وبالتالي جميع من في السجون يتم التعامل معهم على أساس منظور واحد دون النظر إلى الأبعاد المتنوعة للنزلاء ، بل مع الوقت تبدأ عملية الفرز الذي يضع ايضاً الجميع بين ثنائية الموجب والسالب ، وبالتالي هذا التصنيف انتقل إلى السجون التعليمية ، فالطلاب يتم تصنيفهم ضمن ثُنائية بليدة وعاجزة وغير قادرة على البحث بتلك القدرات المختبئة ، لأن التعليم ينطلق من محددين لا ثلاث لهما ، لقد زُرع ببساطة الانحراف ، وهذا الانحراف حرم فئة كاملة من الفرص ووضعها ضمن تصنيف الكسل ، بل لا رجاء منها ، وهذا الانحراف يتعزز بشكل باطني داخل هؤلاء ويكبر مع العمر ويتأصل مع الوقت ، وبالتالي في كل مرة يتاح لأي فرد من هذه الفئة فرصة ، يذكره عالمه الباطني ، بأنه كسول وغبي ، لا فائدة من الفرصة التى اتيحت له ، لأن السلطة التعليمية قد دجنته على مقايس محددة مسبقاً ، بثنائية الذكي والغبي ، فأصبح باطنه الداخلي يردد أتوماتيكياً بأنه غبي لا يصلح لشيء .

لقد بدأ عالم التعليم الحديث بالطبلة والمزمار ، وبالرغم أنه يوصف بالحديث ، إلا أنه قام على منطق الخوف والرعب ، فبين جدران التعليم يوجد سلطة ورقابة ، ايضاً في المقابل ، توجد رقابة أخطر في البيوت ، هناك حالة من الاستنفار الدائم ، بل أثناء الامتحانات تتوقف عجلة الحياة تماماً وتتحول حياة الناس أشبه بالجحيم ، وببساطة يمكن للمراقب استنتاج الهدف الأساسي من وراء اختصار التعليم على هذا الشكل ، بالطبع المطلوب عدم وصول المتعلم للمعرفة بقدر أن المقاصد الحقيقية من التعليم ، هو تكريس سلطة الرعب منذ الصغر وفي كافة المجالات ومنها التعليم وبالتالي هذا التأسيس يكفل في تمكين المتعلم من الحصول على المعلومة ، التى تكفل الأخيرة بإذابة العلم كما تذوب حبة السكر في كوب الشاي ، بل تنحصر عملية التعليم في يومين ، يوم الامتحان ويوم آخر بصدور النتائج ( يوم يكرم فيه المرء أو يهان ) ، وكما تنهال وعود الحكومات في تبني خريجو الجامعات والكليات في القطاع العام والخاص ، تماماً كما كان يحصل مع النظام الشيوعي ، ايضاً كانت العائلة ومازالت تقدم وعود لأبناءها الناجحين بتقديم لهم ميزات من الصعب في كثير من الأحيان الوفاء في تطبيقها ، وبالتالي يكتشف الطالب مع الأيام بأن السلطة التى كان يرتعد منها ليست سوى وهم كما هو الحال مع برج المراقبة في السجون ، قد يكون هناك شخص يراقب المساجين أو ربما ، يخلو البرج تماماً من الرقيب ، إذن الخلاصة ، لقد أمضى السجين عمره في السجن متخوفاً من الرقيب في حين كانت هناك فرص للحرية .

في كل الأوقات ، لم تكن عملية إصلاح التعليم بالأمر الهين ، وهذا ينطبق أيضاً في المجال السياسي ، فالأنظمة السلطوية لا تقبل التغير إلا إذا تعرضت لانتفاضات كبرى ، وحسب التجربة ، هناك حركات تصحيحية صححت مسار الدول واستمرت في عمليات التطوير ، وكثير من الثورات إنتهى أمرها بجلب الكوارث ، لكن المشتغلون في مجال التعليم أطلقوا رسائل عديدة تشير بضرورة إعادة النظر بالعملية برمبتها ، أي بضرورة إخراج التعليم من منظومة الخوف والقلق ونقله بالقدر الممكن من مربع المعلومات إلى المرجع المعرفي ، مع الأخذ بالاعتبار لإعادة نفض الثنائية التقليدية التى تختزل الطلاب بين ذكي وغبي ، فقد عمد قلة من المفكرون العالم على تفسير عمليات التعليم وتفرعاته ، الذي تأسس على إطار الامتحان ( الخوف والقلق ) وقد أعتبر ذلك أداء من أدوات السلطة الناعمة التى تستخدمها الحكومات من أجل السيطرة على الشعوب ، وبالتالي أصبح للعائلة سلطة ايضاً مبنية على الوعود الكاذبة ، والتهرب من الوفاء بوعودها ، وهذه السلطة بالأصل إحدى إنتاجات التعليم الحكومي ، فالسلطة لديها سلطة النجاح والفشل وإجازة الطالب وعدم إجازته ، إذن المعادلة تحولت هكذا ، أينما توجد سلطة توجد معلومة واينما توجد حرية توجد معرفة ، بل ايضاً لقد أخذ التعليم من الجيوش والسجون اختزالات مشابة ، فأصبح هناك طابور صباحي تماماً كما هو في الاستعراضات العسكرية ، فبدل أن تكون تلك الطوابير ركن صغير من العملية التعليمية ، تحولت إلى ركيزة أساسية لفرض سلطة الضبط والعقوبة ، دون الالتفات للأهداف الأصلية ، وبالتالي تشير جميع الدلالات بأن التعليم المبني على المعلومة فقط ، يؤسس إلى سلطة الرقابة والضبط من أجل ممارسة السلطة على الآخرين ، لكن سرعان ما ينكشف حالها في أول مواجهة فعلية ، وكلما أنتج التعليم ناس معلوماتيين ، أتاح للسلطة إستخدام مزيد من الهيمنة على المجتمع مع تضخم الوعود وعدم الوفاء بذلك والتخلف .

هناك فوارق بين الأبراج التى تقام هنا وهناك ، منها معرفية ، وأكثرها رقابية ، في النهاية تهدف جميعها للتحكم بالناس وضبط إيقاعهم ، وايضاً هناك أبراج تحصيلية كما هو برج ايفل ، الذي استهلك مليونين ونصف المليون مسمار حديد في بنائه ، لكن تبقى غرفة مؤسس الفكرة ، المهندس ايفل التى خصصها له شخصياً تعتبر أعلى نقطة في العاصمة ( هي الأساس ) ، تتيح لساكنها ، أن يرى الجميع والجميع لا يراه ، فالبرج اليوم يدر سنوياً أموالاً لخزينة الحكومة بملايين الدولارات ، وقد كان فرعون أمر هامان ببناء الاهرامات لكي يبلغ الأسباب ، وبالرغم من اختراق البشرية للغلاف الجوي ، ووصول الإنسان إلى الفضاء الخارجي ، إلا في كل مرحلة يسارع في إعادة حصر الفكرة في المراقبة ، بالأمس كانت المراقبة من خلال بناء برج عالي ، واليوم تطلق أقمار اصطناعية تدور في الفضاء الخارجي حول الأرض لمراقبة كل شاردة وواردة لكل من هو عليها ، وبالتالي هناك شعور لدي الفرد يتعزز يوم بعد الآخر ، بأن الأرض تحولت بالكامل إلى سجن ومعلومة ، إذن ليس غريباً ، أن لا يِسّلم التعليم من أنماط الرقابة والضبط والخوف والقلق التى جميعها تتكفل من إنتاج أفراد معلوماتهم كحبة السكر مع اختزال الناس بين ثنائية الذكاء والغباء ، في المقابل ، المعرفة تتولى أتوماتيكياً إنتاج سلطة عُليا ، وهذه السلطة تسيطر على السلطات التى اختزلت نفسها بالمعلومة ، لهذا نشاهد احياناً أشخاص تمكنوا من المعرفة التى جعلتهم أهم من الدول التى يعيشون فيها ، فالعالم تطور تطوراً كبيراً وبفضل التكنولوجيا ، تحرروا الناس إلى حد كبير من الرقابة وبالتالي انكسرت ثنائية الذكي والغبي ، وأتاحت شبكة العنكبوتية ومرفقاتها للآخرين تحرير أنفسهم من التعليم التقليدي وإكتشاف أنفسهم ، وهذه المعرفة حررت المجتمعات من الحياة التقليدية ، لتصبح البشرية منقسمة بين الأرض والفضاء الخارجي والعالم الافتراضي ، الذي يوشك أن يصبح هو العالم الحقيقي من شدة بلادة من يمشون على الأرض . والسلام



#مروان_صباح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليرتان شتشهدان مزيد من الإنهيار / ترقبوا ...
- نجاحهما سيرسم لنجاحات مستقبلية والعكس صحيح ...
- إذا كان قذف المؤمنات حرام / فكيف إذا كانت المقذوفة أم المؤمن ...
- تحالف المصالح / لبنان نموذج لأرض لم تشهد استقلالاً حقيقياً .
- كيف تحول الأقصى من قيمة إلى ثمن ، يقدر ب 50 مليار دولار ...
- همجية الذباب وهمجية الإنسان ، معارك طاحنة على من هو أكثر همج ...
- نتنياهو العاقل وروهان المجنون ...
- إنتاجات حداثة الماضي تتشابه مع إنتاجاتها اليوم ، الفردية وال ...
- مفهوم الفردانية المطلقة والفرد في الأمة ...
- مروان صباح / سويسرا الشريك الفعلي لكل هارب من الضربية وسارق ...
- محمد رمضان يعيد المشاهد العربي إلى الشاشة المصرية ...
- الديمقراطية والرأسمالية ، عقد قابل لذوبان ...
- الهندي الأحمر والفلسطيني الأبيض ، مشروع واحد ...
- جدار أثيوبيا المائي ، تبادل لعبة السدود
- جدار أثيوبيا المائي ...
- علاقة الحريات بالحداثة ومعادلة المراحل في تاريخ البشري ...
- العدالة لا يمكن أن تصنع من الظلم ...
- من علامات الخالق أن يمرر للمخلوق بصائر إدراكية ...
- لبنان بين حكومات الطبقة الفاسدة وحكومة التجويع ...
- كيم يونغ فتى الظل الجديد في لعبة التراشق ...


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان صباح - أبراج المعرفة وأبراج المعلومة ...