مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 1588 - 2006 / 6 / 21 - 11:03
المحور:
الادب والفن
بقدر ما أعمل , بقدر ما أكتب , كلاهما اليدّ التي لا تتعب ولا تستريح – 2
أولى كتاباتي , بداية التجربة في حقل الكلمة :
أتذكّر لأوّل مرّة .. أنني كتبت كلمة ( لإذاعة دمشق ) –
قرأتها بصوتي في برنامج للطلبة اّنذاك . كان هذا تقريبا في بداية الخمينات 1953 تقريبا , كنت يومها في صفّ الثالث متوسّط في متوسّطة القنوات للبنات , وكان المذيع يومها ومقدّم هذا البرنامج ( عبد الهادي البكّار ) – الصديق والزميل أخي والعائلة , والمعلّم أديب سعادة , قريبنا , زميله في المدرسة في إحدى ثانويّات دمشق –
ما يؤسفني , أن هذه الكلمة غير متواجدة معي لأسجّلها في هذا الكتاب . فهي عزيزة على قلبي لأنها باكورة الكتابة والخطوة الأولى في مسيرة الألف تجربة .. وميل ..
في هذه الأثناء أي في بداية الخمسينات كان أهلي قد انتقلوا إلى العاصمة دمشق , وسكنت أسرتنا في حي القيمرية قريبا من حمّام البكري وباب توما , الحي الشعبي القديم , الذي يعجّ بالحركة وبكل صور الحياة اليومية المشبعة بالتلاوين , الحرفية والعلمية والثقافية والتراثية , بعادات وتقاليد الناس المختلفة قليلا تقريبا عن الحياة في القرية .
تأثرت بنمط الحياة الجديدة وثقافتها الشعبية وبساطة الحياة , حياة شغيلة الإنتاج والفكر , أختمرها في عقلي وكياني .. أخذت أكتب شفهيّا في خيالي .. فيما بعد كتبت بعض القصص الأدبية الصغيرة واحتفظت بها لنفسي ولم أكترث بها – عن حوادث وصور ومشاهد شعبية واقعية حدثت أمامي أو سمعتها في الطرقات والأحياء الشعبية القديمة أثناء ذهابي وإيابي للمدارس .أو الأسواق مع والدتي .
في هذه الأثناء قرأت الكثير من القصص العالمية لكتّاب عالميين ومحليين أهمها قصة الأمّ ( لمكسيم غوركي ) وما اثرّت بي من تصميم وتحدّي وتضحية في سبيل القضيّة التي سمعت عنها وشربت أولى قطراتها من البلدة .
تشكلت في مدينة دمشق في هذه الأثناء في بداية عقد الخمسينات - رابطة أدبية - ضمّت مجموعة من شباب وطلاّب من أبناء بلدتي صيدنايا وغيرها من القرى والمدن السورية –
دعيت للإنضمام إليها , وافقت على تلك الخطوة , لأنها ستؤهّلني أن أطوّر هوايتي وتطلّعاتي الأدبية , رغم تجربتي الطفولية في هذا المجال , حيث كنت لا أزال في مرحلة التشكّل والتكوين والبرعمة ولم تتبلور بعد هذه التجربة لشئ ملموس ومثمر ومستمر , لكن ظروفي الخاصة اّنذاك منعتني من الإستمرار في هذا المجال .
أخذ الجو الثقافي يزدحم في مخيّلتي وفكري ( الراديو , السينما , الجريدة , الكتاب , المدارس , عمّال عاملات , مكتبات وغيرها من وسائل الثقافة والإطّلاع والإنفتاح على عالم المدينة الجديد المجتمع الواسع المتنوّع الغني بكل المجالات فيه الحركة والعمل والزحام والناس والأحزاب والسياسة ... وووو الخ ؟
لم يحالفني الحظّ بالنجاح في الشهادة المتوسّطة ذلك العام – وهذه أوّل مرة في حياتي أتذوّق طعم الفشل ومرارته , واّخر مرّة في التحصيل العلمي ,
حقيقة كانت تجربة صعبة نفتكر أنفسنا أننا كتبنا في الإمتحان الكثير والصحيح ولكن الحقيقة تكون غير ذلك – هنا أعتبر نفسي أنني إمرأة عصامية لأنني تسلّقت على العلم بالإعتماد على النفس وداخل المنزل كنت أدرس الصفوف باستثناء عامين فقط داومت فيهما كطالبة نظاميّة في المدرسة . أما دراسة الأبتدائي والإعدادي والثانوي فكلّهاكانت دراسة خاصّة في المنزل - وقد أردت أن أحتج على نتيجة الإمتحان اّنذاك , إلى مديرية التربية لإعادة تصحيحها , وما زلت أتذكّر أنني ذهبت أنا والوالدة لبيت الأستاذ شحاذه الخوري الكاتب والمدرّس للغة العربية في ثانويّات دمشق , واستشرناه بذلك ؟
كان الرسوب درسا لن أنساه في حياتي . لم أترك التعليم والمدرسة كما فعل أخي الكبير . بل تابعت دراستي ولكن بعد الإنتقال إلى مدرسة ( الاّسية ) الثانوية الأرثوذوكسية في حي المريمية بدمشق ,
بعد حصولي على شهادة المرحلة المتوسّطة , عملت معلمة في سلك التعليم الإبتدائي , وحيث كانت عائلتي قد انتقلت من الريف _ صيدنايا – إلى مدينة دمشق كما ذكرت سابقا مع إبقاء التواصل مع القرية في فصل الصيف . كانت الفتيات اللواتي يحصلن على الشهادات قليلات في خمسينات القرن الماضي , ولذلك عندما قدمت بطلبي للعمل كمعلّمة يأتي الجواب بالموافقة رأسا حيث كانت البطالة شبه معدومة في جميع مجالات العمل -
علمّت سنتين في مدرسة يوحنا الدمشقي – في حيّ القصّاع – وكنا قد انتقلنا إلى هذا الحي أيضا . وكان لي طلاّب فيها أصبحوا فيما بعد شبّانا وشابّات ناجحين في المجتمع أفتخر بهم , في كل المهن وقد تعرّفوا على فيما بعد , وكنت أعطي فيها بعض الدروس الخاصّة لبعض التلاميذ أيضا .
ما أجمل أن يرى المعلّم تلاميذه يأتون لزيارته والسلام عليه بعد أن أصبحوا أعمدة في بناء المجتمع .. والوطن كما حدث ويحدث معي ؟
هنا .. في هذه المدرسة تعرفّت على زميلة وأخت وفيّة جدّا للصداقة النبيلة وبقينا إخوة حتى سفرنا و خروجنا من أرض الوطن , والإنسانة الثانية التي أحترمها وأجلّها كمديرة ومسؤولة عن مدرسة مختلطة ورائدة بالتعليم , وقد تعلمّت الكثير منها من خلال أسلوبها بالإدارة إن كان بالتواضع , وإن كان بالأسلوب والحرص على النظام واحترام المعلّمات والمعلّمين , ولا أنسى موقفها مني خلال مشاهدتها معي عريضة للتوقيع دفاعا عن السلام العالمي , وقد كان لي في هذه المدرسة أجمل ذكرى في حياتي وهي فرصة التعرّف عن قرب وتوطّد الصداقة والحبّ بالأستاذ الهامس – زوجي اليوم –
أحببت مهنة التعليم , وعلّمت بحب وإخلاص إلى جانب عمل البيت , مساعدة والدتي الذي يأخذ جل وقت الفتاة من جيلنا ,إلى جانب العمل الحزبي والإجتماعي والنسائي , الذي أعطيته كل اهتمامي ونشاطي , وكانت والدتي قد اهدتني بمناسبة نجاحي بالشهادة اّلة كاتبة – وكانت هذه الهديّة ثمينة وذات معنى كبير عندي ؟ حيث لم أقبل أي هديّة أخرى من الذهب أو أي شئ اّخر لأن أمي تعرف أفكاري . وقد تعلمّت إستعمال الاّلة الكاتبة بنفسي , حتى أصبحت أطبع بعض البيانات أو العرائض التي كان يكلّفني بها العمل الحزبي بحماس وسرور .
وتشعّبت المهام .. والإتّجاهات .. والمسارات .. والتطلّعات .. والظروف الخاصّة والعامّة .. وارتسمت الأهداف البعيدة والقريبة .. وكبرت المسؤوليّات والإلتزامات للظروف السياسية التي مررنا بها ...
فكان الزواج والأطفال .. ومرحلة التحصيل الثانوي – دراسة خاصّة – ثم الجامعي , ثم الدراسات العليا , مع التدريس والعمل معا باّن واحد في ( ثانويّة مكتب عنبر للفنون والتجارة , ثانوية الأرثوذكسية , ثانوية برزة , متوسّطة الميدان , متوسطة الشريف الرضي ) ومؤسّسة الإسكان , وأنا أم لخمسة أطفال , إلى جانب مسؤليّة البيت والعائلة , ودائرة الأهل والأقرباء . . والواجبات الإجتماعية في دمشق وصيدنايا ..
أخذت المسؤليّات تثقل وتثقل .. وتتوسّع .. وتكبر .. وتكبر ..
أيضا , كانت قد بدأت تدخل في حياتي خلال هذه المرحلة .. مؤثرّات جديدة عمّقت مسار حياتي طولا وعرضا .. وعمقا وشمولا .. شكلا ونوعا ومضمونا .. جعلتني أكثر وعيا ونشاطا والتزاما , وأبعدتني عن متابعة العمل الأدبي حينا لتعيدني إليه فيما بعد أكثر حبّا وعمقا ووعيا .. وبأدوات .. وهموم , وأسباب , وتطلّعات مختلفة كليّا عن السابق . ..
يتبع ------
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟