أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جمال محمد تقي - عصيان مدني على الموت















المزيد.....

عصيان مدني على الموت


جمال محمد تقي

الحوار المتمدن-العدد: 1582 - 2006 / 6 / 15 - 11:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في اوروبا هناك شركات ومؤسسات خاصة بالدفن ، وهي تتولى كل المراسيم ، من " طقطق لسلام عليكم " ، وصار عندهم شبه تقليد ، ان يختار احدهم شكل قبره ولون حجر الواجهة ، وما يكتب عليه ، وايضا نوع الاعلان عن وفاته والجهات التي سيتم الاعلان عندها ، وطبعا كل حسب امكانيته ، وهذا النمط من التدبير الذي شملته حضارة التنظيم المعلوماتي ، والنزعة الواقعية والمادية بخيرها ، وشرها . قد استبعد فكرة التشائم ،او النحس ، او الفال السيء ، وغيرها من المعاني الموجودة حقيقة في اوروبا كغيرها من اجزاء هذا العالم المسكون بهاجس الخوف من الموت !
انه نوع من انسيابية البداهة في ظل ما يوفره المجتمع الاوروبي من مزايا انسانية في ظل نظام مستقر نسبيا للتأمينات الاجتماعية التي تشمل الانسان منذ ولادته وحتى وفاته ، وهو حق مكفول وواجب ، مقرورة فوائده مقدما فالمجتمع يمارس رقابة غير مباشرة على اعضائه منذ ولادتهم حتى وفاتهم وهو تمدن يتيح الاستخدام المزدوج للحقوق والواجبات في ظل منظومة متكاملة من السياقات ، ان السعي الشخصي لتحديد شكل المثوى الاخير حتى وان كان ترفا ، ولا اعتقد انه كذلك ، هو تحصيل حاصل لمشوار مسلم به ، وما يفعله المرشحون ليس سوى اشكال ورتوش يراد بها جعل الموت مقبولا ، وليس سيئا لدرجة الانتحار خوفا من قدومه !!
عجوز بعمر التسعين ، و مسنة بعمر الثمانين ، هكذا وبكل راحة بال يدفعوا و يخططوا لمراسيم دفنهم بعد الوفاة ، خاصة وانهم قد حسموا ما لهم وما عليهم بوصايا التركات بحيث ياخذ كل ذي حق حقه ! فقط هي حوادث المرور والحالات الخاصة الاخرى ، كالامراض العُضالية المبكرة او الحوادث العادية ، التي تفاجيء الاوروبيين قبل حلول السن المطلوبة للموت ، ومع ذلك فالتامين الاجتماعي والعائلي يغطي كل الحالات ، وليس غريبا ان يكون هناك يوما للاحتفال بالاموات " الهلوين" وهو في البدأ كان يوم مخصص لزيارة القبور ، قبل ان يتحول الى مناسبة للرعب والتكسب به وبمستلزماته ،على هوى المتاجرين الامريكان!

كل لحظة عراقية هي عام كامل من "الهلوين" اذن لا ضرورة لتخصيص يوما للاحتفال به في العراق الامريكي ، لان كل ايامه هلوين في هلوين !.
في العراق وناهيك عن غياب اي نظام للتامينات الاجتماعية للانسان فيه ، ومنذ ولادته وحتى تسليم الامانة لخالقها ، اي وفاته ، وهي خاصية لاينفرد بها لوحده ، بل يشترك بها معه اغلب سكان العالم الثالث والرابع ، قد تفرد الافراد وتميزوا وتدبغوا واجبروا على ان يلعبوا يوميا لعبة الروليت مع الموت ، بل لعبة المسدس بالطلقات الاربعة التي يكون الناجي منها ، قد مات الف مرة قبل رجوعه للحياة ثانية ، انه رهان الموت العالي ، والغالي الثمن ، بسبب النسب الضئيلة التي يتيحها لنجاة اللاعبين الذين ادمنوا على عدم الخوف من نتائجها " وانت وحظك ياموسى" !؟
هو يعرف انه ومهما اسرع فان الموت اسرع ، ومع ذلك مجبرا هو على السرعة لتوفير مستلزمات البقاء له ولاسرته ، وهنا لا وقت ولامال ولا حال ولا مجال للتفكير بالفاتحة وشكل المثوى الاخير ! واذا كان الموت مع الناس حشر، فقد يكون الموت عيد ! !

موت معلن ، موت مشهر ، موت مسلط ، موت ، كل الطرق مزروعة فيه ، وكلها تؤدي اليه !؟
جيش عرمرم من قباضي الارواح يطوف على كل حواجز الطرقات ، جيش نصفه بشري والاخر من اكلة لحوم البشر ، جيش مفتون بقتل البشر ! ؟

مقابر جماعية ليست سرية :

اخر تقارير المشارح العراقية تقول ان هناك 6000 قتيل قد تم احصائهم خلال الاشهر الماضية من السنة الحالية فقط ، اي بمعدل يزيد عن 1000 ضحية في الشهر الواحد !
صار الموت يركض وراء الناس كظلهم ، صار الموت يطاردهم في المنام وفي كوابيس الاحلام صار الموت عنوانا للعراق الجديد !
صارت ممارسة الحياة العادية ، عادة سرية يمارسها الكبار قبل الصغار !
صارت مفردات الفاتحة والعزاء والجنازة والتشييع وزيارة القبور والاربعينية كاسحة لكل مفردات الحياة الشائعة والمتداولة الاخرى كالعرس والولادة والختان والنجاح الدراسي ووو ،
ولهذه الحالة الموبؤة بالموت تداعيات جرمية مضاعفة ، فهي ان تمس الرجال اكثر من النساء فانها تعني بالتالي مزيدا من حالات الترمل والعنس ، علما ان نسبة الاناث بتزايد مستمر على نسبة الذكور حوالي 59 % اناث ! وهذا يؤدي الى قلة في الولادات ، وبالتالي الى تناقص سكاني خطير ، ناهيك عن الموت الجارف الذي يشمل الاطفال والاجنة قبل الولادة ، بسبب انتشار الامراض المزمنة والاشعاعية ، اضافة لسوء التغذية ، وحوادث التفجيرات والمفخخات ذاتها التي لا تميز بين كبير وصغير .
الاعداد الهائلة من الجثث وباستمرار ولصعوبة التعرف على هوياتها ، جعلت دوائر البلديات او حتى العامة لا يجدون ضيرا في حفر مقابر جماعية تدفنهم فيها ، المفارقة هنا ، ان هناك من يحفر في الارض عن مقابر جماعية قديمة ، وهناك من يحفر قبورا جماعية جديدة يستر بها ما تبقى من بشر كانوا احياء وقد اختارهم الموت بفعل فاعل معروف ومجهول ، يتعمد خلط الجديد بالقديم .

اكرام الميت دفنه :

لو حضر غارسيا ماركيز هل سيرى فيما نرى قصة موت معلن ، او مئة عام من عزلة الموت المعتصر ببضعة اعوم ، ماذا ياترى سيقول عن حفاري القبور وعن العربات التي تحمل اكداس الجثث المتفجرة ؟
هل سيقترح علينا ارشفة الموضوع بالصور ، بحيث تكون لكل جثة صورة ؟ لكنه لا يعلم ان مهنة التصوير خطرة وقد تسرع بقتل صاحبها !
هو لا يعلم ان المطلوب هو موت علني ، ولكن لاسباب سرية !
ماذا سيقول بعد ان يعلم ذلك ؟
ربما يقول : اجعلوا الموت وهما ، وتعاملوا مع الاموات كالاحياء ، وغنوا لهم من اشعاركم ، فانتم موطن الاشعار ، واقيموا مهرجانكم اليومي بالصلوات ، وادعوا اليه كل نقاد اداب الارض وبشرها ومحققيها ، ليتحققوا من اوهامكم شعرا ام موتا ام جنونا !
ليكن مايكون ، مادامت كل الطرق تؤدي الى الموت فانتم الرابحون لانكم صنعتم ما يجعل الموت نفسه يفر من موته الى الحياة !
وان لم يكف بقبضته عنكم ، فانهضوا لعصيان يشل الحياة ولا يميتها ، انهضوا بامواتكم ولاتخافوا فليس هناك خوف بعد الموت !
ادفنوا موتاكم فان اكرام الميت في دفنه .
غنوا لهم وكانهم احياء ، واعلنوا عصيانكم المدني !



#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا بعد الزرقاوي ؟
- عراقيات مع سبق الاصرار
- مجانين امريكا وبريطانيا يقاتلون في العراق
- هولوكست اطفال العراق
- بصرتنا لم تعذب محب ، لكن النفط عذبها
- في حاج عمران حصان طروادة امريكي يترصد ايران
- اربيل وبغداد شهدت (مولد) حكومي صاخب ، صاحبه غائب
- دولة الفشل المذهل !
- من هم الارهابيون ؟ من المطالب بتزكية نفسه ، المقاومة ام الاح ...
- هنري كسينجر يطالب بالانتقام من العراق
- المقاومة الرقم الاصعب في المعادلة العراقية
- في داخل العراق ازمة شعر وشعراء
- حزورة المليشيات في العراق
- البنتاغون يتأبط حربا جديدة
- الطبقة العاملة العراقية العدو الاول للاحتلال
- لقطات
- القيادات الكردية العراقية مدمنة على التصيد في المياه العكرة
- اليُتم اليساري في العراق
- الاعلام العراقي بين التخلف والتزلف
- بين الاستهتار الامريكي والخبث الايراني


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جمال محمد تقي - عصيان مدني على الموت