أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زينب محمد عبد الرحيم - شم النسيم وأسطورة الخلق المصرية















المزيد.....

شم النسيم وأسطورة الخلق المصرية


زينب محمد عبد الرحيم
كاتبة وباحثة

(Zeinab Mohamed Abdelreheem)


الحوار المتمدن-العدد: 6542 - 2020 / 4 / 20 - 10:52
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يحتفلُ العالم بشم النسيم وأعياد الربيع وكما هو متعارف عليه إنَّ شم النسيم مرتبط بمصر القديمة حيث ربط المصري القديم فصل (شمو) بالأعياد والأفراح و الاحتفالات الخاصة بموسم الحصاد وكان لذلك الفصل أهمية كبيرة دينيًا واجتماعيًا واقتصاديًا في مصر القديمة , ولكن الجانب الأهم هو فلسفة المصري القديم وانعكاس تلك الفلسفة الروحية على الأعياد وتلك الفلسفة استمدها المصري القديم من تأمُلاته في الكون
ولم تكن محض تأمُلات مسطحة بل كانت تأمُلات كونية فلكية ,وهذا أمر منطقي جدًا فكيف للمصري القديم أن يعرف السنة والتقويم وتقسيم الفصول دون الاعتماد على نظام فلكي صارم وضع أسسه ونسج حوله تصورات عديدة عن خلق الكون.
أسطورة الخلق والبيضة الكونية
’’ليست الأسطورة مجرد حكاية خرافية ,بل هيّ منهج فكري استخدمه الإنسان القديم ليعبر عن نظرته للكون ,بدء الخليقة ,نظام الكون ,الصراع الآزلي بين الخير والشر ..إلخ ويطرح تساؤلاته عما يراه من تناقضات تشوب هذا التناغم الكوني الرائع الذي إبتدعه الإله الأعلى’’
وهذا ربما يُعطي فكرة عن طبيعة الأساطير المصرية القديمة ونظريات الخلق المتعددة , والتي من أبرزها نظرية (البيضة الكونية) وهي أحد رموز علم نشأة الكون في مصر القديمة نشير لها يإجازٍ فهذه النظرية خاصة بالآشمونيين (هرموبوليس) وكان أهم الآلهه (توت) , (الثامون) – مخلوقات الهيولي الأزلية ثم كونوا معًا البيضة الأزلية, فنقرأ :
"في ظلام والدهم نون ,ولما كانت البيضة قد خُلقت قبل انبلاج النور ,فلم تكن مرئية وطائر النور قد خرج منها "
ونقرأ في كتاب الموتى تعويذة 58 : (انا الروح ,خُلقت من المياه الأزلية ,كان عشي خفيا وبيضتني سليمة) وذلك لأن البيضة تكونت في وقت سابق لعملية الخلق .
فقد نشأ هذا الكون من العدم وهو محيط الأزلي (نون) الذي يخلق الروح الأصيل ,صور الخليقة المستقبلية ثم تنبثقت منه البيضة الكونية ومنها كان مولد رع .
فقد رأى المصري القديم في البيضة رمزًا لقصة الخلق والنشأة الأولى وكان تجدد الحياة الزراعية في عيد شم النسيم هو تكرار لخروج النور الإلهي (رع) من البيضة الكونية
ولذلك كان البيض من أهم رموز الاحتفال بعيد الربيع .
وأتعمد أن أُضيف معلومة علىَّ ذِكر (البيضة الكونية) إنَّ الراهب والعالم جورج لومِتر عَالم الفيزياء الفلكية المتوفىّ عام 1966 وضع نظريته عن الكون والانفجار العظيم فيى جملة موجزة
(البيضة الكونية انفجرت عند لحظة الخلق) وهذه النظرية ببساطة تُثبت أنّ الكون في حالة تمدد وربما هذا المبدأ الكوني أوقع عالِم الفيزياء إينشتاين في خطأ فادح حيث أنه صاغ نظريته الكونية بناءً علىّ إن الكون ثابت وفي حالة سكون وفشل في التنبؤ بتمدد الكون .
وتلك الإشارة سالفة الذِكر لتوضح إن نتائج العلوم الحديثة نسبيًا توصلت لتصورات المصري القديم التي يُفسرها الكثيرون على أنها مجرد أساطير ,لكن الواقع يُثبت أنَّ قوة الفكر المصري القديم قاومت الزمان والمكان و مارست تـأثيرًا أيضًا على العادات والمعتقدات الشعبية .
وهناك نماذج من بيض النعام وقد حُفظ في متحف النوبة بمصر ومن ضمن تلك النماذج بيضة حُفر عليها منظرًا للأهرامات الثلاث , والجدير بالملاحظة أيضًا إنَّ اسم إيزيس بالخط الهيروغليفي فيه رمز البيضة ربما لأنها تُعبر عن الحياة والأمومة ,ونجد في ترنيمة إخناتون :
أنت الذي يُنبت البيوضات في النساء وتجعل من الماء إناسًا
وتُكلم الكتكوت في بيضتهِ الذي يتكلم من قشرتهِ تُعطيه الهواء فيها لكي يعيش
وتُقدر لهُ الوقتَ ثم تَكسِرُ القشرةِ ليخرُج منها
ويخرُج مِنّ البيضةُ ويُنقنِق في وقتهِ.
ومن هذا الفكر نشأ الأهتمام بعنصر البيض داخل الاحتفال بشم النسيم وارتبط أيضًا بأعياد الحصاد فكان المصري القديم يجمع بيض الطيور مثل الحصاد تمامًا ,والجدير بالذكر إنّ المصري لم يعرف الدجاج بل عرف الأوز (ميديوم) وعرف النعام وبيضه و كان هناك جدارية توضح طيور أبو قردان والفلاح المصري يجلس و البيض قد جُمع في السلال .
وعيد الحصاد ارتبط أيضًا بأوزيريس حيث اعتبره المصريون رمز الفيضان يتبعه موسم الزراعة ,وأثناء موسم الحصاد يتم الاحتفال أيضًا بأوزيريس لأنه رمز الخير والنماء في عقيدة المصريين القدماء , وعندما نتأمل مناظر موائد القرابين أو بعض مناظر الخدم وحاملات القرابين سنجد الخس والبصل الأخضر بكميات كبيرة ويشكل عنصر أساسي على مائدة المصري القديم وحتى اليوم يأكله المصريون بشكل دائم ويُعتبر الخس والبصل الأخضر من العناصر الرئيسية على مائدة المصريين في شم النسيم .
الأسماك على مائدة المصري قديمًا وحديثًا
الأسماك وجبة تنولها المصري القديم منذ أن عرف النيل والزراعة ومشاهد صيد الأسماك على جدران الكثير من المقابر في سقارة وأيضًا في الأقصر هناك العديد من المناظر المُعبرة عن صيد الأسماك ,وقد عرف المصري القديم السمك المملح وقد توارثنا ذلك الصنف المتمثل في الرنجة والفسيخ ,وبالطبع كُلما كانت المنطقة ساحلية كلما كان السمك من المصادر الغذائية الأساسية طوال العام وليس في شم النسيم فقط .
والمتأمل في الثروة السمكية المصرية كما صورها المصري القديم على الجدران وهناك جبانة مخصصة بها العديد من أنواع الأسماك المحنطة فنجد السمك البلطي , والبوري وأسماك الماكريل ,وكان المصري يحد من الصيد الجائر للأسماك خاصةً بعد الفيضان وذلك حفاظًا على الثروة السمكية وحمايتها من خطر الأنحسار أو الانقراض الذي سيؤثر بشكل أساسي على مصدر غذاء هام للإنسان فكان المصري القديم يعلم جيدًا أهمية التوازن البيئي.
شم النسيم والأديان
ترتبط أعياد الربيع دائمًا بالأعياد المقدسة عند اليهودية والمسيحية , فيحتفل اليهود بعيد الفصح في 15 أبريل لمدة سبعة أيام ولديهم طقوسهم الخاصة في ذلك الاحتفال التي تتمثل في ذبح (خروف الفصح) وتقديمه كقربان عن طريق نشر دمه ولا يأكلون الخميرة حيث يأكلون الخبز بدونها, وكل هذه التعاليم ذُكرت في سفر الخروج الاصحاح 12 وجاء هذا العيد لتحتفل جماعة بني إسرائيل بخروجها من أرض مصر .
أمَّ عن الديانة المسيحية فنجد إنها مرتبطة بعيد الفصح اليهودي وهناك أسبوع الالام قبل يوم الاحتفال ويرتبط ذلك بالعشاء الأخير وخيانة السيد المسيح في عيد الفصح اليهودي فيحتفل الأقباط بقيامة المسيح في عيد القيامة , عيد الفصح اليهودي وكلاهما يرتبطان بموسم الحصاد وفصل الربيع لذلك قد تتصادف الدورة الفلكية ويتم الاحتفال في مواعيد قرية من موعد عيد شم النسيم المتوارث من المصري القديم والذي يحتفل به كل أطياف الشعب بل والعديد من ثقافات العالم فهو حقًا عيدًا عالميًا للطبيعة.

شم النسيم والاحتفالات الشعبية
عندما نرصد الاحتفالات الشعبية الخاصة بشم النسيم في وقتنا الحالي سنجد أنها تتلخص في الزيارات والاحتفال يكون حول مائدة الفسيخ والرنجة والبصل , أو الذهاب إلى المنتزهات والحدائق العامة والمراكب النيلية .
ولكن عندما نتأمل بعض الاحتفالات منذ عام 1919 حيث الحركة الوطنية الشعبية في بورسعيد و حرق دمية اللورد "اللنبي" حيث ارتبط هذا الطقس بشم النسيم حتى الان فتصنع دمية كبيرة الحجم وبعد الإنتهاء منها تُقام (زفة اللنبي) وتتحرك في جميع الشوارع ويجتمع الأطفال والرجال وتشاهد النساء هذه الزفة من الشرفات ويصاحب هذا الاحتفال الرقص والغناء على أنغام السمسمية والطبل والرق ويرددون هذه الأغنية :
ياللنبي يابن حلمبوحة
ومراتك عرة وشرشوحة
ياللنبي يابن حلمبوحة
مين قالك تتجوز توحة
ياللمبي يابن الخواجاية
مين قال لك تعمل حكاية
ياللنبي يابن الأمبوحة
أمك مليانة ملوحة
دي راسك عالحيط مدبوحة
إخية عليه
اللمبي بيه
وبعد ذلك يتم حرق الدمية في الشوارع في فجر يوم شم النسيم ثم يحضرون السامر ومائدة شم النسيم حيث البيض الملون وفسيخ وخس ملانة وبصل أخضر والطماطم والفلفل والليمون ,وفي المساء يقومون بعمل نزهات واحتفالات على الفالوكة في البحر .
هذا كان عرض لنموذج من احتفال الجماعة الشعبية وربط النضال ضد الاستعمار بيوم شم النسيم وتجدد الحياة فالجماعة الشعبية تمتلك وعي وإرادة عبقرية وكما قالها أبي القاسم الشابي
‘‘إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر. وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر. وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر.‘‘
ولنجعل الربيع وشم النسيم بداية لتجدد طاقتنا الروحية والتمتع بميلاد الأزهار ولنحتفل مع الطبيعة بعيدها فنحن منها وهيّ الأم الحاضنة لكل الكائنات .



#زينب_محمد_عبد_الرحيم (هاشتاغ)       Zeinab_Mohamed_Abdelreheem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرحلة المقدسة إلى أبيدوس
- مظاهر الأمومة في الموروث الشعبي
- المرأة والإبداع
- 2020 سنة ساخنة جدًا
- الالعاب المتوارثة من المصري القديم
- إخناتون والأنثى
- النضال الاشتراكي من أجل حقوق المرأة العاملة
- حق الوعي والتمرد النسوي
- المرأة في الفن التشكيلي
- علم النفس والأدب
- حق الحياة
- النخبة الفاشية
- الرؤية الماركسية
- الفن الهابط
- فساد الذوق العام
- ايدلوجية الحمار
- الختان جريمة
- الطريق الصعب
- انتهاك الحدود
- تجليات اللغة بين الأصل والأصولية


المزيد.....




- بتدوينة عن حال العالم العربي.. رغد صدام حسين: رؤية والدي سبق ...
- وزير الخارجية السعودي: الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في غز ...
- صواريخ صدام ومسيرات إيران: ما الفرق بين هجمات 1991 و2024 ضد ...
- وزير الطاقة الإسرائيلي من دبي: أثبتت أحداث الأسابيع الماضية ...
- -بعضها مخيف للغاية-.. مسؤول أمريكي: أي تطور جديد بين إسرائيل ...
- السفارة الروسية في باريس: لم نتلق دعوة لحضور الاحتفال بذكرى ...
- أردوغان يحمل نتنياهو المسؤولية عن تصعيد التوتر في الشرق الأو ...
- سلطنة عمان.. مشاهد تحبس الأنفاس لإنقاذ عالقين وسط السيول وار ...
- -سي إن إن-: الولايات المتحدة قد تختلف مع إسرائيل إذا قررت ال ...
- مجلة -نيوزويك- تكشف عن مصير المحتمل لـ-عاصمة أوكرانيا الثاني ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زينب محمد عبد الرحيم - شم النسيم وأسطورة الخلق المصرية