أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نايف عبوش - ثقافتنا الشعبية.. متلازمة فرط استذكار أم تواصل عضوي مع جذور النشأة














المزيد.....

ثقافتنا الشعبية.. متلازمة فرط استذكار أم تواصل عضوي مع جذور النشأة


نايف عبوش

الحوار المتمدن-العدد: 6528 - 2020 / 4 / 3 - 17:58
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الحنين إلى الماضي في ثقافتنا الشعبية .. متلازمة فرط استذكار أم تواصل عضوي مع جذور النشأة


توصف الثقافة العربية التقليدية بأنها ثقافة طللية من الجاهلية إلى اليوم.ولكن ذلك قد لا يعني أنها ثقافة متبلدة،وانها ليست سوى بكائيات جافة لا جدوى منها، لاسيما وأن حرارة الانتماء إلى المكان، والالتصاق العضوي الأصيل بعناصر بيئة النشأة، يمكن تلمسها فيها بسهولة. فالإنسان العربي مجبول طبعه ابتداءً، بطين بيئة ما سكن من الديار، وبود من عاشر من القوم.

ففي الشعر الفصيح قال امرؤ القيس في معلقته قديماً في هذا الصدد :

قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل...... بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ
 
فتوضح فالمقراة لم يَعفُ رسمهاَ.......... لما نسجتْها من جَنُوب وَشَمْأَلِ

وفي الشعر الشعبي المعاصر يقول أديب البادية سهيل الجغيفي في التغني بالديار :

يادار من غيرج فلاكو طرايف....... ياكن تربانج على الروح نوار

وشعاد لو نسكن كصورن نظيفة....تبقى تراسيمج على البال تذكار

بينما نجد الشاعر أحمد العلي السالم ابوكوثر يقول في زهيري جميل له، يتوجد فيه بالماضي، ويتأوه عليه :

راحن ليالي السعادة ياحمد مايجن

رمدن عيوني وعكب كت الدما مايجن

افطن عليهم ويوجعني الجرح مايجن

ليلي علي، وأدور للجرالي طب

والسكم هدم اركاني وعلى عظامي طب

راحو الجانو طبعهم يزرعون الطيب

عفية علعكل صاحي ياحمد وما يجن..

هكذا إذن يبقى الحنين والانتماء إلى المكان، إلى الوطن، جدلية متواصلة عبر الزمن، ولا انفصام لها، لدى الإنسان العربي، ولاسيما لدى إبن الريف، وابن البادية على نحو خاص،فلعل جيناتهم التراثية، إذا جاز التعبير، عصية على التهجين، فهي لا تتقبل التهرمن بضغط تداعيات العصرنة الجارفة، مهما تم حقنها بجرعات من إيجابيات منجزاتها المتتالية، وذلك لأن اصالتها متجذرة في أعماق الوجدان الشعبي ، وغائرة في صلب المخيال الجمعي للأجيال.

ولذلك نجد أنفسنا، وفي زحمة ضجيج عصرنة صاخبة، نشعر وكأننا نعتاش اليوم، على ما يختزنه عقلنا الباطن، وما تحمله مخيلتنا من ذكريات الماضي، حتى وان كان بعضها مؤلما، وذلك استشعارا منا لسعادة وجدانية تلقائية خلت ، نتجاوز بها تعاسة استلاب الحاضر، وصخب الحياة الراهنة، بعد رحلة متواصلة من المعاناة الشاقة، والمرهقة، نفسياً، على كل ما في حياتنا المعاصرة من مغريات تفوق الخيال ،حيث يبدو أن تعدد مفردات الحياة الراهنة، وسرعة ايقاعات حركتها، قد افرزت هموما تفوق بعبئها، حجم قدرة التحمل المتاحة لإنسان العصر الراهن، مما يفوت عليه في نفس الوقت، فرصة تذوق نكهة تلك المغريات، ويدفع به إلى الانكفاء نحو الماضي، ليتلذذ باستذكار سعادة مضت، من سالف تلك الأيام الخالية.

ولعل المدهش حقا، هو انثيال عاطفتنا الجياشة، وطريقة تعبيرنا عنها بهذه التلقائية الوجدانية الخالصة ، عما يجول في خاطرنا، وما نكابده من معاناة تلك الهموم، والعزلة، بفجوة الجيل، في حياتنا الراهنة، هو ما يدفعنا للسعي لتجاوز مرارتها، بلجوئنا لإعادة إنتاج صور الماضي،واستيلادها بذهننا، بطريقة وردية، لنشاطر زملاءنا الآخرين، الإحساس بوحدة المعاناة، ونشاركهم الحنين الى تلك الذكريات، رغم كل الفوارق الشخصية في معايشتها. إذ لا شك أن البعض منا يكون قد عاشها في سعادة، في حين عاشها البعض الآخر في تعاسة.

وبغض النظر عن التفسيرات الأكاديمية البحتة ، لمثل هذه الظاهرة من الحنين الى الماضي، بهذه الطريقة الوجدانية المؤثرة، فإن وصفها ب(هايبرثيميسيا) أو ( متلازمة فرط التذكر) باعتبارها حالة مرضية،تجعل الشخص المصاب بها، يتذكر كل لحظة مرت في حياته بكافة تفاصيلها، ولا ينسى منها شيئا،ومن دون الحاجة للدخول في تفاصيل تلك التأويلات العلمية البحتة لها، والتي غالبا ما تختزلها في تفسيرات مهنية صرفة، قد تبدو بعيدة عن سبر كنه هذه الظاهرة، بمدلولاتها التراثية، والاجتماعية، المرتبطة ببيئة النشأة الأولى ، فإنها تظل حقيقة انسانية، ماثلة بيننا، نعيشها بعفوية في وجداننا، بين الحين والآخر، ولطالما شعرنا اننا نقتات فعلا على تخوم حافات ذكرياتنا،كلما سنحت لنا الفرصة بخلواتنا الفردية، بالعودة الى دهاليز ذاكرة الماضي، والتسكع في وهادها السحيقة، تلمسا لبصمات وردية حياة ماضينا الجميل،التي نلفيها تغمرنا بجرعة سعادة معنوية، كلما هربنا اليها من صخب ضجيج حياتنا المعاصرة، حتى وان بدت لنا سعيدة، وممتعة ، وطافحة بالرفاهية في كثير من جوانبها.

 ولعل استذكارات مرابع الصبا، وفضاءات فلاة أيام زمان، وانين الناي، وثغاء الأغنام، ونهيق الحمير، وصرير الجرجر، وزقزفة العصافير، وطقطقة صوت اللقالق في أعشاشها في أعلى خرائب الطين، وهي تزق فراخها بما جلبته لها من غذاء ، وقهوة العصر وشبة الضحى،تمنحنا فرصة استرجاع تفاصيل مفردات حياة عشناها، لتفيض علينا سعادة وجدانية،تفوق في تأثيرها النفسي ما تمنحه وصفات عقاقير مكافحة الاكتئاب، من سعادة مصطنعة، سرعان ما تنكفيء بمجرد زوال تأثير العقار .



#نايف_عبوش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فايروس كورونا المستجد وإعادة تشكيل عالم مابعد الجائحة
- في ذكرى الثورة الجزائرية
- إشكالية تناول اللغة العربية بالمناهج التفكيكية والحداثوية
- ألذكاء الاصطناعي.. تحديات التطوير وضرورات الترشيد
- المصادر الأولية لتغذية التلاميذ بالمعرفة
- عصرنة صاخبة.. وحياة مكتضة بانشغالات فارغة
- سلامات الشاعر الكبير ابو يعرب
- التضخم وتآكل المدخرات
- الشاعر الدكتور حسين اليوسف الزويد.. تمظهرات التغني بالديرة و ...
- مسؤولية الإنسان في إعمار الأرض
- إشكالية تدني مستوى التعليم
- احمد علي السالم أبو كوثر.. شاعر مبدع يستحق التكريم بجدارة
- الإبداع في كتابة النصوص
- جلساء من ذاكرة ريف أيام زمان
- العصرنة.. ضرورات التكيف وتحديات الإستلاب
- الأدب بين الإسهاب والإطناب والتكثيف والإيجاز
- ظاهرة تهافت الجيل الجديد من الشباب على التقليعات الحديثة
- نزعة الحنين إلى الماضي هروب وجداني من ضجيج العصرنة
- الأديب إبراهيم المحجوب.. ومناقب الكرم عند آسية الضاحي في نظم ...
- الشيخ مطلك الصالح الحسن الحمادة.. وإعداد القهوة العربية أيام ...


المزيد.....




- حزب الله: إيران حقّقت نصرا مؤزرا
- كيف تطيل عمر مناشف الميكروفايبر وتحافظ على فعاليتها؟
- 16 قتيلا في احتجاجات بكينيا
- اعتمد على المباغتة.. الجزيرة تحصل على تفاصيل كمين خان يونس
- الموساد يشيد بعملائه داخل إيران وبدعم الـ-سي آي إيه- للهجوم ...
- إصابة 3345 إسرائيليا بالحرب مع إيران و41 ألفا طالبوا بتعويض ...
- أبو عبيدة: جثث العدو ستصبح حدثا دائما ما لم يتوقف العدوان
- لماذا تتجه طهران لمنع الوكالة الدولية لتفتيش منشآتها؟
- كاتب روسي يدعو موسكو للتحرك دبلوماسيا من موقع قوة
- موقع تركي: القبة الفولاذية باتت ضرورة ملحة لتركيا


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نايف عبوش - ثقافتنا الشعبية.. متلازمة فرط استذكار أم تواصل عضوي مع جذور النشأة