هاشم عبدالله الزبن
كاتب وباحث
(Hashem Abdallah Alzben)
الحوار المتمدن-العدد: 6518 - 2020 / 3 / 19 - 13:18
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
خطرت على بالي فكرة كتابة هذا النص وأنا أستعد-أمشي بسرعة، لأركض... كانت الفكرة في داخلي قويّة وواضحة، تنطلق منها عبارات لم تستوقفني إنما إنطلقتُ بعدها بقوّة وسعادة، ركضتُ المسافة وأنا مُمتلئ بالعبارة:"الحياة بين الهَزل والجِدْ"، أنهيتُ رياضتي المُفضلة، وبدأتُ أُحاول الكتابة عن الحياة.
لم أصل حدّ العُمر الذي يُخوّلني أن أكتب عن الحياة من هذا المنظور-إسلوب الحياة. ولا أدري إذا كان هُناك عُمر مُحدد يستطيع الإنسان بعده أن يُخبرنا كيف تكون الحياة حقيقية أو ما هي الوسيلة التي نتعامل من خلالها مع هذه الحياة. الأمر بالغ التعقيد، وأنا لا أكتبُ بداعي الإدّعاء أو التفسير أو إطلاق الأحكام، أكتبُ لأن الحياة تعنيني بالمقام الأول ولأنها ليست شيء ماديّ نتعامل معه، بل هي نحن، وحريٌ بنا أن نفهمها أو نُحاول ذلك.
للحياة معنى يُفقد أو يتشوّه، أيّ المعنى في الأساس واضحٌ جليّ، وللحياة تمظهر يتقيّد/يُشلّ أو يموت، وهذا التمظهر أساسًا يُولد مع الوليد لينطلق/ليعيش...
ما بين أخذها-الحياة على مَحمل الجِد والزُهد بها لدرجة الإنسلاخ عنها تمامًا، يعيشُ الحيّ رهنًا لواقعه وما شكّل وعيه منذ البداية، فالإنسان يرى الحياة من منظور بيئته والأفكار التي ترسخت في ذهنه. وسؤال: ما هي الحياة؟ يأتي بعد النظر إليها كأنها مشهد أمامنا، لا عندما نكون مُستغرقين بها بلا وعي، فالإستغراق هُنا يتعلق بالعيش الروتيني المُريح غالبًا، لكنّ الحياة ليست ثابتة، هي حالة دائمة من التبدّل اللاإرادي، ومن هذه الحالة يحدث الصراع داخل الإنسان، فالتبدلات الحياتية تتطلب المرونة الإستيعابية والوعي الذاتي، وإلا تحولت حياة الإنسان لخوف ثابت نسبيًا، يكتنف وجود هامشيّ خامل ومحدود، وتكون الحياة تبعًا لذلك بلا قيمة ومعنى، وينعكس ذلك على الآخرين، بحيث تُصبح هذه الوضعية-هامشية الحياة ولا جدواها، ثقافة إجتماعية عامّة.
ربما لا أستطيع الإحاطة بجميع أشكال التعامل مع الحياة أو إسلوب عيشها... لكنني أعتقد بأن الأمر يتعلق بالثقافة الإجتماعية (التربية الأسرية والمدرسية، والواقع الإجتماعي/السياسي/الإقتصادي...). ففقدان معنى الحياة الفَردي والجَمعي يستدعي إستخدام آلية دفاع نفسية تتلخص بالهَزل والسُخرية، فعلى الصعيد الشخصي يتعرض الإنسان لأحداث خارجية يفقد السيطرة الذاتية عليها، ولا يَعيها أو يَعجز عن مواجهتها، فيتخذ وضعية الهازل/الساخر منها، وهذا الوضع يحدث على الصَعيد الجَمعي كذلك، وتختلف الأحداث وحدّتها، بعضها بسيط وبعضها الآخر فظيع، كثيرة أو قليلة، ولكن دائمًا الأحداث تتطلب المواجهة، ومن عدم المواجهة يحدث الخلل الذي قد يُؤدي لعواقب وخيمة وغير مُتوقعة.
أعود للكتابة بعد ستة أيام، وخلال هذه الأيام القلائل حَدث الكثير، ففي مساء يوم السبت الماضي أعلنت الحكومة تعطيل الطلاب، لتبدأ أخبار الإصابات تتوالى إلى أن قاربت الخمسين-حتى اليوم الخميس التاسع عشر من مارس.. وبعدها-قرار تعطيل الدراسة بيومين تمّ تنفيذ قانون الدفاع بإرادة ملكية، وكل هذا لمواجهة تفشّي فيروس الكورونا. هذه المقالة ليست عن أزمة الكورونا لكنها تأثرت بها كما يبدو، وتعامل الحكومة الأردنية مع الفيروس سيكون إنجازًا وبطولة سنذكرها كذكرى وطنية نفتخر ونعتزّ بها... والعالم الذي أصابه الهلع الشديد وكأن الحياة الإنسانية قاب قوسين أو أدنى من النهاية، إستطاع بفضل العقل والتخطيط والعمل المُنظم والروح الجماعية مواجهة الخطر بل والإنتصار عليه كما حدث في الصين وكما سيحدث في الدول التي تخطو خُطى الصين... سينزاح الغمّ حتمًا وسيندحر الفيروس ويبقى كذكرى وخبرة إنسانية، وكحدث يحتاج إعادة نظر وتحليل وتحقيق وفهم.
"الحياة بين الهَزل والجِد" عنوان مقالتي هذه وجوهرها، شاهد هذا العنوان واقرأه لا كعبارة لغوية مألوفة، إنما كحقيقة نُعاينها دائمًا، فما دامنا أحياء فنحنُ نتعامل مع الحياة بطريقة ما... تحكم مُجمل حياتنا القصيرة والنادرة، والتي تستحق مِنا أن نفهمها ونُدرك كُنهها...
التعامل" الهازل" مع الحياة له أشكال عديدة منها: اللامُبالاة، التي تُفقد لحظاتنا قيمتها وتجعلنا كأدوات/آلات مُسيرة، لا تعنينا الأشياء من حولنا، ونتعامل مع الأشياء بتلقائية آلية، وتنسحب حياتنا مِنا، نحو الموت الوظيفي والحياة الفارغة، وليست اللامُبالاة خيار إرادويّ، غالبًا ما تكون ردّ فعل سلبيّ، ميكانيزم دفاعيّ نفسي إزاء خَطر خارجي غير مفهوم!
حياة الإنسان في خَطر هَرمي دائم، يبدأ بقاعدة الهرم: القَلق اليومي، ورأس الهَرم: الموت المُفاجئ أو الحَتميّ، حتمية الموت تبدو كوهم أو كشيء لا واقعي للوهلة الأولى، وهو بديهيًا الحقيقة الوحيدة، وهو الذي دعاني للتفكر بحياتي ومحاولة فهمها والكتابة عنها... والقَلق اليومي الذي تتفرع عنه بقية أجزاء الهَرم، هذا القَلق يُنغص علينا اللحظة الآنية، بأنشغال الفِكر نحو الماضي أو المُستقبل... ليُنتج: فوبيا وجودية، وهروب من واقع، وإستغراق في أوهام سعيدة أو تعيسة، وتشوهات معرفية... وهكذا يقع الإنسان في جانب الحياة المُظلم، ولا يجد سلوانًا لحاله سوى الهَزل والسُخرية، كأنه مُقيّد بأغلال يأس منها، وتحوّل الألم لنُكتة!
السُخرية من الألم ليست مُجرد حالة إستسلامية يعيشها الفرد/المُجتمع المقهور والمهدورة طاقاته، فثمة سُخرية تُقاوم الطُغيان والإستبداد، وهي على سبيل المثال تتجسد في عدد من الأعمال الأدبية الروسية كما هي أعمال أنطون تشيخوف وآخرون إستخدموا الأدب/أدب العدسة المُكبرة، بأشكاله العديدة لمواجهة الواقع الرديء في ظل الحُكم القيصريّ خلال القرن التاسع عشر، مما أنتج ثورة عمالية أسقطت القيصر وغيّرت واقع روسيا تمامًا...
وأخيرًا الحياة نادرة ومُؤقتة وبلا ضمانات، وتستحق مِنا الإنطلاق نحوها والتحرر من قيود الموت، لنعيش بشكل حقيقي ونموت بقوة.
#هاشم_عبدالله_الزبن (هاشتاغ)
Hashem_Abdallah_Alzben#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟