السياسة وجائحة كورونا

جواد الديوان

الحوار المتمدن-العدد: 6514 - 2020 / 3 / 14 - 21:51
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    

اغنى منطقة في ايطاليا (Lombardy) اضحت قلب جائحة كورونا في اوربا، ومستشفياتها تقدم افضل الخدمات الصحية، وتعاملت بكفاءة مع المرضى حتى نهاية الاسبوع الاول من اذار عند وصول موجات للمصابين بالتهاب رئوي. عجزت المستشفيات بكادرها المتعب واجهزتها المحدودة من التعامل مع الامر. وترك المرضى للموت. وجائحة كورونا (وصفتها منظمة الصحة العالمية كذلك مؤخرا) تنتقل بسرعة، وتم تسجيل حالات ووفيات في اكثر من مئة بلد خارج الصين.
القليل من قادة العالم من واجه جائحة مثل هذه او انهيار اقتصادي او تعامل مع الازمة المالية في 2007 الى 2009. الا انهم انتبهوا الى الانظمة الصحية واشكاليات عجزها، بل هي من تقرر صور تعاملهم مع العاصفة (الجائحة). وتعامل القادة مع النظام الصحي تحدده عوامل منها، الاتجاه للتعامل مع الاحتمالات، وتركيب النظام الصحي وكفائته. وفي النهاية ثقة الشعب بالنظام الصحي.
ومصادر الاحتمالات في هذه الجائحة كثيرة، منها ان COVID-19 غير مفهوم او واضح بشكل كافي الى الان، وفي كل منطقة او بلد يتكاثر بسرعة غير محسوسة، ومع الزمن فان تشخيص الحالات في مكان يؤدي الى انتشارها في اماكن اخرى كما حصل في ايطاليا وايران وكوريا الجنوبية. ولذلك فان اغلاق المدارس والجامعات ومنع التجمعات اجراء متاخر رغم صحته العلمية.
الصين فرضت حجرا قاسيا، وتم اسناده بالفحص الجماعي ومتابعة الملامسين، وسبب ذلك خسائر بشرية واقتصادية، الا ان نتائجه توضحت في تراجع اعداد الاصابات الجديدة. ولاظهار النصر، زار الرئيس الصيني مدينة وهان حيث بداية الجائحة. ولا زالت الاحتمالات قائمة فلا يستطيع احد الجزم بعدم حدوث موجة اخرى من الاصابات عند تخفيف اجراءات الحجر الصحي القاسي.
ولقادة الدول الديمقراطية ان تحدد ان كانت شعوبهم تتحمل اجراءات الصين القاسية في العزل والمراقبة. في ايطاليا، على سبيل المثال، الحجر ذاتي ولا ينتهك حقوق الانسان الا انه يسمح بالتسرب، وهو اكثر كلفة واقل فعالية. والفعالية تعتمد على تركيب النظام الصحي وكفائته، فهناك مجال واسع للرسائل والتعليمات المتضاربة حول اجراء الفحوص وكذلك العزل المنزلي.
ولكل نظام صحي اخفاقاته، والاماكن التي يحصل فيها الناس على القليل من الخدمات الصحية هي مخيمات اللجوء، وسكان الصرائف والمناطق المزدحمة وسكان التجاوزات. والحقيقة حتى المستشفيات ذات التجهيزات الممتازة في الدول الغنية تجاهد من اجل تقديم الخدمات الصحية.
الانظمة الصحية العامة (بريطانيا مثالا في National Health Services) بامكانها وبسهولة تحريك مصادر واليات العمل (تقديم الخدمة) وتبني تعليمات وقواعد للعمل جديدة، اسهل منها في الانظمة الصحية المجزئة المبنية على القطاع الخاص التي تهتم بتفاصيل من يدفع الكلفة ولمن الدفع ومن يقدم الخدمات وغيرها.
الولايات المتحدة الامريكية ورغم جودة علمها الطبي الا انها تواجه مشاكل عديدة. ونظامها الصحي الخاص بامكانه تقديم خدمات علاجية مجانية، ولكن هناك 28 مليون انسان بدون تامين صحي و11 مليون لاجيء غير شرعي وغير ذلك وهذا يؤثر على الفحوصات الكافية للتشخيص.
الاحتمالات تؤثر على الثقة وهي ما تمنح القادة صلاحيات اتخاذ قرارات صعبة مثل الحجر والعزل وغلق المدارس والجامعات وغيرها. ولا يمكن ايقاف الاشاعات او الخوف اذا ظهرت شكوك بان القادة يخفون الحقيقة. وعند محاولة القادة تقليل الخطر لتجاوز الهلع فانهم يزرعون الحيرة وهذه كلفتها الارواح.
الموازنة بين فوائد متابعة مسار الجائحة واختراق خصوصية المواطنين مهمة لاختيار طريق معالجة الجائحة. استخدمت الصين وكوريا الجنوبية اليات جمع المعلومات والفحص الجماعي للتعرف على الحالات لتحديد امكانيات انتشار المرض. ومن الواجب توقع الجائحة واشكالياتها حيث تبطيء الاجراءات ومنها منع التجمعات فهي فعالة اذا تم تطبيقها مبكرا.
في سنغافورة استجابة مثالية للجائحة، فسجلت حالات اقل من المتوقع. وهذا تاثير لنظام صحي عام متطور جدا، ولديهم دروس من وباء سارس، فكانت استجابة مبكرة في التعامل مع التجارة. رسالة الحكومة واضحة وضمن مفهوم المرض ومبنية على اساس علمي، والاهم من ذلك كانت موضع ثقة.
وفي الغرب واجه قادة استلموا السلطة بعد الازمة المالية (اشكالية الخبرة) وكثير منهم من ينتقد العولمة والخبراء، ورافق نموهم الانقسامات والصراعات في مناطقهم، وعبثت الجائحة بالتزاماتهم. وقلدت الكثير من الدول الولايات المتحدة في الانكفاء للداخل (غلق الحدود). اما اشكاليات اضطراب الاقتصاد والصناعة سيدفعهم للانسحاب من العولمة.

#جواد_الديوان (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل