الصحة والثروة (1)

جواد الديوان

الحوار المتمدن-العدد: 6015 - 2018 / 10 / 6 - 12:46
المحور: الطب , والعلوم
    

لاول مرة في تاريخ البشرية لا تلعب الفيروسات والطفيليات والبكتريا دورا مهما في الوفيات والاعاقة في العالم، في بدايات هذا القرن. فتراجعت الوفيات بسبب التدرن وامراض الاسهال باكثر من 25%. وفي النصف الثامي من القرن الماضي، وكان في دول جنوب اسيا وجنوب شرق اسيا وافريقيا، يموت طفل من كل خمسة اطفال قبل سنتهم الخامسة بسبب الامراض الانتقالية، وتغيرت الاوضاع في هذا القرن. والعمر المتوقع للانسان في العالم الثالث هذه السنوات يبلغ 70 سنة.
الزيادة الواضحة في العمر المتوقع للانسان (مؤشر تحسن في الصحة) في العالم المتقدم تحققت في القرن الماضي، نتيجة لتحسن كبير في النظام الصحي، والقوانين التي تحكم الشركات وكذلك البنية التحتية. والتحسن في صحة الا نسان تعني نمو قوة عاملة شابة، وتحولت الحاجات الصحية الى مشاكل لدى كبار السن.
وبدون التطور العام في البلد، فان انحفاض الاصابات والوفيات من الامراض الانتقالية تكون مصدر كامن لعدم الاستقرار والبطالة والاكتظاظ بالسكان. والمدن بدون بناء تحتي متقدم تعني موجات من الاصابة بالامراض المزمنة، وهجرة اكثر من البلدان. وهذه معاناة دول العالم الثالث، ومنها نشهده في العراق (معاناة من الامراض الانتقالية والمزمنة).
الكثير من دول العالم الثالث لا تستثمر ما يكفي لضمان تعليم افضل لاطفالها، وتوفير فرص عمل مؤكدة لشبابها، ورعاية صحية ذات نوعية عالية لمواطنيها عند بلوغهم سن الرشد والكهولة. والعديد من الدول المتقدمة تضع قيودا على التجارة والهجرة والتغيرات المناخية وغيرها مما يعقد المهام على الدول النامية.
نجاح الانسانية بالعمل ضد الامراض الانتقالية (القضاء على الجدري من العالم واختفاء الطاعون والجهود الحثيثة للقضاء على شلل الاطفال وغيرها) ليتمتع العالم بصحة افضل، الا ان هذا الوضع يخلق اشكاليات تهدد الاستقرار.
الامراض الانتقالية واحدة من الاساسيات التي قررت وحددت تاريخ البشرية. الفاشيات epidemics اسقطت الامبراطورية الرومانية، والطفيليات اخرت استعمار قارة افريقيا، والحصبة وغيرها من الامراض المعدية سهلت غزو الاسبان لحضارات الاستك Aztec وانكا Inca في امريكا. كما ان اختراع الطباعة ظهر استجابة لندرة الاعمال بعد ان سحق الطاعون (الموت الاسود) اوربا في القرن الرابع عشر.
تكمن خطورة الامراض الانتقالية في ازدياد انتقالها عند تزايد اعداد الناس والحيوانات وتقارب كل منهما في منطقة واحدة. والاطفال ومنهم الرضع الاكثر استعدادا للاصابة بالمرض الانتقالي. وهكذا قررت الامراض الانتقالية (الجدري والحصبة والملاريا وغيرها) نتائج حروب، كما خيبت امال الكثيرين. والامراض الا نتقالية تفسر ظهور مدن كثيرة في تاريخ البشرية، وعلى سبيل المثال روما، فتستقبل المهاجرين من الارياف للتعويض النقض الحاصل من زيادة الوفيات بسبب التدرن والدزنتري التي تنتشر مع زيادة كثافة السكان في المدن.
اجراءات مكافحة الامراض الانتقالية اثرت على تاريخ الانسانية بظهور سلوكيات القمع. ان الوقاية والسيطرة على الاوبئة يعتمد على التعاون بين الشعب والحكومات. والافراد والمجتمعات لا تستطيع عزل نفسها عن خطر الامراض الانتقالية لفترة طويلة (لنتذكر ردة فعل الحكومة والناس في العراق في الثمانينات عند ظهور الايدز) وغالبا ما يكون هذا العزل بكلفة عالية. ويؤكد المؤرخون، الحاجة للسيطرة على الامراض الانتقالية ظهرت في القرن الرابع عشر، ومارست الحكومات قوة اكبر على مواطنيها! والسيطرة على تلك الامراض ادت الى الازدهار. وبقت ممارسات الحكومات حتى بعد نهاية الفاشيات.
تناقصت نسب الوفيات في امريكا واوربا في نهاية القرن التاسع عشر. واصبحت المدن ذات حيوية، وازدحام، وشجع ذلك على تبادل الافكار، وظهور الاختراعات. وعندها بدئت الاعمال والثروة. والحقيقة لم يثري اي بلد قبل المدنية اي قبل ظهور المدينة.
وتتحسن الصحة للافضل، وتنخفض وفيات الاطفال، مما يعني مشاركة الشباب في العمل. وحين لا تستطيع الامراض الانتقالية قتل الكثير من الاطفال، تحررت المراة عندها من العائلة الكبيرة والخصوبة العالية، لتشارك القوى العاملة في العمل. وازدادت موارد العائلة لتنفق على تعليم اطفالها بشكل افضل.
وفي العالم المتقدم اتخذت الحكومات وقتها اجراءات للحد من انتشار الامراض الانتقالية مثل الحجر الصحي، وبناء المجاري، وتزويد السكان بالماء الصالح للشرب، وتشريع قوانين مثل التعليم الاجباري والخدمة العسكرية وفتح ابواب الاستثمار للعامة في الطرق وسكك الحديد والمطارات والموانيء.

#جواد_الديوان (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل