سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6514 - 2020 / 3 / 14 - 20:09
المحور:
ملف 8 آذار/مارس يوم المرأة العالمي 2020 - مكانة ودور المرأة في الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي.
8 مارس
بأية عيد عدت يا عيد /// بما مضى ام في امرك تجديد .
ارتبط اسم المرأة بالجنس في المجتمع الرأسمالي ، بسبب المفاهيم المترسخة عبر قرون من العبودية ، ابتداء من ظهور المجتمع الطبقي ، غير ان الرأسمالية استغلت هذا الوضع لتجعل من الجنس اخطر ميدان تركز فيه دعايتها واستلابها ، وان كنا سنركز على هذه النقطة ، فلأنها أصبحت مرض العصر ، ويجب ان توضع في اطارها الصحيح .
ان المجتمع الرأسمالي يخلق شكلاً من الجنس يتلاءم مع بنيته ، بل اكثر من ذلك ، انه يخلق الحاجة للجنس للتحكم في الجنس البشري . ان هذه العلاقة تتجه في مجملها ، الى ضرورة التناسل البيولوجي التي يتوسطها اجتماعيا ، اضطرار الرأسمالية الى إعادة انتاج قوة العمل الحية ( الأطفال ) ، مصدر وفضل القيمة يقول ماركس :
" ان العلاقة المباشرة الطبيعية ، الضرورية ، بين الكائنات الإنسانية ، هي علاقة الرجل بالمرأة " .
ففي ظل المجتمع الرأسمالي ، تصبح هذه العلاقة ُمستلبة ، لأن الزواج في هذا المجتمع ، يرتبط دائما بالزنى والبغاء . ان الزواج البرجوازي ، هو انعكاس للعلاقات الاقتصادية القائمة في المجتمع ، والتي تجعل المرأة شخصا هامشيا مُضطهدا ، ويظهر هذا بكل وضوح في قوانين الزواج والطلاق ، التي لا توفر نفس الإمكانات القانونية للجنسين حتى في الدول المتقدمة .
فالزواج البرجوازي يقوم على أساس المنفعة الاقتصادية ، وانطلاقا من هذا الوضع الاقتصادي والاجتماعي للزوجين ، فهو يقوم على الجمال ، ونادرا ما يقوم على أساس الحب والتفاهم ، انه بكل بساطة صفقة تجارية ، تقرر مصير جسد وروح شخصين ، أي زواج الانتفاع الذي يتحول في غالب الأحيان ، الى دعارة في منتهى القدارة ، والخساسة من جانب الطرفين .
ان الفرق بين المومس ، والمرأة في هذا الزواج ، ان الأولى تبيع جسدها بالتقسيط لمدة معينة كمأجورة ، بينما الثانية تبيع جسدها دفعة واحدة بشكل دائم كعبدة . وهذا الزواج لا يمكن ان يكون مبنيا على الحب الحقيقي ، وذلك لكونه يرتكز على الاستغلال ، والاضطهاد ، الامر الذي يفسح المجال لممارسة الخيانة الزوجية من الطرفين .
لقد ارتبط البغاء بالزواج الأحادي ، واصبح مكملا له في منتهى فضالة المجتمع الطبقي ، والذي يستمر في ظل الرأسمالية بأشكال اكثر تفننا . ان بالمجتمع الرأسمالي هو الذي يوفر الشروط التي تدفع النساء الى ممارسة البغاء ، فأغلب المومسات لا يملكن أي تكوين مهني ، وفي الدول المتخلفة لا يجدن عملا قارا ، والى جانب الأسباب المادية ، هناك أسباب أخرى كفقدان الفتاة لبكارتها ، الشيء الذي يفقدها قيمتها ، او طلاق زوجة واضطرارها اعالة اطفالها ... لخ
وإذا كان المجتمع الرأسمالي يمنع البغاء ، الاّ انه لا يقدم أي حلول لهذا المشكل غير السجن .. ومن الطبيعي الاّ تستطيع الرأسمالية إيجاد حلول جذرية للبغاء ، لان الحل الجدري يكمن في القضاء على الهياكل الاقتصادية ، والاجتماعية ، لتحقيق المساوات بين الرجل والمرأة ، والقضاء على الأسس المادية لبروز البغاء .
لقد اصبح الجنس في المجتمع الرأسمالي سلعة تباع كباقي السلع تتعرض لقوانين العرض والطلب ، كباقي البضائع المعرضة للاستهلاك ، بحيث تزول الرغبة الجنسية ، والعاطفة المؤقتة بمجرد انتهاء عملية الجنس ، وسواء بيعت هذه السلعة او اشتريت بطريقة " شرعية أولا شرعية " ، فان هذا لا يغير شيئا جوهريا ، لان الرأسمالية احالت مسألة الجنس التي تعتبر غريزة طبيعية الى مرض حقيقي . ان الدعاية الجنسية بمختلف الوسائل ، صحافة ، نشر ، سينما ، أغاني ... قد خلقت الرغبة في الاستهلاك الجنسي ( ماركس ) .
الإنتاج ينتج الاستهلاك لتوليده عند المستهلك ، فهو إذن ينتج موضوع الاستهلاك ، نمط الاستهلاك ، غريزة الاستهلاك ، وهذا صحيح أيضا بالنسبة للجنس : ان الحاجة الى الجنس ، تخلق من طرف المجتمع الذي أحال قيمة المرأة ، الى مجرد عبدة صالحة للمتعة ، والراحة ، وربط دائما المرأة بالجنس . فأول نظرة يلقيها رجل على المرأة في المجتمع الرأسمالي ، يكون تقييمها من الناحية الجنسية ، فيتم فحص أجزاء جسمها للتأكد من مؤهلاتها لتصلح كمطية للشهوة .
ونفس الشيء بالنسبة للمرآة ، فقد تعلمت منذ صباها انّ دورها الأساسي ، هو ان تعرف كيف تصبح صالحة لذلك . ففي مجتمع حيث يتعمق الاستغلال ، وتقسيم العمل ، وحيث الأغلبية الساحقة محرومة بالقهر والقسر من إمكانية المساهمة والابداع ، وحيث لم يبق للعمل من قيمة غير قيمته كأجرة ، لا يصبح الجنس وسيلة للتعبير ، عن مستوى خاص انساني ، للعلاقات بين الرجل والمرأة ، بل وسيلة للهروب من المجتمع ، من مشاكله ، وهمومه عبر الاستهلاك الجنسي . وهدا الحل ليس الاّ وهما وسرابا ، لان الهارب يجد كل المظاهر الحقيرة لهذا المجتمع في الممارسة الجنسية : العلاقة بين المضطهَد والمضطهِد ، بين العبد والسيد .. وبالرغم من ان هذا الهروب وهم في الواقع ، الاّ انه يشكل بالنسبة للطبقة المستغِلة ، وسيلة لفرض اخلاقها الخاصة على الجماهير ، وماديتها المبتذلة كهدف في الحياة .
ان الجنس يصبح مكافأة وقت الفراغ ، ويصبح في نفس الدرجة مع الاكل ، والشرب ، والنوم ، ويصبح ضرورة ضمن مسلسل إعادة قوة العمل ، بنفس درجة البروتينات ، والملابس ، والتلفزة ، والتربية ، واوقات الفراغ .
ان الاخلاق البرجوازية في شموليتها ، تساهم في انتاج ثقافة جنسية قمعية ، ليس فقط لأنها تقمع ممارسة بعض اشكال الجنس ، وهذا شيء ثانوي ، ولكن لأنها بالأساس علاقة جنسية تجارية ، صفقة بين رجل مُستلب ، وامرأة مستعبدة .
ان الرأسمالية تستغل الجنس ابشع استغلال ، سواء على صعيد تحويل اهتمامات الجماهير عن مشاكلها الواقعية ، او عن طريق خلق حاجات استهلاكية جديدة من اجل الربح ، كمجلات ، وكتب الجنس ، وافلام الخلاعة ، وملاهي التعري ، ودور الدعارة التي تعتبر اعمالا مربحة ، يستغل فيها الرأسمالي مشاكل العامل النفسية ، الناتجة عن واقع القمع ، والاضطهاد ، وينتج مجالا مغريا لنسيان همومه ، والانغماس في اللهو ، مشتريا بذلك لحظات ينسى فيها واقعه المزرى . لذا علينا ان ننظر الى مسالة الجنس في المجتمع الرأسمالي ، والمسخ الذي تعرضت له العلاقات الإنسانية ، في اطار بنية الرأسمالية كنظام يسحق آلية البشر المقهورين ، ليحقق أرباحا فاحشة ، تضاف الى كنوز الرسماليين التي تفوح منها رائحة العرق ، والدم البشري المنسكب في المناجم ، والمصانع .
ان الراسمالية بنظامها الذي لا يرحم باستراتيجيتها الوحيدة : الربح ، تشوه العلاقات الإنسانية ، وتخضع ماهية البشر والإنسانية لمصالحها الانانية الضيقة .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.