أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالجواد سيد - حسنى مبارك فى ميزان التاريخ




حسنى مبارك فى ميزان التاريخ


عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)


الحوار المتمدن-العدد: 6499 - 2020 / 2 / 26 - 18:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أعلن أمس عن وفاة حسنى مبارك بعد حكم دام ثلاثين عام ، إنتهى بثورة على حكمه الطويل، ورغبته فى توريث إبنه الحكم فى يناير 2011 ، تاركاً برحيله ميراثاً سياسياً كثيفاً ، سوف تختلف حوله الأجيال والمؤرخون ، ميراث كثيف إنقسم فى الواقع الى عهدين ، عهده الطويل، وعهد إبنه جمال ، القصير، إنه فقط من هذه الزاوية، قد يمكننا تقييم عصر حسنى مبارك ، ولو تقييم سريع ، عصر السياسى الحكيم ، وعصرالأب، الديكتاتور الضعيف.
هل كان حسنى مبارك حاكماً فاشلاً ، بالتأكيد لا ، إن نظرة سريعة على ميراث حسنى مبارك السياسى ، سوف تضعه فى مصاف كبار رجال الدول فى تاريخ الشرق الأوسط الحديث ، ولو من الزاوية التى يراها منه كاتب هذه السطور، فقد تولى حسنى مبارك حكم مصر فى أعقاب إغتيال أنور السادات، وإستطاع سريعاً السيطرة على الأمور التى كانت على وشك الإنفجار ، حين إستطاع قمع تيار الإسلام السياسى من خلال القانون ، وليس من خلال تصفيات أو إعتقالات عشوائية، كما يحدث اليوم ، ليحقق لمصر الإستقرار على جبهتها الداخلية شديدة الإضطراب ، ليتحرك بعد ذلك فى هدوء على جبهاتها الخارجية الثلاث، فى الشرق الأوسط ، والجنوب والشمال ، ليعيد إليها مركزها الإقليمى المفقود ، بل ليضيف إليه أبعاداً جديدة لم يصل إليها ماسبقه من رؤساء .
ففى الشرق الأوسط نجح فى خلال سنوات قليلة فى إخراج مصر من عزلتها الإقليمية التى نتجت عن معاهدة السلام مع إسرائيل سنة 1979م ، وأعاد مقر الجامعة العربية إلى القاهرة سنة 1989- 1990، مستغلا ظروف إبتزاز نظام صدام حسين لدول الخليج، ورغبته فى قيادتها بأحقية دفاعه عنها فى حربه ضد إيران ، ومرة أخرى تصدى بكل حسم لعدوان صدام على الكويت سنة 1990م، عقاباً لتلك الدول على مساهمتها فى إعادة مقر الجامعة إلى القاهرة ، وعقد مؤتمراتها الدورية فى القاهرة، وليس فى بغداد ، وذلك بالمساهمة السياسة والعسكرية الفاعلة فى التحالف الدولى الكبير الذى تكون عقب العدوان ، وفى ملف معقد آخر، فقد ساهم بفاعلية فى المشاورات التى أدت إلى توقيع إتفاق أوسلو للسلام بين الفلسطيين والإسرائيليين سنة 1993م ، كما أصبح أحد الشركاء الرئيسيين فى مفاوضات السلام بين الجانبين ، التى توجت بنتائج كامب ديفيد الثانية سنة 2000م ، والتى رفضها الرئيس عرفات فى خطأ سياسى كبير ، وبعكس مايقال عن تبعيته للسعودية ، فقد إستطاع كسر إحتكار السعودية لقيادة السياسة العربية فى مؤتمر بيروت سنة 2002، عندما إستطاع تحويل مبادرة السلام السعودية مع إسرائيل، والتى كان قد أعلن عنها فى مؤتمرى فاس سنة 1981-1982، إلى مبادرة عربية للسلام ، بقيادة مصر والسعودية، وليس بقيادة السعودية فقط ، تقترح تطبيع كامل مع إسرائيل مقابل السلام العادل مع الفلسطيين ، فى الوقت الذى نجح فيه فى تأسيس محور للإعتدال العربى بالمشاركة مع الملك عبدالله بن العزيز، وأعاد مصر إلى موقعها الطبيعى فى قيادة السياسات العربية بعد أن كانت السعودية قد إنفردت به لسنوات طويلة.
وفى الجنوب فقد قدر أهمية العلاقة مع إفريقية، ونجحت مصر فى عهده مرتين، فى تولى رئاسة منظمة الوحدة الإفريقية، التى أصبحت الإتحاد الإفريقى بعد ذلك ، فى سنة 1989 وسنة 1993، ولكن بعد محاولة إغتياله فى أديس أبابا سنة 1995 تراجع إهتمامه بإفريقية، لكنه ظل يعتبر العلاقة مع اثيوبيا ومشكلة مياه النيل علاقة أمن قومى ، وعهد بملفها إلى رئيس مخابراته عمر سليمان ، ولم تجرؤ إثيوبيا فى عهده على الإعلان عن مشروع سد النهضة.
أما فى الشمال ، فقد إنطلق إلى آفاق سياسية كبرى، لم يسبقه إليها أى رئيس فى تاريخ مصر الحديث ولا القديم ، بالمساهمة الكبيرة فى دفع عملية برشلونة للتعاون المتوسطى، التى أعلن عنها سنة 1995 ، والتى وصلت ذراها فى إعلان إتحاد المتوسط من ثلاثة وأربعين دولة أوربية متوسطية ، بقيادة فرنسا ومصر فى واحدة من أكبر المبادرات السياسية فى التاريخ سنة 2008 ، ليضع بذلك بلاده على قمة التفوق والريادة الإقليمية، بعد أن كان قد لفظها الجميع ، عقب مبادرة السلام مع إسرائيل، ذلك الدور الإقليمى الكبير الذى إنعكس بوضوح فى قبول العالم لشخص الديبلوماسى المصرى بطرس غالى كأمين عام للأمم المتحدة سنة 1992، وذلك فى الوقت الذى إستطاع فيه الحفاظ على الإستقرار الداخلى ، وعلى نسبة نمو إقتصادى مضطردة ، وثبات فى قيمة العملة والأسعار، وتدفق السياحة والإستثمارات،مع الحفاظ على هامش مقبول من الحريات.
إن فكرة تجريف الوعى وغلق أفق التفكير، فى عهد مبارك، التى سيطرت علينا جميعاً فى لحظات الغضب، هى فكرة غير صحيحة تماماً، ففاروق حسنى وزير ثقافة حسنى مبارك لسنوات طويلة كان واحداً من أجرأ وأكفأ وزراء الثقافة فى تاريخ مصر المعاصر، وأكثرهم عداءً للإسلاميين وإنفتاحاً على العالم، ويكفى أن نذكر أن جريدة القاهرة، منبر اليسار المصرى، قد إستمرت فى الصدور فى عهد وزارته، وأنه قد وضع على رأس تحريرها واحداً من أشهر المثقفين اليساريين فى تاريخ مصر المعاصر، هو الصحفى الشهير الراحل صلاح عيسى، وذلك برغم توجهات دولة مبارك الغربية ، كما أن فكرة التحالف مع تيارات الإسلام السياسى ، إستكمالاً لمشروع أنور السادات هى أيضاً فكرة غير صحيحة ، فلم تكن الإستعانة برجل مثل الشيخ الشعراوى ، سوى الإستعانة التقليدية للديكتاتور برجل الدين، لكنها لم تكن تعنى أبداً التحالف مع تيارات الإسلام السياسى ، وصبغ المجتمع بصبغة إسلامية على نحو ماحدث فى عهد السادات، أو على نحو مايحدث من إستبداد الأزهر والسلفيين اليوم ، فلاشك أن فاروق حسنى والشعراوى كانا شخصين مختلفين تماماً ، ولايمكن أن يجتمعا فى مشروع واحد، أما التفاهمات التى سمحت بدخول أعداد كبيرة من الإخوان إلى برلمان 2005، فلم تكن سوى تمهيداً لمشروع التوريث ، سر النهاية المأساوية لحكم مبارك الطويل.
لقد كان حسنى مبارك رجل دولة كبير بكل المقاييس، لم يكن صاحب مشروع حضارى كبير، لكنه إمتلك من الذكاء والحكمة ما مكنه من إدراك أهمية موقع بلاده ، والتحرك بها فى الإتجاهات الصحيحة على كل الجبهات ، ولكن السياسى الحكيم يسقط فى النهاية أمام الضعف الإنسانى الكامن فى نفس الديكتاتور ، ليس فقط بالرغبة فى الحكم مدى الحياة ، بل وتوريث إبنه الحكم أيضاً ، ليستفز مشاعر المصريين، المتطلعين للحرية منذ عقود ، ومنهم كاتب هذه السطور ، بفرض إبنه الغير مقبول، وتمكينه من بلادهم ليعبث بها كما يشاء، ليضيع بذلك كل تاريخه، ويفجر ثورة يناير الغاضبة ، المطالبة بالحرية والتغيير، والتى إنتهت إلى ماإنتهت إليه اليوم من واقع اليم ، إن قصة حسنى مبارك هى قصة الصعود والإنحدار ، قصة صعود السياسى وسقوط الديكتاتور، قصة مصر على مر العصور ، رحم الله حسنى مبارك، سيظل عهده كتاباً مفتوحاً ، نتعلم منه أن الحرية هى أعظم مطالب الشعوب !!!



#عبدالجواد_سيد (هاشتاغ)       Abdelgawad_Sayed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدور المصرى الغائب وتأجيج الصراع الإقليمى فى الشرق الأوسط و ...
- الحرية للمعتقلين
- مقتطفات من كتابى قصة مصر فى العصر الإسلامى/ العصر العثمانى
- كل عام وأنتم بخير
- ثورة العراق ولبنان، وداعش الكبرى إيران
- المصادر الأصلية للقرآن -كلير تيسدال - الفصل الثالث - مؤثرات ...
- الحرب الأهلية اللبنانية - ذكريات ومؤشرات
- جامعة دمنهو ومقالى المغدور
- حراك مصر والسودان وحزب فرعون
- الأستاذ طارق حجى - رؤية غير محايدة
- تاريخ الإسلام بين الوعى الزائف والصهر القسرى
- الشرق الأوسط بين الصفويين والعثمانيين والوطنيين المزعومين
- فى الرد على يوسى كلاين هاليفى- رسائل إلى جارى الفلسطينى - عب ...
- سجون مماليك يوليو-من محمد نجيب إلى محمد مرسى
- توماس جيفرسون ، مسيح العالم الجديد
- الربوبية بين الكفر والإيمان
- إنتخابات الرئاسة الإندونيسية ومعركة الديموقراطية
- مصر المسيحية - تأليف - إدوارد هاردى - ترجمة -عبدالجواد سيد
- شم النسيم - عيد الفرح والخلود
- تاريخ مصر فى العصور الوسطى - تأليف ستانلى لين بول - ترجمة عب ...


المزيد.....




- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالجواد سيد - حسنى مبارك فى ميزان التاريخ