أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خالد خالص - سلطان باليما















المزيد.....

سلطان باليما


خالد خالص

الحوار المتمدن-العدد: 6492 - 2020 / 2 / 16 - 13:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يعرف أهل مدينة الرباط وكذا كل زائر لها مقهى شهيرا بها، يعرف بمقهى "باليما" متواجد بالطابق الأرضي لفندق باليما بشارع محمد الخامس أمام محكمة الاستئناف، قبل أن تتحول هذه الاخيرة الى مقر للبرلمان.

ويرجع بناء هذا الفندق لما يناهز قرن من الزمن بناه ثلاثة مستثمرين فرنسيين هم باردي وليونيل وماتياس Bardi, Liorel et Mathias حيث أخدوا بداية اسمائهم وركبوها لتصبح اسما تجاريا واحدا هو باليما BALIMA.

ويعرف المغاربة بانه إبان فترة الحماية لم يكن يراود شارع محمد الخامس الا الفرنسيين وباقي الاجانب والمغاربة الذين معهم إذن خاص.

وكانت مقهى باليما الشهيرة ملتقى السياسيين والمثقفين والفنانين، سواء إبان الحماية أو بعد الاستقلال.. إلا أن رجلا كان يجلس بهذه المقهى ويطبعها اكثر من غيره بشكله المخزني وبلباسه التقليدي، المتكون من البرنوص والسلهام الابيض الناصع وطربوش مخزني أحمر وبلغة بزيويا صفراء متميزة وعصا لا يمتلك أمثالها سوى الملوك والارسطقراطيين يزهو بها في مشيته، وبيده اليسرى علبة سجائر من نوع "بال مال" ومشعلة صفراء، إنه سلطان باليما، الذي اتخذ من هذا المظهر الموحي بالتباهي بالسلطة، وسيلة ومصدرا للدخل والاحتيال.

فالرجل كان يصول ويجول، كحاكم حقيقي بشارع محمد الخامس وبفندق باليما، ويجلس في شرفة مقهى هذا الفندق، بينما هو رجل بسيط وعادي اسمه الحقيقي محمد الوزاني لم يكن يعرف حقيقته الا قلة قليلة من المقربين اليه، إذ الكل كان يعتقد بأنه من سلالة السلاطين العلويين.

ومن غريب القصص التي تروى عنه أنه انتقل بلباسه التقليدي الى باريز عند ذهاب الملك محمد الخامس من مدغشقر الى سان جرمان اونلاي، وكانت الانظار كلها متجهة نحو عودة السلطان الى المغرب، حيث أثار انتباه الصحافة الفرنسية وقتها بلباسه المخزني، الى درجة أن جريدة الفيكارو نشرت له تصريحا، عبر فيه عن موقفه من الاستقلال منتحلا صفة أحد افراد العائلة الملكية بينما هو لا تربطه بهذه الاخيرة أدنى روابط.

وكان محمد الوزاني معجب برئيس حزب الشورى والاستقلال السيد محمد بن الحسن الوزاني ( ربما كانت بينهما قرابة وربما كانت تجمعهم مدينة وزان لا غير) وكان له كره اتجاه علال الفاسي الذي كان له أتباع كثر حيث كان ينعثهم بالسدج والمغفلين الى درجة وصفهم ب "بقر علال".

وكان لصاحبنا دهاء كبير في اختيار مقهى باليما، وسط أهم شارع بالعاصمة الادارية للمملكة غير بعيد عن القصر الملكي وأمام محكمة الاستئناف قبل أن تصبح مقرا للبرلمان فيما بعد. كما كانت له جرأة فائقة في ممارسة النصب والاحتيال على المغاربة والاجانب، بزيه الذي يبعث على الاطمئنان وطريقة حديثه الذكية بلغة "دار المخزن" مع الضحايا الذين كان يتصيدهم من بين الطامحين والطامعين في الجاه والسلطة، أو من بين الباحثين عن منقذ لهم من المظالم خصوصا بالنسبة للنزاعات المعروضة على محكمة الاستئناف بالرباط، وحتى من بين المرضى، الذين كان يوهمهم بأنه سيفحصهم بجهاز الراديو، حيث كان يدخلهم في مصعد فندق باليما، ويضغط على الزر ليصعد بهم الى طابق من الطوابق، ثم ينزلهم ويرشدهم لطبيب غير بعيد عن الفندق بعدما يكون قد استخلص منهم عمولة محترمة.

وقد استغل "سلطان باليما" رجوع الملك من المنفى لاصطياد ضحياه الذين أصبحوا يتقاطرون بكثرة على مدينة الرباط من جميع أنحاء المغرب، والذين كانت له قدرة اقناعهم على فتح كل الأبواب الموصدة في وجوههم وتجاوز كل العقبات وقضاء كل الحاجات وتحقيق كل الرغبات التي يطمحون اليها مقابل عمولات مختلفة.

والغريب أنه كان يفلح في الكثير من الأحيان في تلبية طلبات "الضحايا"، لان الوزراء وكبار المسؤولين والبرلمانيين كانوا يعبرونه ويبحثون عن مجالسته، ويؤمنون بقدراته وبعلاقته بالقصر ويلبون طلباته نظرا لخطاب الإقناع الذي كان يبدع فيه.

وكانت نشوته في النصب تفوق الجانب المادي أحيانا لتمتد للهزل، إذ يحكى أنه تعقب سائحا اوروبيا كان يزور مدينة الرباط في بداية الاستقلال ليتوقف أمام مدافع قصبة الاوداية، ليقترب منه سلطان باليما بزيه الملكي ليقول له بأنه المسؤول عن متاحف المغرب وليتفاوض معه على بيع المدافع، ليفاجأ السائح في اليوم الموالي بقوات الامن تحاصره عندما كان يحاول أن يقتلع المدافع مع بعض العمال ليدرك بأنه وقع في شراك نصاب لا غير.

ومن الحكايات التي تحكى أيضا عن سلطان باليما الذي يعد أكبر وأشهر نصاب عرفته مدينة الرباط في ذلك الوقت، أنه كان يذهب عند بعض المسؤولين خارج مدينة الرباط بلباسه السلطاني حيث ينصب عليهم إما لتلبية طلبات مواطنين آخرين آخذ منهم عمولات، واما منهم مباشرة لانهم يطمعون في أن يقربهم من القصر الملكي بالرباط.

كما يحكى أنه علم بمشاكل مالك احدى الضيعات الفلاحية الكبيرة، فتنقل عنده على مثن طاكسي مرسديس كبير، طلب من صاحبه إزالة علامة الطاكسي، حيث أخذ منه محصوله الزراعي بكامله وباعه في الاسواق مقابل التدخل له لدى المحاكم لحل نزاعات قضائية.

وكان البعض من الضحايا يتقدمون بشكايات لدى النيابة العامة، حيث يحاكم سلطان باليما بالحبس، ويعتقل في كل مرة ليخرج من السجن، وكأن شيأ لم يقع، ليواصل عملياته للايقاع بالمواطنين. ويحكى بأن الحسن الثاني ضاق درعا بافعال النصاب سلطان باليما ومن الشكاوى التي كان يتوصل بها قسم الشكايات بالقصر الملكي، ليتم التفكير قضائيا في حل يجنب المواطنين من هذا النصاب، حيث حكمت المحكمة على السلطان في آخر ملف قضائي له، بالحبس النافذ....مع منعه من ارتداء اللباس المخزني بصفة نهائية..

وعندما منع من هذا اللباس، لم تعد له تلكم الهبة التي كانت له من قبل، إلا أنني شاهدته مرارا في مقهى باليما وفي مقهى النهضة (لارونيسانس) بلباس غربي كلاسيكي (costume cravate) سنين قليلة قبل وفاته وهو يتناول قهوته المفضلة، ليخرج رزمة من الاوراق البنكية ليأخذ منها ورقة بنكية يمدها للنادل، لاداء ثمن قهوة عادية، وكان الغرض من تلكم الحركة هو أن يشاهده الآخرون بتلكم الرزمة التي كان يستعملها للايقاع ببعض السدج دائما.

وإذ ارتأينا اليوم التذكير ببعض قصص سلطان باليما، فذلك بهدف إثارة الانتباه الى عمليات النصب المتعددة، التي أصبحت متفشية حاليا في المجتمع المغربي، في جميع المدن، وفي جميع القطاعات، وعلى جميع الأصعدة، ليأخذ المواطن المغربي حرصه وحيطته أكثر، لأننا عندما نقارن عمليات نصب "سلطان باليما" مع ما قام به صاحب "باب دارنا" على سبيل المثال لا الحصر، فإن صاحبنا يظهر هاويا أمام هذا المحترف، الذي نصب على مآت المغاربة هنا وهناك، في مشروع عقاري وهمي، لا يوجد إلا على التصاميم، وفي اللوحات الاشهارية والوصلات التي كانت تداع بالتلفزة الرسمية، التي وظف لها ممثلين مشهورين ("شري جوج ديور والثالثة فابور !")، والذي حصد من وراء "نصب القرن" هذا عشرات الملايير من السنتيمات قبل أن يفتضح أمره.



#خالد_خالص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقويض الفكر المغربي
- همسات أم هلوسات
- -الإعلاميون الجدد-
- أهمية الحكامة في التشريع
- المحامي وحرية التعبير
- التشريع والإقتصاد
- الأمن القانوني والأمن القضائي في كلمات
- مقابر أم مطارح ؟
- اليأس
- كائنات انتخابية
- حصانة عضو مجلس هيئة المحامين
- حول بعض الأعراف المغربية الأمازيغية في مجال العدالة
- حول ثقافة الشكر
- الضحك والعبوس
- استفحال ظاهرة هجرة الكفاءات
- حول تقاعد المنتخبين
- شهادة الأهلية للزواج
- نسمة كلمات
- عبد السلام البقيوي كما عرفته
- المرأة العدل


المزيد.....




- بحشود -ضخمة-.. احتجاجات إسرائيلية تدعو نتانياهو للموافقة على ...
- -كارثة مناخية-.. 70 ألف شخص تركوا منازلهم بسبب الفيضانات في ...
- على متنها وزير.. أميركا تختبر مقاتلة تعمل بالذكاء الاصطناعي ...
- حملة ترامب تجمع تبرعات بأكثر من 76 مليون دولار في أبريل
- فضيحة مدوية تحرج برلين.. خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات سر ...
- هل تحظى السعودية بصفقتها الدفاعية دون تطبيع إسرائيلي؟ مسؤول ...
- قد يحضره 1.5 مليون شخص.. حفل مجاني لماداونا يحظى باهتمام واس ...
- القضاء المغربي يصدر أحكاما في قضية الخليجيين المتورطين في وف ...
- خبير بريطاني: زيلينسكي استدعى هيئة الأركان الأوكرانية بشكل ع ...
- نائب مصري يوضح تصريحاته بخصوص علاقة -اتحاد قبائل سيناء- بالق ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خالد خالص - سلطان باليما