مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 6493 - 2020 / 2 / 15 - 01:36
المحور:
كتابات ساخرة
رفيقي مات , كان معي في أول سنة بكلية الطب .. بدرس تشريح يبدو أنه ضرب وتر عضلة فتحركت الجثة فارتعب المسكين و غادر مخبر التشريح ليحقق حلمه بالدراسة بكلية الفنون الجميلة .. ترك بعدها بيت أهله و عاش بغرفة قريبة من قمة قاسيون انتقل منها لمرسم بدمشق القديمة .. كان صديقي ثورة على كل شيء منذ فتح عينيه , أول ثوراته كانت ضد أبوه .. كنت تضحك علينا نحن الذين نتعلق بآبائنا , نقلدهم و نعجب بهم و نرثهم فقط لأنهم ضاجعوا بعض حتى أنجبونا .. تضحك علينا نحن الذين نتحدث بكل احترام عن غباء الناس الذين ولدنا بينهم و نسخر من أوهام و غباء الجماعات الأخرى .. ذات يوم ذهبت إلى قصر الشعب بدمشق و أنت تصرخ و تشتم صاحب البيت , لم ينقذك يومها سوى رائحة الخمرة و البول الطافحة منك .. من هناك أخذوك إلى مستشفى الأمراض العقلية لكن أبوك بثروته و علاقاته أخرجك و سفرك إلى أوروبا .. ما أعرفه جيدا هو أن جبهتك لم تنحن لأحد و لم تسجد لأحد , أنك كنت شعبا لوحدك , وطنا لوحدك , نسيج وحدك , أنك لم تعرف أبا أو خالقا أو سيدا إلاك .. وحدك كنت تستطيع أن تبول على أي تمثال مهما كان مقدسا أو كان صاحبه مخيفا , أن تفعل ذلك بمفردك , قبل أي أحد .. لا أعرف كم كنت واع بما جرى في السنوات الأخيرة , لقد أصبح من كنت تسميهم بالعبيد أحرارا و بعث أبو القعقاع إلى الحياة من جديد و ها هو يكاد أن يفتح العالم من جديد .. لا بد أنهم سيدفنونك اليوم , سيعبث هؤلاء التافهون بجثتك , سيغسلوك ثم سيضعون فوق جمجمتك ذلك الاسم الذي طالما كرهته لأن الآخرين من حولك تعلموا و لقنوا أن يقدسوه .. لن ينعيك أحد , لن يصفك أحد لا بالثائر أو الحر , هذا إذا لم يلعنوك , و سيكتفي إخوتك الذي استأثروا بثروة والدك بخبر عابر هذا إن فعلوا .. أنا أيضا لن أرثيك , الرثاء فقط "للناس العظام" , لأفراد القطيع المحترمين , لا الصعاليك .. سأشرب على شرفك كأس عرق و أنا أتذكر ضحكتك المجلجلة و أخاطبك بالكلمات التي كانت تجعلك تختنق من الضحك .. الله يلعنك يا واطي …
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟